صنّاع الأكاذيب يوماتي آفة الشعب
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
خالد فضل
أرأيت كيف تفرق مواقف عن مواقف , ومحجوب شريف عليه فيوض الرحمات بحدائه المتجاوز :
صنّاع الحياة اليوماتي
ملح الأرض
نبض الشعر والموسيقى والتلوين
سلّموا لي عليهم جُملة
حتى اللسه قبل الخلق والتكوين
دفاعا عن حياض السلم والإفصاح , وهل بغير السلم تنهض الأمم , وأنّى للسلم أن يسود بدون الحق في التعبير , الإفصاح عن الوقائع ,الهواجس ,الآلام , المظالم والتطلعات .
والمسكوت عنه هو أكثر ما يفرقنا , عبارة شفّافة وواقعية أطلقها د. فرانسيس دينق في واحد من مساهماته الفكرية النيّرة , سارت مسرى الحكمة . الإفصاح يخرج مكنون الدواخل , وإذا كان السودانيون جميعهم_إلا من عصم_ يتبادلون الشكوى والتهم الجزافية , جميعهم يرمون الآخرين بكل منقصة ونادرا ما ينظرون إلى (عوجة رقبتهم) كما في المثل السائد عن الجمل الما بشوف عوجة رقبتو فإن ذلك يقدح مباشرة في مصداقية تلك التهم بالنقص عند الآخرين , ومعادله الموضوعي تمام كمالي .
نحن في بلد منكوب بالكذب وهو سبب الحروب والنهب , هذه فرضية قد لا تحتاج إلى شواهد , لأنها أوضح من أن يشار إليها , صنّاع الأكاذيب اليومية هم من يتسيدون المشهد , الحقائق مسكوت عنها , ورغم القول السائد عن (حبل الكضب قصيّر) إلا أنّه هو الآخر قول كاذب فيما يبدو , حبل الكذب عندنا أطول مما يتصوره عقل , حبل جرجار , نعلّمه الأطفال وهم على سجية البراءة (صدّيقين) , هلا فكّر الكبار في هذا , ومحجوب شريف عليه الرحمة , في كتابة له مائزة عبر إصارة (نفاج) قبل أكثر من عشرين عاما يشير إلى كيف أنّ المدرسة , وبعض مفردات المقرر تنمي في الأطفال وتعلّمهم الكذب , ونندهش عندما يصبح هؤلاء الصغار اليوم من كبار الكذابين في الغد . يصنعون الأكاذيب التي تؤهلهم عن جدارة لتولي المناصب , في وظيفة الناطقين الرسميين باسم الكَذَبّة المخادعين . يقول الشريف محجوب إنّه لاحظ أثناء عمله في وزارة التربية والتعليم مربيا , وفي شأن المناشط التربوية مبدعا , وفي واحدة من المدارس الطرفية البائسة في الخرطوم , أنّ عنوان الدرس في المطالعة كان (حجرة الفصل) , للأسف كان الأطفال متكومين على الأرض , والسعيد منهم من يجلس على حجر شبه مستوُ , السبورة كأنما أصابها جدري القرود فخلّف فيها نتؤات وحفر وأخاديد ومع ذلك (غبشاء) كأن لم تمر عليها بطلاء فرشاة . المعلم المسكين يلزمه تدريس القصة في الحصة , , والقصة تحكي عن فصل , والتلميذ الشاطر يقرأ بصوت خفيض , أو يجهر بالكلمات ( أنا أجلس في الفصل , على كرسي صغير , أمامي طاولة أكتب عليها وأضع فيها حقيبتي , أمامي سبورة جميلة نظيفة , والفصل مضاء , واسع ونظيف , .. إلخ . بعد نهاية الحصة يقول محجوب , انتحيت بالمعلم جانبا , قلت له أنا لست موجها , وليس من اختصاصي إرشادك لكنني زميل لك أود تنبيهك فقط , درسك ممتاز وجهدك مرموق , لكن نسيت شيئا واحدا عصف بمصداقية كل هذا الجهد , فقط لو نبّهت الأطفال إلى أنّهم الآن لا يجلسون في (الفصل) المعني بدل السكوت وجعلهم يعيشون في الوهم , ذلك مدعاة لتربيتهم على الكذب على أنفسهم بمغالطة الواقع عوضا عن التعامل معه والسعي لتغييره إلى الأفضل . ترى كم من معلم/ة اليوم يغرسون في الأدمغة الصغيرة النشطة المتطلعة (الأكاذيب) آفة الشعب . كم من إعلامي اليوم ينشرون الأوهام والأكاذيب فينالون التقدير والتوزير ! كم من أشباح توزّع الكذب والخبال وتصير لدى البعض (وطن) وفي زحمة الفضاء المسمم بالإدعاء والزور والبهتان كم من فعل نبيل يضيع , ومن قول سديد لا يصل , كم يا ترى , و دفعولك كم عشان تقلبا دم , بعد أن حشدوا الحشود , من الجنينة لبورتسودان !!
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل
إقرأ أيضاً:
كتاب الفنون الموسيقية الحلبية… تراث نابض بين القدود والسماح
دمشق-سانا
في كتابٍ ثقافيٍّ غني حرره وترجمه إلى الفرنسية المترجم السوري المعتمد أندريه شطا، يسلط الأضواء على غنى التراث الموسيقي في مدينة حلب، التي طالما عرفت بعراقتها الفنية وذائقتها الموسيقية الراقية.
الفصل الأول يستعرض بمقدمة شاملة الثقافة الموسيقية في حلب، حيث يشدد المؤلف على أن الموسيقا ليست مجرد فن، بل هي جزء متجذر في تفاصيل الحياة اليومية للسكان الذين يمتلكون حساً موسيقياً فطرياً يعكس عمق الارتباط بالفن والغناء.
الفصل الثاني بعنوان القدود الحلبية، يعرض هذا الفن كواحد من أهم رموز الهوية الفنية الحلبية، داعياً إلى صون أصالته الروحية وموروثه الأصيل. كما ينتقد المحاولات التي تفرغه من معناه الحقيقي، مؤكداً أن الروّاد الأوائل من الملحنين كانوا ينهلون من عمق روح الموسيقا.
أما الفصل الثالث: ملحنو حلب والغنى الموسيقي، فيحتفي بأسماء لامعة مثل بكري الكردي وعمر البطش، اللذين أسهما في تشكيل ملامح مدرسة موسيقية حلبية غنية بالتنوع والابتكار. كما يبرز الكاتب دور مدينة حلب في الحفاظ على هذا الإرث ونقله للأجيال القادمة.
في الفصل الرابع يبحر المؤلف في عالم الموشحات، هذا الشكل الموسيقي الشاعري الذي أبدعت حلب في تطويره وتحويله إلى فن متكامل على أيدي نخبة من الملحنين والأدباء، ما جعل منه مثالًا للأناقة والرقي الموسيقي.
ويأتي الفصل الخامس ليسلط الضوء على رقصة السماح، التي يعتبرها المؤلف “باليه حلب” إذ نشأت كرقصة صوفية خاصة بالرجال، ثم تطورت لتقدم بأسلوب فني معاصر يعبر عن سموّ الروح وبهاء الجسد.
وفي الفصل الختامي، يعبّر الكاتب عن مشاعره الشخصية تجاه هذا التراث، مؤكداً أهمية الحفاظ على ذاكرة أعلام حلب الفنية وتكريم من نقلوا هذا الإرث من جيل إلى جيل، بوصفه ثروة أخلاقية وروحية لا تقدّر بثمن.
يذكر أن الكتاب صدر عن داري نشرEdition999 وBookelis، ومحرره أندريه شطا مترجم فوري معتمد من العربية إلى الفرنسية، تخصص في الترجمة السمعية والبصرية وكتابة وترجمة الكتب، كما أنه ترجمان محلف وعضو المجمع العربي للمترجمين المحترفين، وله عدة منشورات، من أبرزها كتاب الدولة العثمانية الذي ترجمه من الفرنسية إلى العربية، إضافةً إلى عمله محرراً باللغة الفرنسية في وكالات أنباء.
تابعوا أخبار سانا على