قوة إيران في أذرعها، إلى جانب ما طورته من عناصر القوة منذ ثورة الإمام الخميني، غير أنها تبقى خائفة على نظام ولاية الفقيه من أمريكا بمقدار ما هي مخيفة للأنظمة الصديقة لأميركا، كلما قالت واشنطن أنها تريد تغيير "سلوك النظام" لا "تغيير النظام" كانت الترجمة في طهران هي التآمر على النظام، لأن السلوك عامل أساس فيه، وكلما حدثت تفاهمات أو اتفاقات فوق الطاولة أو تحتها، وخصوصاً خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، تصرفت إيران كأنها حصلت على إجازة للهيمنة على المنطقة وإضعاف النفوذ الأمريكي، فالانطباع السائد "أن إيران صارت معزولة ضمن إستراتيجية الاحتواء خاطئ، إذ هي طورت إستراتيجية محسوبة لتقوية ميليشيات تعمل بالوكالة عنها في محيطها المباشر"، كما تقول نائبة رئيس مؤسسة "بروكنغر" ومديرة برنامج السياسة الخارجية، سوزان مالوني.
و"لا قوة قادرة على منع طهران من الهيمنة سوى أميركا".
والجديد اليوم هو الحرب لإضعاف الأذرع الإيرانية بعد عقود من النقاش الإستراتيجي حول أضمن طريقة لإسقاط النظام، وهل هي البدء من الأطراف أم من الرأس، فحين دعا الخميني إلى "تصدير الثورة" على يد "الحرس الثوري" قال: "إذا بقي النظام في مناخ مغلق فسوف يواجه هزيمة بالتأكيد".
وعندنا تنظر طهران إلى حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، والميليشيات التابعة لفيلق القدس في سوريا، والحوثيين في اليمن، فإنها تطمئن إلى أن خط الدفاع الأول عنها قوي.
وفي رأي "إيكونوميست" البريطانية فإن إيران حاولت على مدى ثلاثة عقود "تخويف العرب والغرب وإسرائيل بأمرين: تهديد بسباق نووي، وتنظيم محور المقاومة". لكن إسرائيل "ضربت الجناح العسكري لـحماس في غزة وفاقت حزب الله في الدهاء والخداع، فبدت إيران ضعيفة جداً لمساعدة وكلائها والدفاع عن نفسها، وانتهى اعتمادها على أذرعها لردع إسرائيل عن الهجوم عليها". حتى ما سماه ريتشارد فونتين وأندريا كينال- تايلور "محور الاضطراب" الذي يضم روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، ويجمعه الاعتراض على الأحادية الأمريكية في النظام الدولي، فإنه عاجز عن تقديم الكثير لدعم الجمهورية الإسلامية.
لكن من المبكر التوصل إلى خلاصات نهائية ثابتة، فما بنته إيران في الدول العربية ليس مجرد منظمات عسكرية مسلحة بالصواريخ والمسيرات وسواها، بل أيضاً تنظيمات إيديولوجية مؤمنة بولاية الفقيه. وقضية فلسطين التي تبنتها لن تموت لدى الأجيال الفلسطينية، ولو سقط أو ضعف النظام الإيراني ومعه أذرعه، وإيران واسعة مساحتها 1.8 مليون متر مربع، حدودها ممتدة 8731 كيلومتراً منها 2700 بحرية، ولها حدود مشتركة مع 15 دولة، وموقعها الإستراتيجي على محور شمال جنوب بين منطقة بحر قزوين، ومحور شرق غرب في موقع وسط بين آسيا الوسطى، والشرق الأوسط الذي تسميه غرب آسيا، فلا ضربة واحدة أمريكية أو إسرائيلية يمكن أن تدمر المنشآت النووية، ولا مجال لقصف العقول التي صارت تعرف كيف تصنع قنبلة نووية، وكما أثبتت أمريكا في مجالات عدة أنها تريد تسوية مع إيران، فإن طهران عملت وتعمل للحصول على صفقة نووية وإقليمية مع "الشيطان الأكبر".
لا بل إن جمهورية الملالي لا تزال تؤمن بأن حرب غزة ولبنان ستحدث في النهاية تحوّلاً في ميزان القوى يضعف النفوذ الأميركي ويفتح الطريق أمام نظام إقليمي تلعب فيه إيران دوراً كبيراً بصرف النظر عن الخراب والدمار والضحايا، وهي تراهن على "الصبر الإستراتيجي" وقلة الصبر الأمريكي واللعب على تباين المصالح الاقتصادية بين أمريكا وأوروبا.
وهذه بالطبع حسابات تختلط فيها الأوهام والأحلام والرهانات والحقائق، وأخطر السياسات هي التي تبنى على اليقين الإيديولوجي في عالم اللايقين الإستراتيجي. وإذا كانت أمريكا تراهن على الاستقرار في الشرق الأوسط، من حيث يطالبها المتخصصان راي تقية وأريك أدلمان بالعمل على "تغيير النظام" ودعم الثورة الإيرانية الثالثة، فإن الرئيس الروسي يعطي الأولوية للشراكة مع طهران، التي هي "جائزة بوتين".
وإذا كانت إيران تعيش على الاضطراب والفوضى والأزمات في المنطقة وتفيد مما يفعله خصومها، فإن الخطر الحقيقي على النظام هو من الداخل، كما يرى خبراء في الشؤون الإيرانية، فالتململ كبير من ضغط النظام وقمعه وفساد عدد من قادته، كما من سوء الوضع الاقتصادي، وتظاهرات "حرية، حياة، وامرأة" لا تزال حية في النفوس.
وبين الخبراء الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج من يطالب أمريكا بالتوقف عن دعم المعارضين للنظام لأن هذا الدعم يضعفهم في نظر الشعب الرافض للتدخل في شؤونه الداخلية.
يقول كريم سادجابور في "نيويورك تايمز" إنه "في أي لحظة واجه خامنئي مفترق طرق في الخيار بين الإصلاح والقمع، كان خياره القمع".
ويرى حسين جلالي أن "سقوط الحجاب يعني سقوط علم الجمهورية، وأن أربعة عقود من القوة الصارمة ستهزم أمام القوة الناعمة الثقافية الإيرانية التي ظلت قائمة لأكثر من ألفي عام"، حتى الحرس الثوري فإنه اعترف في دراسة سرية قدمها إلى قائده حسين سلامي بأن 65 في المئة لا يساندون النظام، و21 في المئة يساندونه بقوة، وخمسة في المئة يساندون إلى حد ما".
والتحدي الجديد أمام نظام الملالي هو أن الرأس والأذرع في مشكلة هذه المرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
مكالمة بين نتنياهو وترامب.. استمرت 40 دقيقة وتناولت إيران وغزة
كشفت وسائل إعلام عبرية، مساء الاثنين، عن مكالمة هاتفية جرت بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واستمرت لمدة 40 دقيقة وتناولت الملفين الإيراني والحرب على قطاع غزة.
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إلى أن المكالمة بين الجانبين ركزت على الملف النووي الإيراني، في ظل المحادثات الجارية بين طهران وواشنطن بشأن التوصل لاتفاق نووي جديد.
ولفتت الصحيفة إلى أن المكالمة تطرقت أيضا إلى قضية الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، مع وصول المفاوضات بشأن التوصل إلى صفقة لطريق مسدود.
وتتهم المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى نتنياهو بمواصلة الحرب استجابة للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته، لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية، لا سيما استمراره في السلطة.
وتُقدر تل أبيب وجود 56 أسيرا إسرائيليا في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، ما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ومن المقرر أن يعقد نتنياهو في وقت لاحق من مساء الاثنين، تقييما أمنيا مصغرا على خلفية مكالمته مع ترامب، وفق المصدر ذاته.
وقالت الصحيفة: "صرّحت إيران في وقت سابق اليوم أنها ستقدّم عرضًا مضادًا للشروط التي وضعتها الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي الجديد".
وأضافت: "منذ شهر أبريل/ نيسان، عقدت واشنطن وطهران 5 جولات من المحادثات، لكن يبدو أن المفاوضات وصلت حاليا إلى طريق مسدود، بسبب خلافات بين الطرفين حول قدرة إيران على مواصلة تخصيب اليورانيوم".
في سياق متصل، قالت القناة "14" العبرية الخاصة إن المحور الرئيسي للمكالمة بين نتنياهو وترامب "كان الملف الإيراني، وذلك على خلفية ما يبدو أنه رد سلبي متوقّع من طهران على المقترح الأمريكي المتعلق بالاتفاق النووي".
وأردفت: "قبل نحو شهرين، أعلن الرئيس الأمريكي أنه سيمنح 60 يومًا لإجراء مفاوضات مع إيران، لكن بعد 3 أيام فقط سينتهي هذا الموعد النهائي".
وأشارت القناة إلى أن ترامب "لا يخطط لشن هجوم مباشر على إيران، ولا يُتيح لإسرائيل تنفيذ هجوم فوري بمجرد انتهاء المهلة النهائية".
وقالت: "في إسرائيل، كانت هناك مخاوف من مسودة المقترح الذي قدمته الولايات المتحدة للإيرانيين، لكن الأمل الآن هو أن الإيرانيين، من خلال رفضهم، سيقومون بالمهمة نيابة عنا".
والأسبوع الماضي، كتب ترامب في منشور له على منصة "Truth Social" قائلا: "برأيي، إيران تؤخّر عمدًا اتخاذ قرارها في هذا الموضوع شديد الأهمية، وسيكون لزامًا عليها اتخاذ قرار حاسم وواضح في وقت قصير جدًا".
وتتهم الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل ودول أخرى، إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم لأغراض سلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء.
وتعد إسرائيل الدولة الوحيد في المنطقة التي تمتلك ترسانة نووية، وهي غير خاضعة لرقابة دولية، وتواصل منذ عقود احتلال أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ولبنان.
وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن تل أبيب تُعد لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، رغم معارضة واشنطن.