تعد قراءة سورة الإخلاص بعد ختم القرآن جماعة وتكرارها ثلاثا، من الأمور التي تشغل أذهان الكثيرين، فهل يجوز قراءة سورة الإخلاص بعد ختم القرآن جماعة وتكرارها ثلاثًا. 

قراءة سورة الإخلاص بعد ختم القرآن جماعة وتكرارها ثلاثا

وقالت الإفتاء في بيان: ما حكم قراءة سورة الإخلاص بعد ختم القرآن في جماعة، وما مدى جواز تكرارها ثلاثًا بعد الختم؟ إن قراءة سورة الإخلاص بعد ختم القرآن في جماعة أمر جائز شرعًا عملًا بالخبر الصحيح الوارد في كونها تعدل ثُلُثَ القرآن، وهو ما جرت عليه عادة الناس ومضى عليه عملهم، والفقهاء على استحباب تكرارها ثلاثًا بعد الختم لجبر أي نقص يكون قد دخل في قراءة بعض الختمة.

وأوضحت: العلماء متفقون على أن قراءة سورة الإخلاص بعد ختم القرآن في جماعة جائز في أصله؛ عملًا بالخبر الصحيح الوارد في كونها تعدل ثُلُثَ القرآن؛ فقد روي الإمام البخاري في "صحيحه" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ».

آراء الفقهاء في حكم تكرار قراءة سورة الإخلاص ثلاثًا عند الختم

لكنهم اختلفوا في استحباب تكرارها ثلاثًا عند الختم، مع نصهم على أن تكرارها هو الذي جرت عليه عادة الناس ومضى عليه عملهم، واختلفوا أيضًا هل تكرر إذا كان الختم في الصلاة:

عند الحنفية في استحسان تكرارها ثلاثًا عند الختم خارج الصلاة قولان، والاستحسان هو قول الأكثر، غير أنهم لم يستحسنوا تكرارها إذا كان الختم في الصلاة المكتوبة؛ جاء في "الفتاوى الهندية" (5/ 317، ط. دار الفكر): [قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ ثلاث مرات عَقِيبَ الختم لم يستحسنها بعض المشايخ، واستحسنها أكثر المشايخ لجبر نقصان دخل في قراءة البعض، إلّا أن يكون ختم القرآن في الصلاة المكتوبة فلا يزيد على مرة واحدة؛ كذا في "الغرائب"، ولا بأس باجتماعهم على قراءة الإخلاص جهرًا عند ختم القرآن، ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو أولى؛ كذا في "القنية"] اهـ.

وفي "فتاوى قاضي خان" (1/ 164، ط. المطبعة الأميرية ببولاق، بهامش "الفتاوى الهندية"): [وقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات عند ختم القرآن يستحسنه مشايخ العراق رحمهم الله تعالى، إلَّا أن يكون الختم في المكتوبة فلا يكرر سورة الإخلاص] اهـ.

وقال العلّامة الكمال بن الهمام في "شرح فتح القدير" (1/ 343، ط. دار الفكر): [وقراءتها ثلاثًا عند الختم خارج الصلاة اختلف المشايخ في استحبابه، واستحسنه مشايخ العراق، وفي المكتوبة لا يزيد على مرة] اهـ.

بينما الشافعية يستحسنون تكرارها عند الختم؛ قال الإمام التاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (10/ 285-286، ط. هجر): [حضرت الوالد رحمه الله -يعني الإمام تقي الدين السبكي شيخ الشافعية في زمنه- مرة في ختمة وقد وصل القُرّاء إلى سورة الإخلاص؛ فقرؤوها ثلاث مرات على العادة، وكان على يمينه قاضي القضاة عماد الدين علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي، فالتفت إلى الشيخ الإمام وقال: في خاطري دائمًا أن أسأل عن الحكمة في إطباق الناس على تكريرها ثلاثًا.

فقال له الشيخ الإمام: لأنه قد ورد أنها تعدل ثلث القرآن فتحصل بذلك ختمة.
فقال القاضي عماد الدين: فلم لا يقرؤونها ثلاثًا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان؟

فقال الشيخ الإمام: مقصود الناس تحقيق ختمة واحدة؛ فإن القارئ إذا وصل إليها فقرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة: إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن، وإمّا ثوابها بقراءة الإخلاص ثلاثًا. وليس المقصود ختمة أخرى. وهذا معنى مليح] اهـ.

ما سبب نزول سورة الناس ومكانها؟.. 7 أسرار مخفية وبركات ينبغي معرفتها من فاتته قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. لديه فرصة حتى بعد العشاء


وقال الإمام الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (1/ 473-474، ط. دار إحياء الكتب العربية): [مما جرت به العادة من تكرير سورة الإخلاص عند الختم نص الإمام أحمد على المنع، ولكن عمل الناس على خلافه] اهـ.

ونحوه للعلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الحديثية" (ص: 233، ط. مصطفى الحلبي).

والمعتمد عند الشافعية أن تكرار سورة الإخلاص عند الختم في الصلاة خلافُ الأَوْلى فقط، وليس سُنّةً ولا مكروهًا؛ لأنه لم يَرِدْ فيه نهي مخصوص:

جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" للعلامة ابن حجر الهيتمي (1/ 184، ط. دار الفكر): [وسئل نفع الله تعالى به عن تكرير سورة الإخلاص في التراويح: هل يُسَنُّ؟ وإذا قلتم "لا" فهل يُكْرَه أم لا؟ وقد رأيت في "المعلمات" لابن شهبة: أن تكرير سورة الإخلاص في التراويح ثلاثًا كرهها بعض السلف، قال: لمخالفتها المعهود عمن تقدم؛ ولأنها في المصحف مرة فلتكن في التلاوة مرة اهـ فهل كلامه مقرَّرٌ معتمد أم لا؟ بينوا ذلك وأوضحوه لا عدمكم المسلمون.

فأجاب فسح الله في مدته بقوله: تكرير قراءة سورة الإخلاص أو غيرها في ركعة أو كل ركعة من التراويح ليس بسنة، ولا يقال مكروه على قواعدنا؛ لأنه لم يرد فيه نهي مخصوص] اهـ.

قال العلامة أبو بكر شطا الدمياطي في "حاشية إعانة الطالبين" (1/ 307، ط. دار الفكر) تعقيبًا على فتوى العلامة ابن حجر: [الذي فيها أن قراءة القرآن في جميع الشهر أولى وأفضل، وأن تكرير سورة الإخلاص أو غيرها في ركعةٍ ما خلافُ الأَوْلى فقط، وليس بسنة ولا بمكروه] اهـ.


وعند الحنابلة رأيان: فنقلوا عن الإمام أحمد المنع من ذلك، ولكن المذكور في كتبهم أنه إن فُعِل فلا بأس به؛ حملًا للمنع على عدم الاستحباب، أو على أن المقصود به تكرارها داخل الصلاة؛ قال العلّامة ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/ 296): [وإذا قرأ سورة الإخلاص مع غيرها قرأها مرة واحدة ولا يكرر ثلاثًا؛ نص عليه، وقال ابن تميم: منع أحمد القارئ من تكرار سورة الإخلاص ثلاثًا إذا وصل إليها] اهـ.
وقال الشيخ الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح المنتهى" (1/ 605، ط. المكتب الإسلامي): [(ولا يكرر سورة الصمد..)؛ لأنه لم يبلغه فيه أثر صحيح، (فإن فعل) ذلك (فلا بأس)، لكن تركه أولى] اهـ.
غير أن مِن محققي الحنابلة مَن استحب تكرارها على كل حال؛ في الختم وغيره، وحكى الخلاف في تكرارها في الصلاة؛ قال العلّامة نجم الدين الطوفي الحنبلي في رسالته "إيضاح البيان عن معنى أم القرآن" (مطبوعة بتحقيق: علي حسين البواب، ضمن "مجلة البحوث الإسلامية" الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، عدد: 36، ص: 356): [ينبَغي لِمَن تَلا هذه السُّوَر الثلاثَ (يعني: الزلزلة، والإخلاص، والكافرون) مُنفرِدَةً، أو في جُملةِ القُرآنِ، بادِئًا مِن أوَّلِه، أو مِن آخره، في غيرِ الصَّلاة: أنْ يُكَرّرَ سُورَةَ "الزلزلة" مَرّتين، وسُورَةَ "الإخلاصِ" ثلاثًا، وسُورَةَ "الكافرونَ" أربَعًا؛ لِيستَكمِل بِذلكَ ثَلاثَ خَتَماتٍ. أما في الصلاة ففي تكرار السورة خلاف مشهور، وتفصيل بين الفرض والنفل] اهـ.
والتحقيق أن النهي عن التكرار محمول على نفي كونه مِن سُنّة القراءة المُتَّبَعة التي تُؤخَذ بالتلقي عن السلف؛ وخشية أن يُظَنَّ أنها كذلك في المصحف؛ فهو من الفقه الذرائعي الذي يزول بزوال سببه ولا يُتَوَسَّع فيه، وقد بيَّن أهل القراءة والأداء أن تكرار سورة الإخلاص ليس من سُنّة التلقي وعرض القراءة، وأنه شيء لم يُقرَأْ به في أسانيد الرواية في القراءة:
يقول الإمام ابن الجزري في "طيبة النشر في القراءات العشر" (2/ 451): [وأما ما يعتمده بعض القراء من تكرار قراءة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ عند الختم ثلاث مرات: فهو شيء لم نقرأ به، ولا أعلم أحدًا نص عليه من أصحابنا القراء، ولا الفقهاء سوى أبي الفخر حامد بن علي بن حسنويه القزويني في كتابه "حلية القراءة" فإنه قال فيه ما نصُّه: والقراء كلهم قرؤوا سورة الإخلاص مرة واحدة، غير الهرواني عن الأعشى؛ فإنه أخذ بإعادتها ثلاث دفعات، والمأثور دفعة واحدة. انتهى.
قلت: والهَرَواني هذا هو بفتح الهاء والراء، وهو القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفي الحنفي الكوفي، كان فقيهًا كبيرًا، قال الخطيب البغدادي: كان من عاصره بالكوفة يقول: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود إلى وقته أحد أفقه منه. انتهى. وقرأ برواية الأعشى على محمد بن الحسن بن يونس عن قراءته بها على أبي الحسن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكسائي الكوفي صاحب محمد بن غالب صاحب الأعشى، والظاهر أن ذلك كان اختيارًا من الهرواني؛ فإن هذا لم يُعْرَفْ في رواية الأعشى، ولا ذكره أحد من علمائنا عنه، بل الذين قرؤوا برواية الأعشى على الهرواني هذا -كأبي علي البغدادي صاحب "الروضة" وأبي علي غلام الهراس شيخ أبي العز وكالشرمقاني والعطار شيخي ابن سوار وكأبي الفضل الخزاعي- لم يذكر أحد منهم ذلك عن الهرواني، ولو ثبت عندهم روايةً لذكروه بلا شك؛ فلذلك قلنا: إنه يكون اختيارًا منه، والرجل كان فقيهًا عالمًا أهلًا للاختيار، فلعله رأى ذلك.
وصار العمل على هذا في أكثر البلاد عند الختم في غير الروايات. والصواب ما عليه السلف؛ لئلا يُعتَقَدَ أن ذلك سنة، ولهذا نص أئمةُ الحنابلة على أنه لا يكرر سورة الصمد، وقالوا: وعنه -يعنون عن أحمد- لا يجوز. والله الموفق] اهـ.

وشددت: الرواية المأخوذة عن أهل الأداء في تلقي القرآن هي عدم تكرار سورة الإخلاص، وإليهم المرجع في معرفة ذلك فلا يُقرَأُ بغيره في التلقي وعرض القراءة؛ لأن الرواية مبناها على التوقيف. وأما تكرارها في الختم فمسألة فقهية تتعلق بفهم الأدلة الشرعية واستنباط الأحكام منها، وبابُ الدراية أوسع من باب الرواية؛ فليس كل ما جاز درايةً صح روايةً.

فإذا قُرِئَ بالتكرار في الختم لا على جهة العرض وتلقي الرواية، وأُمِن مع ذلك مِن إيهام تكرارها في المصحف: فذلك جائز شرعًا ولا حرج فيه. وعليه العمل في أمصار الإسلام.

بل إن تكرار سورة الإخلاص عند الختم كان معروفًا عند السلف، حتى قبل الهرواني والأعشى؛ فقد روى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (3/ 374، ط. دار ابن حزم): [حدثنا عبيد بن إبراهيم الحربي؛ قال: سمعت سفيان يقول: صليت ببشر الحافي في شهر رمضان، فلما أردت أن أختم قرأت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ثلاث مرات، فقال لي بشر: عمن أخذت هذا؟ قلت: عن شيوخنا بخراسان، قال: إنما هي في المصحف مرة واحدة، وأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة] اهـ.

وسفيان بن عيينة ولد سنة سبع ومائة وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة، وقد نقل تكرار سورة الإخلاص في الختم عن شيوخه بخراسان، وقد قرأ القرآن وهو ابن أربع عشرة سنة -كما في "تاريخ ابن أبي خيثمة" (3/ 267، ط. دار الفاروق)-، وأخذ القراءة عن حميد بن قيس الأعرج المتوفى سنة ثلاثين ومائة، وهذا كله يشير إلى أنَّ ذلك ممَّا جرى عليه العمل قديمًا، وإنما عاب عليه بشر رحمه الله تكرارها في الصلاة؛ بناءً على أنها مفردة في المصحف، ولا يخفى أن نزولها مرة واحدة وعدم تكرارها في كتاب الله لا ينفي استحباب تكرارها في غير الختم، فكذلك عند الختم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سورة الإخلاص الإفتاء قراءة سورة الإخلاص ختم القرآن فی تکرارها فی مرة واحدة دار الفکر ثلاث مرات فی المصحف فی الصلاة الختم فی فی الختم لا یکرر على أن

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

هناك عادة يتم تبريرها من جهة أن الجيران هم الذين يقومون بإعداد هذه الوجبات الأولى، وأن الوجبة تُعد غداء مثلًا بعد الدفن أو عشاء بعد الدفن كذلك، وأيضًا في الأيام الثلاثة التي فيها أيام العزاء يقوم الجيران بإعداد الطعام للمعزين الذين يأتون من أماكن بعيدة، فما حكم هذا التصرف؟

الحقّ أن في هذه التصرفات، مع التوسع فيها وإيجاد المسوغات، تركًا للسنة، أو أن فيها تركًا للسنة، وإصرارًا على الاستمرار في هذه العادات التي تثقل كاهل الأسر وتثقل كاهل المجتمع، ولا سبيل إلى التقليل منها إلا بتعاون الجميع، واليوم السبل ميسّرة، فإن الناس يسافرون ويذهبون ويجيئون، ولا يجدون حرجًا في تهيئة الطعام الذي يحتاجون إليه في أوقاته، فإما أن يكون لهم قريب أو صديق، أو أن يأكلوا طعامهم في شيء من هذه الأماكن المعدّة لذلك.

لكن أن يشتغل الناس بإعداد الطعام وهم في حالة دفن الميت، فهذا يمكن أن يضيع عليهم ما هم أولى بالاشتغال به من حضور الجنازة وتشييعها وأداء حق هذا المسلم الميت، وفيه كما تقدّم تشجيع على أن يأتي الناس من أماكن شتّى؛ لأنهم ألفوا أن يجدوا الطعام معدًّا، ولذلك فإنهم لا يكترثون بالمواقيت، بالمواعيد التي يأتون فيها، ولا بأحوال الميت وأسرته، لأنهم يحملون الأمر على أن الجيران أو الأقارب هم الذين أعدّوا هذا الطعام.

وسمعتُ في السؤال كأنه يقول: الغداء والعشاء، وكذلك في أيام العزاء أيضًا الغداء والعشاء، هم وضيوفهم، وينبغي للمعزين أنفسهم إن كان ولا بدّ أن يذهبوا للتعزية أن يتحرّوا غير أوقات الطعام، وأن يتحرّوا غير أوقات الراحة؛ لأن في ملازمة العزاء لأهل المصاب عناء ومشقة لا يجهلها الناس، ففيه عناء كثير، ولا بدّ لهم من شيء من الراحة واستجماع قواهم ليتمكنوا من استقبال المعزين.

فعلى الناس أن يتعاونوا في مراعاة الأوقات وفي التخفيف عن أهل العزاء، ومنهم الجيران والأقارب، أما مع هذا التوسع بدعوى أن الأقارب والجيران هم الذين يُعدّون هذا الطعام لأهل الميت، فيبدو أن أهل الميت هم في آخر قائمة الاهتمامات، وإنما المقصود هو المذمّة من الضيوف، من المعزين الذين يأتون، ويُترك صحن لأهل البيت، لأهل العزاء.

فإذا لا بد أن يتعاون الجميع، ولا شك أن الحال اليوم أيسر مما كان عليه الحال قبل سنوات، حينما يتكلف أهل العزاء، وقد يكون ذلك من تركة الميت، وفيهم قُصَّر وأيتام، اليوم وُجدت هذه الصناديق الأسرية، والأقارب، والجيران، ولكن هذا لا يعني أن نستمر في هذه العادات، ينبغي أن نُقلّل منها، وأن نتحرى الأوقات التي هي غير أوقات الوجبات، وأن نخفف على أهل المصاب قدر ما نستطيع، ووُجدت اليوم من وسائل إيصال التعازي ورسائل المواساة وسائل كثيرة، ينبغي أيضًا أن يُستفاد منها، وألا يُحرِج الناسُ بعضُهم بعضًا في هذا الشأن، فينبغي أن يتعاون الجميع حتى نجعل من هدينا وسيرتنا في أيام العزاء أقرب ما يكون إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى المستعان.

هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأ سورة الكافرون في الركعة الأولى من الضحى، وفي الثانية الإخلاص؟

أما في صلاة الضحى فلا أحفظ أنه ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقرأ فيها سورة الكافرون وسورة الإخلاص، ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ بهاتين السورتين في سنة المغرب وفي سنة الفجر، وفي ركعتي الطواف، لكن في سنة الضحى لم أطلع أنه مما يُستحب أن يُقرأ في ركعتي الضحى الكافرون والإخلاص، وردت رواية لكنها ضعيفة، وبعضهم يقول موضوعة، في الضحى بقراءة «والشمس وضحاها» في الأولى، وقراءة «الضحى» في الثانية، لكنها كما قلت ضعيفة ضعفًا شديدًا.

ابني مريض منذ سبعة أشهر ولا يزال يتلقى العلاج في أحد المستشفيات، إلا أن بعض المقرّبين وبعض الناس يُلِحّون عليّ في تغيير اسمه، زاعمين أنه سيشفى بعد تغيير الاسم، مع أن اسم ابني اسم نبي، وهو داوود عليه السلام، كيف نرد على من يقول هذه البدع؟

أسأل الله تعالى الشفاء والصحة والعافية لولده ولسائر ذرياتنا، إنه تعالى سميع مجيب، وأما الجواب فإنه لا صحة لهذا المدعى، لا من ناحية شرعية ولا من ناحية طبية، فليس في الطب أن للأمراض التي يُصاب بها المواليد أو يُصاب بها الأطفال أو الناس علاقة بين الاسم والمرض، ولا يوجد هذا في الشرع، أن إصابة الناس بالأمراض يمكن أن تكون راجعة إلى الاسم، بل يُخشى أن يكون هذا من التشاؤم الذي نُهي عنه في دين الله تبارك وتعالى.

فقد كان أهل الجاهلية يتشاءمون بالأسماء وببعض الحوادث، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الروايات: «لا شؤم»، وفي بعض الروايات: «لا هامة ولا عدوى ولا صفر»، وقال: «ولا شؤم»، فنفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون للطيرة والتشاؤم أي أثر في مجريات الأحداث في هذا الكون، فيما يصيب بني البشر وما يحصل لهم من حوادث.

فعلى من زعم هذا الزعم أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، وأن يوقن أن الطيرة والتشاؤم ليسا من أفعال أهل الإسلام، وإنما هما من أفعال أهل الجاهلية، وأن هذا الدين جاء لنفي مثل هذه الأوهام والمزاعم، والذي يُبتلى ولدُه بشيء من الأمراض لا ينبغي له أن يسمع لهؤلاء، فإن التماس العلاج هو الأصل، وهذا من البلاء الذي يُضاف إلى المرض: أن يسمع مثل هذه الأقاويل، ولأن كل والد يشفق على ولده، فإنه يسعى إلى التماس ما يُخرجه مما هو فيه من بلاء ومرض ومعاناة، فقد يضعف أمام هذه المزاعم والأقاويل التي يوجهها الناس، لكن عليه أن يثبت وأن يحمل نفسه على ما في شرع الله تبارك وتعالى، وأن يوقن أنه لا طيرة ولا شؤم في هذا الدين الحنيف.

فكيف واسم ولد السائل من الأسماء المحمودة، والمحمود من يُسمّى بها تأسّيًا بأسماء رسل الله تبارك وتعالى وأنبيائه الكرام عليهم الصلاة والسلام، فلا يلتفت إلى هذه الأقاويل، وليلتمس العلاج، وليكثر من الضراعة والدعاء لله تبارك وتعالى، وليتصدق، فإن الصدقة تدفع البلاء، وأما ما يتعلق بالاسم فقد تقدم الجواب عنه، والله تعالى أعلم.

يُلاحظ في المساجد اقتطاع الأعمدة لصفّ المصلين، بمعنى أن الأعمدة تقطع صفوف المصلين، مما يؤدي إلى أن بعض المصلين يتجاهلون الصفوف التي فيها الأعمدة ويتقدمون أو يتأخرون، فيخلّ المكان، بمعنى تكون المسافة بعيدة بين الصف والصف الآخر، هل يؤثر هذا على صحة الصلاة للصفوف التي تليها؟ وما حكم الصلاة بين السواري؟

هذه مسألة فيها خلاف عند أهل العلم، وليس حديثهم في حالة ضيق المساجد والجوامع كما يحصل في صلاة الجمعة على سبيل المثال، أو في صلاة القيام، أو في صلوات الجماعة في رمضان من امتلاء المساجد وضيقها بالمصلين؛ فإن الكل متفق من رخّص ومن شدّد في مسألة الصلاة بين السواري، أي الأعمدة الأسطوانية، كلهم متفقون على أنه في حالات الضيق وعند امتلاء المساجد فلا إشكال ولا حرج في أن تُنشأ الصفوف بين السواري، هذا مما ينبغي أن يُنتبه إليه محل اتفاق.

يبقى الحال في حالة السعة: هل هناك حرج في الصلاة بين السواري؟ فيها خلاف، والأقرب هو أن النهي صحيح عن الصلاة بين السواري، فهناك روايات من طريق أنس بن مالك قال: «كنا نُنهى عن الصلاة بين السواري»، وفي بعض الروايات: «ونُطرد عنها طردًا»، وهذه الصيغة تدل على أن الرواية مرفوعة، أي: كنا نُنهى ونُطرد أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول الصحابي: «كنا نؤمر» أو «كنا ننهى» هو في حكم المرفوع.

وروايات أخرى أيضًا من طريق معاوية بن قرة، والحديث صحيح أيضًا أنهم كانوا ينهون عن الصلاة بين السواري، فذهب الجمهور من الإباضية والشافعية والأحناف والحنابلة إلا المالكية إلى النهي عن الصلاة بين السواري، واختلفوا: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وأكثرهم على أنه للكراهة.

وأما المالكية فإنهم يرخصون، فيُروى عن الإمام مالك أنه لا حرج في الصلاة بين السواري، وأُظن أن مما استند إليه القائلون بالجواز أو الترخيص، أو الذين حملوا النهي وصرفوه من التحريم إلى الكراهة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى بين العمودين، صلى بين الساريتين، ولكن الجمهور ردّوا بأن ذلك خاص بالصلاة داخل الكعبة، وأنه كان منفردًا، لم يكن يصلي في جماعة.

الحاصل أنه ما أمكن اجتناب الصلاة في الجماعة بين السواري فذلك خير وخروج من الخلاف، وينبغي أن تتصل الصفوف وألا يُقطع بينها قاطع، لكن هذا القاطع من السواري أو الأعمدة لا يؤدي إلى انتقاض الصلاة، لا يؤدي إلى نقض صلاة ذلك الصف؛ لأنه فاصل طبيعي، فهو ليس بالفجوة التي يمكن ملؤها وقصّروا في ملئها، وإنما هو فاصل طبيعي استدعاه بناء المسجد أو الجامع.

لكن قدر المستطاع يُجتنب الصلاة بين السواري في المساجد في حال السعة، فإن فعلوا ذلك فلا يضيرهم، وإن أمكن لهم أن يجعلوا الصفوف متقاربة وأن يجتنبوا مواضع السواري فذلك خير، فإن لم يمكن لهم وكان الصف من وراء السارية فلا حرج إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.

مقالات مشابهة

  • فتاوى وأحكام| وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفوائدها.. حكم اصطحاب الأطفال لصلاة الجمعة.. هل يصح ترك صلاة الجمعة بسبب البرد الشديد والمطر؟
  • سورة الكهف .. اعرف وقت قراءتها يوم الجمعة وفوائدها
  • فصل سورة الكهف....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم ب 3بركات
  • أذكار الصباح اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025.. «اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الهمِّ والحَزنِ»
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • أذكار الصباح مكتوبة .. تجمع خيري الدنيا والآخرة فلا تتكاسل عنها
  • عدية يس.. ما حقيقتها وهل لها أصل في السنة؟ | اعرف حكم الشرع
  • هل يجوز لمن يعمل في جمع وتوزيع الزكاة أخذ راتب العاملين عليها؟.. الإفتاء تجيب
  • مشروعية زيارة الأماكن التي تحتوي على التماثيل
  • صحف عالمية: حماس ترسخ حكمها بغزة وإسرائيل فشلت في تفكيكها