صراع الإبداع .. هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الكتابة الأدبية؟
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
بداية يقول الروائي السوداني الدكتور أمير تاج السر حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة الأدبية: الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلًا للكاتب لأسباب عديدة. النص الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي يكون نصًا معدًا مسبقًا، فهو يعتمد على برمجة موجهة وتخزين كمية هائلة من المفردات، لكن هذه المفردات لا تعكس بالضرورة الأسلوب الإبداعي الذي يستخدمه الكاتب، فالكاتب دائمًا يبتكر فـي استخدام اللغة، ويخلق ترتيبات لغوية مميزة، ويضيف تفاصيل ورؤى غير متوقعة، وهذا ما يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي.
فعندما يطلب أحدهم من الذكاء الاصطناعي كتابة قصة عن حدث مثل الحرب فـي السودان، سيقدم الذكاء الاصطناعي وصفًا كلاسيكيًا وسطحيًا. مثلًا، قد يصور رجلًا يعود ليجد بيته مدمرًا ويشعر بالحزن، ولكن لن يضيف أبعادًا إنسانية أو خلفـيات اجتماعية أو اقتصادية، أو يعالج انتماءات الشخصية وعلاقتها بالعالم من حولها. هذه التفاصيل الحيوية التي تجعل المشهد ينبض بالحياة تأتي فقط من الكاتب الذي يدرس شخصياته بعمق، كما أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع رسم شخصية مبتكرة بالكامل، فهو يعتمد على نماذج جاهزة ومعروفة. مثلًا، قد تطلب من البرنامج كتابة قصة عن قروي هاجر إلى المدينة ليعمل، فتجد أن البرنامج يختار اسمًا مثل «أمير» للشخصية، وهذا غير منطقي؛ لأن مثل هذا الاسم غير شائع بين القرويين فـي السودان فـي السبعينيات أو الثمانينيات؛ فالذكاء الاصطناعي لا يملك الوعي البيئي أو التاريخي لاختيار الأسماء التي تناسب المكان والزمان.
وعن اللغة المستخدمة، أوضح تاج السر أن البرنامج يستخدم أوصافًا نمطية مكررة، مثل «رجل طويل القامة وعريض المنكبين»، وهي جمل تقليدية ولا تضيف أي جديد، فالكاتب البشري يعتمد على مخزونه الثقافـي واللغوي ليصوغ أوصافًا أكثر تعقيدًا وجاذبية، وبالتالي، سيظل الأدباء والروائيون يقدمون نصوصًا إبداعية مليئة بالتفاصيل التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجاريها.
وأكد «تاج السر» على أن الكتابة الأدبية تتطلب مجهودًا ذهنيًا كبيرًا ومهارات إبداعية لا يمكن استبدالها بأي تقنية فلن تكون الرواية التي يكتبها الذكاء الاصطناعي ظريفة أو مؤثرة بنفس مستوى الرواية التي يكتبها إنسان.. فالكاتب يعيش مع نصه ويغوص فـي تفاصيله، وهذا ما يصنع الفارق.
وعن المخاوف حول قضية الملكية الفكرية ودور الذكاء الاصطناعي فـي إنتاج الروايات، أكد الروائي السوداني أمير تاج السر أنه من الصعب جدًا استنساخ أسلوب الكاتب الخاص باستخدام الذكاء الاصطناعي. وقال: «لقد قضيت سنوات طويلة لأصنع أسلوبًا خاصًا بي، وطريقتي فـي الكتابة مميزة وصعب جدًا أن يتم برمجة الذكاء الاصطناعي ليحاكيها بشكل كامل، حتى لو حاول الاقتراب من أسلوبي، فإنه لن يتمكن من الوصول إلى نفس الترتيب والإبداع. وإذا وجدت رواية باسمي كتبها الذكاء الاصطناعي، فلا أعتقد أنني سأتمكن من فعل الكثير، حقوق الملكية الفكرية فـي هذا السياق معقدة، وكتابة النصوص بطريقة افتراضية أو مختلفة تمامًا قد تضيّع حقوق الكاتب الحقيقي. وعن احتمالية أن يتطور الذكاء الاصطناعي ليتمكن من إنتاج أعمال روائية مبدعة كما يفعل الكتاب، أبدى تاج السر تحفُّظه قائلًا: «التكنولوجيا تتطور بسرعة، لكن من الصعب أن نتصور أن الذكاء الاصطناعي سيستطيع فـي المستقبل القريب أن يلغي دور الكاتب البشري بالكامل أو يستبدل خياله وإبداعه، فالرواية تحتاج إلى خيال وتجربة شخصية، والذكاء الاصطناعي لا يمكنه استبدال هذا، وعلى الأجيال الجديدة أن تحافظ على دورها كروائيين مبدعين وألا تلجأ إلى الأدب الصناعي؛ لأن الخيال البشري لا يمكن تعويضه.
مرحلة مليئة بالتحديات
حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة الروائية، يؤكد الروائي الجزائري الدكتور واسيني الأعرج أن الأدب الاصطناعي فـي الغرب أصبح ظاهرة كبيرة، مشيرًا إلى عدد الروايات التي يتم إنتاجها وبيعها على منصات مثل «أمازون» باستخدام الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «حتى فـي فرنسا، بدأت أكبر دور النشر فـي تجربة الذكاء الاصطناعي لكتابة الروايات».
واستذكر واسيني موقفًا حدث له مؤخرًا يقول: كنت فـي المطار مع بعض الأصدقاء وطلبنا من الذكاء الاصطناعي تأليف أغنية بناءً على كلمات عشوائية، وفعلًا صنع لنا أغنية فـي لحظات. أصبحت المسألة نوعًا من الترفـيه واللعب، لكن الحقيقة أن هناك قلقًا حقيقيًا بين الكتّاب حول مستقبل الرواية والإبداع. وأوضح «الأعرج» أنه يرى الذكاء الاصطناعي مرحلة من مراحل التطور الطبيعي. وقال: «مثلما أحدثت المطبعة ثورة فـي نشر الكتب رغم معارضة بعض الفقهاء فـي البداية، فإن الذكاء الاصطناعي يشكل تحولًا جديدًا مليئًا بالفرص والتحديات. علينا أن نفكر إذا كنا سنستفـيد من هذا التطور أو نخشى تدميره لنا.
وأضاف: الذكاء الاصطناعي فـي النهاية يعتمد على المعلومات المتوفرة لديه. عندما كنت أبحث عن معلومات حول علاقة الأمير عبد القادر الجزائري بوالدته فـي إطار عملي على الجزء الثاني من رواية الأمير، طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يزودني بتفاصيل حول هذا الموضوع. كانت الإجابات التي حصلت عليها محدودة وغير دقيقة؛ لأنها مستمدة فقط مما هو متوفر فـي قواعد البيانات التي يعتمد عليها.
وأشار واسيني الأعرج إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفـيدًا فـي جوانب محددة مثل الحسابات أو ترجمة المصطلحات، لكنه غير قادر على إنتاج إبداع خيالي مكتمل. وقال: «الذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن يتخيل خارج ما هو موجود، ولا يستطيع تقديم رؤية جديدة. الإبداع الأدبي يحتاج إلى عنصر إنساني وروحي لا يمكن أن يُستبدل بتقنيات حسابية... بالنسبة لي، الذكاء الاصطناعي جزء من التطور، لكن لا أعتقد أنه يمكن أن يحل محل الإنسان فـي عملية الإبداع. الجيل الحالي قد يكون أكثر تقبلًا لهذا النوع من التكنولوجيا، ولكن بالنسبة لي ولجيلي، لا أرى أن الرهان كبير على الذكاء الاصطناعي فـي مجال الأدب الروائي.
وحول تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب، أشار الروائي الجزائري واسيني الأعرج إلى أن الذكاء الاصطناعي قد لا يتمكن من محاكاة أعماق النص الأدبي بشكل كامل، يقول: صحيح أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه حاليًا الوصول إلى نفس العمق الذي يبلغه الكاتب فـي عمله الإبداعي؛ لأنه يفتقر إلى المخزون العاطفـي والتجربة الشخصية التي تميز الكتابة الأدبية. لكن فـي حال تمكُّن الذكاء الاصطناعي من استيعاب جميع الأعمال السابقة وفهم نفسية الكاتب، فقد يقترب من ذلك، وإن لم يكن بصورة حرفـية.
وأوضح واسيني الأعرج أن هناك بالفعل تطورات ملموسة، لافتًا إلى تجربته فـي فرنسا حيث شهد تغييرًا فـي اللغة الأدبية، ويستشهد بتجربة الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا، الذي اضطر إلى تعديل أسلوبه الأدبي ليناسب الجمهور الفرنسي. يقول واسيني: «عندما انتقل ياسمينة خضرا إلى فرنسا، طُلب منه التخلص من الأسلوب البلاغي والشعري، الذي كان يميّز كتاباته. أصبح التركيز على جمل بسيطة مباشرة خالية من الزوائد اللغوية، وذلك استجابةً لاحتياجات الجيل الجديد الذي يقرأ هذه الأعمال، وهذا النوع من التبسيط فـي اللغة هو ما يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاته بسهولة، إلا أنه يرى أن النصوص التي يتم إنتاجها بهذه الطريقة، حتى لو كانت ناجحة تجاريًا، لا تحمل نفس القيمة الأدبية العميقة. وضرب مثالًا على ذلك بالروايات التي تُباع على منصات مثل أمازون، حيث يتم الترويج لها باستخدام حسابات مزيفة وعمليات شراء موجهة.واختتم واسيني الأعرج حديثه بالتأكيد على أن العلاقة العاطفـية العميقة بين الكاتب والنص، وكذلك بين النص والقارئ، هي ما يصعب تحقيقه عبر الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «ربما يستطيع الذكاء الاصطناعي تقليد اللغة البسيطة، ولكن الوصول إلى أعماق التجربة الإنسانية فـي الأدب سيظل تحديًا كبيرًا».
ليس بديلًا للكتابة الروحية
حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الكتابة الأدبية، أوضح الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد موقفه قائلًا: «أنا لستُ مستعدًا لاستخدام التقنية فـي الكتابة الأدبية، وذلك لسببين رئيسيين. الأول هو إنه بعد رحلة طويلة فـي عالم الأدب، لا أرى أنني قادر على استخدام أي شيء خارج عن الروح والإبداع الشخصي فـي كتابة الرواية.
أما السبب الثاني فهو إيماني العميق بأن الذكاء الاصطناعي، رغم إمكانياته، لن يتمكن من نقل الروح الفنية التي تأتي من التجربة الحقيقية.
وأضاف: «لدي خبرة فـي التعامل المباشر مع الحياة، مثل الحرفـيين الذين عندما يمشون فـي الشارع، تجد تصرفاتهم تنبع من عملهم اليومي فـي ورشهم، وهذا أصبح جزءًا منهم. الكاتب مثلهم، فالإبداع الأدبي ينبع من داخله ويرتبط بتجربته الشخصية. أما الذكاء الاصطناعي، فهو مجرد أداة تستخدم البيانات والمعلومات دون إحساس حقيقي. ولو قرر الكاتب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، سيشعر فـي النهاية بأنه يفقد متعة الكتابة الذاتية التي تتطلب جهدًا وتفكيرًا عميقًا.
وأشار عبدالمجيد إلى أن «الأدب المتوسط» قد يزداد مع استخدام الذكاء الاصطناعي: «من يلجأ إلى الذكاء الاصطناعي سيجد أنه قادر على إنتاج روايات بسرعة، ربما فـي ساعات قليلة بدلًا من سنوات من العمل. ولكن هذا سيؤدي إلى ظهور روايات متوسطة الجودة؛ لأن الإبداع الحقيقي يتطلب وقتًا وجهدًا، كما حدث معي فـي روايتي «رسائل إلى لا أحد» التي عملت عليها لمدة ست سنوات. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتبها فـي ست ساعات، ولكن الفرق واضح بين الإبداع الحقيقي والإنتاج السريع.
وحذّر الروائي إبراهيم عبدالمجيد من تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمعات قائلًا: «فـي بلادنا العربية، تواجه الكتابة تحديات كبيرة، سواء من رقابة الدولة أو الضغط الاجتماعي والديني. وفـي حالة استخدام الذكاء الاصطناعي، من الذي سيتحمل المسؤولية إذا خالفت الرواية تابوهات معينة؟ هل هو المؤلف أم الروبوت؟ هذا سيطرح أسئلة جديدة أمام المجتمع. مؤكدا فـي الوقت نفسه أن الذكاء الاصطناعي سيظل ظاهرة مؤقتة «مثل أي تطور تقني فـي التاريخ، سيظهر وينتشر لفترة، ثم سيعود الإبداع الروحي الذي نشأنا عليه. الأجيال الجديدة ستدرك أن الاعتماد على التقنية ليس هو الحل، وأن الروح الفنية هي التي تصنع الفارق.
وعن رأيه فـي رواية الكاتب المصري الشاب محمد أحمد فؤاد، التي كتبها بمساعدة الذكاء الاصطناعي، قال عبدالمجيد: «الرواية التي يشار إليها مكتملة الأركان وفقًا لما سمعناه من قرائها، وقد كتبها بذكاء لتأكيد أن الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلًا عن الكاتب البشري الذي يمتلك المعنى والإبداع. ولكن، هل يمكن أن تكون هذه الرواية بداية لجيل جديد من الشباب لاستخدام الذكاء الاصطناعي فـي كتابة نصوصهم؟ أعتقد نعم، قد تكون هذه موجة بين الشباب، ولكن ستظهر مشكلة تتعلق بالملكية الفكرية مع دور النشر، هل ستدفع دور النشر المال للمؤلف البشري أم للروبوت؟ ستكون هذه مسألة حساسة. ومع ذلك، أعتقد أن هذه الظاهرة ستنتشر، ليس فقط فـي الأدب، بل فـي الكتابة بشكل عام. سمعت عن جهاز يكتب الشعر والقصص باستخدام الذكاء الاصطناعي، فقط بالضغط على زر لتنتج قصة أو قصيدة جاهزة. هذا جزء من التوجه الاستهلاكي الذي يواكب العصر الحالي، ففـي هذا العصر، أصبح الإنسان نفسه مستهلكًا مثل غيره. نجد فـي المعارض الأدبية طوابير طويلة أمام صناع المحتوى لشراء كتب متوسطة أو ضعيفة الجودة، لكن لديهم جمهورهم الخاص. الأدب أصبح مثل الفنون الأخرى، حيث يقرر الجمهور من ينجح. على سبيل المثال، فـيكتور هوجو باع أكثر من مليار نسخة من أعماله، ما يعادل جميع كتب الأدب البريطاني منذ زمن شكسبير.
ولكن هذا لا يعني أن الأدباء الآخرين بلا قيمة، فلكل كاتب جمهوره، فجودة الرواية أمر نسبي، قد تجد رواية رائعة لكنها لا تروق للبعض، والعكس صحيح. هناك كتاب عاشوا وماتوا مظلومين؛ لأن رواياتهم لم تلقَ اهتمامًا خلال حياتهم، لكن العالم اكتشف فـيما بعد عظمة أعمالهم.
وعن استخدام الذكاء الاصطناعي فـي كتابة الروايات، قال إبراهيم عبدالمجيد: إن الذكاء الاصطناعي قد يفتح أفقًا جديدًا بالفعل، ولكنه شدد على أن الإبداع الحقيقي هو نشاط روحاني يتجلى فـي الصدق الإنساني. الإبداع الأدبي يأتي من الروح، وهو مختلف تمامًا عن الإنجازات التي تعتمد على الحسابات العقلية البحتة. الإبداع هو مزيج من الأحاسيس والتجارب الإنسانية والخيال، وهذه أمور يصعب على الذكاء الاصطناعي تحقيقها. وأضاف عبدالمجيد أن الذكاء الاصطناعي قد ينجح فـي مجالات علمية وتقنية، مثل صناعة السيارات أو الترجمة أو حتى العمليات الجراحية، لكنه يفشل فـي التعامل مع العمق الروحي والإحساس الإنساني الذي يميز الأدب الحقيقي عن السرد العقلي البسيط.
تشكّل الثورة الرقمية وتطور الذكاء الاصطناعي تحديًا جديدًا للإبداع البشري فـي شتى المجالات، ولا سيما فـي عالم الأدب والكتابة. فـي هذا السياق، يطرح سؤال جوهري نفسه: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الكاتب البشري فـي إنتاج الأعمال الأدبية؟ نستكشف آراء ثلاثة من أبرز الروائيين العرب حول هذه القضية المحورية. الروائي السوداني أمير تاج السر، والروائي المصري إبراهيم عبد المجيد، والروائي الجزائري واسيني الأعرج، يقدمون رؤى عميقة ومتباينة حول مستقبل الكتابة الإبداعية فـي عصر الذكاء الاصطناعي. يتناول الموضوع قضايا جوهرية مثل قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة الإبداع البشري، وتأثيره على عملية الكتابة، والتحديات التي يطرحها فـي مجال حقوق الملكية الفكرية، ويثير تساؤلات مهمة حول من يمتلك حقوق النشر للأعمال المنتجة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن حماية إبداعات الكتّاب فـي هذا العصر الرقمي الجديد، كما نسلط الضوء على الفروق الدقيقة بين النص المولّد آليًا والإبداع البشري الأصيل.
هذا الحوار الفكري يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة الإبداع، وجوهر التجربة الأدبية، ومستقبل الكتابة فـي العصر الرقمي، هي دعوة للتأمل فـي العلاقة بين التكنولوجيا والفن، وفـي قدرة الروح الإنسانية على الاحتفاظ بتفردها فـي مواجهة التقدم التقني المتسارع، مع ضمان حماية حقوق المبدعين فـي عالم يتغير بسرعة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حول تأثیر الذکاء الاصطناعی على استخدام الذکاء الاصطناعی یمکن للذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فـی أن الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی لا الکتابة الأدبیة الاصطناعی على ا واسینی الأعرج الاصطناعی أن یعتمد على تاج السر فـی هذا لا یمکن یمکن أن جدید ا
إقرأ أيضاً:
هل يخفي الذكاء الاصطناعي عنصرية خلف خوارزمياته الذكية؟
مؤيد الزعبي
بما أننا مقبلون على مرحلة جديدة من استخدامات الذكاء الاصطناعي وجعله قادرًا على اتخاذ القرارات بدلًا عنَّا يبرز سؤال مهم؛ هل سيصبح الذكاء الاصطناعي بوابتنا نحو مجتمع أكثر عدلًا وإنصافًا؟ أم أنه سيعيد إنتاج تحيزاتنا البشرية في قالب رقمي أنيق؟ بل الأخطر من ذلك: هل سيغدو الذكاء الاصطناعي أداة عصرية تمارس من خلالها العنصرية بشكل غير مُعلن؟
قد تحب- عزيزي القارئ- تصديق أن هذه الأنظمة "ذكية" بما يكفي لتكون حيادية، لكن الحقيقة التي تكشفها الدراسات أكثر تعقيدًا؛ فالذكاء الاصطناعي في جوهره يتغذى على بياناتنا وتاريخنا، وعلى ما فينا من تحامل وتمييز وعنصرية، وبالتالي فإن السؤال الحقيقي لا يتعلق فقط بقدرة هذه الأنظمة على اتخاذ قرارات عادلة، بل بمدى قدرتنا نحن على برمجتها لتتجاوز عيوبنا وتاريخنا العنصري، ولهذا في هذا المقال نقترب من هذه المنطقة الرمادية، حيث تتقاطع الخوارزميات مع العدالة، وحيث قد تكون التقنية المنقذ أو المجرم المتخفي.
لنقرّب الفكرة بمثال واقعي: تخيّل شركة تستخدم الذكاء الاصطناعي لفرز السير الذاتية واختيار المتقدمين للوظائف. إذا كانت خوارزميات هذا النظام مبنية على بيانات تحمل انحيازًا ضد جنس أو لون أو جنسية معينة، فقد يستبعد المرشحين تلقائيًا بناءً على تلك التحيزات. وهذا ليس ضربًا من الخيال؛ فقد وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة واشنطن (أكتوبر 2024) أن نماذج لغوية كبيرة أظهرت تفضيلًا واضحًا لأسماء تدلّ على أصحاب البشرة البيضاء بنسبة 85%، مقابل 11% فقط لأسماء مرتبطة بالنساء، و0% لأسماء تعود لأشخاص من ذوي البشرة السوداء، تُظهر هذه الأرقام المقلقة كيف أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدمها نحو 99% من شركات "فورتشن 500"، يمكن أن تؤثر سلبًا على فرص ملايين الأشخاص الباحثين عن عمل، لا لسبب سوى أنهم وُلدوا بهوية مختلفة، أي أن تحيّز هذه الأنظمة يمكن أن يمس ملايين الباحثين عن العمل.
الأمر يزداد خطورة عند الحديث عن أنظمة التعرف على الوجوه، والتي تُستخدم حاليًا في تعقب المجرمين ومراقبة الأفراد. دراسات عديدة أثبتت أن هذه الأنظمة تخطئ بنسبة تصل إلى 34% عند التعامل مع النساء ذوات البشرة الداكنة، كما تُسجَّل أخطاء في التعرف على الوجوه الآسيوية، ما قد يؤدي إلى اعتقالات خاطئة أو مراقبة غير مبررة لأشخاص أبرياء، فقط لأن الخوارزمية لم تتعلم بشكل عادل، وتخيل الآن كيف سيكون الأمر عندما يدخل الذكاء الاصطناعي- بكل تحيزاته- إلى قاعات المحاكم، أو إلى أنظمة القضاء الإلكترونية، ليصدر أحكامًا أو يوصي بعقوبات مشددة، وحينها بدلًا من أن نصل لقضاء عادل سنصل لعدالة مغلفة بواجهة من الحياد الزائف.
ولننتقل إلى السيناريو الأكثر رعبًا: الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. ما الذي قد يحدث إذا تم برمجة أنظمة قتالية لتحديد "العدو" بناءً على لون بشرة أو جنسية؟ من يتحمل المسؤولية حين ترتكب هذه الأنظمة مجازر على أساس تحيز مبرمج مسبقًا؟ تصبح هذه الأنظمة أداة للقتل بعنصرية عقل إلكتروني، ومن هنا ستتفاقم العنصرية، وستصبح هذه الأنظمة بلا شك أداة لقتل كل ما تراه عدوًا لها ليأتي اليوم الذي تجدنا فيه نحن البشر ألذ أعدائها.
في قطاع الرعاية الصحية أيضًا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون عنصريًا خصوصًا لو تم برمجتها لتتحكم بمستحقي الدعم الصحي أو حتى استخدامها في أنظمة حجز مواعيد العمليات، فلو وجد أي عنصرية بهذه الأنظمة؛ فبالطبع ستعطي الأولوية لأصحاب بشرة معينة أو جنسية معينة مما سيحرم الكثيرين من الوصول للعلاج في الوقت المناسب.
حتى نكون منصفين هنا نحتاج إلى تمييز دقيق بين نوعين من عنصرية الذكاء الاصطناعي: العنصرية المقصودة: الناتجة عن برمجة متعمدة تخدم مصالح أو توجهات محددة، والعنصرية غير المقصودة: الناتجة عن تغذية الأنظمة ببيانات غير عادلة أو تمثل واقعًا عنصريًا، فتُصبح الخوارزميات انعكاسًا له.
وأيضًا هناك مشكلة مهمة يجب معالجتها فلو عدنا لموضوع الرعاية الصحية؛ فلو قمنا بإدخال بيانات المرضى على هذه الأنظمة وكان حجم البيانات لفئة معينة أكثر من فئة أخرى فربما يعالج الذكاء الاصطناعي هذا الأمر على أن فئة معينة لا تحتاج للعلاج أو تحتاج لرعاية صحية أقل من غيرها وبالتالي يستثنيها من علاجات معينة أو مطاعيم معينة مستقبلًا، ولهذا يجب أن نعمل على تنقيح بيناتنا من العنصرية قدر الإمكان لتجنب تفاقم الأزمة مستقبلا.
يجب ألا نعتقد أبدًا بأن الذكاء الاصطناعي سيكون منصفًا لمجرد أنه آلة لا تفاضل شيء على شيء، فهذا سيمكن الصورة النمطية الموجودة حاليًا في مجتمعاتنا، فالذكاء الاصطناعي تقنية مازالت عمياء وليست واعية بما يكفي لتميز أية التمييز وتحذفه من برمجياتها، إنما تأخذ الأنماط الموجودة وتبني عليها، وسنحتاج وقت أطول لمعالجة هذه الفجوة كلما مضى الوقت.
إذا سألتني عزيزي القارئ ما هي الحلول الممكنة نحو ذكاء اصطناعي عادل وشامل، فالحلول كثيرة أهمها أن نوجد أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على إيجاد العنصرية وتبدأ بمعالجتها واستثنائها في خوارزمياتها، وهذه مسؤولية الشركات الكبرى التي تبني نماذج الذكاء الاصطناعي، وثانيًا يجب أن نطور أنظمة ذكاء اصطناعي مبنية على العنصرية فهذه الأنظمة ستطور من نفسها وستكون عدوة للبشرية في قادم الأيام، أيضًا يجب أن يكون هناك تنويع في البيانات فكلما انعكس التنوع في البيانات والتصميم، كلما انخفضت احتمالية انتشار النتائج العنصرية وحققنا الإنصاف المطلوب.
في النهاية يجب القول إن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا بالضرورة، لكنه قد يكون كذلك إذا تركناه يتغذّى على أسوأ ما فينا وأقصد هنا العنصرية.
رابط مختصر