صفحة سوداء أخرى وليست أخيرة من تاريخ تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان (الكيزان) مأساة الهلالية نموذجاً (1-5)

يا مولعي
هذا زمان ..... تتري ...
فرسانه ..
يتنفسون .. الحقد
مصاصي ..دماء

وعلى صهول الخيل
يلوحون ..
بــ(جيم ثري)

لا يأبهون لإرث ( تاج الدين )
والقاطنين
على تخوم .. الفاشرِ

بمثابة مقدمة:
الكارثة الإنسانية التي حدثت في الأيام السابقة وما زالت تحدث داخل مدينة الهلالية - والتي تعد من أقدم المدن السودانية الواقعة على نهر النيل الأزرق - هذه الكارثة الإنسانية هي صفحة سوداء أخرى وليست أخيرة من صفحات تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) وإن شئت إحدى سلسلة تداعيات تلك الحرب التي كانت رصاصتها الأولى بالمدينة الرياضية لمدينة الخرطوم في صباح السبت الأسود 15 أبريل 2023 و حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يتوقف تبادل النيران بين القوات المسلحة السودانية، وبعض المليشيات المساندة لها من جهة ومليشيات الجنجويد – الدعم السريع حالياً – من جهة أخرى.

والله وحده – سبحانه وتعالى – يعلم متى وكيف ستنتهي هذه الحلقة الأخيرة من مسلسل محاولة تنظيم الإخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) للعودة لسدة الحكم من جديد!.

الإعلاء من شأن العنف الدموي:
لعل بعض قرائي الاعزاء عندما يفرغوا من قراءة السطر الأخير من الفقرة السابقة، لعل بعضاً منهم سينفعلون، محتجين على زعمي بوجود علاقة بين تنظيم الاخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) والحملات الإنتقامية لمليشيات الجنجويد – الدعم السريع حالياً – على أهالي قرى ومدن بعينها بولاية الجزيرة بصورة عامة وعلى مدينة الهلالية بصورة خاصة وما ترتب على ذلك من زهق لأرواحٍ ونهب وإتلافٍ لممتلكات مواطنين عزل، لم ولن يكونوا في يوم من الأيام، طرفاً أصيلاً فيما يحدث في الخرطوم العاصمة - بمدنها الثلاث: الخرطوم، أمدرمان والخرطوم بحري - وما لحق بولاياتٍ أخرى تتاخم ولاية الخرطوم وقد تبعد عنها بعدد من الفراسخ.
لم ولن يكون هؤلاء الضحايا من المواطنين العزل لقرى ومدن ولاية الجزيرة، طرفاً فيما حدث ويحدث من خلال هذه الحرب التي اشتغلت نيرانها من أجل حسمٍ صراع سياسي لعودة تنطيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) لحكم السودان وشعبه مجدداً، مستخدمين في ذلك آليات القتل المجاني من أسلحة قديمة وحديثة الصنع، وفي ذلك تطبيقاً حرفياً لهتافٍ قديم لجماعات الإسلام السياسي – ومن بينهم بكل تأكيد تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) - وأعني بذلك شعار ( فلترق منا دماء أو ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء ) ذلك الشعار الذي يجاهرصراحةً بتغيب الحوار والإعلاء من شأن العنف الدموي لحسم أي قضايا خلافية ليقابله عنفاً مضاداً، ألقى بظلاله على ما يجري داخل السودان من أحداث جسام، وأفضى – بعد أشهر قلائل من اندلاع شرارة هذه الحرب - إلى وصف توماس هوب: (حرب الكل ضد الكل) .. وهذا حديث آخر سوف أعود إليه بإذن الله ضمن سطور الحلقات المقبلة من سلسلة هذه المقالات.
ولكن دعني صديقي القارئ المحتج على ما كتبت في الفقرة الأولى من مقدمة هذا المقال وبما عنونت به هذه المقالات المتسلسلة، دعني أوضح لك – بعضاً مما يتعلق بمسألة الوشائج التي تربط بين مليشيات الجنجويد وتنظيم الأخوان المسلمين بالسودان (الكيزان ) ولنعد قليلاً للوراء لسنوات خلت، وتحديداً للعام 2019م وهو سنة ليست ببعيدة كثيراً عن العام الماضي الذي شهد في منتصف الشهر الأخير من ثلثه الأول، شرارة حرب الصراع على السلطة بين الفريق أول/ عبد الفتاح البرهان مستعيناً بالقوات المسلحة السودانية ومما ساندها لاحقاً من مليشيات غير نظامية. وبين الفريق أول/ محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومليشيات الجنجويد – قوات الدعم السريع حالياً - بتاريخها الدموي الحافل بدءاً بجرائم الإبادة الجماعية بولايات دافور في العام 2003 وربما كانت لهم جرائم ضد الإنسانية قبل ذلك العام.
من تداعيات هذه الحرب – ويمكنني أن أطلق عليها حرب البرهان/حميدتي – أنها أفضت إلى أكبر موجة نزوح ولجوء في تاريخ السودان الحديث، بعد أن افقدت معظم السودانيين - في المناطق المتنازع عليها من قبل طرفي صراع حرب البرهان/حميدتي - بعد أن أفقدتهم أعز ما يمتلكون من أرواح غالية ومن سقط متاع بذلوا جهدهم وعرقهم في جمعه، واسكانه داخل بيوتٍ، كانت عامرة بضحكاتهم وإجتماع أنسهم، مثلما شهدت أحزانهم وإلتفاف جيرانهم من حولهم مواساةً وتعزية.

عودة إلى الوراء قليلاً:
ولعلي أدعوك معي – صديقي القارئ المحتج – للرجوع إلى العام 2019 لتنتهي خطواتنا عند عتبات نهار السبت السادس من أبريل من ذلك العام. والمدن الثلاث للعاصمة الخرطوم، تشهد أجواءاً ساخنةً، ليس مردها فقط إنحسار فصل الشتاء ليفسح مجالاً لنهارات الصيف الثقيلة على قلب السودان وأهله وضيوفه، وإنما مردها كذلك لعنفوان الشوارع السودانية بالعاصمة والأقاليم في ذلك اليوم، وقد تدافعت تظاهراتها، فيما تواضع على تسميته من قبل تجمع المهنيين السودانييين بالمواكب، اقتباساً من بيت شعر بالقصيدة الغنائية: (أرض الخير) للشاعر السر قدور والتي حلق بها الفنان الجميل: إبراهيم الكاشف نحو آفاقٍ بعيدة حينما صدحت حنجرته الذهبية بهذا الأبيات: ( مواكب ما بتتراجع تاني .. أقيف قداما وأقول للدنيا : أنا سوداني)، قبل أن تشتهر النسخة المحرفة منها ( وأقول للدنيا : أنا أسواني ) بعد أن رددها أحد الفنانيين الأسوانيين في إحدى الأعراس، حيث التواجد التاريخي لنوبيي الشمال الجغرافي في مدينة أسوان وما جاورها من قرى النوبة والتي لا تبعد كثيراً عن بقية نوبيي الجنوب الجغرافي بمدينة وادي حلفا وحتى مدينة دنقلا بشمال السودان. وهذا حديث آخر!.

موكب السادس من أبريل للعام 2019:
بالرغم من العنف الممنهج لوقف تلك التظاهرات الحاشدة التي اكتنزت بها شوارع مدينة الخرطوم واتخمت في نهار السبت السادس من ابريل من نفس ذلك العام، فيما تواضع على تسميته بموكب مليونية ستة أبريل، الذي كانت وجهته في ذلك النهار، مباني قيادة الجيش السوداني بمدينة الخرطوم، حيث (كان ترحيب نظام المخلوع عمر البشير بموكبنا حفياً فقد أمطرونا بعبوات الغاز المسيل للدموع (البُمبان) ظننتها تأتي من نهاية شارع النجومي ولكنها جاءتنا أيضاً من رئاسة جهاز الأمن غير بعيد من شارع سعد الدين فوزي .. تفرقنا أيدي سبأ في ذلك المكان، ولكننا لم نغادره) ، رغم ذلك العنف الممنهج من قبل النظام الحاكم في تلك الفترة، عبر منسوبيه في القوات الأمنية والعسكرية لمنع احتشاد تلكم التظاهرات إلا أنها – أي التظاهرات – انتهت باعتصام المتظاهريين بمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بمدينة الخرطوم، ليسدل الستار لاحقاً وبصورة رسمية – بعد أشهر قلائل من إعتصامهم - على فترة الحكم العسكري الثالث بالسودان وذلك في عصر الخميس 11 أبريل 2019 عندما تلى الفريق أول/ أحمد عوض بن عوف بياناً رسمياً (مانفسو) تحدثت سطوره عن تنحية المشير/عمر البشير (واعتقاله وتعطيل العمل بالدستور، وذلك في بيان للجيش طال انتظاره ) .وقد بث ذلك البيان الرسمي عبر أثير ( هنا أمدرمان ) إذاعة جمهورية السودان .
اتوقف هنا عن الحديث على أن اعاود الحديث في الحلقات القادمة من هذه المقالات بإذن الله عما فعله بعض منسوبي تنظيم الحركة الإسلامية في القوات المسلحة السودانية بتقويض النظام الديمقراطي وذلك بإيعاذ من د.حسن الترابي (عراب الحركة الإسلامية) بالسودان الذي أراد فرض تطبيق تعاليم التنظيم على السودان دولة وشعباً عبر آلية الإنقلاب على السلطة، عكس صاحب كتاب ( نظرات في منهج العمل الإسلامي) د. جعفر شيخ إدريس الذي رغب في تطبيق تعاليم ومنهج الحركة الإسلامية بالسودان عبر آلية الدعوة فقط، مستخدماً – والحديث إليه – ( المعيار النقدي هذا هو الذي جعلني أكتشف الترابي في وقت مبكر) –.وذاك حديث آخر.
كما أنني سوف ألقي مزيداً من الضوء في الحلقة الثانية - تحديداً - من سلسلة هذه المقالات (صفحة سوداء أخرى وليست أخيرة من تاريخ تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) – مأساة الهلالية نموذجاً ) مسلطاً مزيداً من الضوء على العلاقة التي تربط بعض قيادات في الجيش النظامي – القوات المسلحة السودانية – بقيادات في تنظيم الأخوان المسلمين بالسودان ( الكيزان ) من جهة، والحبل السري الذي يصل ما بين تلك القيادات العسكرية مع مليشيات الجنجويد – قوات الدعم السريع حالياً .

- يتبع -

مزمل الباقر

الجيزة في 8 نوفمبر 2024

meezo1211@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة الدعم السریع حالیا مدینة الخرطوم هذه المقالات صفحة سوداء فی ذلک

إقرأ أيضاً:

قانون الأوقاف لعام 2025 تشريع أثار مخاوف المسلمين في الهند

تشريع أصدرته الحكومة الهندية عام 2025، تضمن تعديلات جوهرية في البنية القانونية والإدارية التي تحكم نظام الوقف الإسلامي، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والمجتمع الإسلامي، رغم زعم الحكومة أن هدف التعديلات تعزيز الشفافية وزيادة كفاءة إدارة الوقف.

وعبّر العديد من القيادات الدينية وأعضاء المجتمع المدني وأحزاب المعارضة الهندية عن قلقهم من انتهاك القانون حقوق المسلمين الدينية التي يكفلها الدستور الوطني، لتعارضه الصريح مع مبادئ المساواة وروح التعددية التي تحمي حقوق الأقليات في إدارة شؤونها ومؤسساتها الدينية.

ويرى المعارضون أن القانون يهدف إلى تقويض استقلالية الأوقاف وتهميش المسلمين في الهند، وبسط سيطرة الدولة على ممتلكاتهم الوقفية، بسبب ما تضمنه القانون من أحكام مثيرة للجدل، أبرزها فرض مشاركة أفراد غير مسلمين في هيئات إدارة الأوقاف، وإلغاء العمل بنظام "الوقف بالاستخدام".

وقد فتح قرار إلغاء "الوقف بالاستخدام" الباب على مصراعيه أمام احتمالات الاستيلاء على ممتلكات الأوقاف، مما يثير القلق بشأن مصير العديد من المساجد والمقابر وغيرها من عقارات الوقف وأراضيه غير المسجلة رسميا، والتي تعود ملكيتها لمئات السنين، حيث باتت مهددة بالهدم أو المصادرة، رغم ما تحمله من قيمة تاريخية للمسلمين.

وحذر المعنيون من أن القانون يُضعف المشاركة المجتمعية في إدارة الأوقاف، وهو ما تترتب عليه آثار اجتماعية وقانونية تضرّ بالطائفة المسلمة التي تعتمد اعتمادا كبيرا على مؤسسات الوقف في توفير خدمات حيوية مثل التعليم وإقامة الشعائر الدينية وتوفير أماكن الدفن والرعاية الاجتماعية وتقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والمحتاجين.

خلفية تاريخية

نشأ نظام الوقف الإسلامي في الهند مع مطلع القرن 13 الميلادي، حين خصص السلطان معز الدين محمد بن سام الغوري أراضي واسعة لبناء مسجد جامع في ملتان. ومع ازدهار سلطنة دلهي لاحقا، ثم الدول الإسلامية الأخرى في الهند، ازدهرت ممتلكات الوقف في البلاد وزاد عددها.

وكان المسلمون يديرون أملاك الوقف وفق التعاليم الإسلامية، ويُكرّسون ريعها لخدمة المجتمع المسلم عبر بناء وصيانة المدارس والمساجد والمؤسسات التعليمية والمقابر والمراكز الصحية وغيرها من الأعمال الخيرية.

إعلان

وقد أبقت السلطات البريطانية في الحقبة الاستعمارية على الممارسات الوقفية السائدة، وفي عام 1913 أصدرت حكومة الهند البريطانية أول قانون لتنظيم الأوقاف الإسلامية، عُرف باسم قانون توثيق الوقف الإسلامي، وقد أُجريت عليه تعديلات لاحقة في عامي 1923 و1930، بهدف تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأوقاف. وبعد انفصال الهند وباكستان عام 1947، أُعيد النظر في شؤون الأوقاف الإسلامية، وعدلت الحكومة الهندية عام 1954 قانون الأوقاف، وأنشأت لأول مرة مجالس أوقاف حكومية في مختلف الولايات، أوكلت إليها مهمة الإشراف على ممتلكات الأوقاف ضمن نطاق كل ولاية.

وصُنف الوقف الإسلامي حينها وفق الغرض من استخدامه، مثل: أوقاف المقابر وابن السبيل، وأوقاف نهاية الخدمة للموظفين، وأوقاف القضاة والأئمة والخطباء، وأوقاف ذوي القربى، وغيرها من الأوقاف الخيرية والدينية.

وفي عام 1964 أسست الحكومة مجلس الأوقاف المركزي الذي بات يشرف على عمل الأوقاف في عموم البلاد بالتنسيق مع مجالس الأوقاف الحكومية في الولايات، وأُجريت تعديلات طفيفة على القانون في السنوات 1959 و1969 و1984.

وكان قانون الوقف لسنة 1995 من أبرز القوانين ذات الصلة، إذ نص على إنشاء محاكم الأوقاف التي تتمتع بصلاحيات مماثلة للمحاكم المدنية، وتُصدر قرارات نهائية ولا يجوز الطعن فيها أمام المحاكم المدنية.

وحدد هذا القانون صلاحيات الهيئات الإدارية الرئيسية للأوقاف ووظائفها، وهي:

مجلس الأوقاف المركزي: ومهمته تقديم المشورة للحكومة ومجالس الأوقاف بشأن السياسات المتعلقة بالأوقاف، وإن كان لا يتحكم بشكل مباشر في ممتلكات الأوقاف. مجالس الأوقاف الحكومية: ووظيفتها إدارة ممتلكات الأوقاف في كل ولاية وحمايتها. محاكم الوقف: وهي هيئات قضائية، تختص بالفصل في النزاعات المتعلقة بملكية الوقف وإدارته.

وفي عام 2013 أُجريت تعديلات إضافية على القانون، كان أبرزها:

تشكيل المحاكم الوقفية من 3 أعضاء، على أن يكون من بينهم خبير في القانون الإسلامي. اشتراط وجود امرأتين ضمن عضوية كل مجلس وقف. تمديد الحد الأقصى لإيجار العقارات الوقفية من 3 سنوات إلى 30 سنة.

وتضم الهند أكبر عدد من الممتلكات الوقفية في العالم، وتشكل مجالس الأوقاف أكبر مالك للأراضي الحضرية في الهند، والثالثة من حيث الحجم بعد كل من الجيش ومؤسسة السكك الحديد.

ووفق بيان مكتب معلومات الصحافة الحكومي الصادر في سبتمبر/أيلول 2024، تضم الأوقاف الإسلامية أكثر من 872 ألف عقار، بمساحة إجمالية تزيد على 400 ألف هكتار، وتقدر قيمتها بنحو 14.2 مليار دولار.

وتشمل العقارات مساجد ومدارس دينية وأضرحة وعقارات أخرى وأراضي شاسعة، تديرها مجالس الأوقاف الموزعة على 30 ولاية وإقليما اتحاديا.

قانون الأوقاف لعام 2025

في أغسطس/آب 2024، قدّم حزب بهاراتيا جاناتا، الحزب القومي الهندوسي الحاكم، مشروع تعديل قانون الأوقاف الإسلامية، وفي مطلع أبريل/نيسان 2025 أُقرّ المشروع مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، قبل أن تصادق عليه رئيسة الهند، دروبادي مورمو.

وأعلنت وزارة شؤون الأقليات أن الأهداف من التعديلات التي أقرها القانون هي:

إعلان معالجة القصور في قانون عام 1995. تعديل قانون عام 2013. تعزيز الشفافية وحماية أصول الأوقاف بمنع التعدي أو إساءة الاستخدام. تسهيل إدارة ممتلكات الوقف، عن طريق تحديث الإدارة، والحد من النزاعات القانونية وتحسين الكفاءة.

وقد لاقى القانون معارضة واسعة في البلاد، قادها حقوقيون وأكاديميون وأحزاب من المعارضة. واعتبر معارضو القانون أنه مخالف للدستور، ويشكل هجوما على الأقلية المسلمة التي يبلغ تعدادها 200 مليون نسمة.

وعبر المؤتمر الوطني، أبرز أحزاب المعارضة، عن رفضه للقانون، معتبرا إياه غير دستوري وينطوي على طابع تمييزي ضد المسلمين.

وحذّرت جماعات مسلمة، مثل "مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند"، من أن القانون يشكّل تدخلا في الشؤون الدينية وانتهاكا صريحا للحقوق الدستورية، ونبّهت على خطورة استخدام القانون أداة لمصادرة أراضي المسلمين تحت ذرائع إدارية أو قانونية، وأدان "مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند" التشريع ووصفه بأنه غير دستوري، وقدّم التماسا للطعن فيه أمام المحكمة العليا.

وقد أثار مشروع القانون منذ طرحه موجة من السخط في أوساط المسلمين الذين نظموا احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء البلاد بهدف منع إقراره، وفي 24 مارس/آذار 2025 أطلقوا حملة وطنية رافضة للمشروع.

وفي أعقاب إقرار القانون اندلعت مظاهرات واسعة النطاق، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية المسلمة بولاية البنغال الغربية شرقي البلاد، وأسفرت عن وقوع قتلى وتوقيف أكثر من 100 شخص.

وفي أواخر يونيو/حزيران احتشد مئات الآلاف من المسلمين في ساحة "غاندي ميدان" بمدينة باتنا، احتجاجا على القانون الذي اعتبره المتظاهرون غطاء قانونيا لنهب الأوقاف الإسلامية وهدم المساجد والمقابر والمدارس الدينية.

أحكام مثيرة للجدل

قانون الأوقاف لعام 2025 نسخة معدّلة من قانون عام 1995، وقد تضمّن أكثر من 40 تعديلا، شملت ضوابط تنظيمية أكثر صرامة على تأجير ممتلكات الوقف أو نقلها أو التصرف فيها.

ويفرض القانون تحويل وثائق الوقف إلى نسخ رقمية، واعتماد نظام تسجيل مركزي بدلا من النظام الذي كان يقتصر على مستوى الولايات، كما فرض إنشاء نظام وطني موحّد لإدارة ممتلكات الوقف، وحدد أعضاء المحكمة الوقفية بعضوين، مع إمكانية الاستئناف على قراراتها أمام المحكمة العليا في أجل لا يتعدى 90 يوما.

وقد أُعيدت تسمية القانون ليحمل اسم "قانون الإدارة الموحدة وتعزيز كفاءة الوقف وتطويره"، وشمل مجموعة من الأحكام المثيرة للجدل، أبرزها:

إعادة تعريف "الوقف" بأنه العقار الذي يمتلكه شخص يمارس الإسلام لمدة لا تقل عن 5 سنوات، مع إثبات ملكيته للعقار. اشتراط ضم مجلس الأوقاف المركزي عضوين غير مسلمين، وأن يضم على الأقل امرأتين مسلمتين، مع عدم الإلزام بأن يكون أعضاء المجلس المعينين من النواب السابقين أو القضاة أو الشخصيات البارزة مسلمين. إلزام مجالس الولايات بترشيح أعضاء من خلفيات متنوعة، تشمل غير المسلمين، مع ضمان تمثيل الشيعة والسنة، والطبقات المسلمة الأقل حظا، بما في ذلك امرأتان مسلمتان على الأقل. نزع سلطة تحديد وضع الممتلكات المتنازع عليها والفصل في النزاعات من مجالس الأوقاف ونقلها إلى محصلي الأوقاف في المقاطعات. إنشاء مجالس أوقاف منفصلة لطوائف إسلامية محددة، مثل البهرة والأغاخانية، وإدارة ممتلكاتهم الوقفية بشكل مستقل. تشديد شروط تسجيل الوقف وتوثيقه بحيث لا يكفي الاعتماد على الوقف الشفهي، بل يجب أن يكون مصحوبا بصك وقف سار ووثائق ملكية داعمة. الانتهاكات الدستورية

أثار قانون الأوقاف الهندي لعام 2025 جدلا واسعا في الأوساط القانونية والأكاديمية والطائفة المسلمة في البلاد، وذلك بسبب التعديلات التي لها أثر بالغ في تقويض مبادئ الدستور الوطني وحرمان المسلمين من حقوق أساسية يكفلها القانون.

إعلان

ويسمح الدستور الهندي بموجب المادة 26 لكل طائفة دينية بإدارة شؤونها الدينية الخاصة، وهو عنصر مهم في الإطار العلماني والتعددي للدولة، ويحافظ الدستور كذلك على حقوق الأقليات بمقتضى المادتين 29 و30 اللتين تنصان على حماية الهويات الثقافية والتعليمية والدينية للأقليات.

وبموجب الدستور، يحق لأي فئة من المواطنين على الأراضي الهندية تتمتع بلغة أو دين أو ثقافة مميزة الحفاظ عليها، ويدخل نظام الوقف في هذا الإطار، إذ يمثل أهمية جوهرية للمسلمين من الناحيتين الدينية والثقافية.

وتتمثل الانتهاكات التي ينطوي عليها هذا القانون في جوانب عدة، من أبرزها:

يعد اشتراط إشراك أعضاء غير مسلمين في تشكيل مجالس الأوقاف تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية لأقلية دينية، وتهديدا للطابع الحقيقي للوقف، إذ يحوله إلى كيان حكومي يضطلع غير المسلمين بدور رئيسي في إدارته، وذلك يمنع من إدارته وفق التعاليم الإسلامية ويقوض استقلاليته.

كما يُشكّل هذا البند انتهاكا لمبدأ المساواة الذي يكفله الدستور الهندي، إذ لم يُفرض على أي من مجالس الطوائف الأخرى في البلاد، سوى المسلمين، إشراك أفراد من خارج ديانتها في إدارة مؤسساتها الدينية.

يعزز القانون من سيطرة الحكومة المركزية على ممتلكات الأوقاف الإسلامية التي كانت تُديرها سابقا مجالس الأوقاف على مستوى الولايات، ويُخشى أن يؤدي هذا التحوّل إلى التأثير على طبيعة إدارة الأوقاف، وربما إلى تحويلها عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أُنشئت من أجلها.

وسع القانون صلاحيات محاكم الأوقاف، وهي مؤسسات خاضعة لسيطرة السلطة التنفيذية، وجعل قراراتها نهائية مع نطاق محدود للمراجعة القضائية، وتعد هذه المحدودية في الرقابة القضائية مساسا بحق المجتمع المسلم في الوصول إلى العدالة، لا سيما في حالات التعدي على الممتلكات أو سوء إدارة الأوقاف.

ولا يعتبر المعارضون هذه التعديلات مجرد إجراء إداري محايد، لأنه يضعف بشكل مباشر قدرة المجتمع المسلم على حماية أراضيه أثناء النزاعات والتعديات والهجمات السياسية الممنهجة.

ويؤكد خبراء قانونيون هذه المخاوف، مشيرين إلى أن التعديلات تستهدف تقويض الإطار القانوني والدستوري الذي نظّم تاريخيا شؤون الأوقاف في الهند.

يشترط القانون مرور 5 سنوات على اعتناق الشخص الإسلام قبل السماح له بإنشاء وقف، وهو ما يُعد شرطا تعسفيا وتمييزيا، وينتهك مبدأ المساواة في الدستور الهندي، إذ لم يُفرض شرط مماثل على أتباع أي طائفة دينية أخرى.

ويمنع القانون كذلك غير المسلمين من إنشاء أوقاف إسلامية، رغم أن التشريعات السابقة كانت تتيح لهم ذلك في إطار دعم الأقليات.

يلغي القانون مبدأ "الوقف بالاستخدام"، وهو بند أساسي في قانون الوقف لعام 1954، كان يُقرّ باعتبار العقارات التي استُخدمت تاريخيا لأغراض دينية أو خيرية أوقافا، حتى عند عدم تسجيلها رسميا، وقد مكّن هذا المبدأ من حماية مساجد ومقابر ومدارس قديمة يعود استخدامها لمئات السنين.

وبإلغاء هذا البند، يُفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيلاء على ممتلكات الوقف، خصوصا في القرى والمناطق التي تفتقر إلى وثائق ملكية رسمية، وهو ما يُعرّض العديد من الأوقاف، حتى ذات الأهمية التاريخية، لخطر المصادرة أو الهدم، بما يؤثر بشكل مباشر على الممارسة الدينية والاستمرارية الثقافية للمجتمعات الإسلامية.

يحدّ القانون -بنصه على مركزية إدارة الأوقاف في ظل حكومات الولايات والحكومات المركزية- من إمكانات الحوكمة المجتمعية، ويقلل من مشاركة المجتمع المسلم المحلي والمنظمات المجتمعية في كيفية إنفاق دخل الأوقاف، وتتصرف به الدولة من دون تشاور كاف مع المسلمين، وذلك من شأنه أن يتعارض مع النية الأصلية للواقف، وينتهك روح الوقف في الشريعة الإسلامية.

وتُستخدم ممتلكات الوقف دينيا وتاريخيا لتمويل التعليم والرعاية الصحية والإسكان والرعاية الاجتماعية للفئات الأضعف اقتصاديا في المجتمع الإسلامي، ومع إمكانية تحويل دخل أراضي الوقف إلى نفقات إدارية أو مشاريع تنموية تقودها الحكومة قد يُقلل ذلك من أثر الرعاية الاجتماعية بين المسلمين المهمشين.

أخلّ القانون بالتوازن الفدرالي الذي أرساه الدستور، إذ يوزع الدستور الهندي السلطات التشريعية بين الاتحاد الفدرالي والولايات، وبموجبه تقع ممتلكات الوقف الدينية ضمن الاختصاص التشريعي للولايات.

إعلان

يُلزم القانون مجالس الأوقاف بتسجيل جميع ممتلكاتها لدى سلطات المقاطعات التي باتت تملك صلاحية تقرير ما إذا كانت هذه الممتلكات تُعد أوقافا شرعية أم لا، وذلك ما يقلص من صلاحيات مجالس الأوقاف، ويمنح المسؤولين الحكوميين سلطة التحقيق في أملاك الوقف، واسترداد الأراضي غير الموثقة، أو ما يُزعم أنها أراض حكومية أو "مُعتدى عليها".

دخول القانون حيز التنفيذ

بعد مصادقة الحكومة على قانون الأوقاف لعام 2025، قدم العديد من الأفراد والمنظمات التماسات إلى المحكمة العليا الهندية للطعن في القرار، بحجة انتهاك أحكام الدستور الهندي والاعتداء على حقوق الأقلية المسلمة.

وذكر موقع المحكمة العليا أنها استقبلت عددا قياسيا من الالتماسات، تجاوز 65، وكان من بينها طلبات قدمها سياسيون ومنظمات مدنية ومناصرون، وأعلنت المحكمة في الأول من مايو/أيار 2025 أنها لن تقبل أي التماسات أخرى في هذه الشأن.

وأثناء جلسات الاستماع المتعددة، قدم الملتمسون أدلة على أن القانون يخالف مواد دستورية، مؤكدين أن تطبيقه سيؤدي إلى أضرار لا يمكن إصلاحها.

ومن جانبها، ردت المحكمة على الاعتراضات، مؤكدة أن إنشاء الوقف ليس جوهريا في الإسلام، بل هو نوع من المؤسسات الخيرية ذات الطابع العلماني، وتخضع لإدارة الدولة بموجب الدستور، واعتبرت أن "الوقف بالاستخدام" كان امتيازا قانونيا وليس حقا ثابتا.

وأفادت المحكمة بأن وجود أعضاء غير مسلمين في مجالس الأوقاف يشكل أقلية، واعتبرت هذا الإدماج يُحسّن من أداء الإدارة، لا سيما أن هذه المجالس لا تمارس وظائف دينية، بل تدير شؤونا دنيوية مثل التدقيق والملكية والقضاء.

وأكدت المحكمة أن القانون لا يُمثّل تهديدا جسيما يستدعي وقف تنفيذه، مشيرة إلى أنه لم تُسجَّل أي دعاوى قانونية من قبل متضررين بشكل مباشر. وأضافت أن التحديات المرتبطة بالحفاظ على المواقع ذات القيمة التاريخية لم تؤثر على استمرار استخدامها للأغراض الدينية.

ورغم تصاعد الاعتراضات، دخل القانون حيز التنفيذ ابتداء من 8 أبريل/نيسان 2025، وأسفر عن هدم عدد من المساجد والمدارس الدينية، خصوصا في المناطق الريفية.

مقالات مشابهة

  • نداء من الإخوان المسلمين لشيخ الأزهر للتدخل لوقف معاناة معتقلي سجن بدر 3
  • قانون الأوقاف لعام 2025 تشريع أثار مخاوف المسلمين في الهند
  • إنْ كان الجيش تحت سيطرة الكيزان، فالمفاوضة معه تعني – ضمناً – اعتراف القحاتة بحق الكيزان في المشاركة
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزع (689) سلة غذائية في محلية الحصاحيصا بولاية الجزيرة بالسودان
  • أدخنة سوداء في السماء .. حريق بالخمائل بالشيخ زايد
  • عندما حاول الأخوان سرقة ثورة 23 يوليو وفشلوا
  • ختام امتحانات الشهادة السودانية للعام 2024 وتدشين برنامج العمل الصيفي بولاية الخرطوم
  • الأزهر عن زيارة الأئمة الأوروبيين للكيان الصهيوني: "لا تمثل الإسلام ولا المسلمين"
  • ثمانية قتلى في قصف للدعم السريع على ملجأ في دارفور بالسودان
  • أستاذة تاريخ إسلامي: مراسم غسل الكعبة المشرفة تجسد عناية المسلمين بها عبر العصور