الشهداء.. محطاتٌ إيمانية وروحٌ تعبوية
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
مشول عمير
قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَـمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
تمرُ السنون والأيّام والليالي، لتحل علينا في كُـلّ عامٍ ذكرى من قدموا وسطروا أروع وأفضل الأمثلة، ذكرى الشهيد.
هي تلك الذكرى التي يعجز الكلام وتجف الأقلام من أن تعبر عن الشهداء، والله لو أعبر مهما عبرت، وكتبت ما كتبت فَــإنَّه لا يستوفي الكلام أمام تضحياتكم ومواقفكم.
فَــإنَّ السنين تمرُ وأن تضحياتكم لتثمر وأن نحن من يقطف أزهار هذه الثمرة.
وإنه والله في كُـلّ عامٍ وعام نزيد عزة وكرامة ونزيد صبرًا وثباتاً، وذكراكم تأتي لنا وقودًا وحماسة، وتأتي لتقول لنا لا تيأسوا، وعلى النهج العظيم سيروا، وعلى الطريق واصلوا، وبهدى الله تحصنوا، وعن كتاب الله لا تغفلوا، وبالقائد العلم والمسيرة تمسكوا.
ولنداء الأخ والمستضعفين والمظلومين لبوا، وإياكم أن تتردّدوا أَو على الدرب تقعدوا؛ فماذا سوف تجيبون يوم النداء ويوم المحشر.
كونوا على علم أن العالم لكم ينتظرون، وبهدى الله لا تبخلوا في نشرِهِ، وهناك نفوس للهدى والقرآن تتعطش
التضحيات والدماء التي سفكت في سبيل الله هي للدفاع عن الوطن والمبادئ والمنهج القرآني وإعلاء كلمة الله ونشر دينه.
فهنا لا يحلم العدوان الإسرائيلي أَو الأمريكي أَو حلفائهم أن يحتلوا أرضنا أَو أي شبر واحد منها.
كما قال السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- (كان معنا الله وكان معنا السلاح الفتاك سلاح الإيمَـان هو السلاح الفتاك الذي كان لا يمتلكونه) ولكن نحن بفضل الله اليوم أصبحنا نمتلك اكتفاء ذاتياً في تصنيع السلاح، ما لم نكن نملكه من قبل، وأصبح التصنيع الحربي ينتج من ذخائر المسدس إلى الوصل إلى أعظم تقنيات في التصنيع في المسيّرات البعيدة المدى وفي التصنيع للصواريخ البعيدة المدى والفرط الصوتي والتي تفوق سرعتها سرعة الصوت بثلاثة أضعاف.
وهذه التطوير وهذه الإمْكَانات والفضل كله اليوم يعود إلى من؟! هذه التطورات في التصنيع الحربي يعود الفضل فيه إلى الله وإلى السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- وإلى ثمار دماء الشهداء الزاكية.
فنقول لهم: هنيئًا لكم الشهادة، هنيئًا لكم الخلود والفوز بجنات الله التي عرضها السماوات والأرض.
وما يجب علينا في هذه الذكرى أسبوع الشهيد هو زيارة روضات الشهداء وزيارة أقارب الشهداء والاطلاع على أحوالهم، وأن نقدم لهم كُـلّ ما نستطيع لرفع الجانب المعنوي لديهم وإحياء الروح الجهادية فيهم.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
باسم الأَب وغزّة والأُخوة الشهداء السّتة
المتوكل طه
**
كانوا له مثلما كانت الشمسُ للأرضِ،
إذ بلغوا عَرْشَه،فاطمأنَّ..
لكنّها الحربُ؛تأخذُ منّا الهواءَ،فتختنقُ الشَهَقاتُ،
وما مِن زمانٍ يعودُ،ولا مِن بُكاءٍ يُعيد.
كبروا بين كبشٍ وحُزنٍ،ونَذْرٍ،وليلٍ طويلٍ،وَعِيد.
وظلَّ على سَمْتِه يحرثُ الطينَ،
يسقي اليراعاتِ من عينه،
وابتنى غيرَ دارٍ لكي يسكنَ الطيرُ والزَّغبُ المُطمئنُّ،
وترقى على كتفِ القوسِ ناريّةٌ،قد تردّ اللظى
عن منامٍ خفيفٍ،يُداعبه عودةً للبلادِ،
التي سرقوها،
فكان كما اللاجئين الذين ينامون كي يحلموا بالرجوعِ،
وما من وعودٍ وما من وعيد.
ودبّت حروبٌ،فكان ينقّلُ أحفاده بين أحضانه،
وانزوى تحت أشجاره،
ودعا اللهَ كي يحفظَ الفلذاتِ،
وغصّ كثيراً،لأنّ مياهَ الفصولِ دماءٌ،
وخبزَ الوضيمةِ فَحمُ الثريد.
وراح يخبُّ،هنا أو هناكَ،
فيلقي الذي نزحوا في الدروب،فيبكي عليهم!
وظلّ على هذه الحالِ عشرةَ آلاف مجزرةٍ
في الطريق..
يجرُّ الخيامَ وبعضَ الفِراشِ،ويبقى يصلّي،
فلا بأسَ إن ماتَ،لكنّه لا يريدُ لأبنائه أن يموتوا،
فقلبُ الأُبوّةِ هشٌّ ولا يستطيعُ احتمالَ الحديد.
وماتوا!فماذا نقولُ وماذا نزيد؟
قامَ..
صلّى وسلّمَ،ثمّ توضأ ثانيةً بالترابِ..
وقال:لهُ الحمدُ في كل حالٍ وفي كلِّ حينٍ.
لكَ الحمدُ يا ربُّ،أكرمتني كرماً واسعاً،
فَلهم جنّةُ الخُلدِ،هذا جزاءٌ عظيمٌ.
سنمضي جميعاً إلى القبرِ،مهما بلغنا من العُمْر،
والفوزُ مَن فازَ بالجنّتينِ،فحمداً كثيراً،
وآملُ يا ربّ ألّا أظلّ وحيداً،
فَدَع لي صغيري الحفيدَ الوحيد.
وقالَ؛تعالوا نُصلّي عليهم،
فإنّي رضيتُ..فأبكى الرجالَ وهالَ الشريد..
ولما انتهوا ومشوا للقبورِ؛أتى صوتُ أشجارِهم
من وراء الرّكامِ؛يحشرجُ،مثلَ الثكالى على جثّةٍ من قديد.
لقد بلغوا ساعةَ الكَشْفِ؛
فالأكبرُ البِكْرُ يشبهُ والدَهُ في الملامحِ والسيرِ،
زوّجهُ منذ عشرين عاماً،
فصار أخاه المجازيّ طولاً،ويضحكُ حتى النواجذ.
يعشقُ شايَ المواقدِ،وهو على سدَّةِ الحقلِ،
متّجهاً للسماءِ،
وقد يرجعُ العصْرَ للبيت منفرداً،
فالأبُ الشيخُ يبقى مع الغصنِ حتى يُضيءَ له الليلَ،
ثمّ يُصلّي العِشاءَ ويرجع مشْياً..وفي الحوش يجتمعون لكي يلعبوا معه،قبل أن يذهبوا للمهودِ،وينْقُدَهم ما تيسّرَ،
حتى تطيرَ الفراشاتُ من غدِها في المدارسِ،
فالصفُّ حلوى ودفترُ رَسْمٍ ووَجْهٌ سعيد.
ويعملُ ثاني الرجالِ بِمعملِه المخبريّ،
يحلّلُ أوردةَ المُتعبينَ،
ويقضي النهاراتِ مُنشغلاً بالقواريرِ،
حتى تزوّجَ أجملَ قارورةٍ أيقظت عِطْرَهُ،
ثُمّ جاءت له بالمراجيحِ،فانشرحَ الصّدرُ،
حتى إذا قامت الحربُ راح ليعملَ ردْف الأطباءِ..
ظلّ هنالك قلبَ العيادةِ،ليلاً نهاراً،
وما نامَ،إذ إنّهم قصفوا كلّ شيءٍ،
فلم يتبقَ سوى غرفتين هما للطوارئ والفحصِ..
ظلّ،وما عادَ للبيتِ إذ قصفوه،
فطارَ بمَن فيه،أعني الوليدَ وأُمَّ الوليد.
وثالثهم سيّدُ الموجِ والصيدِ،
يعرفُ أمزجةَ الماءِ والرّيِحِ،
يركبُ قنديلَه،ثم يمضي بعيداً ليرجعَ،عند الشروقِ
مليئاً بأسماكِه النابضاتِ،
وفي البالِ حوريّةٌ لوَّعته،
فما ترك النّايّ،بل جرّحَ البحرَ بالنهاوَندِ،
وساءَلَه عن حجازِ الدموع ورَجْعِ الصَّبا،
والفتى،خلفَ أمواجه الباكياتِ،يدورُ
ويبحثُ عن نجمةٍ في البعيد.
ورابعهم ينقشُ المُدنَ الهالكاتِ على الرّوحِ،
حتى يُعادَ القوامُ لها مثلما نشأت،
فاهدموا ما استطعتم!
لقد حَفَرَ البابَ والسوقَ والسورَ،
أبقى المآذنَ والشاطئ الذَهبيَّ،
وحدَّ المنازلَ بالوردِ،
ثمّ أتى بالنجومِ جميعاً لرصفِ الدروبِ،
وقال؛لها قمرٌ لا يغيبُ،سيبقى بكامل أعراسه في الصعيد.
وخامسُ أخوته مَن يغنّي إذا اشتدتِ العاصفاتُ،
ويبعثُ منديلَ عاشقةٍ للمجرّاتِ،
إذ فَقَدَت شمسَها،
أو يعودُ لها بالجحيمِ،فتقبضُها في اليمين،
ويمشي بها للمتاريسِ،حتى إذا هبّت النارُ،
ألقت جحيمَ براجِمها في الجنودِ،
وعادت،تربّتُ فوقَ الجَنين الذي
سوف يأتي،ليقطعَ دابرَهم من جديد.
وسادسُهم قمرٌ هادئٌ،يعرفُ اللهَ دون كلامٍ،
ويقضي اللياليَ مع شيخه،أو يقول له؛
لستُ مِثلَكَ،
إنّ التكاليفَ لا شيءَ إنْ ظلّ بيتيَ تحتَ الحصارِ المريرِ،
فما الصلواتُ إذا لم تكن صرخةً في الوجودِ؟
وما الصومُ،والناسُ جوعى؟
وما الحجُّ إن بقي القيدُ في الكفّ؟
هل يأبهُ اللهُ بالناسِ إن لم يثوروا على الحاكِمِ المُستبدِّ،
ولم يبعثوا النارَ في الجيشِ؟
كونوا جهنّمَ في وجهِ دبّابةٍ للغُزاةِ،
وقولوا؛هنا غزّةُ النار،فهل مِن مزيد!
وسابعُهم ألفُ ألفٍ،من الشهداء؛
الذين مضوا للفراديسِ،
لكنّهم لم يموتوا،وظلّوا على شُرفات السماءِ،
وقد تركوا أرضَنا للضياءِ،
وخلّوا سماواتِنا للنشيد.
وقيلَ؛بأنَّ النساءَ اللواتي ذهبنَ إلى المأتمِ المُرِّ،أقسمنَ
أنَّ الإلهَ الذي خَصَّها بالهدوءِ،وحَطّ يديه على قلبِها..
صبَّ على جَمْرِها غيمةً من جليد.
*من شعراء الارض المحتلة.