لماذا لن تختفي نظريات المؤامرة التي تروج لها CIA داخل أمريكا؟
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
استعرضت مجلة "فورين بوليسي" تاريخ وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي أيه" ودورها في تعزيز نظريات المؤامرة حول "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، خاصة في ظل رئاسة دونالد ترامب.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن احتمالية عودة دونالد ترامب للرئاسة مرة أخرى أثار قلقا كبيرا في مجتمع الاستخبارات الأمريكية، وخاصة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه".
ولا يقتصر الأمر على الحديث الذي دار مؤخرا بين مستشاري ترامب عن منح صاحب نظرية المؤامرة روبرت ف. كينيدي الابن دورا "للإشراف" على الوكالة. فقد تعهد ترامب أيضا بتدمير ما يسميه هو وأنصاره "الدولة العميقة"، وهي مجموعة مزعومة من المسؤولين غير المنتخبين - معظمهم في أجهزة الاستخبارات - الذين يريدون إبعاده عن البيت الأبيض وبالتالي إحباط الإرادة الديمقراطية للشعب.
ومع ذلك، فإن نظرية "الدولة العميقة" ليست جديدة، فهي تعود جزئيا إلى عصر ووترغيت، عندما زعم مقربون من الرئيس ريتشارد نيكسون أنه كان ضحية لمؤامرة من وكالة الاستخبارات المركزية لتشويهه. وساعد روجر ستون، الموالي لنيكسون والمحرض السياسي، في إحياء فكرة الانقلاب الصامت الذي تنفذه جهات خفية في الدولة في القرن الحادي والعشرين. وفي تغريدات وفيديوهات حديثة، ربط ستون بين محاولة اغتيال ترامب في تموز/يوليو وفضيحة ووترغيت.
وأفادت المجلة أن "الدولة العميقة" ليست النظرية الوحيدة التي تتعلق بوكالة الاستخبارات المركزية. فقد زعم آخرون أن الوكالة - وهي وحدة استخبارات أجنبية ممنوعة صراحة من القيام بعمليات داخلية - استهدفت حركة المعارضة لحرب فيتنام في الولايات المتحدة، وحتى أنها اغتالت جون لينون.
كما زعم أنها أجرت تجارب على "التحكم في العقل" أدت إلى حوادث قتل أخرى على الأراضي الأمريكية، بما في ذلك مقتل والد روبرت ف. كينيدي الابن، والجرائم التي ارتكبتها "عائلة" تشارلز مانسون. بالإضافة إلى ذلك، يدعى أنها قامت في الثمانينيات بتهريب الكوكايين في الأحياء الداخلية للولايات المتحدة بهدف تدمير المجتمعات السوداء.
واعتبرت المجلة أن اغتيال الرئيس جون كينيدي في سنة 1963 من أبرز نظريات المؤامرة في التاريخ الأمريكي الحديث. وقد تم توجيه الاتهامات إلى العديد من الأطراف، ولكن وكالة المخابرات المركزية كانت دائما من بين المشتبه بهم. وتشير بعض الروايات إلى رفض كينيدي تقديم الدعم العسكري لوكالة المخابرات خلال غزو خليج الخنازير في كوبا سنة 1961 كمحفز محتمل. بينما يشير آخرون إلى نيته تقليص نفوذ المجمع العسكري والاستخباراتي من خلال الانسحاب من فيتنام. وهاتان النظريتان هما من أكثر النظريات شيوعا، وهناك العديد من النظريات الأخرى.
وعن سبب استمرار نظريات مؤامرة وكالة الاستخبارات المركزية وكثرتها، أرجعت المجلة أحد الأسباب إلى أن الولايات المتحدة لطالما كانت عرضة لنظرية المؤامرة - وهو ما أسماه المؤرخ ريتشارد هوفستادر في كتابه الشهير "نمط جنون العظمة في السياسة الأمريكية". وفي السابق، كان الأمريكيون يعتقدون أن الجماعات الدخيلة، مثل الكاثوليك والمورون واليهود، هي من يقوضون الجمهورية، ولكن في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، عندما تم إنشاء جزء كبير من مؤسسة الأمن القومي الحديثة - وكالة الاستخبارات المركزية على سبيل المثال تأسست في سنة 1947 - بدأت نظريات المؤامرة تركز على الأقسام السرية للحكومة نفسها.
وقد تفاقم هذا الدافع المحلي بسبب النفوذ الأجنبي. ففي الستينيات، ربما زرع جهاز المخابرات السوفيتي قصصا حول اغتيال كينيدي في الصحافة الأوروبية، مما جعلها تصل إلى الولايات المتحدة. وكان محتجو السلام يميلون لتصديق هذه المعلومات، حيث كانوا يستمعون لقادة من العالم الثالث مثل فيدل كاسترو الذي أكد أن وكالة المخابرات المركزية تتآمر ضدهم. وبهذا المعنى، فإن التآمر في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان تأثيرا ارتداديا للتدخل الأمريكي في الخارج. ومؤخرا، خلال فترة رئاسة ترامب، أطلق عملاء روس حملات لنشر نظرية "الدولة العميقة" على الإنترنت.
وبينت المجلة أن وكالة الاستخبارات المركزية تتحمل جزءا من اللوم؛ حيث تميل الوكالة تاريخا إلى الإفراط في تصنيف سجلاتها وترددها في الامتثال لقوانين حرية المعلومات، مما يدفع المواطنين الأمريكيين للاعتقاد بأنها تحمي أسرارا أكبر مما هي عليه بالفعل. على سبيل المثال، تم تصنيف تقرير داخلي ساخر من سنة 1974 حول مؤامرة "مجموعة الشهيد إبنيزر سكروج" لتخريب "رحلة حكومية من القطب الشمالي" على أنه سري، ولم يفكّ سرّه حتى سنة 1999.
وأضافت المجلة أن وكالة المخابرات المركزية تورطت بالفعل في أنشطة غير أخلاقية وغير قانونية داخل الولايات المتحدة. فخلال الخمسينيات، وبموجب عملية تحمل الاسم الرمزي "إم كي ألترا"، دعمت الوكالة أبحاثا حول أساليب الاستجواب باستخدام المخدرات النفسية وتقنيات سلوكية مؤذية تضمنت أشخاصا غير مدركين لهذا الأمر. وفي إحدى التجارب، أنشأت منازل آمنة في نيويورك وسان فرانسيسكو لمراقبة ما يحدث عندما تضع العاهرات مخدر الهلوسة في مشروبات عملائهن.
وفي الستينيات والسبعينيات، تجسست وكالة المخابرات المركزية على متظاهري السلام والنشطاء السود في إطار برنامج يسمى "الفوضى"، بناء على تعليمات من الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، اللذين كانا يشكّان في وجود تدخل أجنبي في الحركة المناهضة للحرب. وخلال الثمانينيات، تعاونت الوكالة مع مهربي المخدرات المناهضين للشيوعية الذين ساعدوا في تزويد متمردي الكونترا في نيكاراغوا بالأسلحة، بينما كانوا يتاجرون بالكوكايين في مدن أمريكية مثل لوس أنجلوس.
وعندما حاول الصحفيون أو المبلغون عن المخالفات فضح مثل هذه الأنشطة، كانت وسائل الإعلام الصديقة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقلل من شأنهم وتصفهم إما بكونهم عملاء أجانب أو ضحايا "نظرية مؤامرة مرضية". وخلال الثمانينيات، شوهت صحيفة واشنطن تايمز المحافظة سمعة التحقيقات في قضية الكونترا. حتى أن الصحيفة انضمت إلى العديد من الصحف الرائدة الأخرى في مهاجمة غاري ويب، مراسل منطقة الخليج الذي كشف عن صلات وكالة الاستخبارات المركزية بمهربي المخدرات المرتبطين بالكونترا.
وقالت المجلة إن سلوكيات السرية المفرطة والتجاوزات التشغيلية كانت واضحة في فترة كينيدي. فخلال أوائل الستينيات، نفذت وكالة المخابرات المركزية محاولات متهورة للقضاء على كاسترو، شملت الكوبيين والمجرمين الأمريكيين. وقد تجاهلت لجنة وارن، التي شكلتها إدارة جونسون للتحقيق في الاغتيال، هذه العمليات، مما ترك ثغرات في تقريرها النهائي وشجع القراء على تكوين نظريات مؤامرة خاصة بهم.
وهذا لا يعني أن تلك النظريات صحيحة، فعلى الرغم من جهود آلاف الباحثين في قضية اغتيال كينيدي، لم يظهر أي دليل قاطع يربط وكالة المخابرات المركزية باغتياله. كما أن نظريات أخرى، مثل تلك التي تتهم الوكالة بقتل لينون أو جرائم مانسون، من المحتمل ألا تثبت أبدا بسبب عدم وجود أدلة كافية تدعم صحتها.
وأشارت المجلة إلى أن وكالة المخابرات المركزية لم تتجاهل الاتهامات ضدها؛ حيث عملت، خلال الستينيات، من خلف الكواليس لمواجهة الشكوك حول استنتاج لجنة وارن بأن لي هارفي أوزوالد هو القاتل الوحيد. وبعد تسريب "جواهر العائلة" في سنة 1974، أطلقت الوكالة حملة علاقات عامة لتحسين صورتها بقيادة ديفيد أتملي فيليبس. كما تعاونت، منذ التسعينيات، مع هوليوود في إنتاجات إيجابية مثل "زيرو دارك ثيرتي". وفي سنة 2022، أطلقت بودكاست بعنوان "ملفات لانغلي" يصور مقرها كمكان يتسم بالاحترافية والوعي.
ولكن ليس من الواضح مدى فائدة هذه الحملات للعلاقات العامة لوكالة المخابرات المركزية؛ فقد اجتذبت "ملفات لانغلي" مزاعم متحفظة بـ "الاستيقاظ الاجتماعي"، وأدى الكشف عن دور الوكالة في إنتاج فيلم "زيرو دارك ثيرتي" مزيدا من الدعاية السلبية حول استخدامها "تقنيات الاستجواب المعززة" مثل الغمر بالماء. كما أن الظهور العلني الكبير لفيليبس في أواخر السبعينيات جعله هدفا رئيسيا في نظريات مؤامرة كينيدي، حيث شبه تجربته بشكل خاص بمعاناة شخصية في رواية لفرانز كافكا.
وطالما أن وكالة المخابرات المركزية تقوم بعمليات سرية تؤثر على الشأن الداخلي الأمريكي وتخفي أنشطتها تحت طبقات من السرية الرسمية، ستظل الجمهور الأمريكي يشك في أسوأ الاحتمالات.
ومن الآن فصاعدا، يجب على وكالة الاستخبارات المركزية أن تبذل جهودا أكبر للامتثال لقوانين حرية المعلومات التي تحكم رفع السرية. فبالإضافة إلى المساعدة في تبديد حالة الجهل العام القسري التي تزدهر فيها نظرية المؤامرة، فإن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تحسن من تبادل المعلومات مع الوكالات الحكومية الأخرى وتثبط تسريب البيانات من قبل الموظفين الساخطين.
وشددت المجلة على أنه ينبغي على وكالة الاستخبارات المركزية التركيز على مهمتها الأصلية في تحليل المعلومات، وتجنب العمليات السرية المشكوك فيها التي أدت لنظريات المؤامرة. ومع تراجع "الحرب على الإرهاب"، هناك دلائل على إعادة تركيز الوكالة، مثل إنشاء مركزين جديدين في 2021، أحدهما مخصص للصين والآخر للتكنولوجيا والمناخ. كما عززت التوقعات الصحيحة بالغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 من ثقة الجمهور في قدرات الوكالة.
لكنها أشارت إلى أن فعالية هذه الخطوات في منع انتشار نظريات المؤامرة على غرار "الدولة العميقة" لا تزال غير مؤكدة. وقد يكون من الصعب إزالة الشكوك حول وكالة الاستخبارات المركزية والوكالات الاستخباراتية الأخرى في مجتمع يعاني تاريخيا من الريبة تجاه السلطات السرية. ومع ذلك، يتعين بذل الجهود الضرورية، فقد يكون بقاء الوكالة في عصر ترامب معتمدا على ذلك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الدولة العميقة ترامب المخابرات المركزية امريكا الدولة العميقة المخابرات المركزية ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وکالة الاستخبارات المرکزیة الولایات المتحدة نظریات المؤامرة الدولة العمیقة المجلة أن فی سنة
إقرأ أيضاً:
رفض قاطع.. وتوعد بإحباط المشروع.. الجيش السوداني يصف الحكومة الموازية بـ«المؤامرة»
البلاد (الخرطوم)
رفض الجيش السوداني، أمس (الأحد)، بشكل قاطع إعلان ائتلاف سياسي بقيادة قوات الدعم السريع عن تشكيل “حكومة موازية” برئاسة محمد حسن التعايشي، واصفًا الخطوة بأنها “محاولة بائسة لشرعنة مشروع إجرامي”، متعهدًا بإفشالها، ومشدداً على أنها تمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان واستقراره.
وقال المتحدث باسم الجيش، العميد نبيل عبدالله، في بيان نُشر عبر صفحة القوات المسلحة على “فيسبوك”:” الجيش بمساعدة الشعب سيُحبط أجندة الحكومة الموازية ومن يقفون خلفها”، مضيفًا أن “المشروع الحقيقي لقوات الدعم السريع هو الاستيلاء على السلطة ولن نسمح بذلك تحت أي ظرف”.
وكان تحالف بقيادة قوات الدعم السريع قد أعلن في مؤتمر صحفي بمدينة نيالا بدارفور، عن تشكيل “حكومة موازية” تحمل اسم “حكومة السلام والوحدة”، وتعيين محمد حسن التعايشي، عضو مجلس السيادة السابق، رئيسًا لها، في خطوة أثارت ردود فعل محلية ودولية غاضبة. كما كشف التحالف عن تشكيل مجلس رئاسي مكوّن من 15 عضوًا، يترأسه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وينوب عنه عبد العزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية – شمال، الذي يسيطر على أجزاء من جنوب السودان.
وضم المجلس شخصيات سياسية ومسؤولين سابقين، من بينهم الهادي إدريس الذي أُعلن تكليفه بمنصب حاكم دارفور، في تحدٍ مباشر للوالي الحالي مني أركو مناوي، المتحالف مع الجيش السوداني.
من جهتها، وصفت وزارة الخارجية السودانية، في بيان عبر منصة “إكس”، إعلان تشكيل الحكومة الجديدة بأنه “وهمي” و”دليل على انكسار الميليشيا المتمردة”، مشيرة إلى أنه يعكس “محاولة يائسة لإضفاء الشرعية على تمرد مسلّح يهدف إلى انتزاع السلطة بالقوة”.
وأعربت الخارجية عن استنكارها الشديد لموافقة كينيا على استضافة الاجتماعات التحضيرية، التي أفضت إلى هذا الإعلان، معتبرة ذلك “انتهاكاً صريحاً لسيادة السودان وخرقًا لمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، كما دعت المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية إلى إدانة هذه الخطوة ورفض التعامل مع أي كيان خارج الشرعية.
وأكدت الوزارة أن أي تفاعل دولي مع هذا الإعلان سيُعتبر “تعدياً على الحكومة الشرعية وانتهاكًا لحقوق الشعب السوداني ومقدراته”.
ويعود الإعلان إلى مشاورات سابقة جرت بين قوات الدعم السريع وتحالف من الجماعات المسلحة خلال اجتماعات في كينيا، حيث تم التوافق على مشروع “سودان اتحادي جديد” قائم على ثمانية أقاليم، وتم توقيع “دستور انتقالي” في مارس الماضي، يهدف لتشكيل حكومة بديلة عن السلطة المركزية في الخرطوم.
وحذّر مسؤولون في الأمم المتحدة من أن هذه الخطوة ستزيد من تعقيد المشهد السوداني وتعرقل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء النزاع الدائر منذ أبريل 2023، مؤكدين أن السودان بات يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.