في خطاب هو الأطول: السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يسد ثلمة غياب السيد الشهيد حسن نصر الله ويخاطب لبنان بطوائفه وبيئة حزب الله للمرة الأولى الكيان الصهيوني يصدر تقييدات جديدة لجبهته الداخلية وإعلامه يؤكد: حزب الله عاد كما كان وهو يصعد
الثورة / إبراهيم الوادعي
نحو 22 عملية خلال ساعات يوم الأربعاء، توزعت ما بين عملية تصد لتسلل جيش العدو الصهيوني على النقاط الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبين رشقات صاروخية وإطلاق مسيَّرة باتجاه شمال فلسطين وبشعاع اتسع إلى حيفا.
حزب الله يتعافى سريعاً من ضربات مؤلمة تعرض لها، كان يفترض الإسرائيلي ووفق المنطق المادي أن تقصم جيوشا لسنوات حتى تستعيد توازنها.
كان لافتا بعد خطاب الشيخ نعيم قاسم إطلاق المقاومة الإسلامية نحو 105 صواريخ باتجاه حيفا والكريوت، وهي أكبر تجمع سكاني لمستوطني العدو الصهيوني وسط الكيان، وفي ذلك دلالتان هامتان بالنظر إلى نوعية وأهداف الضربات التي تعرض لها حزب الله.
الأولى إن ما تحدث به الشيخ نعيم قاسم حول ملء شواغر القيادة قد أنجز تماما وإلا كان من الصعب على المقاومة إطلاق رشقة بهذا الحجم وفي خلال نصف ساعة فقط، تحدث بذلك إعلام العدو، وبتوقيت محدد عقب الخطاب، وذلك يحمل رسال في طياته رسالة سياسية بأن القيادة السياسية والعسكرية للحزب باتت منتظمة ولها القدرة على التواصل الآمن.
الأمر الثاني: إن إمكانات المقاومة الإسلامية في أمان ولم يمسها سوء، وذلك يدحض ادعاءات العدو الصهيوني حول الأهداف التي يضربها وتتصل بالحزب، وإن قدراته في أمان ومصانة بعيدة عن أي اختراق، قد يكون مس القيادة لكنه لم يمس بالإمكانات وبالتالي مع ترميم القيادة أمكن الوصول سريعا إلى حالة التعافي.
يتحدث بعض الشامتين أنه بقراءة وجه نائب الأمين العام لحزب الله يعكس صعوبة وضع الحزب، وذلك أمر خاطئ بالنظر بشكل مقتصر إلى الرجل دون الأخذ إلى تاريخه الطويل كمفكر وليس قياديا بمعنى الإدارة الرئيسية داخل حزب الله، وإن السيد الشهيد نصر الله والسيد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي كانا المعنيين الرئيسيين بإدارة شؤون المقاومة العسكرية والحساس منها سياسيا، وبالتالي فالشيخ نعيم قاسم وجد نفسه فجأة في موقع القيادة بشكل مفاجئ وفي ظرف صعب ومفصلي يمر به الحزب ويحدد مساره.
قد يجري السؤال هنا.. لماذا لا يتولى السيد هاشم صفي الدين الإدارة بشكل علني ومهام الأمين العام، ذلك يعود ربما لأمرين:
الأول أن الحزب اعتمد سياسة الغموض البنَّاء فيما يتعلق بتواجد الأشخاص المؤهلين لقيادة المقاومة أمثال السيد صفي الدين، بالأمس تراجع العدو عن إقراره بقتله في عملية اغتيال تباهى بها نتنياهو.
والأمر الآخر: يبدو أن المقاومة لم تضع يدها حتى اللحظة على الخرق البشري أو كله على الأرجح، والذي من المؤكد حصوله لتحدث كل عمليات الاغتيال التي شهدناها، وهذا استدعى تغييراً في خططها وتعاملها خلال الأسبوعين الأخيرين..
يخطئ من يقرأ الحرب على حزب الله بكونها إسرائيلية فقط، بل واجه حزب الله عملا عدائيا شاملا ضم الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، ومعهم المنافقون العرب وعلى رأسها النظامان السعودي والإماراتي بما يمتلكانه من أموال، في ذلك تحدث السيد نصر الله أول طوفان الأقصى بأن الحرب أمريكية، وأن هدف تدمير حزب الله بات يهم أنظمة عربية بعينها وتحدث عن السعودية بكل وضوح.
في جمعة التأبين التي أقامها مرشد الثورة الإسلامية في طهران السيد علي الخامنئي، أكد أن الحرب الدائرة حاليا تدار غربيا من غرفة عمليات واحدة وليست إسرائيل سوى أداة فيها، ولا يوجد فيها تحرك منفرد أكان سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا إلا خارجا عن تلك الغرفة المعادية للإسلام وأحد أشكال الحرب على المسلمين.
وبالأمس هدد بيان للمقاومة الإسلامية العدو بتحويل حيفا إلى كريات شمونه أخرى، وذكر إعلام العدو بأن الجبهة الداخلية للعدو في حيفا والكريوت تلقت تعليمات وتقييدات جديدة، وأن أجهزة العدو تتوقع مزيدا من القصف لحيفا، وبما يجعل الوضع فيها أكثر صعوبة..
منذ 23 سبتمبر واصل الحزب عملياته ضد العدو الصهيوني، وهو أمر كان لافتا لكثير من المراقبين، ساعات فقط فصلت بين اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد القائد السيد نصر الله، وهذا الاغتيال على قساوته لم يكن منفردا بل أتى بعد سلسلة اغتيالات طالت الصف الأول والثاني للحزب وتفجيرات طالت عناصر وكوادر للحزب بالمئات.
الاستمرار في تنفيذ العمليات من قبل مجاهدي المقاومة في ظل تلك الأوضاع يعد أمرا مذهلا لأي فصيل عسكري ويعكس ما هو أكبر من سلسلة القيادة إلى امتلاكه أي الحزب نظاما صارما يحفظ تسلسل القيادة من الفراغ سواء بوضع مؤقت أو دائم، وهذا يظهر قوة حزب الله التنظيمية كحركة مقاومة متفردة في المنطقة وفي التاريخ.
وتؤكد تفاصيل المواجهات على امتداد خط الحدود استحكاماً جغرافياً ونارياً لمجاهدي المقاومة الإسلامية حتى في المناطق المكشوفة على الحافة الأمامية، ورغم وصول قوة مشاة إلى أنقاض حديقة مارون الراس في منطقة سهلية ومكشوفة جدا “بعدما دمرها طيران العدو كليا” من أجل التقاط صورة ترفع معنويات الجيش الإسرائيلي الذي فشل بعد سبعة أيام من العمل البري في إحراز نتيجة «تليق بسمعته» وذلك يعكس عجزا وتراجعا في أهداف العمل البري الصهيوني.
تحدث نتنياهو بزهو عن تغيير الشرق الأوسط وإعادة صياغة خرائط المنطقة وبعد 10 أيام من الفشل المتراكم في جبهة لبنان برا وزيادة زخم القصف الصاروخي باتجاه العمق الصهيوني، أخذ نتنياهو في النزول عن شجرة تلك التصريحات مرغما وسيواصل النزول، فحزب الله لم يقل كلمته كليا بعد.
وبالنظر إلى واقع العمليات التي ينفذها حزب الله على المسرح العسكري نجد ثباتا وتوازنا في تنفيذ الهدف الموضوع، وهذا الأمر يعكس أن الحزب يتعافى سريعا، وأن الضربات التي تعرض لها أعاقته تكتيكيا بمعنى مرحليا وليس استراتيجيا فيخسر هدفه الاستراتيجي وهو تحرير فلسطين، وتعزيز قوة المقاومة الإسلامية على شمال فلسطين المحتلة.
في التعافي السريع لحزب الله لعب دور محور المقاومة دورا مؤثرا، وشعر مقاتلوه وبيئته الحاضنة بأنهم محاطون بإخوة الصدق، جاءت عملية الرد الصادق 2 الإيرانية لتقدم الدعم المعنوي والعسكري لحزب الله، من الأخ الأكبر للمحور وبما كسر معنويات العدو وأنهى حالة النشوة لدى قادته وجبهته الداخلية، وصعدت المقاومة الإسلامية العراقية من عملياتها إلى متوسط أربع عمليات يوميا ركزت على الجولان لإشغال العدو والتخفيف عن حزب الله ريثما يلملم جراحه، وكان الدور المهم للقيادة اليمنية، إذ وجدنا السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يتوجه كما لو كان السيد نصر الله إلى بيئة المقاومة والإخوة والأخوات في حزب الله، كما وصفهم مطمئنا بأن لهم ظهر، والى الطوائف اللبنانية بما أوصل رسالة بأن لحزب الله إخوة يتحدث اليهم في هذا الظرف، وواصل السيد في خطابه الذي أتى طويلا للمرة الأولى نحو ساعتين، وذلك يعكس الفراغ الذي تركه السيد الشهيد نصر الله على مستوى أعلام الهدى في هذه الأمة وفي هذا الظرف الحساس والمفصلي.
كل يوم يمضي تتآكل أهداف الإسرائيلي وإنجازاته في لبنان، الخلاف الصهيوني بدأ يظهر على وسائل الإعلام، وقال محلل على القناة 11 الإسرائيلية منتقداً الداعين إلى تورط إسرائيلي أكبر في لبنان ومواصلة القتال وعدم الإصغاء إلى وقف إطلاق النار، بالقول “نعيم قاسم وحزب الله يمارسون التضليل وفي لحظة سنرى خطابا وفعلا متغيرا ولكن بعد أن نكون فقدنا قدرات أكبر”..
ما من شك أن الكيان الإسرائيلي والغرب يريد كسر عظام كل حركات المقاومة، لكن حزب الله صدم الجميع وأظهر أن حركات المقاومة المبنية على الهوية الإيمانية أكثر صلابة من الجيوش النظامية، وأن القادة الذين ارتقوا في الحزب وضعوا أسساً قوية تمكن الحزب كمنظومة من تجاوز أعتى العواصف وبسرعة قياسية.. حزب الله تعافى سريعا.. وعاد إلى الميدان بظرف ساعات.. وينتظر أمر العمليات ليضرب بقوة قصوى وقد تحرر من قيود كبلته طيلة عام من طوفان الأقصى.
سيكتشف الإسرائيلي أن مكره الذي صنعه قد حاق به.. وأن دماء السيد الشهيد حسن نصر الله ستجرفه، وخلقت جيلا في حزب الله والمحور وعلى امتداد العالم متعطشاً وليس يرغب فقط بإزالته بل محوه من الوجود.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: المقاومة الإسلامیة العدو الصهیونی السید الشهید لحزب الله نعیم قاسم نصر الله حزب الله
إقرأ أيضاً:
على صفيح ساخن .. تطورات العدوان الصهيوني على غزة واستهداف محور المقاومة
في ظل اشتداد حدة العدوان الصهيوني على قطاع غزة واستمراره لأكثر من تسعة أشهر بلا توقف، تتصاعد الأسئلة حول مستقبل الإقليم، واتجاهات الصراع، وحدود قدرة الاحتلال على الاستمرار في حرب الإبادة المفتوحة، لم يعد ما يجري في غزة شأناً محليًا أو فلسطينيًا بحتًا، بل تحوّل إلى بوصلة تحدد طبيعة النظام الإقليمي الجديد، وسط تصاعد ملحوظ في استهداف “إسرائيل” لدول محور المقاومة، وعلى رأسها إيران ولبنان وسوريا، في محاولة واضحة لتوسيع دائرة المواجهة، وتطويق نتائج فشلها المتراكم في القطاع المحاصر.
يمانيون / تحليل/ خاص
هذا التحليل يقدم قراءة للمتغيرات الإقليمية المتسارعة، من زاوية استراتيجية وأمنية، ويتناول الترابط الواضح بين استمرار العدوان على غزة، والضربات الصاروخية الإيرانية غير المسبوقة التي هزت نظرية الأمن الإسرائيلي، كما يرصد التحليل مظاهر التحول في ميزان الردع، وتكمن أهمية هذا التحليل في كونه يقدم إطارًا تفسيريًا شاملًا لفهم ما يحدث اليوم من تصعيد متبادل ليس بوصفه تطورات متفرقة، بل كجزء من تحول بنيوي في الصراع العربي–الصهيوني، حيث يتصدّع الردع الإسرائيلي، وتتكرّس معادلات جديدة في الرد والمواجهة على مستوى الإقليم.
العدوان الصهيوني على غزة… جريمة مستمرة ومعطيات متغيرةرغم مرور أكثر من تسعة أشهر على بدء العدوان الصهيوني على غزة، لا تزال آلة الحرب الصهيونية تمعن في ارتكاب جرائم الإبادة بحق المدنيين، في مشهد وصفه مراقبون بأنه “تطهير عرقي ممنهج”. عشرات الآلاف من الشهداء، معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير شامل للبنية التحتية، يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تحل بغزة.
لكن هذه الجرائم لم تعد تجري في فراغ استراتيجي، فإصرار المقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس وسرايا القدس، على الصمود والرد، عزز موقعها السياسي والإقليمي، وأربك حسابات الاحتلال الذي دخل في حرب استنزاف غير محسوبة التكاليف.
استهداف محور المقاومة.. محاولة بائسة لتطويق الخسائرالكيان الصهيوني، وفي سياق محاولاته لتوسيع دائرة الصراع، صعّد من استهدافه لمحور المقاومة، في محاولة للضغط على بيئة المقاومة وداعميها الإقليميين، فقد نفذ هجمات متكررة على مواقع في سوريا، وتورط في عمليات اغتيال لقيادات بالحرس الثوري الإيراني داخل دمشق وبغداد، وقيادات حزب الله.
كما شملت الاعتداءات الصهيونية مناطق جنوب لبنان، ما رفع منسوب التوتر على الجبهة الشمالية، التي باتت قاب قوسين من الانفجار الكامل.
الضربات الإيرانية… معادلات ردع جديدةفي سابقة هي الأولى منذ عقود، نفذت إيران في أبريل الماضي هجومًا صاروخيًا وجويًا مباشرًا على أهداف عسكرية داخل الكيان الصهيوني، ردًا على العدوان الصهيوني واستهداف منشأتها النووية واغتيال العلماء والقادة ، المئات من الصواريخ المتطورة والطائرات المسيرة عبرت الأجواء، واستهدفت منظومات دفاعية ومطارات ومنشآت حساسة.
ورغم محاولة العدو الإسرائيلي وإعلامه تقليل حجم الخسائر، إلا أن تقارير استخباراتية غربية أشارت إلى إخفاقات كبيرة في أنظمة الدفاع، وخلل في القيادة الصهيونية، الأمر الذي عدّه مراقبون “هزيمة استراتيجية” للردع الصهيوني.
الرأي العام الإقليمي والدولي .. الكفة تنقلبأدى استمرار جرائم العدو الإسرائيلي إلى تراجع التأييد الدولي للسياسات الصهيونية، حتى بين حلفائه التقليديين. موجات التعاطف مع غزة في الشارع الغربي، والاحتجاجات في الشوارع الأمريكية والأوروبية، بدأت تشكّل ورقة ضغط مهمة. في المقابل، اكتسبت المقاومة شرعية شعبية أوسع، باعتباره المدافع عن الكرامة العربية في مواجهة العدوان.
المنطقة أمام لحظة تاريخية فارقةلم يعد الصراع الأبرز في الشرق الأوسط مجرد معركة بين “العدو الإسرائيلي” وفصائل المقاومة الفلسطينية، بل أصبح صراعًا بين مشروعين ، مشروع مقاومة يحظى بغطاء شعبي وإقليمي متصاعد، ومشروع احتلال بات يترنح تحت ضربات الميدان وسقوط أوراق الدعم الدولي ، المعادلات تتغير، وأي قراءة سطحية للمشهد الحالي لا تدرك أن ما بعد غزة ليس كما قبلها، وأن الشرق الأوسط بات على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها “الردع المتبادل” و”نهاية التفرد الصهيوني”.