دعاء اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين.. ما دلالته وآثاره؟
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
في غمرة الأحداث الجارية في المنطقة حاليا، لا سيما المعركة المفتوحة التي تخوضها المقاومة في غزة، والجبهات المساندة لها في لبنان واليمن والعراق، في مواجهة العدوان الصهيوني، يشيع على نطاق واسع في أوساط أهل السنة دعاء يقول "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين من بينهم سالمين".
ومن الواضح أن بعض الداعين بهذا الدعاء يستبطنون في ثناياه توجهات تضع جميع الأطراف – باستثناء المقاومة في غزة - بما فيها الأطراف الشيعية (إيران وحزب الله والحوثيين.
فمن أين جاء هذا الدعاء؟ وما مصدر ثبوته ووروده؟ وما مدى صحة مضامينه ودلالتها؟ وكيف يمكن أن يتحقق ضرب الظالمين بالظالمين وخروج المسلمين من بينهم سالمين مع أن المسلمين واقعون في ميدان الحرب القائمة؟ ومن الوارد جدا أن يصيبهم الأذى وتلحق بهم مصائب كبرى جراء ذلك، ثم ما هي آثاره السلبية من حيث تعويل عامة المسلمين على الفعل الإلهي المحض الذي يتحقق بمثل هذا الدعاء مع عدم الأخذ بما يقدرون عليه من أسباب؟
في الإجابة عن أصل هذا الدعاء وثبوته، يجيب الأكاديمي المغربي، الباحث في العلوم الشرعية، الدكتور عبد الله الجباري بالقول "هذا الدعاء لا أصل له من حيث الرواية، أما من حيث الدراية، فيمكن النظر إليه من زوايا متعددة، أولها: دلالة (الظالمين)، فالظلم في الاستعمال القرآني يعني الشرك، ومنه (إن الشرك لظلم عظيم)".
وأضاف: "والوعاظ حين يتوجهون إلى الله بهذا الدعاء في هذه الأيام في مقاربتهم للصراع الصهيوني مع إيران ومن في محورها مثل أنصار الله وحزب الله، فإنهم يستبطنون معنى تكفيريا تجاه المسلمين الشيعة، وهذا منزلق خطير يجعلهم هم أنفسهم "ظالمين" في هذا التوصيف".
وتابع في حديثه لـ"عربي21": "ومن معاني "الظلم" في القرآن، أن الظالمين داخلون في معنى الإيمان دخولا أوليا، وليسوا خارجين من الملة، ومنه قوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا)، وأول هؤلاء الوارثين المصطفين (فمنهم ظالم لنفسه)، ثم (ومنهم متقصد ومنهم سابق بالخيرات)، فالظالم هنا مؤمن بنص الكتاب، لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول "سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له".
د. عبد الله الجباري أكاديمي مغربي باحث في العلوم الشرعية
ووفقا للجباري فإن هؤلاء الدعاة والوعاظ إن كانوا "يقصدون هذا المعنى فهم مخطئون أيضا، بل خاطئون، إذ كيف يدعون بالهلاك على إخوانهم؟ ومن معاني الظلم، وضع الشيء في غير مستحقه، وهذا الظلم يكاد لا يفلت من الوقوع فيه أحد، لعدم عصمة الناس، وبناء عليه، فإن الدعاء المذكور يلزم منه الدعاء بإهلاك الجميع من دون استثناء، وهذا انحراف".
وأردف: "وعلى فرض صحة هذا الدعاء، فكيف يمكن للمسلمين أن ينجوا ويسلموا من آثار وعواقب الصراع بين الظالمين والظالمين؟ فهل هم يعيشون في كوكب آخر؟ ألا يقتسمون مع أولئك (الظالمين) نفس الوطن أو الإقليم أو القارة؟ ومن المعلوم أن أي صراع دولي أو إقليمي، خصوصا في عصرنا، إلا وتجد له آثارا سلبية تعم العالم أو جزءا كبيرا منه، وقد تكون آثاره بيئية، أو سياسية أو جيواستراتيجية، او اقتصادية، أو اجتماعية".
وأضاف: "وغني عن البيان أن السلامة من هذه الآثار لا يمكن أن تتحقق إلا بمعجزة تخرق العادة والمألوف، وهو أمر مستبعد، أضف إلى ذلك، أن هذا الدعاء يربي الناس على السلبية، وينأى بهم عن المعاني القرآنية التي تدعو إلى سنة التدافع (ولولا دفع الله الناس..) كما أنه يربي الناس على التقاعس والتكاسل، وقيم الإسلام تدعو إلى الفعل المتمثل في نصرة المظلوم إن كان أحد الطرفين مظلوما أو صاحب حق..".
وفي ذات الإطار قال الباحث المصري، المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، الدكتور كريم نفادي "ورد في السنة النبوية أن الله ينصر دينه بالرجل الفاجر لأسباب عدة، ولكن لم يأمر الله المؤمنين أن يكونوا في انتظار هذا الرجل الفاجر أو الظالم الذي يأتي لينصر لهم دينهم وهم ينتظرون هلاك الظالمين بالظالمين".
وتابع: "بل أمر الله عباده المؤمنين بمحاربة الظلم وأهله، ودفع ظلمهم عن بقية المستضعفين في الأرض، بل وأمرهم بالإسراع في ذلك بكل طاقتهم ما داموا قادرين على ذلك، ولم تأت تعاليم الإسلام لتخلق في نفوس المؤمنين بها شخصية سلبية مشوهة تركن إلى الخنوع والاستسلام وتجنح للتواكل على الآخرين في جلب النصرة والمعونة ودفع الظلم".
وأكدّ نفادي أن "الإسلام لا يعرف أصلا للدعاء المشهور "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"، وقد يصح هذا الدعاء إذا كانت حروب الظالمين مع بعضهم بعيدة عن أرضنا ومواردنا ومقدراتنا، ولكن لا يصح أبدا إذا كان الظالمون يتقاتلون على ما حبانا الله إياه من أرض ومقدسات وموارد ومقدرات".
د. كريم نفادي باحث مصري متخصص في الحديث النبوي وعلومه
وتابع: "كما أن هذا الدعاء لا يصح إذا كانت إحدى الطائفتين المتحاربتين قد تحالفت معنا وهبت لنصرتنا ودفعت الثمن من دمها ومالها، وإن كان عدوا لنا في السابق، فإن الغدر بالحلفاء والجيران والمتعاهدين ليس من أخلاق الإسلام وخاصة وقت الحروب والمحن، وليس أدل على ذلك من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة خزاعة عندما دخلت في حلف النبي عليه الصلاة والسلام بعد صلح الحديبية، ووفاء النبي لعمرو بن سالم زعيم هذه القبيلة بعدما غدرت به قريش ومن حالفها آنذاك".
وأكمل فكرته بالقول "لم يقف النبي عليه الصلاة والسلام موقف المشاهد السلبي وقت الاعتداء على أحد حلفائه مرددا هذا الدعاء، ولكن هب لنصرته ومن دخل في عهده ودعاه ذلك لفتح مكة المكرمة ذلك الفتح العظيم، وهذا الدرس وعاه المسلمون الأوائل جيدا، لذا وجدنا الصحابة الكرام والتابعين من بعدهم يقاتلون أعظم دولتين في عصرهم في آن واحد وهم الفرس والروم، ولم ينتظروا إهلاك إحدى الدولتين للأخرى وهم يتقاتلون على أرض المسلمين".
من جهته أكدّ الأكاديمي السوري، أستاذ الحديث النبوي وعلومه، الدكتور عمار الحريري أن "الدعاء لا أصل له كحديث أو أثر" مضيفا "لكن لا إشكال فيه من حيث المعنى والفهم الصحيح، ذلك أننا نسأل الله المنتقم الجبار والقادر على كل شيء أن يهلك الظالم بالظالم، ويسلط الظالم على الظالم، ولا يستلزم منه فناء الأمة أو الدعاء على الأمة، وقد تضمن استثناء بالإخراج من بينهم سالمين، وأسلحة ربك قادرة على فعل ذلك".
وأضاف في حواره مع "عربي21": "واليوم تشهد الأسلحة الذكية على ذلك، والدعاء مطلوب دائما، خاصة بحق المظلوم، فهذا سيدنا نوح في حالة ضعفه ولا حول له ولا قوة دعا ربه على قومه (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)، ولا شك أن الأصل في الدعاء أن يقترن بالعمل وإعداد العدة، ولكن في لحظة ضعف المظلوم وهو يرى ظلمته يبطش بعضهم ببعض لا يسعه إلا أن يستحضر قدرة الله تعالى في عقاب الظلمة في الدنيا والآخرة".
د. عمار الحريري أكاديمي سوري أستاذ الحديث النبوي وعلومه
وتابع الحريري متسائلا "فكيف لو شهد لهذا المعنى، تسليط الظالم على الظالم القرآن الكريم كسنة إلهية في الظلمة، فلكل ظالم وجبار نهاية، بل جعل الله تعالى من عقوبته بهم أنه يولي بعضهم بعضا بما كانوا يكسبون كما في قوله تعالى {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} [الأنعام:129]".
وختم حديثه ناقلا ما أورده المفسر الطاهر بن عاشور في تفسيره المعروف (التحرير والتنوير) عن المفسرين بقوله: "قال المفسرون: يجوز أن يكون معنى: نُولي بعض الظالمين بعضا نجعل بعضهم ولاة على بعض، أي نسلط بعضهم على بعض".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير المسلمون مسلمون داء آراء دلالات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الدعاء من حیث
إقرأ أيضاً:
دعاء الرحمة والسكينة "اللهم اصلح الحال وارح البال"
الرحمة.. كشف الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن دعاء الرحمة والسكينة، قائلًا: اللهم ازرع في قلوبنا الرحمة والسكينة والطمأنينة ، واصلح الحال وارح البال وأجِب السؤال. اللهم آمين.
أهمية الرحمة في الشريعة الإسلامية:قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم في "المستدرك".
وكانت الرحمة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامةً شاملةً للعالمين جميعًا؛ لا تختص بعرق دون عرق، ولا بلون على لون، ولا بدين عن دين، بل كانت رحمة لكل البشر، وكان يأمر الناس بذلك، ويجعل دخول الجنة موقوفًا على ذلك:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ»، قلنا: كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله، قال: «لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ؛ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ» رواه عَبدُ بنُ حُمَيد في "مسنده".
الرحمة:
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ»، قلنا: يا رسول الله، فكلُّنا رحيمٌ، قال: «لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ النَّاسَ عَامَّةً» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
ولم تكن هذه الرحمة مجردَ تعاليم نظرية، أو تطلعاتٍ فلسفيةً؛ بل كانت -كسائر خصاله وأخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم- منهجَ حياةٍ يدعو إلى السلام والتسامح، وسيرةً سلوكية حيةً ترسِّخ منظومة القيم، وواقعًا تطبيقيًّا يجسِّد مظاهر التعايش الديني.
وجاء ذلك واضحًا جليًّا في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله الكريم مع صبره على أذى المنافقين وعفوه؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَاليَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رضي الله عنه، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ. متفق عليه.
أهمية الرحمة
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد رضي الله عنهما قاعدَيْن بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض؛ أي من أهل الذمة، فقالا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي! فقال: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا» متفق عليه.
ومن مظاهر رحمته ومسامحته صلى الله عليه وآله وسلم: أن كل معاركه وغزواته لم تكن اعتداءً، بل كانت لردع العدوان وصد الطغيان، ومما يدل على ذلك: حُسن معاملته للأسرى ورفقه بهم، رغم قتالهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإرادتهم قتله صلى الله عليه وآله وسلم وقتلَ مَن معه مِن المسلمين؛ فحافظ بذلك على كرامة الإنسان في الحرب كما حافظ عليها في السِّلم، حتى جعل الإسلامُ إطعامَ الأسير من أقرب القربات، الواقية من الشرور والآفات، وذلك امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: 8-11].
فلما أطلق النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمامة بن أثال رضي الله عنه وأسلم وحَسُنَ إسلامُه، ثم خرج معتمرًا، فلما قدم مكة، قالوا: أصبوت يا ثمام؟ فقال: لا، ولكني اتبعت خير الدين، دين محمد، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم خرج إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا، وأخذ الله قريشًا بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلاب، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله والرحم! فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الميرة-أي الطَّعامَ من الحبِّ والقوت وما يدخره الإنسان-، ففعل.