سودانايل:
2025-07-30@00:53:50 GMT

السودان: حرب على أرض الجراح المفتوحة – بعين مستشرق

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

بقلم: الدكتور عزيز سليمان

منذ سنوات، والسودان يدور في دوامة لا تهدأ من الأزمات المتوالية التي تأتي على مقدراته وشعبه. بدا الأمر وكأن السودان يسير نحو مستقبل أكثر استقراراً بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، حيث عانق السودانيون أملاً جديداً بمستقبل خالٍ من الديكتاتورية. لكن الأحداث الجارية على الأرض أظهرت أن هذا الأمل لم يكن إلا سراباً يبتعد مع كل أزمة جديدة تندلع.

والمشهد في السودان اليوم يشبه إلى حد كبير لوحة مؤلمة من فوضى عارمة تملؤها الدماء، والانقسامات، والأزمات المتراكمة.

جذور الأزمة... التاريخ يعيد نفسه

يبدو أن التاريخ في السودان لا ينتهي، بل يعيد نفسه بطرق أكثر تعقيدًا. السودان الذي حُكم لسنوات طويلة بأنظمة ديكتاتورية وجد نفسه محاصراً بصراعات قبلية وعسكرية بعد سقوط البشير. قوات الدعم السريع، تلك الميليشيات المدججة بالسلاح والعتاد، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تقف على رأس مشهد الصراع ضد الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان. وعلى الرغم من شعارات الحرية والعدالة التي رفعت خلال الثورة، فإن الأمر اليوم تحول إلى حرب نفوذ وصراع سلطة لا يرى فيه المواطن السوداني إلا مزيدًا من المعاناة.

ما وراء القوة والسلاح: من المستفيد؟

من يستفيد من هذه الحرب المدمرة؟ الإجابة تكمن في تفاصيل معقدة من مصالح القوى الإقليمية والدولية. فالسودان، بموارده الغنية وموقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، يظل مطمعًا للدول التي تسعى لمد نفوذها في المنطقة. دول عديدة تتدخل هنا وهناك، بعضها يمد قوات الدعم السريع بالسلاح، والبعض الآخر يدعم الجيش، وأخرى تكتفي بالمراقبة وانتظار لحظة مناسبة للدخول كوسيط، لكن بجدول أعمالها الخاص.

مصالح إقليمية، مثل الطموح الإماراتي لمد نفوذ في شرق إفريقيا عبر حميدتي، والمصالح المصرية الأمنية التي ترى في البرهان شريكاً استراتيجياً، تجسد التعقيد الأكبر في هذا الصراع. وحتى الدول الغربية التي طالما انتقدت نظام البشير بلسان حقوق الإنسان لم تقدم دعماً حقيقياً للسودانيين في مواجهة مصيرهم اليوم.

الشعب السوداني. ضحية جديدة كل يوم

أما الشعب السوداني، فهو الخاسر الأكبر في هذه الحرب. ملايين من الناس في دارفور وكردفان والخرطوم وجدوا أنفسهم بين مطرقة القصف وسندان الجوع. لم تعد الحياة الكريمة حلمًا، بل أصبحت لقمة العيش وأبسط أشكال الأمان أمنيات شبه مستحيلة في ظل حصار الحرب والنزوح. أصبحت المعونات الإنسانية غير كافية، وأصبحت المدارس والمستشفيات هدفاً للقذائف. وحتى الطرقات أصبحت مقابر جماعية لأبرياء خرجوا بحثًا عن الأمان.

الرهان على الحل السياسي.. أمل يزداد بُعدًا

البعض يتحدث عن حلول سياسية، وآخرون يراهنون على حوار بين الأطراف، لكن ما لا يفهمه الجميع هو أن هذه الأطراف قد لا ترغب في الحل. القوى المتصارعة، التي اغتنت وتوسعت عبر الحرب، لا تجد في السلام مصلحةً، بل ترى في استمرار الصراع فرصة لتكديس المزيد من الأموال والنفوذ. الرهان على الحل السياسي يبدو بعيداً في ظل تزايد التحالفات المتناقضة ووجود أطراف لا تهتم إلا بتعزيز نفوذها على حساب الدم السوداني.

مستقبل غامض.. ومسؤولية عربية ودولية

بينما يراقب المجتمع الدولي الوضع في السودان بقلق، يبقى صوت الشعوب العربية خافتًا. فالدول العربية التي تربطها علاقات تاريخية وأمنية وثيقة بالسودان لم تقم بجهود فعلية لوقف هذه الكارثة الإنسانية. وإذا كان هناك تحرك فهو تحرك بطيء ومحدود، فلا جهد عربي حقيقي لحل النزاع، ولا وساطة تُلبي تطلعات السودانيين.

ومع مرور كل يوم، يزداد السؤال إلحاحاً: هل يمكن أن نجد نهاية لهذا الصراع؟ أم أن السودان سيظل ساحة مفتوحة لصراع المصالح والمطامع؟ الأيام ستجيب، ولكن من المؤكد أن الشعب السوداني يحتاج إلى أصوات داعمة تتجاوز شعارات النوايا الطيبة وتقدم مبادرات حقيقية.

وطن يهزمه ابناءه

السودان، وطن يسكن ضمائر أهله ويفيض بكنوز الأرض وأسرارها، لكنه وطنٌ أرهقته خيانات أبنائه المتوالية. بلدٌ طواه جرح التاريخ طويلاً، فظل متماسكاً كالنخيل، شامخاً على ضفاف النيل العظيم، لكنه لم يسلم من أيدي العابثين الذين لطخوا ترابه بمآربهم وأحلامهم الصغيرة. وطنٌ ينادي أبناءه ليبنوا، فيرد عليه بعضهم بآلة الحرب والعنف، متناسين قدسية الأرض التي أنجبتهم.
أبناء السودان، الذين كان يُنتظر منهم أن يكونوا حراس ترابه وناشري الأمل فيه، أصبح بعضهم أدوات لصراعات عبثية، تُسقط هيبة الأرض وتفرّق الصفوف. وكيف لا يخيب الأمل حين يبيع البعض قيم الوفاء لصالح مطامع زائلة، تاركين خلفهم شعباً متألماً بين الحصار والفقر والنزوح؟ السودان، رغم كثرة الجراح، يبقى وفياً لأبنائه، ينتظر منهم العودة إلى حضنه، لعل يوماً يشرق فيه السلام على واديه الخصيب وأهله الطيبين.

 

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية فرنسا: إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتحقق بتنفيذ حل الدولتين

أكد وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، وجوب العمل على إنهاء الحرب في غزة، وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتحقيق ذلك يتطلب تنفيذ حل الدولتين الذي يلبي التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين للعيش في سلام وأمن، مؤكدًا عدم وجود بديل لذلك.
جاء ذلك في كلمته اليوم في مؤتمر الأمم المتحدة رفيع المستوى حول “التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين”، لإعادة تأكيد الدعم الدولي لحل الدولتين والتخطيط والتنسيق لتنفيذه.
وقال الوزير الفرنسي: ” بعد 80 عامًا من تأسيس الأمم المتحدة لا يمكننا قبول استهداف المدنيين، النساء والأطفال، عندما يتوجهون إلى مواقع توزيع المساعدات. هذا أمر غير مقبول”.
وأوضح أن المشاركة الواسعة في المؤتمر تؤكد الإجماع والحشد من المجتمع الدولي حول نداء وقف الحرب في غزة، مشددًا على ضرورة أن يكون المؤتمر نقطة تحول لتطبيق حل الدولتين.
وأضاف: “يجب أن نعمل على مسار سبل الانطلاق من إنهاء الحرب في غزة إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في وقت تعرض فيه هذه الحرب أمن واستقرار المنطقة بأسرها للخطر”.
وحول استمرار الحرب والمأساة الإنسانية في غزة، قال بارو : “عبر هذا المؤتمر نطلق نداء جماعيًا للعمل، هذه الحرب استمرت لأكثر مما ينبغي ويجب أن تتوقف، يجب أن تصمت الأسلحة وتتيح المجال لوقف فوري ودائم لإطلاق النار”، مشددًا على ضرورة الإفراج فورًا ودون شروط وبكرامة عن جميع الرهائن، ووقف معاناة المدنيين في غزة.

مقالات مشابهة

  • حتى لا نخدع أنفسنا.. أصبحنا حكومتين وثلاثة دول!!
  • السودان.. الشمس تقترب من الأرض ومنخفض الهند الحراري يواصل سطوته
  • مني أركو: تشكيل ما يُسمى «حكومة تأسيس» يمهّد لتدخل دولي في الشأن السوداني
  • منظمات أممية: السودان بحاجة ماسة للدعم مع عودة 1.3 مليون نازح
  • إلى أين يتجه الصراع بين إسرائيل وغزة؟ محررون بواشنطن بوست يجيبون
  • وزير خارجية فرنسا: إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتحقق بتنفيذ حل الدولتين
  • وزير إسرائيلي يشيد بثبات العلاقات مع الإمارات رغم الحرب في غزة (شاهد)
  • اجتماع الرباعية الدولية في واشنطن: تدخلات خارجية ومصالح متضاربة في ملف السودان
  • رئيس الوزراء السوداني يعين 5 وزراء جدد في حكومته
  • لن نفرط.. وزير “المعادن” السوداني يعلن الحرب على مهربي الذهب