أضحت موضوعة الإسلاموفوبيا اليوم مادة دسمة يخوض فيها الجميع ساسة وإعلاميون ومثقفون وكتاب وباحثون في علم الاجتماع وعلم النفس والقانون والتاريخ والحضارة والأديان فضلا عن مدوني الشبكة الاجتماعية التواصلية ومرتاديها.

وقد تحولت في السنوات الأخيرة إلى أداة سياسية لصناعة الرأي العام وتوظيفه في الحياة السياسية من قبل بعض الأحزاب والمنظمات في معظم المجتمعات الغربية.

والملفت اليوم هو تصاعد هذه الظاهرة وتوسعها وتكثف ممارساتها وتجلياتها تزامنا مع صعود الحركات السياسية اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية الأخيرة بالإضافة إلى تنامي الوجود الإسلامي في البلدان الغربية وبروزه كأحد المكونات الجديدة التي تلعب دورا مؤثرا في المعادلة السياسية في تلك المجتمعات. كما ساهمت الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وتحديدا في غزة طيلة العام الجاري وما حظيت به من تضامن إنساني عالمي في مناهضة صارخة لموقف الحكومات الغربية، في تفاقم الظاهرة واحتدام الجدل والنزاع حولها.

فهل الإسلاموفوبيا ظاهرة عرضية أم خطة استراتيجية وأداة جيو سياسية لإدارة الصراع التاريخي المزمن بين الإسلام والغرب؟ أي هل هي نتيجة طبيعية للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية ذات العلاقة بالإسلام والتفاعلات التي تنجم عن كل ذلك؟ أم هي مزيج بين الظاهرة العرضية والخطة الاستراتيجية، بناءً على السياق والظروف المحيطة بها؟.

السياق التاريخي للمفهوم

لئن كان مصطلح "الإسلاموفوبيا" بالمعنى المتداول في العالم الغربي اليوم يعتبر مصطلحا حديثا يعود  أساسا إلى بداية القرن الجديد الواحد والعشرين إثر انهيار المنظومة الاشتراكية (الخطر الأحمر) والغريم السابق لليبرالية الغربية وتزامنا مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حيث تم ترشيح الإسلام وكل ما يمت اليه بصلة من مجموعات وأفكار  وثقافة وعقيدة الى اعتباره العدو الأول والجديد (الخطر الأخضر) للمنظومة والثقافة الغربية، إلا أن الإسلاموفوبيا (Islamophobia) كمفهوم بالمضمون الفكري الذي يختزنه، يعود إلى بدايات القرن العشرين حيث تم استخدامه من قبل مؤرخي الحقبة الاستعمارية  ليعبر عن كل سلوك أو تصرف يعكس حالة من الكراهية للإسلام أو "رُهاب الإسلام" أو الخوف المرضي من الإسلام. وقد تناول هذا الجانب الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن في مؤلفه "الإسلاموفوبيا: لماذا يخافون الإسلام؟" متوخيا منهج التحليل الفلسفي والثقافي لظاهرة الإسلاموفوبيا في السياق الغربي. ومركزا على كيفيات تشويه صورة الإسلام في الغرب وتأثيراتها على المسلمين.

هل الإسلاموفوبيا ظاهرة عرضية أم خطة استراتيجية وأداة جيو سياسية لإدارة الصراع التاريخي المزمن بين الإسلام والغرب؟ أي هل هي نتيجة طبيعية للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية ذات العلاقة بالإسلام والتفاعلات التي تنجم عن كل ذلك؟ أم هي مزيج بين الظاهرة العرضية والخطة الاستراتيجية، بناءً على السياق والظروف المحيطة بها؟.كما أن هناك من المؤرخين من يعيد المفهوم الى أبعد من كل ذلك، ليستدعي التاريخ الطويل من العلاقات المتوترة بين المسيحية والإسلام منذ العصور الوسطى ونشوب الحروب الصليبية الأولى التي غذّاها الخطاب البابوي المشحون بالعداء اللاهوتي القديم للدين والعقيدة الإسلامية في إطار الصراع التاريخي بين الحضارتين الإسلامية والغربية. بل هناك من يعتبر أن الجذور التاريخية للمفهوم تمتد إلى ما قبل الإسلام حيث كان العداء الغربي للشرق والثقافة الشرقية حتى المسيحية منها وسعي الغرب لاحتواء الشرق والهيمنة عليه ونهب ثرواته وتحويله الى تابع للمركزية الغربية، كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد عمارة في كتابه "ظاهرة الاسلاموفوبيا: الجذور التاريخية والنهايات المنتظرة".

ويمكن إجمالا رصد ثلاث محطات تاريخية مرت بها هذه الظاهرة التي تقوم على العداء والكراهية والتحيز ضد الإسلام والمسلمين بشكل عام وهو ما يتجلى أكثر اليوم في التهميش الدولي لبلدان العالم الإسلامي ومنع نهضتهم وفي المعاناة المتفاقمة التي يعيشها الوجود الإسلامي في الغرب.

ـ المحطة التاريخية الأولى تعود إلى الفترة الممتدة من بداية العصور الوسطى (ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر) إلى حدود ما يعرف بعصر النهضة الذي ساد في أوروبا (من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر): شهد الشق الأول من هذه الفترة اندلاع الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي (1095 ـ 1291) التي مثّلت ما يمكن عدّه الوجه المادي العسكري للإسلاموفوبيا وهو ما يعكس أشدّ درجات العداوة للإسلام باعتباره الدين الزاحف من الشرق أمام تراجع الكنيسة وهزيمتها في العديد من مراكزها التاريخية.

أما الشق الثاني أي عصر النهضة يمكن اعتباره الوجه الفكري الثقافي للاسلاموفوبيا من خلال الحملات والكتابات الاستشراقية المكثفة التي ليست في حقيقة الامر سوى استمرارا للحملات الصليبية الأولى، وزادت من تأجيج الكراهية والعداء الغربي المسيحي للإسلام والمسلمين بالرغم من الاهتمام الملحوظ والدقيق لبعض الكتابات التي تعمقت في دراسة الإسلام وما يزخر به من ثروة فكرية وفقهية آنذاك استفاد منها الفكر الغربي لاحقا. إلا أن الكثير من الكتابات الأوروبية ظلت معادية ومليئة بالأحكام المسبقة، حيث كان يُنظر إلى الإسلام على أنه تهديد للغرب ونسف للديانة المسيحية.

ـ المحطة الثانية تشمل مرحلة الاستعمار الأوروبي لمعظم دول العالم الإسلامي ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث زادت ظاهرة الإسلاموفوبيا بسبب التوسع الأوروبي في البلدان الإسلامية. واتسمت هذه المرحلة ببسط الهيمنة والنفوذ للقوى الاستعمارية على الصعيدين السياسي والثقافي، وتم تشويه الإسلام وتصويره كدين رجعي مناهض للتقدم ومعيق للتنوير، وهو ما يبرر الفكرة الاستعمارية ذاتها. كما تم استغلال التصورات السلبية عن المسلمين لتعزيز أهداف الاستعمار، حيث تم تصويرهم بأنهم "غير قادرين" على حكم أنفسهم، مما يتطلب تدخل القوى الغربية.

ـ المحطة الثالثة وتمتد من تاريخ ما بعد الاستعمار المباشر إلى يومنا هذا: وقد شهدت هذه الفترة مباشرة مع انتهاء الاستعمار موجات متتالية من هجرة المسلمين إلى أوروبا وأمريكا الشمالية مما عزّز الوجود الإسلامي في الغرب وفرض الاحتكاك المباشر معه معادلة جديدة تحتاج إلى تكيف مع الواقع حيث انتقل المسلمون المقيمون في تلك البلدان من صفة مهاجرين إلى صفة مواطنين وإن كانوا لا يزالون مواطنين من درجة ثانية من حيث التمتع بحقوقهم الاقتصادية والسياسية في أغلب الدول الغربية. وفي العقود الأخيرة، زاد انتشار الإسلاموفوبيا خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. التي ساهمت في تكريس الصور النمطية السلبية تجاه المسلمين، وربط الإسلام بالإرهاب في معظم وسائل الإعلام الغربية. كما تزايدت كذلك الإسلاموفوبيا بسبب الأحداث السياسية في العالم الإسلامي، مثل الحروب في الشرق الأوسط وتصاعد التيارات المتطرفة، مما جعل الإسلام والمسلمين في مرمى العداء في بعض الدول الغربية. في هذا السياق يرصد سعيد شحاتة في كتابه "الإسلاموفوبيا والعولمة" انتشار الإسلاموفوبيا في اطار العولمة وتأثير العلاقات الدولية على تصاعد هذه الظاهرة، وانعكاساتها على الوجود الإسلامي في الغرب.

التجليات أو الأحداث البارزة

يمكن القول إن ازدهار ظاهرة الإسلاموفوبيا المعاصرة انطلق مع أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي شكلت صدمة كبرى للعالم بأسره وتم توظيفها إعلاميا على أكبر نطاق وتوجيه سهام الاتهام ليس إلى من قام بتنفيذها ـ وهو أمر لم يعد اليوم لغزا ولا طلسما ـ  وإنما إلى الإسلام برمته وإلى المسلمين أجمعين. وشكلت بالتالي شحنة جديدة لتغذية الإسلاموفوبيا وتأجيج منسوب الحقد والكراهية ووصمه بكل النعوت الوحشية والبربرية وما إلى ذلك. ولم تفوت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الفرصة الذهبية لإعلان الحرب على الإسلام وتنفيذ هجمات لا تقل بشاعة عما جرى في تلك الاحداث وأبيد الملايين من شعوب المنطقة سواء كان في أفغانستان أو العراق تحت عنوان مقاومة الإرهاب وملاحقة جماعاته التي بينت الأحداث اللاحقة تورط الاستخبارات الدولية والأمريكية تحديدا اختراقها لتلك الجماعات بل وضلوعها في تكوينها منذ البداية وتوجيهها ضمن أجندة لا يمكن إلا أن تندرج في خانة تغذية الإسلاموفوبيا وملاحقة الإسلام.

في هذا السياق تتالت الاحداث التي تستهدف الوجود الإسلامي في الغرب والتضييق عليه ومحاصرة رموزه مثل سن قانون حظر الرموز الدينية في فرنسا عام 2004 والذي شمل الحجاب الإسلامي ودشّنت مرحلة جديدة من الاحداث الإرهابية على غرار الهجمات على النساء المحجبات في فرنسا عام 2013 والهجوم ضد الصحيفة الساخرة من نبي الإسلام عليه الصلاة و السلام "شارلي هيبدو" في باريس عام 2015،  واحداث القتل في كيبك بكندا عام 2017 وحرق المركز الإسلامي في تكساس بأمريكا وهجوم لندن في نفس العام واحداث المسجدين في نيوزلندا 2019 واحداث المانيا عام 2020 والنرويج عام 2022 وغيرها.

وقد لعب الإعلام إلى جانب التحريض دورًا مهمًا في تضخيم الاحداث التي تساعد على تغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا، والصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين بشكل متكرر كمصدر للتهديد. ويعتبر الكاتب الفلسطيني ادوارد سعيد من الأوائل الذين درسوا هذا الدور في كتابه "تغطية الإسلام" ( Covering Islam ) حيث قدم تحليلاً عميقاً لكيفية تغطية الإعلام الغربي للإسلام، وهو جهد ضروري ومهم لفهم جذور الإسلاموفوبيا في الخطاب الغربي. كما ساهم صعود الحركات السياسية اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية، في زيادة الإسلاموفوبيا، حيث أصبحت الهجرة والمجتمعات الإسلامية هدفًا للخطاب السياسي الشعبوي لتلك التيارات.

العرضي والاستراتيجي من الظاهرة

يلحظ الراصد لتطور ظاهرة الإسلاموفوبيا المعاصرة جمعها بين الطابع العرضي الذي قد يبدو أحيانا والخط الاستراتيجي على المدى الطويل الذي لا تخطئه العين البصيرة الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى ترسيخ كراهية الإسلام في عقول الناس وعدم تفويت أي فرصة تتاح أو أي حادث عرضي لتجذير ذلك وإعادة تدويره بهدف صناعة رأي عام متحيز ضد الإسلام والمسلمين ومتوتر إزاء الحظوة المتزايدة التي يلقاها لدى الجمهور الغربي ولا سيما الشبابي منه وتنامي الإقبال عليه كدين جاذب للأفكار والارواح أمام التراجع الملحوظ للفكر الكنسي وانغلاق الفكر التلمودي.

إن ازدهار ظاهرة الإسلاموفوبيا المعاصرة انطلق مع أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي شكلت صدمة كبرى للعالم بأسره وتم توظيفها إعلاميا على أكبر نطاق وتوجيه سهام الاتهام ليس إلى من قام بتنفيذها ـ وهو أمر لم يعد اليوم لغزا ولا طلسما ـ وإنما إلى الإسلام برمته وإلى المسلمين أجمعين.قد تبدو أحداث العنف المنسوبة حقا أو باطلا لبعض المسلمين سببا عارضا لتزايد الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية وهي أحداث موسمية طارئة تبدو وكأنها نتيجة طبيعية للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية كتلك التي نجمت اثر صدور كتاب "الآيات الشيطانية" عام 1988 الذي تطاول فيه كاتبه البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي على نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، أو الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول في الدانمارك عام 2005 أو في فرنسا عام 2015. قد تكون كل تلك الأحداث وغيرها ظاهرة عرضية نتجت كردود أفعال عن سلسة الاستفزازات والإساءات المتكررة عمدا ضد الإسلام ورموزه، ولكن ذلك لا يمكن أن يحجب الخيط الناظم للملاحقة الإعلامية والفكرية والثقافية التي تنتهجها القوى اليمينية المتطرفة الرافضة للوجود الإسلامي والمتحفزة ضد مقبولية الإسلام في النخب والأوساط الاجتماعية الغربية. فالإسلاموفوبيا بهذه الصورة ليست رُهاب الإسلام أو الخوف من الإسلام كما يروج البعض من المحللين للظاهرة وانما هو التخويف من الإسلام وزرع بذور الكراهية ضده ضمن خطة استراتيجية محكمة لم تنقطع حلقاتها منذ عهد الاستشراق الأول وما أورثته الحروب الصليبية في العصور الوسطى من حقد دفين. فلم تعد هذه الخطة مخفية أو تدار حلقاتها في الظلام ولكنها أضحت مكشوفة للعيان وأمام مرأى الجميع. ويكفي التوقف عند التصريحات المثيرة لرؤساء دول غربية كبرى كالرئيس الفرنسي ماكرون وسلفه ساركوزي والرئيس الأمريكي السابق ترمب التي أثارت ضجة إعلامية دولية للتدليل على هذه الحقيقة.

من حسن حظ الوجود الإسلامي في الغرب أن هذه التصريحات والمواقف النشاز لا تعبر إلا عن جزء من المجتمع الغربي المشحون عبر وسائل الاعلام ودورها التضليلي ضد الإسلام والمسلمين وأن هناك جزءا آخر معتبرا لا يحمل مشاعر الإسلاموفوبيا ويقف موقفا موضوعيا بعيدا عن التحيز والكراهية. ولا أدل على ذلك من التحركات التضامنية المشرفة التي قام بها طلاب الجامعات الغربية مساندة لغزة التي تتعرض لأكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث على يد الصهيونية العالمية.

كشفت هذه الأحداث الكبرى عن الوجه الحقيقي لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث كونها تنم عن خطة استراتيجية للأحزاب اليمينية الصاعدة تستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية محددة، وخصوصًا في الحملات الانتخابية، حيث تستغل تلك الأحزاب والحركات السياسية الإسلاموفوبيا لكسب دعم الناخبين عبر تصوير الإسلام على أنه تهديد للأمن القومي أو للهوية الوطنية مما يساعد في تعزيز القاعدة الشعبية لهذه الأحزاب.

كما أن بعض الدراسات تشير إلى وجود صناعة قائمة حول الإسلاموفوبيا، حيث توجد مؤسسات إعلامية ومنظمات تنشر عن عمد معلومات مضللة أو مشوهة حول الإسلام لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. وهذا يشمل تمويل بعض مراكز الأبحاث والمنظمات التي تتبنى خطابًا معاديًا للإسلام وتروج لسياسات تمييزية. وتستخدم الإسلاموفوبيا كذلك كأداة استراتيجية في السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث يُوظف الخوف من الإسلام لتبرير التدخل العسكري أو السيطرة الاقتصادية على دول إسلامية وهو ما يمكن من خلاله من تبرير الحروب أو التدخلات العسكرية ضد تلك الدول ذات الأغلبية المسلمة على أساس محاربة "التطرف" أو "الإرهاب"، مما يعزز أجندات استراتيجية معينة.

خاتمة

يحيلنا الربط بين العرضي والاستراتيجي في فهم ظاهرة الإسلاموفوبيا وتطورها التاريخي إلى بعض الخلاصات والاستنتاجات المهمة:

ـ أولها أن الإسلاموفوبيا باعتبارها مسارا وخطة استراتيجية يشتغل عليها أصحابها منذ زمن بعيد ليست بمعزل عن مقولة صدام الحضارات التي طرحها الأمريكي صامويل هنتغتون في نظرته لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد هذا النظام الذي أصبح مطلبا لا مفر منه لإنقاذ العالم والبشرية من براثن الليبرالية الجديدة الأكثر توحشا في التاريخ. فالعلاقة بين الظاهرة والمقولة علاقة جدلية مترابطة يخدم كل منهما الاخر. فالاستثمار في الإسلاموفوبيا يفضي الى اسعاف نظرية صدام الحضارات خصوصا وأن صاحبها بوّأ الإسلام والحضارة الإسلامية مكانة الصدارة في هذا الصدام المنتظر. كما أن تحقق التنبؤ بصدام الحضارات يحتاج إلى أدوات لتهيئة المناخات التي تمهد لهذا الصدام، ولا شك أن الإسلاموفوبيا هي احدى تلك الأدوات.

ـ الثاني العلاقة بين العرضي والاستراتيجي هي أيضا علاقة جدلية يصب كل منهما في رصيد الآخر، حيث أن الاحداث العارضة والطارئة التي تفرزها التوترات الإقليمية والدولية وتقود الى سلوكيات عدائية ضد الإسلام والمسلمين تخدم الاهداف الاستراتيجية للاسلاموفوبيا التي تراهن على الفعل التراكمي. كما أن تلك الأهداف الاستراتيجية لا يمكن تحقيقها مرة واحدة وإنما من خلال توظيف الاحداث والظواهر العرضية من أجل بناء نسق استراتيجي يعزز المسار ويخدم الخطة على المديين المتوسط والطويل.

ـ الثالث يتعلق بمستقبل هذه الظاهرة في ظل الصراع الدولي الدائر على قيادة النظام الدولي الجديد والذي دشن مرحلته الأولى بالتعددية القطبية مع بروز مجموعة البريكس وتوسعها إلى البريكس+ لتضم دولا من العالم الإسلامي كإيران ومصر والسعودية والإمارات، وهو ما يعكس نزوعا ضمنيا من هذه الدول إلى تنويع علاقاتها الخارجية وعدم الارتهان إلى المنظومة الغربية التقليدية التي تعتبر الوعاء الثقافي والحضاري للإسلاموفوبيا. 

ـ الرابع يتعلق بمستقبل الوجود الإسلامي في الغرب في ظل تصاعد الإسلاموفوبيا على يد الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ما فتئت تكتسح الركح في معظم البلدان الغربية وبالخصوص الأوروبية منها حيث تستخدم هذه الأحزاب الإسلاموفوبيا كأداة سياسية للصعود الى الحكم من جهة وتمرير سياسات تمييزية أكثر ضد الوجود الإسلامي عندما تكون في الحكم من جهة أخرى بما في ذلك ممارسة المزيد من المضايقات على المساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية واستهداف الرموز الدينية وفرض المزيد من القيود على الهجرة.

لكن من يدري فالشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده. ربما يدفع تصاعد الإسلاموفوبيا بشكل غير مسبوق إلى ردة فعل غير محسوبة من قبل الشعوب والمجتمعات الغربية التي بدأ جزء هام منها يستفيق على وقع طوفان الأقصى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الرأي الغربية العلاقات المسلمون علاقات الغرب مسلمون رأي أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ضد الإسلام والمسلمین ظاهرة الإسلاموفوبیا الولایات المتحدة الإسلاموفوبیا فی العالم الإسلامی خطة استراتیجیة هذه الظاهرة من الإسلام کما أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

طور الانقلاب الثقافي..عمان بين الميلاد والإسلام

التاريخ العماني القديم.. لا تزال الدراسات المنهجية فيه مبكرة، وهو ينقسم إلى:

- ما قبل الميلاد.. وهذا لا أدلة عليه إلا من الآثار، وعلم الآثار.. في عمان لا يزال يافعاً، فالتنقيبات الآثارية عمرها حوالي نصف قرن، كما أن معظم المكتشف منها لم يخضع للربط الحضاري، ولم يوضع في سياقه التاريخي، إلا قليلاً، وأهم كتاب صدر في هذا المجال هو «في ظلال الأسلاف.. مرتكزات الحضارة العربية القديمة في عمان» للفرنسي سيرج كلوزيو (ت:2009م) والإيطالي موريسيو توزي (ت:2020م).

- ما بين الميلاد والإسلام.. وقد غلب على هذه الحقبة الأسطرة بحسب السردية العربية الكلاسيكية، ولكنها لم تعدم من بعض الأدلة الآثارية، ومن المقارنة مع التاريخ العام للمنطقة.

قَسمّتُ التاريخ العماني سبعةَ أطوار كبرى على أساس المعالم الثقافية لكل طور:

1. طور ما قبل التاريخ.. يبدأ من أول وجود الإنسان على الأرض العمانية حتى نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد، وهو طور لا نعرف من معالمه إلا القليل.

2. طور التأسيس.. يبدأ بانبثاق الحضارة العمانية مع بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد لينتهي بالميلاد، وهذا الطور تحصّلت له مادة آثارية كشفت عن أهميته؛ بحيث عددتُه أساساً للأنظمة العمانية؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في أطوارها اللاحقة.

3. طور الانقلاب الثقافي.. يبدأ بميلاد المسيح وينتهي بظهور الإسلام، وهو محل حديثي هنا.

4. طور التحوّل الإسلامي.. يبدأ بدخول عمان الإسلام، لينتهي بفتنة عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي عام 272هـ، وهذا الطور.. نقل الثقافة العمانية نقلة معرفية كبرى، بحيث أصبح كثير من التاريخ العماني مقروءاً من خلال مدونات العمانيين.

5. طور الاضطراب السياسي.. ما بين عامي 272-1034هـ، وفيه دخلت عمان في حروب أهلية وهيمنة خارجية متوالية، وابتليت سواحل عمان بالاستعمار البرتغالي.

6. طور مواجهة الاستعمار.. يبدأ بقيام الدولة اليعربية، وينتهي بنهاية حكم السلطان سعيد بن تيمور (ت:1972م)، وهو طور انبعاث جديد للأمة العمانية؛ بحيث أشادت دولة مركزية كبرى، ولكن بانهيارها دخلت عمان في حروب أهلية وهيمنة خارجية مرة أخرى.

7. طور الدولة الحديثة.. الذي نعيشه، بدأ بحكم السلطان قابوس بن سعيد (ت:2020م) لعمان عام 1970م، ممتداً لعهد مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق أعزّه الله.

المقال.. خصصته لما بين ظهور عيسى بن مريم والنبي الخاتم، ولأن عمان شهدت خلال هذه الحقبة انقلاباً ثقافياً، شمل الدين واللغة والسياسة والمجتمع؛ أسميته «طور الانقلاب الثقافي». وعمان.. كانت يقطنها سكانها القدماء، وهي بلاد غير مغلقة، فقد شهدت باستمرار هجرات؛ منها وإليها، إلا أنها مرت بوضع استثنائي خلال هذه الحقبة، حيث كثرت الهجرات إليها مما أدى إلى تغيّر سريع في بُنية المجتمع، ومن ملامح هذا الطور:

- الخارطة الجيوسياسية.. إن مما ترك أثراً على التصور الذهني للعمانيين عن بلادهم مجاورتها لفارس، التي كانت تقتسم مع بيزنطة المنطقة، وكان للفرس معسكرات على الشواطئ الشمالية لعمان، فساد التصور بأن المدخل لفهم تأريخ عمان ما قبل الإسلام هو علاقتها بفارس، بيد أنه لم يكن للفرس تأثير يُذكر، واقتصر وجودهم على إقامة بعض المعسكرات على الشاطئ؛ تسمى «دساكر» مفردها «دسكرة» وبالفارسية «دستجرد»؛ والذي سميت به منطقة في صحار. في حين أن الدور الأكبر في تشكّل ملامح عمان الثقافية ما قبل الإسلام يعود لمملكة الحِيرة بالعراق وملوكها اللخميين اليمانيين. لقد تمدد حكم الأزد إلى عمان، وأصبح لها نفس الدور الذي شغلته الحِيرة مع فارس، والذي اقتصر على الجانبين السياسي والعسكري دون أن يؤثر على البُنية القبلية والثقافية للاجتماع العماني، والتي تغيّرت بسبب الهجرات العربية.

- الهجرات العربية.. يبدأ تاريخ عمان ما بعد الميلاد بالقصة التي بدأ بها تاريخ الحِيرة، وهي الهجرات اليمانية بالزعامة الأزدية، وبنفس قصة مالك بن فهم وحكمه للحِيرة. ويبدو أن انتشار الأزد في المنطقة ألقى بظلاله المشتركة بين تاريخ المملكتين، كما جعل الثقافة اليمانية المُشرَّبة بالمؤثرات الشمالية لجزيرة العرب تسود عمان. وهذا عائد إلى تمدد نفوذ الأزد إليها من الحِيرة، لكن ما لبث أن شكل استقلالاً سياسياً على يد المعاول اليمانيين.

تركزت الهجرات اليمانية الجنوبية والنزارية الشمالية التي فاضت بهما الحِيرة على عمان خلال القرنين الثالث والرابع الميلاديين، لتشكّل فاصلاً بين العهد السابق والعهد اللاحق حينذاك، والذي ظل مؤثراً حتى عصرنا.

- الانقلاب الثقافي.. في هذا الطور حصل تحول ثقافي في عموم الجزيرة العربية، إذ إن عرب الشمال ظهروا ثقافياً فيها، مما أدى إلى تبدّلٍ اجتماعي، انعكس على عمان؛ حيث تغيّرت ثقافياً، فأفَلَتْ الملامح الاجتماعية القديمة لتحل محلها ملامح جديدة. ومصطلح «عرب الشمال» لا يعني القبائل الشمالية وحدها، وإنما يدل على بُعد ثقافي، حيث بدأت الثقافة الشمالية تتغلب على الثقافة الجنوبية، وربما يعود ذلك إلى قيام ممالك قوية في الشمال؛ مثل: مملكة الحِيرة في العراق ومملكة الغساسنة في الشام، رغم أن الأسر الحاكمة فيهما يمانية.

لقد ظهر تأثير هذا الانقلاب على اللغة، فبدأت تضعف اللغة الجنوبية أمام اللغة الشمالية؛ وهذه الأخيرة هي التي نزل بها القرآن؛ بمعظمه، وكُتِب بالخط الذي كُتِبت به. وقد لحق هذا التأثير المعاجم العربية التي جُمعت بعد الإسلام، حيث إن اللغات الجنوبية؛ ومنها العمانية لم تنل حظها من الجمع المعجمي. ومن هذا التأثير.. أن ترك الناس أسماءهم القديمة؛ مثل: شعر أوتر، ومعد يكرب، ويهرحب، ويحضب، لتحل محلها أسماء مثل: زيد وعبد ونصر وعمرو.

- خط المسند.. ظهر قبيل الميلاد، وانتشر في ربوع عمان، وأصبحت الحوائط الصخرية بجبالها مكتبة تحتفظ بالنقوش المسندية، وقد عُثِر على كثير منها في الجبال؛ مثل: الشارقة ووادي السحتن ووداي بني خروص والحمراء وبَهلا وظفار. خط المسند انتشر في الجزيرة العربية وعموم المنطقة، لكن قيام الممالك الشمالية في الجزيرة؛ والتي اعتمدت الخط الآرامي وسلالته، أدى إلى انحسار خط المسند منها شيئاً فشيئاً، والذي استمر وجوده في اليمن حتى صدر الإسلام.

يبدو أن انحسار خط المسند من عمان بدأ قبيل الإسلام، نتيجة تأثر العمانيين بالحِيرة، فقد كانوا قبل الإسلام ممثلين دينياً في كنيسة العراق. وهذا استدعى ذهاب بعضهم للتعلم هناك، خاصةً أن الحِيرة كانت «مملكة دينية»، اهتم سكانها بنشر الدين النصراني وتعليم الناس، فانتشر حينذاك خط الجزم الذي كتب به المصحف الشريف، والجزم سليل الخط الآرامي؛ الذي بدأ دخوله إلى عمان منذ وقت متقدم.

- التحول الديني.. حتى الآن لم تظهر وثائق أو أدلة آثارية قاطعة على طبيعة الدين الذي ساد عمان قبل الميلاد، وإن كانت الاكتشافات الآثارية يستشف منها بعض الدلالات الدينية. أما بعد الميلاد.. فوجد بعض الآثارية والوثائق الدالة على وجود النصرانية النسطورية بعمان؛ في شمالها ممثلة بكنسية العراق، مع وجود كنيسة أخرى في ظفار. كما أنه بوجود الفرس في الساحل الشمالي لعمان وجدت فيه المجوسية «الزرادشتية»، لكنها لم تنتشر بين العمانيين إلا نزراً يسيراً لأنفة العرب عن اتباع الأعاجم، ولأن الزرادشتية ديانة غير موحدة لله بعكس النسطورية، حيث كان العرب أقرب للتوحيد.

أما ما يذكر عن عبادة الأصنام في عمان قبيل الإسلام؛ بحسب «قصة مازن بن غضوبة» فلا تثبت، لعدم منطقيتها ولتعارضها من الأدلة القرآنية، انظر: «هل تكلم الصنم» بجريدة «عمان»، بتاريخ: 17/ 1/ 2023م. كما أن عبادة الأصنام قد انكشحت من جزيرة العرب قبل الإسلام، انظر: «الصنمية لدى العرب.. عشية البعثة المحمدية»، بجريدة «عمان»، بتاريخ: 12/ 10/ 2024م.

مقالات مشابهة

  • شعر به سكان مصر.. زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب قبالة السواحل التركية
  • طور الانقلاب الثقافي..عمان بين الميلاد والإسلام
  • 21 ألف قضية خلال شهر| الشحاتة في العيد الكبير.. وجه قبيح يبدد روح العطاء
  • التعاون الإسلامي: 90% من حوادث الإسلاموفوبيا لا يُبلّغ عنها
  • فرحة العيد تُشوهها الشحاتة.. ماذا فعلت الدولة لمواجهة التسول؟
  • مرصد يؤشر تطور ظاهرة الخطاب الطائفي في العراق مع قرب الانتخابات ويدعو لـالضبط
  • ظاهرة فلكية نادرة في سماء بلد عربي.. انفجار كويكب بقوة 178 طنا من مادة الـ”TNT”
  • ظاهرة فلكية نادرة.. كويكب ينفجر في سماء دولة عربية بقوة هائلة
  • الخضيري: ظاهرة فلكية نادرة تضرب حوطة بني تميم غدًا
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول المشمش؟