وسط أصوات الطائرات وانفجارات القذائف، تعيش غزة اليوم واحدة من أصعب مراحلها الإنسانية منذ سنوات. فقد خلف التصعيد العسكري دمارًا واسعًا في المنازل والبنى التحتية، وأدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأسر. يعاني السكان يوميًا من ظروف معيشية تكاد تكون مستحيلة، حيث يكافحون للبقاء على قيد الحياة وسط انعدام تام للموارد الأساسية التي يحتاجونها في حياتهم اليومية.


أزمة إنسانية متفاقمة في غزة

أحد أكبر التحديات التي تواجهها غزة حاليًا هو نقص الرعاية الصحية. المستشفيات والمراكز الصحية تعمل بطاقتها القصوى، لكن شحّ الأدوية والمعدات الطبية، الناتج عن إغلاق المعابر ونقص الإمدادات، يجعل توفير الرعاية اللازمة للمصابين والمرضى أمرًا بالغ الصعوبة. ويصف الأطباء الوضع بالكارثي، إذ إنهم عاجزون عن تقديم العلاجات الضرورية، ويشاهدون يوميًا حالات حرجة لا تستطيع تلقي الرعاية المطلوبة. وقد أكدت تقارير منظمات دولية أن غزة في حاجة ماسة إلى ممرات إنسانية آمنة لإيصال الإمدادات الطبية الضرورية، وخاصة الأدوية الأساسية كالمضادات الحيوية والأدوية المنقذة للحياة.

على صعيد آخر، فإن الحياة في مراكز الإيواء التي لجأت إليها الأسر النازحة بعيدة كل البعد عن الحياة الكريمة. يعيش هؤلاء في مدارس ومبانٍ عامة تم تحويلها لمراكز إيواء، حيث يفتقرون إلى الحد الأدنى من وسائل الراحة، لا مياه شرب نظيفة، ولا كهرباء مستمرة، ولا دورات مياه مجهزة. تتحدث العائلات عن أيام قاسية يقضونها في أماكن مكتظة، وسط أجواء من الخوف والقلق على مصيرهم ومصير أطفالهم. ينام الأطفال بين جدران غير مألوفة، وقد تحول الضحك الذي كان يملأ حياتهم في وقت سابق إلى صمت ثقيل. بينما تتفشى بينهم الأمراض بسبب غياب الظروف الصحية المناسبة، إذ لا تتوفر مستلزمات النظافة، ولا توجد مياه كافية للاستحمام أو غسل اليدين.


أملٌ مفقود بين الحصار والدمار

وما يزيد من وطأة هذا الوضع هو صدمة الأطفال الذين يعيشون تحت هذا الضغط النفسي. إنهم يواجهون مشاهد يومية من العنف والدمار، وقد فقدوا شعور الأمان الذي يعدّ ضرورة أساسية لتطورهم النفسي. يعمل العديد من الأخصائيين النفسيين والمستشارين، بالتعاون مع منظمات إغاثية، على تقديم الدعم النفسي للأطفال، لكن الجهود محدودة ولا تلبي سوى جزء بسيط من الاحتياجات. إن مشاهد البيوت المهدمة وصرخات الفقد التي يسمعونها قد تترك أثرًا طويل الأمد في قلوبهم الصغيرة.

وعلى صعيد الغذاء، تعاني غزة من أزمة غذائية خانقة، حيث لم يتمكن العديد من السكان من الحصول على قوت يومهم. فقد توقف توزيع المواد الغذائية بسبب الوضع الأمني المتدهور، وبدأت العديد من الأسر تعتمد على توزيع الطحين فقط. ومع انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، يصبح من الصعب تخزين الطعام، ما يزيد من سوء الأزمة. يعتمد الكثيرون الآن على المساعدات الإنسانية التي تصل بشكل محدود، ويعيشون على أمل تحسن الوضع أو دخول المزيد من الإمدادات.

يبدو أن غزة تعيش في حالة حصار داخلي غير معلن؛ المعابر مغلقة، والمساعدات الدولية تواجه صعوبات في الوصول، والوضع الأمني يمنع السكان من الحركة أو التنقل. وكل هذا يزيد من عزلتهم ويزيد من يأسهم، حيث باتت الحياة اليومية معركة من أجل البقاء في ظل ظروفٍ لا يمكن وصفها إلا بأنها غير إنسانية.

تتطلب هذه الأزمة استجابة دولية عاجلة لإغاثة السكان، فهم يحتاجون إلى إمدادات إنسانية مستدامة تشمل المواد الغذائية والأدوية، وإلى ممرات آمنة تضمن وصول هذه المساعدات وتخفيف معاناتهم اليومية. الأمل الوحيد الذي يبقى لغزة اليوم هو أن تجد هذه الأصوات الإنسانية صدى في العالم، وأن تحرك المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات ملموسة لإنقاذ حياة الملايين من الأبرياء الذين يعانون بصمت، بينما يحلمون بغد أفضل وأقل معاناة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: أزمة إنسانية الرعاية الصحية المعدات الطبية مساعدات الدول مياه شرب نظيفة أزمة غزة الاوضاع في غزة

إقرأ أيضاً:

سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟

في فجر 30 يوليو/تموز 2025، ضرب زلزال بلغت قوته 8.8 درجات على المقياس ساحل شبه جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرقي روسيا، ليصبح أحد أهم الأحداث الزلزالية في التاريخ الحديث.

ألحق الزلزال أضرارا بالمباني وأصاب عدة أشخاص في المنطقة الروسية النائية، وبسبب قوته، صدرت أوامر بإخلاء معظم الساحل الشرقي لليابان، الذي دمره زلزال بقوة 9 درجات على المقياس، مع وتسونامي في عام 2011.

ويوضع هذا الزلزال في الترتيب السادس بقائمة أشد الزلازل المسجلة قسوة إلى الآن، إلى جانب زلزال "بيو بيو"، الذي ضرب دولة تشيلي، قبالة شاطئ منطقة ماولي التشيلية على عمق 35 كيلومترا تحت سطح البحر، يوم السبت 27 فبراير/شباط 2010.

ويأتي ذلك بعد زلزال وتسونامي فالديفيا أو زلزال تشيلي العظيم، الذي حدث في 22 مايو/أيار 1960، وقد وضعته معظم الدراسات عند 9.4-9.6 على المقياس، ورتب على أنه أقوى زلزال تم تسجيله على الإطلاق، استمر 10 دقائق، وتراوحت أعداد ضحاياه بين ألف و6 آلاف شخص.

باللون الأحمر تظهر تحذيرات حدوث تسونامي (الفرنسية)لماذا كان قويا إلى هذا الحد؟

وقد صنف الزلزال الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا اليوم على أنه "زلزال دفعي ضخم"، ويحدث هذا عند حدود الصفائح التكتونية المتقاربة، حيث تجبر إحدى الصفائح التكتونية على الانحشار تحت الأخرى.

ولفهم الفكرة تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هناك اختلاف، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة.

الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح".

وتتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين.

ألحق الزلزال أضرارا بالمباني وأصاب عدة أشخاص في المنطقة الروسية النائية (الفرنسية)

في هذه الحالة، وقع الزلزال على طول خندق كوريل-كامتشاتكا، وهو عبارة عن منخفض عميق وضيق تحت سطح البحر يقع في شمال غرب المحيط الهادي، وقد نشأ عبر ملايين السنين نتيجة تقارب صفيحتين تكتونيتن: صفيحة المحيط الهادي وصفيحة أوخوتسك، بعمق 10 آلاف و542 مترا.

إعلان

في هذه المنطقة، تغوص صفيحة المحيط الهادئ تحت صفيحة أوخوتسك، وتُنتج الطاقة المنبعثة من هذه التحولات التكتونية موجات زلزالية قوية، مما يجعل هذه النوعية الزلازل من أقوى الزلازل المسجلة عالميًا.

يحدث الانزلاق بشكل تدريجي على مدار ملايين السنين، حيث تتراكم الضغوط عند حافة الصفائح، وعندما تصبح هذه الضغوط غير قابلة للتحمل، يحدث تحرر مفاجئ للطاقة في شكل زلزال.

يحدث الانزلاق بشكل تدريجي على مدار ملايين السنين (إيريك جابا)

بمجرد أن تتحرر الطاقة المخزنة في الصخور الملتوية، تحدث اهتزازات قوية جدا، تنتقل عبر الطبقات الجيولوجية على شكل موجات زلزالية، مما يؤدي إلى تدمير في المناطق المتأثرة.

وتختلف هذه النوعية عن الزلازل المعتادة، التي تحدث عادة بسبب حركات جانبية بين الصفائح التكتونية مثل الانزلاق الأفقي أو العمودي، وليس انحشار صفيحة تكتونية تحت الأخرى.

في الواقع، شهدت المنطقة نفسها من قبل الزلزال الواقع في الترتيب الخامس بقائمة أقوى زلزال على الإطلاق، وهو زلزال كامتشاتكا 1952 بقوة 9 درجات على المقياس، حيث انزلقت صفيحة محيطية (المحيط الهادي) تحت صفيحة أوخوتسك، على امتداد خندق كوريل-كامتشاتكا.

تسونامي متوسط وزلازل تابعة

تسبب هذا الزلزال في تسونامي ضخم اجتاح سواحل روسيا، ووصل تأثير التسونامي إلى هاواي وسبب أضرارًا هناك، كما تم تسجيل موجات على شواطئ ألاسكا وتشيلي.

حينما انزلقت صفيحة المحيط الهادي تحت صفيحة أوخوتسك، فإن هذا النوع من الحركة لا يكون أفقيا فقط، بل يتضمن رفعا مفاجئا لقاع البحر خلال ثوانٍ قليلة، بالضبط كما تضع يديك داخل الماء ثم تحركهما للأعلى، فتلاحظ ظهور موجة أعلى سطح الماء.

في حالة المحيط، فهذا الارتفاع يزيح مليارات الأطنان من الماء للأعلى، مسببًا موجات ضخمة تنتشر بسرعة في كل الاتجاهات.

ونظرا لشدة الزلزال الروسي البالغة 8.8 درجات، فقد حدث تسونامي كبير على طول مناطق الاندساس، أثرت على شبه جزيرة كامتشاتكا، ودفعت إلى إصدار تحذيرات بالإخلاء في جميع أنحاء المحيط الهادي، بما في ذلك اليابان وهاواي وألاسكا.

وقد بلغ ارتفاع موجات تسونامي المرصودة حوالي 4 أمتار، ورغم أن هذه الموجات ليست بحجم بعض موجات تسونامي التي شهدناها في التاريخ، فإنها لا تزال قادرة على التسبب في أضرار جسيمة على طول المناطق الساحلية.

ويظل احتمال وقوع المزيد من موجات تسونامي قائما، رغم أنها ستكون على الأرجح أصغر من الموجات الأولية، وقد تتضاءل شدتها مع انتشارها عبر المحيط الهادي، وتواصل السلطات في المناطق المعرضة لتسونامي مراقبة مستويات سطح البحر وإصدار التحذيرات.

ومن العواقب الشائعة الأخرى للزلازل ذات الدفع الهائل حدوث الهزات الارتدادية، وهي زلازل أصغر حجما تتبع الحدث الزلزالي الرئيسي، حيث تتكيف قشرة الأرض مع التحولات الناجمة عن الزلزال الأولي، وتعد الهزات الارتدادية شائعة في المناطق المتضررة من الزلازل الكبيرة، ويمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر.

في حالة زلزال اليوم، تم تسجيل عدة هزات ارتدادية بالفعل، بقوة تصل إلى 6.9 درجات، ورغم أن هذه الهزات الارتدادية أقل شدة من الزلزال الرئيسي، فإنها قد تكون قوية بما يكفي لإحداث المزيد من الأضرار، لا سيما في المباني والبنية التحتية التي أضعفها الزلزال الأولي.

إعلان

مقالات مشابهة

  • ميلوني تطالب نتنياهو بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • تحذيرات أممية من استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية بغزة.. ودعوات لإدخال المساعدات
  • الإمارات تبعث الأمل في قطاع غزة وتكسر حصار الغذاء والماء عن سكانه
  • نعيم قاسم: سلاح حزب الله شأن داخلي ومن يطالب بتسليمه يخدم إسرائيل
  • وزارة الداخلية السورية تنفي حصار السويداء وتؤكد فتح ممرات إنسانية
  • سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟
  • المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا: مزاعم حصار محافظة السويداء من قِبل الحكومة السورية محض كذب وتضليل، الحكومة السورية فتحت ممرات إنسانية لإدخال المساعدات لأهلنا المدنيين داخل المحافظة بالتعاون مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، ولتسهيل الخ
  • مجلس الإمارات للإعلام يطلق تصريح معلن لتنظيم المحتوى الإعلاني للأفراد
  • الإمارات تبعث الأمل في قطاع غزة وتكسر حصار الغذاء والماء عن سكانها
  • أونروا: 6 آلاف شاحنة من الغذاء والدواء جاهزة لدخول قطاع غزة