حجم النيران وموازين القوى العسكرية بين إيران وإسرائيل
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
وضعت الضربة الصاروخية التي وجهتها إيران إلى مناطق مختلفة في إسرائيل مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024 العالم في حالة ترقب لما سيسفر عنه هذا الهجوم من ردة فعل إسرائيلية قد تفتح الباب على مصراعيه أمام تمدد للصراع في الشرق الأوسط يجر إلى حرب إقليمية واسعة.
وأمام هذه التكهنات باتت دوائر إستراتيجية حول العالم تستحضر سيناريوهات الحرب وتعقد مقارنات بين موازين القوى وحجم التسلح وكثافة النيران بين قوتين تعدان الأبرز في منطقة الشرق الأوسط.
ويبين المخطط بعض المؤشرات العامة التي تظهر تفوقا واضحا لإيران في مجال العامل البشري والجغرافي، في حين تتفوق إسرائيل في ميزانية الدفاع وحجم الإنفاق على التسلح بشقيه المتمثلين في قوة النار التقليدية وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية ووسائل الدفاع السيبرانية التي سيتم تسليط الضوء عليها لاحقا.
وفي مجال المصادر الطبيعية والثروة القومية تبتعد إيران في الصدارة بخطوات واسعة مقارنة بإسرائيل.
ورغم العقوبات المفروضة عليها فإن طهران تمتلك أوراق ضغط إستراتيجية بفضل تلك الثروات التي تمتلكها والحاجة العالمية الماسة لتلك المصادر التي تجعل كثيرا من الدول تبحث عن ثغرات في بنود العقوبات تتيح لها الحصول على حاجاتها منها.
وبحسب موقع "غلوبال فاير باور"، تتمتع إسرائيل بتفوق كمي ونوعي من حيث القوة الجوية وحجم النار ودقة اختيار الأهداف مقارنة بسلاح الجو الإيراني وطائراته التي تعاني نقصا في الصيانة والتحديث نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
في المقابل، تستولي برامج التسلح الإسرائيلية على صدارة اهتمامات الإدارات الأميركية المتعاقبة، وتحرص دول أوروبا الغربية كذلك على رعاية هذا التفوق للقوة الإسرائيلية على بقية قوى الإقليم.
ويتم بين الحين والآخر تزويد سلاح الجو الإسرائيلي بأحدث الطائرات المقاتلة وأدق القذائف والصواريخ وأكثرها تدميرا، وهذه بعض مظاهر التفوق الإسرائيلي في مجال القوة الجوية:
ورغم أن احتمالات المواجهة البرية بين القوتين تبدو محدودة نتيجة الموقع الجغرافي وعدم وجود حدود مشتركة بين الدولتين ورغم الفرق الشاسع في المساحة بينهما فإن الأرقام تشير إلى تقارب بين القوتين في الآليات البرية المدرعة ونيران المدفعية بأنواعها.
أما القوة الصاروخية فيظهر فيها السباق محموما بين الدولتين، وفي حين تحرص إيران على تطوير منظوماتها الصاروخية بمدياتها المختلفة فإن إسرائيل هي الأخرى تسعى إلى تطوير قدراتها الصاروخية، سواء من حيث مسافة الوصول أو حجم الرؤوس الهجومية وقوة التدمير وكذلك الدقة في إصابة الأهداف.
وتشمل ترسانة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى مجموعة من الطرز يتراوح مداها بين 1500 و2500 كيلومتر، وتستطيع حمل رؤوس متفجرة يتراوح وزنها بين 500 وألفي كيلوغرام، ومنها صواريخ "قدر" و"خرمشهر" و"عاشوراء" و"عماد" و"سجيل".
أما الصواريخ المتوسطة المدى فيتراوح مداها بين 120 و1800 كيلومتر، ومنها "شهاب-3" و"شهاب-2″ و"صياد-3″ و"الحاج قاسم" و"فاتح".
وتشمل عائلة الصواريخ القصيرة المدى على مجموعة من الطرز يبلغ مداها نحو 500 كيلومتر، ومنها "فاتح-110″ و"زلزال" و"الخليج الفارسي" و"فجر" و"سومار" و"شهاب-1″.
أما إسرائيل فقد بدأت تطوير ترسانتها الصاروخية منذ خمسينيات القرن الماضي، وبدأت بسلسلة صواريخ "أريحا-1" التي طورتها بمساعدة فرنسا، ووصل مداها إلى 500 كيلومتر، ولاحقا جاء الإصدار "أريحا-2" بالتعاون مع حكومة جنوب أفريقيا العنصرية في أواخر السبعينيات، والذي وصل مداه إلى 1500 كيلومتر.
وأجريت تجارب على أخطر هذه الصواريخ في بداية الألفية الثانية، إذ يبلغ مدى "أريحا-3" أكثر من 15 ألف كيلومتر ويصل إلى جميع قارات العالم تقريبا، بما فيها أميركا اللاتينية وأوقيانوسيا.
وبإمكان هذا الصاروخ حمل رؤوس نووية تعادل قدرتها التدميرية 650 قنبلة من تلك التي ألقيت على هيروشيما، بالإضافة إلى الأبحاث الجارية على صواريخ "أريحا-4″ و"كروز-بوباي نيربو".
الدفاعات الجويةأما في مجال الدفاعات الجوية فتمتلك إسرائيل 3 مستويات من أنظمة الدفاع الصاروخية، ويأتي نظام القبة الحديدية في المستوى الأدنى، ويمكنه التصدي لقذائف المدفعية والصواريخ القصيرة المدى والمنخفضة التحليق.
ويأتي المستوى الثاني متمثلا بنظام "مقلاع داود" الذي يمكنه التصدي للصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى على مسافة 186 ميلا.
وفي المستوى الثالث تأتي منظومة صواريخ "آرو-2″ و"آرو-3" لمواجهة الصواريخ الباليستية، ويمكن لصاروخ "آرو-2" التصدي للرأس المتفجر عندما يدخل الغلاف الجوي ويكون على مقربة 32 ميلا من الهدف، في حين يذهب الصاروخ "آرو-3" بعيدا للتصدي للصواريخ الباليستية وهي لا تزال في الفضاء فوق طبقة الغلاف الجوي.
وتمتلك إيران 3 طبقات مشابهة من أنظمة الدفاع الجوي، فالطبقة الدنيا منها تشمل صواريخ "يا زهراء" و"تور" ويصل مداها إلى 15 كيلومترا، والطبقة المتوسطة من صواريخ "خورديد" و"مرصاد" التي يصل مداها إلى 75 كيلومترا.
ثم تأتي طبقة صواريخ بعيدة المدى التي يتراوح مداها بين 100 و400 كيلومتر، وتشمل صواريخ "إس-300" الروسية الصنع، بالإضافة إلى صواريخ "أرمان" الإيرانية الصنع.
القوة البحريةتطل إيران على واحد من أهم الممرات المائية العالمية، وهو مضيق هرمز الإستراتيجي، ولذا فهي تحرص على تطوير قدراتها البحرية بما يتيح لها قدرا من التحكم في المضيق الذي تشاركها فيه دولتا عُمان والإمارات العربية المتحدة، ويخضع للمراقبة الدائمة والتدخلات المتكررة من قبل البحرية الأميركية بوصفه ممرا مهما للنفط والبضائع.
وتعود جذور البحرية الإسرائيلية إلى ما قبل نشوء الدولة نفسها، إذ أسس الصهيوني جابوتنسكي أول معهد لتدريب البحرية في إيطاليا أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، ورست أول سفينة يهودية "سارة-1" على شواطئ فلسطين عام 1937.
وشاركت البحرية الإسرائيلية في معظم الحروب التي شنتها إسرائيل على الدول العربية، وتشارك اليوم بشكل حاسم وفعال في العدوان الذي تشنه إسرائيل اليوم على قطاع غزة ولبنان.
ومع استبعاد الهجوم البري والحرب الطويلة بين إيران وإسرائيل فإن سلاح البحرية سيلعب دورا فعالا في الحروب الخاطفة من خلال توجيه ضربات صاروخية بعيدة المدى، وكذلك من خلال تأمين طرق الإمداد والتجارة البحرية أثناء الحروب:
الدعم اللوجستي والإسناد
ولا توجد مقارنة بين القوتين من حيث منظومات الدعم اللوجستي والإسناد، فالأرقام المنشورة تشير إلى تفوق إيراني واضح في هذا المجال، لكننا يجب ألا نغفل الدعم المطلق الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو فور حدوث أي صدام بين إسرائيل وأي قوة إقليمية مهما صغرت.
وهذا ما بدا واضحا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي تكفلت فيه أساطيل أميركا وحاملات طائراتها في نقل آلاف الأطنان من الذخائر على مدار الساعة، بالإضافة إلى كل أشكال الدعم الاستخباراتي والمعلوماتي واللوجستي، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي والتغطية على جرائم الحرب والإبادة التي اقترفتها إسرائيل بشهادة معظم دول العالم ومحاكمه الدولية.
الحروب السيبرانيةخلف دخان البنادق ونيران المدافع تدور منذ أكثر من عقدين رحى حرب صامتة لا تقل خطورتها عن حروب التدمير التقليدية، وهي الحروب الإلكترونية أو ما اصطلح على تسميتها الهجمات السيبرانية.
وقد بدأت إسرائيل هذه الحروب منذ 2002 عندما بدأت تتضح معالم المشروع النووي الإيراني، وأطلقت إسرائيل عشرات البرامج الخبيثة "الفيروسات" التي أصابت أهدافا حساسة في حواسيب المفاعلات النووية وشبكات الماء والكهرباء ومحطات الوقود الإيرانية.
وكان أخطرها الهجوم الذي تعرضت له المنشأة النووية "نطنز" في يونيو/حزيران 2020، والذي أسفر عن اضطراب برنامج التخصيب الرئيسي لليورانيوم، وتسبب بشكل غير مباشر في حريق هائل أصاب الأجزاء العلوية من المنشأة.
أما إيران فقد أنشأت "جيش فضاء إيران الرقمي" في 2005، وتطور هذا الجيش السيبراني وتضاعفت ميزانيته مرات عدة في عهد الرئيس روحاني.
وتكررت اتهامات الولايات المتحدة وإسرائيل لهذا الجيش بشن هجمات سيبرانية عدة على منشآتهما الحيوية.
ولعل هجمات 2020 التي طالت مرافق مصلحة المياه والصرف الصحي في إسرائيل و9 مستشفيات حكومية والمنظومة المحوسبة للحكم المحلي الإسرائيلي والسيطرة على بيانات 700 ألف مواطن كانت من أخطر الهجمات السيبرانية التي وجهت فيها أصابع الاتهام إلى إيران.
القوة النوويةرغم الضجة العالمية الهائلة على البرنامج النووي الإيراني -التي لم تهدأ منذ أكثر من عقدين من الزمن- فإنه لم يثبت لأي جهة عالمية أو منظمة دولية أن إيران في طريقها لامتلاك السلاح النووي في غضون السنوات القادمة.
وما فتئت إسرائيل ومن خلفها الإدارات الأميركية المتعاقبة تتخذ من هذه الضجة "فزاعة" تبتز بها دول الجوار العربية، لتخويفها من البرنامج النووي الإيراني وتحضها على إشباع ترساناتها المتضخمة أصلا بالأسلحة الأميركية وأنظمة الردع الإسرائيلية.
في المقابل، فإن الترسانة النووية الإسرائيلية المسكوت عنها محليا وعالميا تصل -حسب تقديرات بعض مجالس الدفاع ومنظمات إستراتيجية- إلى أكثر من 200 رأس نووي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أکثر من فی مجال
إقرأ أيضاً:
كيف ينبغي تقييم نتائج الحرب بين إيران وإسرائيل؟
كما كان متوقعا، خضع تقييم نتائج الحرب الأخيرة بين إيران ودولة الاحتلال في العالم العربي لمنطق الاستقطاب القائم وخصوصا لجهة الموقف من إيران، بما أدى لتقديرات متسرعة ومبالغ بها لصالح أحد الطرفين؛ من قبيل "النصر الكاسح" و"الهزيمة الساحقة" و"انهيار النظام" و"الاستسلام" وغير ذلك، ومما يبعث على الأسف أن الأمر شمل حتى بعض الباحثين والكتاب الذين يفترض بهم وينتظر منهم التقييم الموضوعي.
والبديهي أن تقييم نتائج حرب من هذا النوع لا يمكن اختزاله بهذه الطريقة المخلّة، وإنما ينبغي أن يُبنى على منهجية تعتمد عدة عناصر رئيسة؛ في مقدمتها سياق الحرب، وأهداف الطرفين (المعتدي والمعتدى عليه) منها، وتطوراتها الميدانية، وخسائر كل طرف، وقدرات وأسلحة الطرفين، وكيف وعلى أي أسس انتهت الحرب.
يمكن تلخيص سياق الحرب بعدة معطيات بالغة الأهمية لا يمكن تقييم نتائج الحرب بدون وضعها في الحسبان:
الأيام اللاحقة في الحرب أكدت على أن إيران امتصت إلى حد كبير الصدمة الأولى وبادرت إلى تفعيل منظومة الصواريخ الباليستية في سياق السعي لحرب استنزاف تبدو هي -أي إيران- أكثر قدرة من "إسرائيل" على تحملها
أولها، أن إيران لم تكن تريد المواجهة بل أُجبرت عليها، وكانت حتى اللحظة الأخيرة تسعى لتجنبها ولعلها ظنت أنها ستنجح في ذلك، وهو تقدير خاطئ بطبيعة الحال بعد ما أثبتته السنتان الفائتتان من متغيرات جوهرية في النظرية الأمنية- العسكرية لدولة الاحتلال في المنطقة وبعد التغيرات الكبيرة في الأخيرة. الأهم أن إيران كانت تسعى بما أوتيت من قوة وأوراق لتجنب مواجهة مباشرة وشاملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ترى أنها ستكون مدمرة وكارثية عليها.
وثانيها، أن الحرب أتت بعد إضعاف حلفاء إيران في المنطقة إلى حد كبير، على أقل تقدير وفق المنظور "الإسرائيلي"، وفي مقدمة ذلك سقوط النظام السوري، والضربات التي وُجهت لحزب الله في لبنان واختُتمت باتفاق وقف إطلاق النار، فضلا عن إضعاف حركة حماس والمقاومة في غزة. وبالتالي فقدت إيران الدرع الأمامي وورقة التدخل البري -المحتمل- في أي حرب مع "إسرائيل"، وبالتالي نسبة لا بأس بها من الردع وأوراق القوة.
وثالثها، أن إيران لم تخض الحرب ضد دولة الاحتلال منفردة، بل شاركت مع الأخيرة عدة أطراف عربية وغربية، إن كان على صعيد الرصد والاستطلاع، أو المشاركة الفعلية في إسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية (بإتاحة الأجواء و/أو المشاركة المباشرة)، أو الضربة الأمريكية الكبيرة على المنشآت النووية، وغير ذلك.
في تطورات الحرب، وجهت "إسرائيل" بلا أدنى شك ضربة كبيرة لإيران، باغتيال عدة قيادات عسكرية وازنة وعلماء بارزين في المشروع النووي بشكل متزامن، فضلا عن قصف مواقع حساسة، واتضح أنها قد حققت على مدى سنوات اختراقات أمنية مذهلة في الداخل الإيراني، بما في ذلك تشغيل جهاز الموساد مجموعات قادرة على استخدام مسيّرات وأسلحة مختلفة خلال الحرب. كما لا ينبغي تجاهل الضربة الكبرى التي وُجهت للمشروع النووي الإيراني بالقصف الأمريكي المباشر في آخر أيام الحرب.
بيد أن الأيام اللاحقة في الحرب أكدت على أن إيران امتصت إلى حد كبير الصدمة الأولى وبادرت إلى تفعيل منظومة الصواريخ الباليستية في سياق السعي لحرب استنزاف تبدو هي -أي إيران- أكثر قدرة من "إسرائيل" على تحملها لعدة أسباب. خلال الأيام الأخيرة في الحرب، ورغم غياب أي اغتيالات لشخصيات "إسرائيلية" وازنة واختلال ميزان الخسائر البشرية لصالح دولة الاحتلال، أثبتت إيران أن صواريخها قادرة على إحداث ضرر أكبر وبدقة أعلى مما كان يظن قادة الاحتلال. وقد صدرت عدة تقارير إعلامية "إسرائيلية" وغربية بهذا الخصوص، فضلا عن تصريحات ترامب وكذلك حديث نتنياهو -ومسؤولي حكومته- المتكرر عن "الحرب الصعبة" و"الثمن الكبير" الذي ينبغي دفعه في المواجهة مع طهران.
إضافة لما سبق، من المعايير المهمة في تقييم نتائج الحرب ثم تبعاتها على المديين القريب والبعيد؛ أنها لم تنته باتفاق لوقف إطلاق النار (رغم التسمية الشائعة)، بل فقط بتوافق ضمني من الأطراف الثلاثة بعدم الاستمرار بها. وبالتالي فلم تتوقف الحرب بناء على توافق على أي شروط، ولا بالاتفاق على مسار سياسي أو أمني مختلف بما في ذلك المفاوضات بين طهران وواشنطن على الملف النووي. أكثر من ذلك، فقد كان أول من دعا إلى وقف الحرب، بعد قصف المنشآت النووية، هو رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، وهو أمر ينفي فكرة الانتصار الساحق لصالح "إسرائيل" بالحد الأدنى، فلو كانت الأخيرة مرتاحة تماما لنتائج الضربة الأمريكية ومخرجات الحرب حتى حينه لما كان وقف الحرب بهذه الطريقة والأسلوب.
في الأهداف المعلنة للحرب، كرر نتنياهو أكثر من مرة أهدافا مرتفعة السقف من قبيل تغيير النظام الإيراني، وتدمير مشروعه النووي، وكذلك منظومته الصاروخية، وإن كانت بعض التصريحات أظهرت تضاربا وتناقضا أحيانا في ذلك. كما كرر ترامب نفسه عبارة "الاستسلام الكامل وغير المشروط" من قبل إيران كشرط لوقف الحرب عليها. في المقابل، التزمت طهران سردية ضرورة وقف العدوان عليها و"معاقبة إسرائيل" للعودة للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية.
المواجهة الأخيرة لن تكون النهائية على الأغلب بين الجانبين، إذ أنها لم تحسم أيا من الملفات الخلافية بشكل نهائي، فضلا عن استمرار الحرب على غزة وفي المنطقة (سوريا ولبنان واليمن) بما يبقي فتيل التصعيد مشتعلا، وتزداد احتمالات المواجهات المستقبلية في حال تأكد أن الضرر الذي حل بالمشروع النووي الإيراني أقل مما يرضي "إسرائيل"
وعليه، تكون إيران في المحصلة قد حققت أهدافها في هذه الحرب، أي وقف العدوان والرد على "إسرائيل" وتجنب حرب مباشرة وشاملة مع واشنطن، رغم أنه لا يمكن أبدا التقليل من أثر الضربات التي تلقتها، على المستويين الرمزي والفعلي، بما يخص الاختراقات والاغتيالات والبرنامج النووي وحتى منظومات الدفاع الجوي، بينما لم تحقق دولة الاحتلال الأهداف الكبيرة التي أعلنتها، واكتفت بأنها وجهت ضربات أمنية ناجحة وتحققت لها الضربة الأمريكية المنشودة للمنشآت النووية، وأثبتت من جهة أخرى أنها لا تملك حلا ناجعا للصواريخ الإيرانية رغم عديد منظومات الدفاع الجوي والدول التي تشاركها المنظومة الدفاعية.
ومن نتائج الحرب المباشرة بقاء النظام الإيراني متماسكا، واستنزاف الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" بشكل غير مسبوق في تاريخ دولة الاحتلال، والضربة الكبيرة التي تعرضت لها المنشآت النووية، رغم صعوبة الجزم بما حصل لها على الواقع، ولكنها بالتأكيد تعرضت بالحد الأدنى لأضرار ستؤخر المشروع النووي لمدة زمنية ليست بالقصيرة.
وأخيرا، فإن المشهد النهائي للحرب كان عبارة عن ضربات محددة ومحسوبة من الولايات المتحدة وإيران، أخبرت كل منهما الأخرى قبلها عنها عبر تركيا، كما ذكر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة تلفزية قبل أيام، بما يؤكد أن الجانبين لا يريدان حربا مفتوحة، فضلا عن أن كلا من إيران ودولة الاحتلال رغبتا في وقف الحرب عند هذه النقطة، بما يعني أن أيا منهما لم يتعرض لهزيمة واضحة أو يحقق نصرا جليا، وإنما كانت نتيجة المواجهة نقاطا لكل منهما إن جاز التعبير، وستختلف التقديرات بطبيعة الحال حول عددها وأثرها.
وعليه، في ما بعد الحرب، ستعكف كل من إيران ودولة الاحتلال على دراسة الحرب بشكل تفصيلي والسعي لاستدراك الأخطاء والثغرات التي أظهرتها خلالها؛ الخروق الأمنية والوضع الداخلي ومنظومة الحلفاء بالنسبة لإيران، ومعضلة الصواريخ الباليستية بالنسبة لدولة الاحتلال. وهو ما يعني في المقام الأول أن المواجهة الأخيرة لن تكون النهائية على الأغلب بين الجانبين، إذ أنها لم تحسم أيا من الملفات الخلافية بشكل نهائي، فضلا عن استمرار الحرب على غزة وفي المنطقة (سوريا ولبنان واليمن) بما يبقي فتيل التصعيد مشتعلا، وتزداد احتمالات المواجهات المستقبلية في حال تأكد أن الضرر الذي حل بالمشروع النووي الإيراني أقل مما يرضي "إسرائيل" وبالتالي الولايات المتحدة كذلك.
x.com/saidelhaj