زيارة حمدوك وهستيريا البلابسة!!
تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT
يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (الحرب يشعلها الأغنياء، ويموت فيها الفقراء)!
اقرأ تاريخ الحروب في ماضي البشرية وحاضرها جيداً، وسترى أنّ خلف كل حرب مدمرة يقبع عاملان: السلطة والمال! ثم أعد النظر في تاريخ الحروب جيداً، تجد أن مشعلي الحرب هم آخر من يكتوي بنارها! الذين تحصدهم الحروب هم الجنود المشاة- أبناء الطبقة الفقيرة.
قادني إلى هذه التقدمة التداعيات التي أفرزتها زيارة الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق لحكومة ثورة ديسمبر – رئيس تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) والوفد المرافق له من قادة تقدم هذه الأيام لبريطانيا.
فما إن ذاع خبر زيارة حمدوك للعاصمة البريطانية لندن بدعوة رسمية من الحكومة البريطانية، حتى جن جنون أنصار الحرب من الإسلامويين والبلابسة. ولأنّ أكبر أسلحتهم هي إطلاق الفقاعات والشائعات، ونشر التلفيق والكذب الصراح عبر الميديا، قد أطلقوا شائعة بأن الشرطة البريطانية ألقت القبض على الدكتور عبد الله حمدوك للتحري معه حول جريمة إشعال الحرب! هم يعلمون أنها كذبة يأتيك ريحها النتن من على بعد أمتار! لكن ليس هذا عندهم بذي أهمية. إنما المهم أن يحدث الخبر إرباكاً لعدوهم. فينصرف السودانيون من جوهر الخبر وهو: تقديم الحكومة البريطانية الدعوة رسمياً لرئيس وزراء سابق – تعيش بلده حرباً مدمرة – تقديم الدعوة إليه ليتحدث في منتدى سنوي خاص بالشؤون الأفريقية تنظمه واحدة من كبريات المؤسسات الصحفية في الغرب – صحيفة (فاينانشيال تايمز)! وليلتقي قادة العمل السياسي في بريطانيا. بل يوجه له (المعهد الملكي للشؤون الدولية) المعروف بChatham House) والمختص برسم السياسة الخارجية البريطانية، أن يوجه له الدعوة ليقدم محاضرة استمرت ساعة وربع الساعة، أمس الخميس 31 أكتوبر 2024. تطرق فيها الدكتور عبد الله حمدوك بإنجليزية مترفة إلى (أولويات المدنيين من أجل وقف الحرب في السودان). محاضرة ستتناولها بدون شك دوائر صنع القرار في عواصم العالم. وسيعقبها ما يعقبها من تغيير دول ذات وزن لمواقفها تجاه هذه الحرب القذرة في بلادنا.
سبق هذه المحاضرة تلبية حمدوك والمهندس خالد عمر والأستاذ أحمد تقد – من قيادة تقدم – سبقها دعوة تنسيقية تقدم (مركز بريطانيا) لحوار مع عضويتها وممثلين لمنظمات مدنية وأحزاب ومنظمات حقوقية سودانية غير منضوية تحت لواء تقدم، لكنها مؤمنة بوقف الحرب البشعة الدائرة حالياً في بلادنا.
كنت حضورا بين قرابة الثلاثمائة مدعو من السودانيين ممن اكتظت بهم واحدة من كبريات الصالات في فندق شيرشل بلندن. وبسبب الشغب الذي أحدثه دعاة الحرب من السودانيين أمام الفندق بحجة أنهم لن يسمحوا للمتحدثين وخاصة الدكتور حمدوك بدخول الفندق للقاء السودانيين – وبسبب صراخهم الهستيري والألفاظ النابية التي كانوا يطلقونها والسباب المقذع رأت الشرطة البريطانية تأجيل دخول الدكتور حمدوك لأسباب أمنية إلى حين. وبسبب هذه الهستيريا تأخرت الندوة عن موعدها لأكثر من ساعة. بعدها دخل الدكتور حمدوك القاعة وسط الهتافات الداوية والزغاريد وتسجيلات الأناشيد الوطنية، ومنها (يا شعباً لهبك ثوريتك) كلمات شاعر الشعب محجوب شريف وغناء فنان أفريقيا محمد وردي.
في تلك اللحظات يمكن لأي عاقل أن يتساءل: هل نجح الأخوان المسلمون عبر أكثر من ثلاثين سنة في زراعة فكرهم المسخ، المشبع بثقافة الكراهية وإسالة دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال- في زراعتهم إياه في أدمغة بعض أبناء وبنات شعبنا إلى حد الغيبوبة والهوس؟ الأغرب أن معسكر الداعمين للحرب – وقد جاء بعضهم مرتديا البذلة العسكرية- وهم في صراخهم ووعيدهم وألفاظهم النابية، نسيئ الكثرة منهم أنهم عاشوا أصعب الظروف والتهديد بالسجون والموت ذات يوم على يد زبانية نظام التعذيب التابع للإخوان المسلمين قبل أن يحلوا بهذه البلاد التي نعموا فيها بحرية أن ينفخوا أوداجهم دون خجل دعماً لأحد أكثر الأنظمة بطشاً بكرامة الإنسان! حقاً.. الإستحوا ماتوا.
عودة إلى قاعة الندوة.. لم أر حشداً في سنواتي ببريطانيا اكتظت به أحد كبريات الصالات، وقد جمعهم حب الوطن والعمل على وقف الحرب المدمرة له كما رأيت في تلك الليلة.
تحدث الدكتور حمدوك لمدة قصيرة، ثم توقف بحجة أنهم إنما جاءوا ليستمعوا للحضور والرد على استفساراتهم. كان إعطاء الفرص للمتحدثين والمتحدثات جيداً، رغم كثرة العدد وضيق الوقت. شارك في الحديث المهندس خالد عمر والأستاذ أحمد تقد، وكان حديث كل منهما مقنعا، وقوبلت مداخلاتهما بالتصفيق.
ندوة الأربعاء 30 أكتوبر أعطت كل من حضرها انطباعا بأن ما يوحد شعبنا أكثر مما يفرق بين أطيافه. وأننا الآن في معسكرين: معسكر دعاة الحرب – دون مبالين لما جلبته الحروب لبلادنا من خراب على مدى ثماني وستين سنة.. أنصار (بل بس)!! ومعسكر دعاة وقف الحرب لإنقاذ بلادنا التي هي اليوم أقرب لشفير الهاوية.. أن تكون أو لا تكون!
حتماً ستقف الحرب. وستعلو راية معسكر السلام. فالذين يقودون معسكر الحرب لا يملكون سوى زعيق الحلاقيم والانتصارات على صفحات واتساب وفيس بوك!
ولعلي وأنا أختم مقالي عن زيارة قادة تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك للندن أستأذن الصحفية النابهة صباح محمد الحسن وأسرة صحيفة “الجريدة” الغراء باستعارة مقتطف من مقدمة مقالها الضافي (الجريدة هذا الصباح) إذ قالت في وجه المقارنة غير الممكنة بين رئيس وزراء حكومة الثورة الدكتور عبد الله حمدوك وبين العسكر الذين أطاحوا بحكومته ليجدوا أنفسهم في متاهة الحرب.. كتبت صباح محمد الحسن تقول: (الرجل الذي نزعت منه السلطة بالسلاح، الآن ينزع من الحكومة المكانة والشرعية، دون أن يحتاج إلى (إراقة) نقطة دم واحدة. وهذا هو السبب في حالة الهستيريا والجنون كآثار جانبية طبيعية تصيب الفلول بعد كل خطوة يتقدم بها حمدوك.)
لا شيء عندي لأضيف لما قالته صباح سوى أن أردد كلما تناهى إلى سمعي صراخ وهستيريا دعاة الحرب: (دستور يا بلابسة!!)
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدکتور عبد الله حمدوک الدکتور حمدوک
إقرأ أيضاً:
محللون يوضحون للجزيرة نت أبعاد زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت
بيروت- في زيارة رسمية تحمل دلالات سياسية واضحة على نية طهران تعزيز حضورها الدبلوماسي وفتح قنوات تواصل مع مكوّنات الدولة اللبنانية، وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت قادما من القاهرة، في إطار جولة إقليمية تشمل إجراء محادثات مع كبار المسؤولين.
وفي تصريح أدلى به فور وصوله، صباح اليوم الثلاثاء، أكد عراقجي أن بلاده "تحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه ولن تتدخل في شؤونه الداخلية"، مشددا على أن "العلاقات بين إيران ولبنان تاريخية ومتجذرة، ونأمل أن نفتح صفحة جديدة مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون البنّاء".
ولفت إلى أن زيارته للبنان تأتي عقب محطة القاهرة، مؤكدا أن الجولة الإقليمية تهدف إلى تبادل وجهات النظر مع قادة المنطقة "في ظل تحديات دقيقة تواجهها دولنا"، وأضاف "نحن عازمون على تطوير علاقتنا مع لبنان على أسس ثابتة من الاحترام وعدم التدخل".
لا تدخُّلوفي مستهل زيارته الرسمية، توجّه عراقجي إلى القصر الجمهوري، حيث التقى رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، الذي شدد على "حرص لبنان على إقامة علاقات من دولة إلى دولة مع إيران"، مضيفا أن "الحوار الداخلي يشكل المدخل الطبيعي لمعالجة القضايا الخلافية، كما أن الحوار بين الدول يجب أن يُبنى على مبدأ نبذ العنف".
إعلانوأكد عون أن "إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة هي أولوية وطنية، يجري العمل عليها بالتعاون مع الحكومة والدول الصديقة، وضمن الأطر القانونية".
من جانبه، جدد عراقجي تأكيد بلاده "دعم استقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه"، موضحا أن موقف إيران ثابت في دعم الحوار الوطني بين مختلف الطوائف والمكونات السياسية اللبنانية، وأضاف أن "دعم طهران للبنان يندرج ضمن علاقات قائمة على الاحترام، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية".
ويتضمن جدول الزيارة لقاءات مع كل من رئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية يوسف رجي، في إطار سعي عراقجي لتوسيع التشاور مع المسؤولين اللبنانيين، ومن المقرر أن يوقّع وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته كتابه الذي يوثّق مسيرته التفاوضية في الملف النووي الإيراني.
حليف التوازنورأى محللون -تحدثوا للجزيرة نت- أن الزيارة مرتبطة بشكل مباشر بتوقيع الكتاب، معتبرين أن الأبعاد السياسية ليست سوى تفصيل هامشي، خاصة أن الزيارة لم تكن منسّقة مسبقا. بينما اعتبر آخرون أن للزيارة دلالات سياسية واضحة، كونها الأولى لعراقجي منذ تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وتأتي في توقيت حساس يشهد تصاعدا في النقاش الداخلي حول مستقبل سلاح حزب الله.
ويرى الكاتب والباحث السياسي هادي قبيسي -في حديثه للجزيرة نت- أن إيران ساهمت في تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني، وكان لها دور بارز في المجالات الاقتصادية والسياسية على مدى العقود الأربعة الماضية.
غير أن السياسات الأميركية التقليدية، التي حالت دون توسيع الشراكة بين البلدين -حسب قبيسي- كانت سببا رئيسيا في حرمان لبنان من استثمارات إستراتيجية في مجالي الطاقة والمياه، أبدت إيران استعدادها لتنفيذها، وأن مسألة تسليح الجيش اللبناني تبقى من أعقد الملفات التي سعت أميركا باستمرار إلى عرقلتها.
إعلانوتكمن أهمية الزيارة -يقول قبيسي- "في توقيتها، إذ تحاول أميركا تخريب العلاقات بين البلدين، عبر منع الطائرات المدنية الإيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، كما تتزامن مع المفاوضات الجارية حول الملف النووي الإيراني".
وتأتي الزيارة كذلك في ظل "توحّش" الكيان الصهيوني في غزة وتمدد اعتداءاته في سوريا، "والأهم من ذلك، المشروع الأميركي الإسرائيلي في لبنان، الهادف إلى حرمانه من القدرات العسكرية ومن السلاح".
ويضيف قبيسي، أن الزيارة، في هذا التوقيت بالذات، تمثّل مؤشرا على رغبة البلدين في استعادة العلاقات الطبيعية، وتمهّد الطريق أمام لبنان لاستعادة توازنه وتنويع علاقاته الخارجية.
علاقة دولة بدولة
وفي المقابل، يرى الصحافي يوسف دياب أن العلاقة اللبنانية الإيرانية اليوم تُشكّل مصلحة لإيران أكثر منها للبنان، إذ تسعى طهران في هذه المرحلة للحفاظ على علاقاتها مع عدد من الدول العربية، بينها لبنان.
لكن إيران -يلفت دياب- لا تنظر إلى علاقتها بالدولة اللبنانية بقدر ما تسعى إلى ترسيخ صلتها بحزب الله، الذي تعتبره جناحا عسكريا تابعا لها وجزءا من الحرس الثوري الإيراني، مما يجعل تعاطيها مع لبنان قائما على هذا الأساس.
ويعتقد أن زيارة عراقجي إلى بيروت تأتي في سياق تثبيت النفوذ الإيراني في لبنان، والتأكيد أن طهران ما زالت لاعبا أساسيا على الساحة اللبنانية، رغم تراجع موقعها في الحرب، والخسائر التي مني بها حزب الله، وسقوط النظام السوري، وانكفاء محور الممانعة بشكل عام، "تحاول إيران القول إنها لا تزال موجودة، وقوية، وفاعلة عبر حزب الله"، يقول دياب.
ويضيف "أن لبنان من مصلحته الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران، كما مع سائر دول المنطقة، لكن بشرط أن تكون هذه العلاقات بين دولتين، لا بين دولة وحزب أو طرف سياسي داخلي"، ويشدد على أن "هذه النقطة يجب أن تكون واضحة".
إعلانويستذكر دياب ما قاله الرئيس عون، خلال استقباله وفدا إيرانيا في مناسبة ذكرى تشييع الأمين العام لحزب الله، حين خاطبهم قائلا: "لقد شبعنا من حروب الآخرين على أرضنا"، في إشارة إلى أن الحرب الأخيرة كانت في جوهرها مواجهة إيرانية إسرائيلية دارت على الأراضي اللبنانية.
"زيارة مجاملة"أما الصحفي المتخصص في الشؤون العربية والإقليمية أمين قمورية، فاعتبر -في حديثه للجزيرة نت- أن "الهدف الرئيس من زيارة عراقجي إلى بيروت هو تنظيم حفل توقيع كتابه الذي يوثّق مسيرته التفاوضية في الملف النووي الإيراني"، وأن لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين تندرج في "إطار المجاملة"، بينما يبقى الحدث الأساس هو توقيع الكتاب.