وزير الإسكان: المنتدى الحضري العالمي فرصة كبيرة لعرض التجربة العمرانية
تاريخ النشر: 8th, November 2024 GMT
توجّه المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بخالص الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي، لدعمه المستمر لإنجاح استضافة مصر للنسخة الـ12 للمنتدى الحضري العالمي، كما تقدم بالشكر لكل من ساهم في إعداد هذا المنتدى، وساعد في إخراجه بهذا الشكل الرائع في نسخته الثانية عشرة، والتي تعد نسخة استثنائية في تاريخ المنتدى من حيث أعداد المشاركين والوفود الرسمية وغير الرسمية، كما تقدم بالشكر لكل من شارك في مختلف فعاليات المنتدى.
جاء ذلك خلال مشاركته في الاحتفالية الختامية للنسخة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي، مؤكداً أن المنتدى شكل فرصة كبيرة لعرض التجربة العمرانية المصرية، والفرص الاستثمارية المتاحة بمختلف المجالات، وذلك من خلال عقد العديد من اللقاءات الثنائية مع العديد من وزراء الإسكان حول العالم، وخاصة الدول الأفريقية، كما تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم مع وزارات الإسكان الإفريقية.
وقال وزير الإسكان: بينما نختتم هذا الحدث الدولي الهام، والذي يعد ثاني أكبر حدث على أجندة الأمم المتحدة، وأكبر منصة عالمية لمناقشة التطور الحضري المستدام، أقف هنا وكلي أمل أن تسفر نتائج مناقشاتنا على مدار الأيام الماضية فى تحقيق شعار النسخة الثانية عشرة من المنتدى الحضرى العالمي، الكل يبدأ من النطاق المحلي - العمل المحلي من أجل مدن ومجتمعات مستدامة».
توفير السكن الملائم والميسروأضاف الوزير: لقد تناولنا في نقاشاتنا واحدة من أكثر القضايا المحورية في عصرنا، ألا وهى قضية الإسكان والتنمية الحضرية، وهى من أكبر التحديات التي نواجهها على مستوى العالم، من أجل توفير السكن الملائم والميسر، وتقديم نوعية حياة مناسبة ولائقة للجميع، كما تناولنا أيضاً مبادئ وحقوق كل مواطن في الوصول إلى سكن آمن وميسور التكلفة والفرصة للحياة في مجتمعات شاملة تتمتع بخدمات جيدة وروابط قوية.
وأكد المهندس شريف الشربيني، أن الرسالة الأهم التي حملها المنتدى هى، العمل المشترك، والحوار الذي أجريناه خلال الجلسات المختلفة للمنتدى الحضري العالمي، مكننا من تبادل الأفكار والتجارب الناجحة وإرساء الأسس لنمو مدننا ومرونتها وشموليتها لسنوات قادمة، حيث إننا نجتمع في وقت يتسارع فيه التوسع الحضري بمعدلات عالية، ولكنه للأسف يواجه باستمرار تحديات معقدة، ومنها، السكن غير الملائم، والأحياء المكتظة، والبنية التحتية غير المستقرة، وكلها عقبات يجب علينا التغلب عليها.
وشدد وزير الإسكان، على أن هناك فرصة مع كل تحد.. في الواقع، يمكن أن يمثل التحضر فرصة لإيجاد الحلول ليس فقط لتحسين نوعية الحياة للأفراد والأسر، ولكن أيضا لدفع النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة بشكل عام، فمن خلال التخطيط المدروس والعمل التعاوني، يمكننا إنشاء مساحات حضرية تعزز النمو الاقتصادي، والاندماج الاجتماعي، والاستدامة البيئية.
وأوضح الوزير، أنه وخلال فعاليات المنتدى، تبادلنا الخبرات مع التركيز بشكل خاص على الحلول المبتكرة وأفضل الممارسات لمساعدة بعضنا البعض في إيجاد طرق جديدة لتمويل الإسكان الميسور، وتطوير البنية التحتية المستدامة، وتصميم مدن قادرة على الصمود أمام تغير المناخ، مضيفاً: سنظل نتذكر دائمًا أهمية العمل معًا عبر القطاعات الحكومية، والخاصة، وغير الربحية، ومنظمات المجتمع المدني لإحداث تأثير دائم، وبينما نمضي قدما، دعونا نتذكر أن الإسكان لا يقتصر على المباني فحسب؛ وإنما يعني بناء حياة، وإنشاء مجتمعات متكاملة متصلة ومتاحة للجميع، ويمكنها تلبية احتياجات الأجيال القادمة.
أكد المهندس شريف الشربيني، أنه ومن خلال العمل معًا، يمكننا إنشاء مدن يتمتع سكانها بالوصول إلى الفرص المختلفة، والشعور بالأمن والأمان، فمنذ اللحظة التي بدأنا فيها فعاليات النسخة الـ12 للمنتدى الحضرى العالمى، كانت رحلتنا مليئة بالمناقشات الشيقة، والعروض التقديمية المميزة، ولحظات التفاعل المشتركة، فكل جلسة، وكل متحدث، وكل تفاعل قد ساهم في صنع نسيج من المعرفة والخبرة يمكننا البناء عليه مستقبلاً.
واختتم وزير الإسكان، كلمته بالتعبير عن تقديره للجنة المنظمة والمتطوعين، ولكل من شارك في المنتدى الحضرى العالمى، فقد أثمرت جهودهم المخلصة فى إخراج هذا الحدث بالشكل اللائق.. وآمل أن تعودوا إلى بلادكم وتتشاركوا تجربتكم وخبراتكم مع الآخرين حتى يتحقق الهدف من هذا التجمع العالمى، وحتى نلتقي مرة أخرى في الدورة الثالثة عشرة للمنتدى الحضري العالمي في عام 2026، فى مدينة باكو، بدولة أذربيجان، نتمنى لكم المزيد من التقدم والعطاء لخدمة قضايا العمران على مستوى العالم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المنتدى الحضري العالمي قصة نجاح مصرية للمنتدى الحضری العالمی وزیر الإسکان
إقرأ أيضاً:
كوثر بن هنية: أصنع الأفلام لإعادة الإنسان إلى مركز الحكاية لا لتقديم خطاب سياسي
حوار ـ فيصل بن سعيد العلوي
شكّل فيلم «صوت هند رجب» محطة مهمة في مسار المخرجة التونسية كوثر بن هنية، إذ أعاد ترتيب موقع التجربة الإنسانية داخل السرد، مستندا إلى واقعة حقيقية خرج منها صوت طفلة محاصرة وسط النار في غزة... هذا الصوت تحوّل في المعالجة إلى مساحة بحث عن أثر المأساة في حياة أشخاص يعيشون الحدث كواقع يومي يواجهون فيه العجز والخوف ومحاولة النجاة ... حيث اقتربت المخرجة من علاقة الصورة بالذاكرة، ومن قدرة السينما على نقل تجربة حسّية تجعل المتفرج قريبا من القصة مهما كان موقعه الجغرافي أو السياسي... ومع وصول أعمالها إلى منصات دولية والتتويج بمهرجان البندقية، تواصل «هنية» النظر إلى الحضور العالمي من زاوية تتعلق بكيفية تفكيك الصور المسبقة عن المنطقة، وتقديم شخصيات بتجارب معقدة تراها جزءا من المشهد الإنساني العام وليس استثناء ثقافيا.
في هذا الحوار... تجيب المخرجة التونسية كوثر بن هنية (الحائزة مؤخرا على جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي لعام 2025 عن فيلمها «صوت هند رجب») عن هذه الأسئلة وسواها، مستندة إلى تجربتها ومسارها الممتد عبر أفلام متعددة..
بعد الفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية... ما الذي مثّلته التجربة الأخيرة على مستوى علاقتك بالصورة، وعلى مستوى إدراكك لدور السينما في توثيق المأساة الإنسانية المعاصرة؟
قبل الوصول إلى مهرجان البندقية كان التحدي الأساسي هو صنع الفيلم نفسه، وجاءت الفكرة من شعور بالألم والغضب تجاه ما يحدث في غزة، وعندما استمعتُ إلى صوت الطفلة في تسجيل المكالمة بدا الأمر كأنه صوت جماعي يعبّر عن مدينة وشعب في حالة استغاثة... كان ذلك دافعا مباشرا للبدء في العمل، خصوصا أن إحساس العجز أمام حدث بهذه القسوة كان ثقيلا، وكان إنجاز الفيلم أحد الطرق للتعامل معه.
أؤمن بأن للسينما قدرة عملية على لفت الانتباه إلى قضايا إنسانية معقّدة، وعلى خلق تواصل شعوري بين الجمهور والواقع الذي يشاهده، حتى لدى الأشخاص الذين لا تجمعهم علاقة مسبقة بالقضية ذاتها. حين يرى المتفرج مثلا الصعوبات التي يواجهها العاملون في الإسعاف أثناء أداء مهامهم، يدرك حجم المأساة من خلال التجربة لا من خلال المعلومات فقط، وهذا النوع من الاتصال الإنساني هو ما يجعل الصورة ذات أثر.
إنجاز العمل كان خطوة أولى، لكن تقديمه للجمهور يحتاج سياقا يسمح له بالوصول إلى دوائر أوسع، حتى لا يظل محصورا في مسار ضيق أو ضمن جمهور محدد، وعرض الفيلم في البندقية كان فرصة لطرحه في مساحة مشاهدة دولية مفتوحة، وهو ما أعطاه حضورا أوسع وأتاح له الخروج من محيطه الأول.
في أعمالك تتقدم الشخصيات الهشة أمام منظومات سلطوية أو اجتماعية أكبر منها؛ كيف تشكّل هذا الهاجس في بداياتك، أترينه اليوم فكرة فنية أم مشروعا نقديا ممتدا؟
هذا الهاجس موجود منذ البداية، وهو ليس اختيارا طارئا بقدر ما هو انعكاس لعلاقتنا كبشر مع السلطة بصورها المختلفة، ففكرة الظلم وما ينتج عنه من اختلال في ميزان القوة حاضرة في معظم الأفلام التي قدمتها، لأنها جزء من الواقع الذي نعيشه سواء تعلق الأمر بسلطة سياسية أو اجتماعية أو مؤسساتية.
في التجربة الأخيرة يظهر هذا الجانب بشكل واضح، فالاحتلال ليس حاضرا في الكادر بصورة مباشرة، لكنه موجود من خلال آثاره التي تتحكم في مصير الشخصيات ومحاولاتها للنجاة... ظروف المسعفين، عائلة الطفلة، والعجز أمام منظومة أكبر كلها تعبيرات عن علاقة غير متكافئة بين طرف يملك القوة وطرف يعيش تحت تأثيرها.
يمكن القول إن الموضوع صار مع الوقت جزءا من مسار متواصل أكثر منه مجرّد فكرة تطرح في عمل واحد، لأن علاقتنا بالسلطة ليست ثابتة وهي عنصر يساهم في تشكيل الحياة اليومية ويترك أثرا على الشخصيات والخيارات والقصص التي تُروى.
... وهل يمكن اعتبار اهتمامك بموضوع الظلم وعلاقة الفرد بالسلطة مسارا مستمرا في أعمالك المقبلة؟
من الصعب تحديد ما إذا كان هذا الخط سينتهي عند مرحلة معيّنة أو يستمر في المستقبل. المسألة ليست قرارا مُسبقا بقدر ما هي استجابة لواقع ما يزال مليئا بأشكال مختلفة من الظلم، وهذا يجعل هذه الأسئلة حاضرة تلقائيا في التجارب التي أشتغل عليها، فطالما تستمر هذه الظروف في تشكيل حياة الناس فسيبقى هذا المحور مطروحا في الأعمال، لأنه جزء من طبيعة العالم وليس موضوعا يُغلق بعمل واحد.
كثير من المخرجين في المنطقة يبدأون من المحلية ثم يتجهون إلى العالمية، بينما يبدو مسارك معكوسا.. كيف ترين علاقتك بالسياق التونسي والعربي في مقابل حضورك الدولي؟
القصص التي تأتي من منطقتنا تستحق أن يكون لها حضور دولي، وهذا لا يرتبط بحجم المكان ولا بطبيعته الجغرافية، فتصوير فيلم في قرية صغيرة في تونس أو في أي مكان آخر لا يعني أن القصة محلية بالمعنى الضيق أو غير قابلة للوصول إلى جمهور عالمي... فما يحدد مدى الانتشار ليس موقع الأحداث، بل طبيعة التجربة الإنسانية التي تحملها القصة، وقدرتها على لمس المتفرج أينما كان، فالبعد الجغرافي ليس معيارا لتحديد قيمة العمل أو حدود جمهوره، بينما البعد الإنساني هو الذي يفتح المجال للانتشار والحضور في سياقات أوسع.
يجرى الحديث دائما عن تمثيل القضايا في السينما، كيف تميزين بين تقديم فيلم يستلهم الواقع وبين التحول إلى لسان خطاب سياسي مباشر؟
أنا لا أميل إلى الخطابات السياسية المباشرة، لأن هذا النوع يضع المتفرج أمام موقف جاهز، وكأنه يتلقّى استنتاجًا نهائيا لا مساحة فيه للتأمل أو بناء رأي شخصي، فالفيلم بالنسبة لي مساحة للطرح والسؤال وليس للتلقين، وما أبحث عنه هو إدخال الجمهور داخل التجربة نفسها وجعلهم يعيشون الحدث من خلال الشخصيات وظروفها وتوتراتها، بدل وضعهم في مقعد يتلقى موقفًا مكتملًا مسبقًا.
إذن العنصر الأساسي هو البعد الإنساني والحسي في السرد، هل تصل الحكاية إلى المشاهد من خلال التجربة والمعايشة وهل يمكن أن يرى نفسه في القصة حتى لو بدت بعيدة عن حياته المباشرة؟ عندما يحدث ذلك، يتولد فهم أعمق من أي خطاب سياسي واضح، لأن مصدره التعاطف والوعي بالمصير الفردي داخل الحدث، لا الحُكم عليه من الخارج. هذا الاتجاه يجعل السياسة موجودة في الخلفية من خلال الواقع نفسه وتفاصيل الحياة اليومية، لا عبر الشعارات، وعندما يرى المتفرج ما يعيشه المسعفون أو العائلات أو الأفراد في سياق معيّن، يفهم طبيعة الوضع دون أن يفرض عليه أحد طريقة القراءة فالقصة هي التي تفتح الأسئلة، والمشاهد يساهم في الإجابة عنها من موقعه الخاص، وبهذا الشكل يتحول الفيلم إلى مساحة للتجربة والفهم، لا إلى قناة تُعاد من خلالها أفكار جاهزة، الوسيلة ليست إخفاء البعد السياسي، بل تقديمه داخل حياة أشخاص حقيقيين لهم أسماء ومشاعر وهواجس واختيارات، لا مجرد رموز داخل خطاب عام.
في تجربتك يظهر تداخل بين الوثائقي والروائي، وبين الشهادة والدراما، ما الذي يحدد شكل السرد الذي تعتمدينه في كل عمل؟
شكل السرد يرتبط بطبيعة القصة نفسها، لأن كل قصة تحمل بنية داخلية تقترح الطريقة الأنسب لتقديمها. عندما أبدأ مشروعًا جديدًا أسأل نفسي عن الطريقة التي يمكن أن تنقل التجربة بأكبر قدر من القوة والوضوح إلى الجمهور، ثم أراجع الأدوات المتاحة داخل السينما، سواء كانت وثائقية أو درامية أو مزيجا بينهما، وأختار منها ما يخدم الفكرة ويجعل المتفرج قريبا من الشخصيات... وهنا القرار لا يقوم على تفضيل شكل محدد أو الالتزام بنمط واحد في كل الأعمال، بل على فهم ما تحتاجه القصة من زوايا تصوير ومونتاج وبناء زماني ومسافة بين الكاميرا والحدث، وهناك قصص تحتاج حضورا مباشرا مع الواقع وشخوصه، وتستدعي بناءً وثائقيًا يترك فرصة للتفاعل اللحظي مع ما يحدث، وهناك قصص أخرى تتطلّب عملا سرديا مركبا يعتمد على الأداء التمثيلي وبناء مشاهد تتيح قراءة داخلية أعمق للشخصيات..
وقد تقود القصة أحيانا إلى صيغة تجمع بين مناخ الشهادة وحضور الدراما في الوقت نفسه، لأن التجربة لا تنتمي بالكامل إلى أحد الشكلين، وفي هذه الحالة يكون العمل أقرب إلى مساحة بحث، تُستخدم فيها أدوات متعددة للوصول إلى التعبير الأكثر صدقًا، ضمن حدود تحافظ على جوهر القصة دون أن تُحمّلها بناءً لا يناسبها.. إذن اختيار الشكل هنا قرار مرتبط بما يسمح للقصة بأن تتحقق على الشاشة، ويمنحها المسافة التي تحتاجها كي تصل إلى الجمهور بوصفها تجربة كاملة لا مادة تقريرية أو سردًا مغلقًا.
تتعاملين في أعمالك مع شخصيات حقيقية وتجارب معيشة، كيف تُدار العلاقة مع هؤلاء خارج الكاميرا، وهل تشعرين بمسؤولية أخلاقية تجاه صورتهم في المستقبل؟
التعامل مع أشخاص حقيقيين جزء حساس جدا في العمل الوثائقي، لأن ظهورهم أمام الكاميرا لا يعني أنهم يؤدّون دورًا منفصلًا عن حياتهم اليومية. هم يدخلون الفيلم بصفاتهم وتجاربهم وهوياتهم، وما يظهر على الشاشة يتحول إلى جزء من صورتهم العامة مستقبلًا، وهذا يجعل قرار العمل معهم مسؤولية مشتركة، ويحتاج وعيا بمسار طويل يتجاوز لحظة التصوير... فمن اللحظة الأولى أضع في الاعتبار أنني أدخل مساحة خاصة من حياة هؤلاء، وأن العلاقة معهم لا تنتهي عند انتهاء المشروع، لذلك يكون التواصل مستمرا، وأحيانا يتحوّل إلى علاقة إنسانية طويلة المدى.. وهذا الاتصال يساعد على فهم السياق الذي يعيشونه، ويجعل التصوير قائما على ثقة متبادلة وليس على جمع مشاهد للاستخدام الفني فقط، فالمسؤولية لا تقتصر على الوجود داخل الفيلم، بل تمتد إلى طريقة تقديم المادة وكيف سيستقبلها الجمهور، ومن المهم حماية التجربة من أي تأويل يجرّد الشخصيات من معانيها أو يضعها في موقع لم تختره، لذلك أفكر دائمًا في كيفية صياغة اللقطات والمقابلات والمونتاج بحيث تنعكس التجربة كما هي، دون توجيه المتفرج إلى صورة مسبقة أو استنتاج جاهز، وهذا النوع من العمل يتطلّب وضوحا في النية واحتراما لخصوصية الأشخاص ووعيا بما يمكن أن تحمله الصورة من أثر مستقبلي، لأن الفيلم يستمر بعد عرضه، ويظل جزءًا من السجلّ العام لحياة الشخصيات التي شاركت فيه.
ما الفهم الذي تبحثين عنه عندما تُعرض أعمالك في الغرب، أترغبين أن تُقرأ كأعمال فنية مستقلة أم كمدخل لفهم المنطقة؟
ما أطمح إليه هو أن تكون مدخلا إنسانيا لفهم الإنسان قبل أي تصنيفات أخرى، عندما نتحدث عن الجمهور في الغرب أو في أي مكان آخر، فإن الناس عموما يحملون صورا نمطية جاهزة عن الآخرين، لأن العقل البشري يجد هذا النوع من التصنيف أسهل... لذلك يكون الهدف من العمل هو تفكيك تلك الصور، وإظهار الشخصيات القادمة من منطقتنا كما هي، بتعقيداتها وتنوعها وتناقضاتها، لكني لا شك لا أسعى لتقديمهم بصورة مثالية، بل بوصفهم بشرا يمتلكون نقاط قوة وضعف وتجارب متباينة تماما مثل أي شخص آخر في العالم.
هناك من يرى أن السينما العربية لا تزال أسيرة التلقي الخارجي ومعاييره الفنية، كيف ترين هذا الجدل؟ وهل تمثل الجوائز العالمية محطة ضرورية أم مجرد أثر جانبي للعمل؟
هناك جانب يتعلق بطبيعة الفن نفسه، الحكاية والسرد جزء من الثقافة الإنسانية ككل، وليست ملكا لثقافة دون أخرى... نحن لدينا في العالم العربي تراث سردي غني وممتد تاريخيا، ومن المهم أن نستعيد هذا المخزون ونشتغل عليه من داخل ثقافتنا بدلا من النظر إليه من الخارج.
وفي المقابل نعيش اليوم داخل منظومة ثقافية مهيمنة، تتمثل في النموذج الأمريكي وصناعة هوليوود، وهذا يجعل أفلام هذه الثقافة تتمتع بانتشار كبير تلقائيا، بينما لا تحظى الأعمال القادمة من مناطق أخرى بنفس المساحة، وعندما نصنع أفلاما تنطلق من سياقاتنا وتجاربنا قد لا تصل إلى الجمهور العالمي بسهولة، لأن السوق منحاز أصلا لمن يملك القوة الإنتاجية والإعلامية... لهذا السبب تصبح المشاركة في المهرجانات الكبرى مساحة ضرورية حتى يُشاهَد العمل ويُتاح له الانتشار، وإلا سيظل محصورا في نطاق محدود، وليست هذه مكافأة إضافية أو ترفا بل نتيجة لبنية عالمية تمنح امتيازات لمن ينتمي إلى ثقافة مهيمنة.. وكل هذه العملية معقدة وتحتاج وعيا بكيفية التعامل معها والتفاعل معها دون الاستسلام لشروطها أو فقدان خصوصية التجربة الفنية.
ما التحول الأكبر في رؤيتك منذ أفلامك الأولى حتى اليوم... ما زالت الأسئلة نفسها تقودك أم أن الدوافع تغيرت مع الزمن؟
مسألة الظلم لا تزال دافعا كبيرا في الأعمال، لكنها تتطور مع كل تجربة لأن الأدوات تتطور أيضا، ومن فيلم إلى آخر تصبح القدرة على استخدام لغة السينما أوضح وأكثر نضجا، والهدف في كل مرحلة هو تقديم فيلم أفضل من السابق من حيث البناء والرؤية والتقنيات، وهذا التغيّر لا يعني التخلي عن الأسئلة الأولى، لكنه يرتبط بنضج التجربة وتطور الوسائل التي تُروى بها الحكاية.
في المرحلة المقبلة... تتجهين نحو مزيد من التجريب الفني، أم ترين أن الحاجة الإنسانية تفرض الاقتراب أكثر من القصص الواقعية؟
العمل على قصص مستمدة من الواقع لا يتعارض مع التجريب الفني ويمكن أن يفتح مجالًا واسعًا للتجريب الفني، لأن التجربة الحية تحمل طبقات متعددة تسمح باستخدام أدوات مختلفة في السرد والبناء البصري، وهناك قصص تتطلب تقنيات مباشرة تحافظ على قرب الكاميرا من الحدث، وهناك قصص أخرى تحتاج إلى معالجة مركبة تتيح قراءة داخلية أعمق للشخصيات والسياق، وأحيانًا يجتمع الاتجاهان في مساحة واحدة إذا احتاج العمل ذلك. الاهتمام بالقضايا الإنسانية لا يعني تكرار الأدوات نفسها في كل مشروع، فكل قصة تُفرَض بطريقة مختلفة، وتحتاج إلى شكل يبرز تفاصيلها ويجعل حضورها أقرب إلى المتفرج.. وأحيانًا تكون التجربة في التفاصيل الصغيرة التي لا تحتاج إلى بناء بصري معقد، وأحيانًا تحتاج إلى اشتغال بصري وصوتي يفتح طبقة جديدة من الفهم.
فالتجريب هنا طريقة لفتح مسارات تواصل مختلفة مع الجمهور، ويأتي من داخل القصة نفسها، لا من رغبة في اتباع قالب فني محدد، ولكن من المهم أن تظل التجربة نتيجة لاختيار واعٍ يستجيب لروح القصة ولما يمكن أن تتركه من أثر لدى المشاهد، سواء كانت قادمة من واقع يومي أو من معالجة فنية تعتمد إعادة بناء الحدث.