نص: فرانس24 تابِع |

.

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: النيجر الحرب في أوكرانيا مونديال السيدات ريبورتاج دونالد ترامب انتخابات رئاسية تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية جو بايدن

إقرأ أيضاً:

وصف «الشعر العربي» بالنخبوي.. حقيقة أم مجرد اتهام؟!

يصنف العديد من المهتمين بالمجال الأدبي «الشعرَ» بأنه فن نخبوي لا يستهدف كافة أطياف المجتمع، بل فئة بسيطة منه، وغالبا ما تكون تلك الفئة هي فئة الشعراء أنفسهم مع المهتمين بالشعر، لفهم تصويرات الشاعر وتشبيهاته وفك رموز القصيدة، وهذا ما يصعب على عموم المجتمع انتهاجه حينما يقرؤون الشعر أو يستمعون إليه، بينما تتباين آراء الشعراء بين صحة هذا الوصف وبين كونه اتهاما.

ويأتي رواج هذه الفكرة مقارنة بفنون الأدب الأخرى، وعلى رأسها الرواية، التي تلقى ترحيبا من الجمهور بشكل ملفت في معارض الكتب الموسمية، والمكتبات، مقارنة بالإصدارات الشعرية، فهل «الشعر» -ديوان العرب- فن نخبوي فعلا، أم أنه مجرد اتهام.

في التالي نقف مع مجموعة من شعراء الوطن العربي لنعرف رأيهم فيما يقدمونه شخصيا، ورأيهم كذلك فيما يقدمه الشعراء الآخرون، فإلى ما قالوا:

الشعر للإنسان

الشاعر السعودي جاسم الصحيح يشاركنا الاستطلاع، بداية في رأيه عن العوامل التي أدت إلى وصف الشعر بأنه فن نخبوي، قائلا: «مما لا شك فيه أنّ الشعر يُكتب للإنسان عموما، وليس لشريحة من الناس دون أخرى، ولكنْ لأنّ الشعر فنّ، وكلّ فنّ له ضوابطه وأدواته والمهتمون به ممارسةً وتثقيفا.. بسبب ذلك، تتكون النُّخب سواءً في فنّ الشعر أو غيره من الفنون، لكنّ الطموح الأقصى والهدف المنشود لدى جميع النخب في جميع الفنون هو أن يستوعبها الناس، ويستمتعوا بمنجزاتها، ويكونوا جزءا لا يتجزأ منها؛ لأن الفنون محاولة إنسانية لتطهير البشر من عيوبهم والسعي بهم إلى الكمال المُتاح، ولو قمنا باستقراء تاريخيّ للشعرية العربية، لوجدنا أنّ غالبية الشعر العربي نخبوي، أيْ كان يُلقى بين يدي الملوك والحكام والوزراء ومثقفي السلطة، وهؤلاء جميعا كانوا يمثلون النخبة الثقافية في تلك العصور، ولا نعرف عن ارتباط الناس بهذا الشعر؛ لأنّ التاريخ كتبه أصحاب السلطة، إذا ما استثنينا بعض الشعر الجاهلي مثل شعر الصعاليك».

وحول تراوح نصوصه بين النخبوية والجماهيرية قال: «لا مفرَّ للشاعر من حضور المتلقِّي في ذهنه خلال كتابة القصيدة، وهذا الحضور قد يكون إيجابيا وقد يكون سلبيا، فإذا كان حضور المتلقي بوصفه قارئا نوعيا عاليا، فهذا حضور إيجابي يدفع الشاعر إلى الكتابة بأقصى ما يمتلك من قدرات فنية من أجل إرضاء ذائقة المتلقي النوعي، وإذا كان حضور المتلقي بوصفه إنسانا بسيطا غير مثقف، فهذا حضور سلبي؛ لأنّ الشاعر سوف يحاول أن يتنازل عن مستواه الفني من أجل إرضاء ذائقة عامة الناس، لذلك، أعتقد أنه على الشاعر أن يُرضي ذاته أولا، وأن يكون هو مقتنعا بما يكتب قبل إقناع الآخرين، وألا يتنازل عن توظيف أقصى ما يمتلك من قدرات فنية لإنتاج نصّ عالي القيمة، بالنسبة لي شخصيا، أنا أعترف أنّ الكثير من قصائدي لا يسلِّم نفسه للقارئ الذي لا يهتمّ بالشعر ولا يتَّخذ من القراءة الثقافية وسيلة لبناء ذاته بناء إنسانيا، ولا أرى أنه من العيب أن يكون الشعر نخبويا، ورحم الله البحتري حين قال:

إذا محاسنيَ اللائي أدلُّ بها

كانت ذنوبي، فقلْ لي كيف أعتذرُ؟!».

اختتم حديثه بقوله: «أنا أعتقد أن الشعر في العصر الحديث لا يسير باتجاه النخبوية ولا باتجاه الشعبوية، وإنما يسير باتجاه ذاته.. فما معنى ذلك؟! معنى ذلك أن الشعر اتجه لكتابة الذات الإنسانية، وأصبح يمثِّل شكلا من أشكال السيرة الفنية للشاعر، وإبراز مواقفه من الوجود، وانقرضت إلى حد كبير فكرة الأغراض الشعرية من مديح وهجاء وغزل ونسيب ورثاء وغيرها.. وأصبح الشعر عبارة عن تجليَّات وتأمُّلات قد تجمع كل الأغراض في قصيدة واحدة».

أعيش متصالحة

أما الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري فتستهجن أن يتم قولبة الفنون وتصنيفها، إذ تحدثت عن موضوع بقولها: «أعتقد وبكل صراحة أننا أحيانا نضع كثيرا من الأشياء حولنا في قوالب ونتوارث هذه القوالب دون أن نحلل ونستوعب من الذي أطلق اللفظ، وهل الأمر أصبح حالة عامة قابلة للتعميم؟ لا بأس بظهور المصطلحات ولكن الأجمل أن نعرف متى نستخدمها وفي أي وقت. وخصوصا أن من يطلقون بعض هذه الكلمات يقفون حول حماها التاريخي ولا يرون أن الأمور قابلة دائما للتغير والتنوع».

وما إذا كانت تقبل بأن يوصف شعرها بالنخبوي قالت: «إذا كنا نقصد بالنخبوية هنا أن يكون الشعر منتخبا بصفاء لغوي وإبداعي فلا بأس؛ لأن هذا ما أحتاج إليه، وهو أن يقترب النص المكتوب من نخبة القصائد العربية مبنى والإنسانية معنى، ولكننا حين نرهق الكلمات ونطلق مفهوم النخبوية على مجموعة من الناس التي ستفهم ما أقول والبقية لن تستوعبه فأكون قد ظلمت الشعر ومحبيه، يمكن لقصيدة أن ينتخبها الجمهور لسماعها والتعايش معها ولقصيدة أخرى أن لا تجد حظها من ذلك، النخبوية عندي هي أن يتقبل الناس ما أكتب وليس ما أتى به مفهوم الابتعاد عن فهم المتلقي؛ لأن المتلقي بطبيعة الحال متغير متطور.

وختاما قالت الشاعرة شيخة المطيري: «أحب الشعر وهذا يكفيني لأن أعيش متصالحة مع ما أحب، ومن يرى مواقع التواصل الاجتماعي اليوم وكيف أصبح توظيف الشعر العربي واستحضاره في حسابات الشباب أجمل رد على كون الشعر للجميع».

«الوسيلة هي الرسالة»

في حين أجاب الشاعر يوسف الكمالي على سؤالنا ما إذا كان يقبل أن يوصف شعره بالنخبوي، قائلا: «لا يمكن للتجربة الإنسانية أن تكون نخبوية، لكن يحدث أن يفشل الشاعر في التعبير عن تجربته فيبدو نخبويًّا، ولذلك فإن وصف شعري بالنخبوية يساوي عندي وصفه بالفشل، وقد عبر عن هذا المعنى شعراء كبار مثل نزار حين قال:

أكتب الشعر منذ خمسين عاما

ليس سهلا أن يصبح المرء شاعرا

فانتصرنا يوما ببحر بسيطٍ

وهُزمنا يوما ببحر الوافر

ومن المهم برأيي الانتباه إلى أن الحالة الشعرية هي تفاعل بين أفق النص وأفق المتلقي، فالمتلقي أيضًا «ينتخب» من معاني وجماليات ودلالات النص بمقدار ما يتوفر على الحساسية الوجدانية والشفافية الروحية والتجربة واللغة».

وعن رأيه بأن الإصدارات الشعرية أقل رواجا من الإصدارات الأدبية الأخرى مثل الرواية، قال الكمالي: «تخيّل أن تقتني ديوانا للقصائد (المغناة)، هل ستشعر بالطرب والانفعال نفسه الذي يعتريك عند سماعها؟ كذلك الشعر فإنه فن موسيقي سماعي في تكوينه، وإحالته إلى الدواوين، تكاد تشبه إحالته إلى التقاعد، على عكس الرواية التي تتألق في مسرح الورق، فهي تلعب هناك بين أرضها وجمهورها، فالمقارنة هنا بين مَقروئية فن مسموع بطبيعته، وفن مَقروء بطبيعته، وأزعم أن الكفة ستميل إلى الشعر إذا كانت المنصّة بصرية وسمعيّة، وقد قال فيلسوف الاتصال الجماهيري ماكلوهان: (الوسيلة هي الرسالة)».

المعنى الرديء للكلمة

وممن شاركنا في الاستطلاع الشاعر والروائي المصري ناجي مينا مشيرا إلى أنه بالإمكان أو يطال موضوع «النخبوية» العديد من الفنون والآداب، قائلا: «بداية، يمكن إطلاق وصف (نخبوي) أو (جماهيري) على أي نوع فني، الأدب والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي والسينما، إلخ.. بحسب مدى تعقيد وتجريب الأعمال الفنيَّة المصنوعة فيه. مع ذلك، تختلف درجة الإعداد المطلوبة لتلقي أشكال هذه الفنون، ما يجعل شكلاً ما أكثر ميلاً لوصفه بالنخبوي عن آخر. على سبيل المثال، درجة تراكم المعرفة والخبرة المطلوبة (ما ندعوها المعرفة التقنيَّة والتاريخيَّة للنوع) لتذوق الشكل السيمفونيّ تختلف عنها في تذوق شكل الأغنية، إلخ.. وفي حالة الأدب، العربي تحديدًا، فإطلاق صفة النخبويَّة على الشعر يأتي في مقابلة مع الرواية، وذلك يرجع إلى عاملين في رأيي. أولاً، إن الشعر يأتي بالأساس كاشتغال على اللغة، واللغة في الأدب العربي هي اللغة العربيَّة الفصحى، والتي تحتاج إلى دراسة وتجهيز مُسبق لفهمها والتعاطي معها، فهي ليست (لغة أم)، أي لا يتحدث عامة الناس بها في حياتهم اليوميَّة. ولذلك، فكي تتذوق الشِعر، يجب ألا تعرف فقط أساسيات العربيَّة الفصحى، بل أن تكون عالمًا بمعانيها، حتى المعجميَّة منها، وحساسًا لمستوياتها ، ومدركًا للعلاقات الداخليَّة بين الألفاظ والمعاني والتراكيب النحويَّة، وذلك كله يتطلَّب نوعًا خاصًا من التأهيل والتعلم، ما يكون بطبيعة الحال شأنًا نخبويًّا، ثانيًا، أن تاريخ النوع، أي تاريخ الشعر، يمتد للوراء إلى الشعر الجاهلي، ومجمل هذا التاريخ يتطلب صبرًا في فهم نصوصه والتعاطي معها؛ لأن كثيرا منها بات نائيًا في لغته وتراكيبه عن تداولنا للغة اليوم، على خلاف تاريخ الرواية الذي وُلد في عصر اللغة العربيَّة القياسيَّة (الفصحى الحديثة)، الأقرب إلى الفهم، ولا ينحو إلى الغريب من اللفظ أو التركيب إلا في حالات استثنائيَّة».

واسترسل قائلا: «هناك عامل آخر عام، لا يرتبط بالشعر العربي حصرًا، وهو أن الممارسة الغالبة للرواية تشتغل بالأساس على «الحكاية»، والحكاية هي الصورة البسيطة منطقيًّا للمعرفة: شخص ما فعل شيئًا فحدث له شيء ليصل إلى نقطة ما. هناك تنويعات عديدة على هذه الصيغة لكن كلها مبنية على علاقات منطقيَّة مُسبقة وجاهزة، وهي متأصلة جمعيَّا كما أشار يونج ومن بعده جوزيف كامبل، ولذا فهي لا تحتاج إلى تأهيل خاص لاستيعابها، مع تأثيرها الكبير على المتلقي، ما يجعل هناك رواجًا لما هو سردي من الفنون الآن، مثل الرواية والفيلم، على ما هو غير سردي كالشعر، والموسيقى، والرسم.. والذي لديه علاقات منطقيَّة خاصة به، في عصر بات لا يتحمَّل سوى أنماط محدودة جدًّا من التفكير».

وقال الشاعر ناجي مينا في نهاية حديثه: «هناك مستويات جماهيريَّة من الشعر بالطبع، مثل أغلب الشعر العامي، وشعر الأغنية، والشعر الأيديولوجي الدعائي، لكنها لا تلامس ذروة الشكل في رأيي. ومن ناحية أخرى، فما يسمى بالشعر النخبوي الآن -وهذا أمر ينبغي توضيحه حتى لا يُلقى اللوم كاملاً على التلقي- أصبح جلّه شعرًا ذاتيًا بالمعنى الرديء للكلمة، أي حكايات وقصص شخصيَّة تتلى شعريًّا بضيق أفق، فـ«الحكاية» انتصرت حاليًّا حتى في معقل الشِعر، مما يجعل المتلقي حدسيًّا يشعر بعدم أهمية أو ارتباط تلك القصائد به، فينفر منها ومن تعاليها المصطنع».

فجوة الشعر

وتفضل الشاعرة الكويتية عائشة العبدالله أن تكون في المنتصف دائما، تقدم شعرها للمتلقي المثقف والبسيط في آن واحد، إذ تحدثت عن رأيها بالموضوع قائلة: «أظن أن تطور الأشكال الشعرية وحداثة النص أدت إلى وجود فجوة بين الشاعر الذي يسعى لتحديث نصه وتطويره ومواكبة تحولاته وبين المتلقي الذي ما زال متمسكا بكلاسيكية الشعر».

وعما إذا كانت تقبل أن يوصف شعرها بالنخبوي قالت: «أفضل دائما أن أكون في المنتصف، بين المتلقي المثقف الذي يفكك الرمز ويكتشف المخبوء في النص، وبين القارئ البسيط الذي يهتز لكلمة بسيطة صادقة، أحاول كثيرا أن أعوّل على الصدق في الكتابة؛ لأني لا أريد لقصيدتي أن تكون معزولة عن العالم».

وتابعت: «في الحقيقة أحب الشعر بكل أنواعه وباختلاف أشكاله وأساليبه، هناك الشعر النخبوي الذي يُكتب للقارئ والمثقف والعارف بتاريخ الشعر وتطوره وجمالياته والقادر على تلمس أعماقه، وهناك الشعر الجماهيري الذي استطاع الوصول إلى قلوب الناس ومخاطبتهم بالأسلوب الذي يعرفونه، ولكل شاعر بوصلته الخاصة التي تحدد له نوع المتلقي الذي يهدف إليه».

وعن رأيها في مقولة أحد الشعراء: «إن النخبوية الشعرية نابعة من كون الشاعر ذا ذائقة عالية، فأن يتنازل عن ذائقته يعني أنه لن يكون نخبويا»، قالت: «ربما تكون نابعة من خصوصية الشعر على وجه التحديد بخلاف باقي أنواع الكتابة، الشعر الحديث تحديدا كلما كان مكثفا ونابعا من الإنسان ذاته وغارقا في همومه وصراعاته وخيالاته، كلما زادت خصوصيته وبالتالي نخبويته».

البوصلة المفقودة

الشاعر فيصل الفارسي يسير في اتجاه رفض تصنيف الشعر بين النخبوي والجماهيري، ويقول في مشاركته: «أنا لا أرى أي قيمة لوصف الشعر بالنخبوي أو الجماهيري أو غيره من الأوصاف، وأظن أن نشوء هذه التصنيفات ليست سوى محاولة لبعض النقاد والشعراء لاعتلاء هرم الشعر والأدب في الوطن العربي، إذ حين نصف نوعا من الشعر بالنخبوي أي أنه هو الشعر الحقيقي والأحق بالصدارة والريادة وهذه لم تكن سوى محاولة للانقلاب على الحقيقة».

وأضاف بقوله: «الشعر بالنسبة لي هو ما يلامس ذوائق الناس ويصافح قلوبهم فكل الناس عندي نخبة؛ لأن الشعر ببساطة هو حالة جمالية لا يمكن الحكم على أفضليتها بأدوات فنية بحتة بل يجب النظر للمعيار الأهم وهو إعجاب الناس بالقصيدة، مع لفت النظر إلى أن القصيدة التي تعجب النقاد والشعراء وعامة الجمهور على حد سواء هي الأحق بالإشادة».

وعن بوصلة الشعر وفي أي اتجاه يسير قال الفارسي: «الشعر العربي فقد بوصلته منذ زمن بعيد وأظنه بدأ يستعيدها مع ظهور عدد من الشعراء الرائعين الذين يعون تمام ما معنى تحديث النص الشعري».

مقالات مشابهة

  • مؤرخ يحذر من مغبة الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة.. أنصار ترامب جاهزون
  • إدانة ترامب تشعل المنافسة في انتخابات الرئاسة الأميركية
  • ترامب يتوعد خصومه السياسيين.. هل يسعى للانتقام؟
  • استطلاع: 54% من مؤيدي بايدن يدعمونه فقط لمعارضة ترامب في انتخابات الرئاسة
  • هل يدمر بايدن نفسه؟
  • الرئيس الفرنسي: نتيجة انتخابات الاتحاد الأوروبي ليست جيدة بالنسبة لحكومتنا
  • استطلاع: 60% من الأمريكيين يؤيدون ترحيل المهاجرين غير الشرعيين
  • وصف «الشعر العربي» بالنخبوي.. حقيقة أم مجرد اتهام؟!
  • حيث غاب ترامب.. بايدن يكرم قتلى الحرب الأميركيين بزيارة مقبرة
  • كيف يمكن لمحاكمة ترامب أن تغير مصير الولايات المتحدة؟