في عصر تزايد فيه الحراك السياسي والاجتماعي حول العالم، تمثل الثورة السودانية لحظة تاريخية حاسمة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من قيمتها. ومع ذلك، هناك من بين المثقفين السودانيين، وخاصة أولئك الذين ينشطون على منصات مثل "كلوب هاوس"، من يحاولون تقليل شأن هذه الثورة العظيمة والتشكيك في شرعيتها أو حتى في تعريفها كثورة.

في هذا المقال، سنناقش هذه الظاهرة، مركّزين على الدوافع المحتملة خلف هذا الإنكار، ونسلط الضوء على الضحالة الفكرية التي تظهر في هذه التحليلات المغلوطة.
المثقف الذي يُنكر الثورة وهو باحث عن مجد شخصي
أحد هؤلاء المثقفين، وهو شاعر مبدع بلا شك وله بصمات إبداعية واضحة في المجال الثقافي، أثار مؤخرًا جدلًا كبيرًا بتصريحاته على منصة "كلوب هاوس"، حيث قلل من قيمة الثورة السودانية. وصف هذا المثقف الثورة بأنها لا تحمل خطًا فكريًا واضحًا، وتساءل بشكل استفزازي عن الغايات الفكرية التي دفعت الناس إلى الخروج إلى الشوارع. هذا الطرح ينم عن جهل واضح بمفهوم الثورة الشعبية، التي لم تكن نتيجة تنظير فكري محدد بل كانت استجابة طبيعية وعفوية لمظالم اجتماعية وسياسية واقتصادية استمرت لعقود.
إنكار هذا المثقف لقيمة الثورة ليس تحليلًا فكريًا عميقًا، بل يبدو أنه ينبع من موقف شخصي بحت. هذا الإنكار يمكن تفسيره من زاوية واحدة، وهي أن هذا المثقف، الذي لم يحظَ بمكانة قيادية أو معنوية في صفوف الثوار، يشعر بالاستياء من التجاهل الذي تعرض له بسبب تاريخ طويل من الكتابات العنصرية أو المواقف المعادية للثورة. تاريخ هؤلاء المثقفين كان خصمًا عليهم، فهم لم يكونوا يومًا جزءًا من النضال الشعبي الذي خاضته القوى الشابة، مما جعلهم في موقف عدائي تجاه كل ما يمثل الثورة.
إن هذا المثقف وغيره من المنتقدين، يجدون في الثورة تهديدًا لمكانتهم الثقافية التقليدية التي تمسكوا بها لسنوات. هؤلاء، الذين لم يستطيعوا الاستفادة أو الارتقاء من خلال الثورة، يتحدثون عن "ضحالة" الفكر الثوري، في حين أن الحقيقة تكمن في ضحالة تحليلاتهم الشخصية التي تعكس رغبتهم في فرض مركزيتهم الثقافية التي كانت سائدة في الماضي.

الثورة السودانية تحليل راقٍ للحراك الشعبي
الثورة السودانية، منذ اندلاعها في ديسمبر 2018، ليست مجرد احتجاج شعبي ضد نظام استبدادي. إنها تمثل تحولًا تاريخيًا في الوعي السياسي والاجتماعي لدى الشعب السوداني. هذه الثورة كانت امتدادًا لعقود من النضال ضد القمع والفساد، وهي ثورة حملت رايات الكرامة والعدالة والحرية في وجه نظام لم يعرف سوى القمع والقهر.
الثورة لم تكن بحاجة إلى "خط فكري" محدد لكي تكون شرعية أو ذات قيمة. فقد أظهرت الحشود التي تجمعت في الشوارع والميدان أن الشعب السوداني قد استوعب الدرس السياسي: لا مكان بعد الآن للظلم والاستبداد. الشباب الذين قادوا الثورة، بمن فيهم النساء والرجال على حد سواء، لم يحتاجوا إلى نظريات أكاديمية لكي ينهضوا ببلادهم. كانت لديهم الرؤية الواضحة، وإن كانت عفوية، بأن التغيير ضرورة، وأنه لا يمكن بناء مستقبل السودان بدون إسقاط النظام القمعي.
هذا الحراك السياسي الشبابي كان استثنائيًا من حيث تنظيمه وروحه الثورية، وقد أثبتت الثورة السودانية قدرتها على الصمود والتماسك رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها. كما أن الثورة لم تقتصر على الشوارع، بل انتقلت إلى الفضاء السياسي والفكري، حيث ظهرت أصوات جديدة تطالب بإعادة صياغة مفاهيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في السودان.

لعل السؤال الحقيقي الذي ينبغي طرحه على أولئك الذين يشككون في الثورة هو: هل تفهمون حقًا طبيعة الثورة السودانية؟ هل تدركون أن هذه الثورة كانت امتدادًا لحركة نضال طويلة ضد الاستبداد والفساد؟ ما الذي تطلبه المثقفون الذين يتحدثون عن "غياب الخط الفكري" من الثورة أكثر من تحرر الشعب السوداني نفسه من قبضة نظام عسكري قمعي؟
خطاب السفهاء وتصفيقهم للضحالة
للأسف، في كل حركة تغيير كبيرة، تظهر فئة من المثقفين الذين يحاولون إخفاء فشلهم الشخصي عبر مهاجمة الحراك الشعبي وتشويهه. أولئك الذين لم يجنوا شيئًا من الثورة، لا منصبًا ولا مجدًا شخصيًا، يتبنون موقفًا عدائيًا ضدها ويصفق لهم جوقة من "السفهاء" الذين يجدون في مثل هذا الخطاب طريقًا للهروب من مواجهة الواقع الحقيقي.
إنه لمن المحزن أن نرى مثل هذه الشخصيات المثقفة، التي كان من الممكن أن يكون لها دور كبير في دعم الثورة وتحليلها بعمق، تسقط في فخ تصفية الحسابات الشخصية والتهجم السطحي على حراك شعبي. على هذا المثقف، الذي يحاول تقليل قيمة الثورة، أن يدرك أن مكانه الحقيقي ليس في مهاجمة إرادة الشعب، بل في الاستفادة من إبداعه وشاعريته للارتقاء بالمشهد الثقافي السوداني، وليس توجيه السهام نحو الثورة.
الثورة السودانية ليست بحاجة إلى موافقة هؤلاء المثقفين لتكون ذات قيمة. لقد أثبتت نفسها من خلال تأثيرها العميق على المجتمع والسياسة في السودان. على من يشكك فيها أن يراجع نفسه وأن يميز بين الموقف الفكري الحقيقي وبين حساباته الشخصية.
دعوة إلى التفكير الحقيقي
الثورة السودانية كانت ولا تزال من أهم الأحداث السياسية في تاريخ السودان الحديث. هذا المثقف، رغم موهبته الشعرية، يفتقر إلى الفهم الحقيقي لجوهر الثورة وأهميتها. إننا بحاجة إلى العقول التي تفكر بعمق وتحلل الواقع دون أن تكون أسيرة للمواقف الشخصية أو مصالحها الضيقة. يجب أن نرفض التصفيق الأعمى للخطاب السطحي، وأن نطالب بالنقاش الحقيقي والفكر العميق.
الثورة السودانية ليست مجرد حدث عابر، بل هي نقطة تحول في مسار السودان السياسي والاجتماعي، وهي تعبر عن إرادة شعب بأكمله يسعى نحو الحرية والعدالة. على المثقفين أن يرتقوا بفكرهم وتحليلاتهم إلى مستوى هذا الحراك العظيم، لا أن يختبئوا خلف مواقفهم الشخصية المتضاربة.

[email protected]

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الثورة السودانیة هذا المثقف

إقرأ أيضاً:

عناوين الصحف السودانية الخميس 31 يوليو 2025

متابعات-  تاق برس- عناوين الصحف السودانية اليوم الأربعاء 31 يوليو 2025

 

مصر تؤكد دعمها لسيادة السودان وترفض أي خطوات تهدد وحدته

علاقة ميليشيا البراء بالنظام الإيراني تضع إعلانها الأخير في دائرة الشك

مصر تُفشل اجتماع الرباعية بشأن السودان وترفض المبادرة الأميركية لاستعادة الحكم المدني

الخارجية تشيد بمساندة مصر للسودان في المنابر الدولية

الاتحاد الإفريقي يؤكد دعمه وحدة السودان واستقراره

خبيرة بالشأن السوداني تعلق على اسباب إلغاء اجتماع اللجنة الرباعية

مصادر دبلوماسية توضح اسباب تأجيل اجتماع رباعي بشأن السودان

خلاف مصر والإمارات يؤجل اجتماع الرباعية بشأن السودان

السودان يطالب بإنهاء بعثة تقصي الحقائق في البلاد

بعد اختراقهم الحدود.. عناصر من الدعـ.ـم تثير أزمة في دولة مجاورة

اشتباكات حدودية بين أوغندا وجنوب السودان تثير مخاوف من تصعيد إقليمي

جريدة لندنية : وسط أزمة ثقة داخل معسكر الجيش مناوي يغازل “صمود” والــ.ــدعم.. مناورة سياسية أم تحول استراتيجي؟

السودان على حافة الانهيار السياسي: الشيوعي يرفض شرعية حكومتي الشرق والغرب

كشف صفقة بين الإسلاميين والبرهان تعيد وجوه نظام البشير إلى المشهد في السودان عبر الحرب

فارس النور يرد عن منتقدي اول قراره في الخرطوم ويقول السودان الجديد دولة مدنية تتسع للجميع

قائد ميداني في الدعـ.ــم يختفي في ظروف غامضة وسط أنباء عن تمرده او اعتقاله

مجلس السلم والأمن الافريقي يدين اعلان حكومة تأسيس ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار في السودان

محامو دارفور: لا شرعية لحكومات بورتسودان وغرب السودان والحرب قضت على شعارات الثورة

تجار الفاشر يتهمون عناصر الجيش بسرقة متاجر سوق المواشي في وضح النهار

الجيش السوداني يسيطر على رهيد النوبة في شمال كردفان

تعقيدات المشهد السوداني الداخلي عقب اعلان حكومة تأسيس يؤجل اجتماع الرباعية في واشنطن اليوم

إلغاء اجتماع الرباعية حول السودان يثير جدلاً واسعاً وسط غياب الأسباب الرسمية

الاعلامي بحيري يقضي 6 أشهر في معتقل الجيش دون محاكمة والأسرة تكشف تفاصيل ما يتعرض له

الدقير يعلق.. تصريحات مناوي تفتح باب الحوار بين الأطراف السودانية وسط تصاعد الأزمة السياسية

مخاوف من انفصال غير معلن في السودان مع حديث حكومة “تأسيس” عن عملة وجوازات جديدة

زيارة نويصر لبورتسودان تثير تساؤلات حول جدية الحكومة في وقف الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين

غارات مسيرة مكثفة للجيش على أبو زبد تسفر عن خسائر بشرية وتثير الذعر بين السكان

لجنة طوارئ الخريف بالخرطوم توجه بمراجعة كفاءة المصارف

رئيس مفوضية السلام يلتقي ممثل الاتحاد الأفريقي بالسودان

وزير الزراعة بالنيل الازرق يثمن جهود اللجنة العليا لانجاح الموسم الزراعي

عودة مظاهر الحياة من جديد في شوارع العاصمة الخرطوم وأسواقها

رئيس الوزراء يدعو الاتحاد الإفريقي للتعامل مع رفع تعليق عضوية السودان كحق مكتسب

راصد جوي يحذر من رياح نشطة مثيرة للأتربة في عدة مناطق سودانية

هيئة النظافة تبدأ العمل رغم فقدان الآليات ..الخرطوم تطلق حملة إسعافية للنظافة

انعدام تام لمحصولي الدخن والذرة في أسواق الفاشر

طائرة جديدة لطيران بدر تتأهب للرحلات الداخلية في السودان

لجنة تناقش ضبط الطبالي المخالفة لشروط الأمتعة الشخصية للمغتربين وضبط استيراد السيارات

سفير سوداني سابق يسخر من الترويج للاستثمار وسط الحرب عقب طرح بورتسودان فرصاً استثمارية للبرازيل

تحذيرات دولية من الطيران فوق السودان تدفع شركات كبرى لتعليق رحلاتها إلى مطار بورتسودان

النيابة العامة تحذر من تحويل الأموال إلى نقد بأقل من قيمتها عبر التطبيقات المالية وتصفه بالربا

أقوال الصحفعناوين الصحف السودانية

مقالات مشابهة

  • أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وجودي وحقوق الإنسان استُخدمت أداة هيمنة
  • ضياء رشوان: بعض المحللين الفلسطينيين ينساقون مع الخطاب الإعلامي المُضلل فيوجهون اللوم إلى مصر
  • غياب الاستراتيجية الدفاعية رسالة صامتة في خطاب عون
  • المكتتبون الذين ضيعو كلمة السر للولوج إلى منصة عدل 3..هذه طريقة استرجاعها
  • حزب الاستقلال: فتح باب المشاورات حول الانتخابات حرص ملكي على توطيد المسار الديمقراطي
  • صياغات بعيدة.. حقيقة موافقة الصحة على تكليف دفعة علاج طبيعي 2023
  • عناوين الصحف السودانية الخميس 31 يوليو 2025
  • في فيلم عبر الجدران.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • خالد أبو بكر عن خطاب الرئيس السيسى : عبّر عن كل مصري واعٍ ومُدرك لتحديات الأمن القومي