يتَّفق خبراء النظم السياسية على أن الفروق الفردية بين القيادات العليا أمر لا يجوز تغافله في أي نظام سياسي، لكن طبيعة النظام السياسي (مؤسسي أو شبه مؤسسي أو استبدادي) هي التي تحدد مساحة الفراغ الذي تملأه الفروق الفردية، فكلما طغى وزن البنية المؤسسية ضاقت المساحة أمام بروز الفروق الفردية والعكس صحيح.

   

ودون مواربة، فإن النظام السياسي الأمريكي هو نظام مؤسسي في ملامحه الرئيسية، مما يجعل الفروق الفردية بين قادة النظام تنحصر في السياسات التكتيكية التنفيذية لا في الرؤى الاستراتيجية، فنسبة الحروب في قرن ونصف من التاريخ الأمريكي (1870-2020) توزَّعت بين الرؤساء بنسبة 47% للديموقراطيين و53% للجمهوريين، وفي الشرق الأوسط تولى الرئاسة منذ هزيمة 1967 أحد عشر رئيساً منهم 5 ديموقراطيين و6 جمهوريين، وكلهم وعدوا في تصريحات رسمية وفي مؤتمرات دولية “بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية”، ولم يتم تنفيذ أي من هذه الوعود.

وفي مجال سياسات الحصار والعقوبات الاقتصادية على المستوى الدولي منذ 1914 الى 2020، تمّ تبني 182 حصاراً (مشتركاً مع دول أخرى أو منفرداً من الولايات المتحدة وحدها)، كان بينها 95 زمن الجمهوريين و87 زمن الديموقراطيين، أي بمعدل 52.2% إلى 47.8%. أما في مجال استخدام الفيتو VETO ضدّ إدانة “إسرائيل” فتم استخدامه بين 1972 (أول استخدام أمريكي للفيتو لصالح “إسرائيل” زمن الجمهوري ريتشارد نيكسون Richard Nixon) و2024 ما مجموعه 45 مرة ، منها 33 مرة زمن الجمهوريين و12 مرة زمن الديموقراطيين، كان آخر 3 منها زمن الديموقراطي جو بايدن Joe Biden، وبالمقارنة فإن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو في مختلف قضايا العالم 89 مرة منها أكثر من 50% دفاعاً عن “إسرائيل”، ولعل هذه المؤشرات كافية لتأكيد ضعف البُعد الفردي أمام ثقل المؤسسة، فالسياسة الخارجية الأمريكية ديموقراطية أو جمهورية هي ذاتها من حيث الجوهر، واستقرارها في التوجه نفسه هو مؤشر على محدودية دور الفرد، وخصوصاً إذا توافق الرئيس مع الأغلبية في الكونجرس Congress بفرعية كما سيكون عليه الحال خلال الأربعة أعوام القادمة.

توجهات ترامب:

 

استناداً إلى التقرير الأمريكي الذي وضعه علماء النفس وعددهم 35، وإلى سلوك دونالد ترامب Donald Trump في فترته الأولى 2016-2020، وإلى معيار وزن المؤسسية في اتخاذ القرار الأمريكي، يتضح ما يلي:

أولاً: إن ثقافة التاجر والبراجماتية المفرطة في فلسفة الحكم عند ترامب تشكل القاعدة لتفسير توجهاته المستقبلية ولكن ضمن القيود المؤسسية، فهو ينتمي لما يعدّه علماء النفس النرجسية المرضية، ولا يعير أيّ قيمة للمبادئ والأخلاق والقيم والقانون الدولي إلا بمقدار المردود النفعي لهذه الجوانب، وإذا كان أغلب الرؤساء الأمريكيون لا يختلفون في مضامين سياساتهم عن ترامب، إلا أنه يختلف عنهم في أنه لا يتدثر برداء حقوق الإنسان والديموقراطية، بل تكاد تغيب هذه الشعارات من أدبياته السياسية، فالرجل يطوف ويجول عارياً من هذا الرداء الكاذب، فهو صادق في براجماتيته مهما كانت انتهازيتها. يمكن التعرف على موقفه من القانون الدولي من خلال دراسة: “The Trump Administration and International Law, Harold Hongju Koh”.

ثانياً: لقد طرح ترامب خلال حملته الانتخابية ثلاثة شعارات هي: أن المستقبل للوطنيين patriots لا للعولميين Globalist، أي أن المصلحة الأمريكية تعلو أي مصلحة إنسانية أو مصالح الحلفاء حتى من الرأسمالية العالمية، والشعار الثاني التخلي عن النزعة التدخلية العسكرية إلا للضرورات القصوى (وعوده لوقف الحروب المشتعلة خلال فترته الجديدة).

ثالثاً: أولوية الاقتصاد على غيره من جوانب سياسية أو عسكرية أو غيرها. في ضوء ما سبق يبدو أن توجهاته ستكون على النحو التالي:

1. لا ينظر إلى حلف الناتو NATO نظرة إيجابية، فهو يراه عبئاً اقتصادياً بحكم اعتماد الحلف على النفقات الدفاعية الأمريكية (71% من نفقات الحلف أمريكية خلال فترة ترامب الأولى)، بينما لم تستجب الدول الأوروبية الكبرى لدعوات ترامب المتكررة في رئاسته الأولى وفي حملاته الانتخابية برفع إنفاقها العسكري وإسهاماتها في نفقات الحلف في حدود 2% من إجمالي ناتجها المحلي، فأغلب هذه الدول (10 من 32) تنفق أقل من 2%، بل إنه يتهم هذه الدول بتخفيض نفقاتها في الناتو بدلاً من الوصول إلى 2% وهو ما يعني احتمال أن نشاهد سجالاً أمريكيا أوروبياً قد يكون مفصلياً في هذه النقطة.

2. يرى ترامب أن الإنفاق الأمريكي على أوكرانيا يكاد يفوق مجموع ما قدَّمته أوروبا، وهو أمر لا يراه ترامب منطقياً، وعليه لا بدّ من أن يعيد النظر في تفرد بلاده بتحمل هذا العبء، بل إنه ادَّعى خلال حملته الانتخابية بالقدرة على وقف الحرب الأوكرانية خلال يوم واحد، ذلك يعني أن روسيا ستكون أكثر ارتياحاً في الجبهة الأوكرانية، بل ستعزز مكاسبها هناك.

3. يشكل العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والصين، ولصالح الصين، أمراً مزعجاً لترامب، فقد وصل مع نهاية سنة 2023 إلى أكثر من 279 مليار دولار لصالح الصين، وعليه فإنه سيعمل على زيادة تقليص ذلك بالتضييق على مجرى التجارة الصينية من خلال التعرفات الجمركية والقيود المالية…إلخ، وقد انخفض هذا العجز خلال العامين الأخيرين من حكم ترامب 2018-2020 من نحو 418 مليار دولار إلى 307 مليار، مما يعني أنه سيعود في علاقاته مع الصين لسياساته في النصف الثاني من رئاسته الاولى.

4. يبدو أنه سيستغل التوجهات السياسية الإيرانية لتعميق الهواجس الخليجية، ليمارس الابتزاز مع أنظمة عربية خليجية سبق وأن قال لها بصوت مرتفع إذا تخلينا عنكم ستكون القوات الإيرانية في عواصمكم خلال دقائق، وهو ما يعني ضرورة إسهام هذه الدول الخليجية في تحريك دولاب الدخل للمجمع العسكري الصناعي الأمريكي، وفي فترة ترامب الأولى كان معدل الإنفاق الدفاعي السعودي من إجمالي الناتج المحلي هو 9.6%، لكنه انخفض في السنوات اللاحقة لفترة ترامب الأولى إلى 7.5%، أي أن فترة ترامب تفوق ما بعدها بنحو 2%.

من جانب آخر، فان أيّ محاولات جديدة من إيران لإحياء الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب في دورته الأولى لن تجد منه أذناً صاغية، وهو ما قد يدفع إيران الى انتهاج سياسة تغيير “استراتيجية إيران النووية” كما قال كمال خرازي Kamal Kharazi مستشار المرشد الإيراني في أول تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وهو ما قد يزيد الأمور تعقيداً أمام ترامب من زاوية عدم الانخراط المباشر في حروب الشرق الأوسط.

5. مصر: في دورته الرئاسية الأولى، روَّج الإعلام الغربي معلومات عن دفع الرئيس المصري عشرة ملايين دولار لمساندة حملة ترامب (واشنطن بوستThe Washington Post)، بل وأعاد النواب الديموقراطيون طرح الموضوع خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ويبدو لي أن مصر هي الدولة الأقل اعتناء من جانب ترامب، فهو لا يراها إلا دولة فقيرة، تشتعل النيران من حولها في ليبيا والسودان وغزة والبحر الأحمر، وبالتالي فهي عبء لا عون، ولا أظنها ستحظى باهتمامه إلا من كونها سوق (التجارة بين الطرفين 6.9 مليار دولار)، أو منطقة للاستثمار (حالياً يصل حجمه 13.7 مليار دولار)، وهناك نحو أكثر من ألف فرع لشركات أمريكية في مصر ناهيك عن مبيعات عسكرية بنحو 2.5 مليار دولار، وقد يكون من الأرجح أن تكون غزة موضوع مقايضة بين مصر والولايات المتحدة تؤول لضغوط مصرية سياسية واقتصادية أكثر على المقاومة في غزة.

6. يدرك ترامب تماماً أن الكتلة العربية في وضع العجز الكبير، وهو ما يزيد من استهانته بالحقوق العربية، فمثلما ضرب القانون الدولي عرض الحائط باعترافه بالقدس عاصمة أبدية لـ”إسرائيل” ونقل سفارته إليها، وأقرّ بضم “إسرائيل” للجولان السوري، فإنه لا يرى ضرورة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بالمواصفات العربية، ناهيك عن دعوته لـ”إسرائيل” للقضاء على المقاومة في غزة بسرعة.

ولكن ترامب لن يكون بحاجة لأي دعم يهودي في المستقبل، لأنه لن ينافس على أي منصب مستقبلاً، ويعلم أن “إسرائيل” تشكل أيضاً عبئاً مثل أوكرانيا، لكنه سيستغل “إسرائيل” لابتزاز العرب تجارياً واستثمارياً، وشراء أسلحة وتوظيف أسعار النفط طبقاً لما يراه مناسباً، ولا أستبعد أن يستثمر العراك الإيراني الإسرائيلي بما يدرّ عليه من مكاسب، لكنه سيركز على بُعدَين هما: محاولة تسريع مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي أولاً، وتشديد الحصار الاقتصادي على إيران، وقد يميل إلى دعم السياسة الإسرائيلية تجاه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees (UNRWA)، خصوصاً أنه سبق وأوقف الدعم الأمريكي لها في رئاسته الأولى.

الخلاصة:

 

إن المشهد القادم للمنطقة بعد عودة ترامب مرتبط لا بالموقف الأمريكي المستقر كما بيَّنَّا منذ بدء الصراع، بل ببُعدَيْن عربيَّيْن هما:

1. مدى تماسك محور المقاومة وقدرته على دفع الخصوم الإسرائيليين والغربيين لتغيير توجهاتهم.

2. مدى استمرار الاسترخاء العربي الرسمي والشعبي بالقدر الذي يجعل صانع القرار في أيّ دولة كبرى أو صغرى لا يتخوف من أيّ عواقب لأيّ سياسات ينتهجها في المنطقة.

إنّ الإشكالية المنهجية في تحليل السياسات العربية هي في اعتبار المتغير الرئيسي في تشكيل التسويات هو الطرف غير العربي وخصوصاً الأمريكي، والحقيقة أن استمرار السياسات العربية أو تغيرها هو الذي يحمل في طياته شكل التسويات القادمة، ومن هنا يجب طرح التساؤل التالي: ما هي التغيرات المحتملة في البنية العربية التي يمكن أن تقود ترامب أو غيره لتغيير توجهاته؟ إن هذا الرئيس البراجماتي لن يستجيب إلا بمقدار ما ينتفع، لأنه متحرر من أيّ اعتبارات قيمية، وهو ما يعني أن علينا أن نجيب على السؤال المركزي وهو: هل يوظِّف العرب والمسلمون إمكانياتهم الكثيرة لإجبار أو غواية هذا البراجماتي ليغير من توجهاته نحو المنطقة؟ هذا هو جوهر الموضوع، فموقف الولايات المتحدة من طرد تايوان من الأمم المتحدة لم يكن نتيجة تغير ذاتي في التوجهات الأمريكية بل كان نتيجة لضغوط وغوايات صينية نَفَذَتْ من ثقوب البراجماتية في العقل الأمريكي… وهذه هي المشكة لدينا

المصدر/ مركز الزيتونة

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

طلاق سياسي بين ترامب وايلون ماسك.. تفكك أقوى التحالفات في الولايات المتحدة .. مواجهة نارية للرئيس الأمريكي تهزّ واشنطن

طلاق سياسي مدوٍّ بين ترامب وماسك.. اتهامات متبادلة تهز أروقة السلطة في واشنطنمن التحالف إلى العداء.. ماسك يهاجم ترامب بملفات إبستين وتهديد بإنهاء العقود الفيدراليةانهيار صداقة المليارات.. صدام علني بين ترامب وماسك يُربك المشهد السياسي والاقتصادي الأمريكي

يبدو أن أحد أكثر التحالفات نفوذًا في المشهد السياسي الأمريكي قد وصل إلى نهايته، بعد أن اندلعت مواجهة علنية وغير مسبوقة بين الرئيس دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك على منصتيهما الخاصتين للتواصل الاجتماعي، "تروث سوشيال" و"إكس"، يوم الخميس.

المواجهة بدأت بتصريحات من ترامب عبّر فيها عن "خيبة أمله الشديدة" من ماسك، بعد أن وجّه الأخير انتقادات متكررة لمشروع القانون المحلي الضخم الذي يرعاه البيت الأبيض، والذي يتضمن تغييرات شاملة في مجالات الضرائب والإنفاق والطاقة والهجرة.

وقال ترامب من المكتب البيضاوي: "كانت علاقتي بإيلون رائعة، لا أعلم إن كانت ستستمر". جاء ذلك بعد أقل من أسبوع على تبادل الثناء بين الرجلين، في آخر يوم لماسك كمستشار حكومي خاص ضمن إدارة ترامب.

بعد خلافهما الحاد.. مستشار ترامب السابق يدعو للتحقيق مع ماسك وسحب جنسيته

لكن الرد جاء سريعًا من ماسك عبر منصة "إكس"، حيث كتب: "لولاي، لكان ترامب خسر الانتخابات، ولحكم الديمقراطيون مجلس النواب، وكان الجمهوريون يملكون فقط 51 مقعدًا في مجلس الشيوخ"، قبل أن يضيف: "أي نكران للجميل هذا!"

وكان ماسك قد فجّر الخلاف علنًا في وقت سابق هذا الأسبوع، عندما وصف مشروع القانون الجمهوري بأنه "مهزلة مقززة"، منتقدًا تأثيره السلبي المحتمل على العجز الفيدرالي. ومنذ ذلك الحين، لم يُسجَّل أي تواصل مباشر بينه وبين ترامب، وفقًا لمصادر تحدثت إلى CNN.

معركة ترامب وماسك

وتدهورت الأمور بشكل دراماتيكي حينما هدد ترامب بإنهاء جميع العقود الفيدرالية والدعم الحكومي الممنوح لشركات ماسك، بما في ذلك تلك المتعلقة بمشاريع حساسة كالتعاون مع محطة الفضاء الدولية. 

أما ماسك، فقد صعّد الموقف بشكل حاد، مدّعيًا – دون تقديم دليل – أن اسم ترامب وارد في ما يُعرف بملفات جيفري إبستين، الممول المدان بقضايا استغلال جنسي للأطفال، الذي توفي عام 2019 أثناء انتظار محاكمته.

أول تعليق من نتنياهو على عقوبات ترامب ضد المحكمة الجنائية الدولية

وفي المساء، علّقت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت قائلة: "هذه حلقة مؤسفة من إيلون، الغاضب من مشروع القانون الكبير لأنه لا يتضمن السياسات التي يرغب بها. الرئيس يركز على تمرير هذا التشريع التاريخي لإعادة عظمة البلاد."

أوضح مصدر مطّلع على الموضوع أن ملفات إبستين التي نشرتها الإدارة بالفعل تتضمن اسم ترامب، وأشار إلى أن الرئيس لم يُتَّهم بأي مخالفة تتعلق بالقضية. 

وأضاف المصدر متسائلًا: "إن كان ماسك يعتقد فعلًا أن للرئيس علاقة عميقة بإبستين، فلماذا ظلّ يصاحبه طوال ستة أشهر وقال إنه يحبه ‘بقدر ما يمكن لرجل مستقيم أن يحب رجلاً آخر’؟"، في إشارة إلى منشور سابق لماسك على "إكس".

سياسات ترامب الجمركية

تصريحات ماسك لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصف سياسات ترامب الجمركية بأنها "ستتسبب في ركود اقتصادي خلال النصف الثاني من العام"، بل وذهب حدّ الدعوة إلى عزله من منصبه، وتعيين نائبه جي دي فانس رئيسًا بدلاً منه.

ماسك يفتح النار على ترامب: الرسوم الجمركية تدمر الاقتصادإسرائيل تبلغ ترامب بعدم ضرب إيران إلا حال فشل المحادثات

ورغم تصاعد الهجوم، جاء ردّ ترامب هادئًا نسبيًا، إذ قال: "لا أمانع أن ينقلب إيلون ضدي، لكن كان عليه أن يفعل ذلك منذ شهور." ورفض الرد على أسئلة الصحفيين خلال فعالية لاحقة في البيت الأبيض.

أسهم "تسلا" تنهار 

في الوقت نفسه، أبدى ماسك في منشورات لاحقة على "إكس" انفتاحًا على المصالحة، حيث أعاد نشر تغريدات تدعو إلى تهدئة الأجواء، بينما بدأت أسهم "تسلا" بالتراجع وسط القلق من تداعيات الصدام السياسي على مستقبل أعمال ماسك، خاصة بعد تهديدات ترامب بإلغاء العقود الحكومية.

ما بدا وكأنه "طلاق سياسي" علني بين الرجلين، لم يخلُ من نبرة شخصية، إذ علّقت الكاتبة المحافظة آشلِي سانت كلير – التي تقول إن ماسك والد طفلها – على الخلاف بقولها: “إذا احتجت إلى نصيحة بشأن الانفصال يا سيادة الرئيس، أنا هنا!”


اعتراض ماسك

وفي ظهوره مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، زعم ترامب أن اعتراض ماسك على مشروع القانون نابع من حذف الحوافز المخصصة للسيارات الكهربائية التي تصب في مصلحة "تسلا"، قائلاً: "لم يبدِ أي اعتراض على القانون، إلا بعد مغادرته المنصب."

لكنه أضاف أيضًا: "إيلون كان يفقد صبره. طلبت منه المغادرة، وألغيت التفويض الذي يُجبر الناس على شراء السيارات الكهربائية التي لا يريدها أحد – وكان يعلم بذلك منذ أشهر – ثم فقد صوابه تمامًا!"

كذب فاضح

ماسك ردّ على هذه التصريحات بوصفها "كذبًا فاضحًا"، نافياً علمه المسبق بتفاصيل القانون، ومصرًا على أن اعتراضه لا علاقة له بحوافز السيارات الكهربائية، بل بالزيادة الهائلة في الإنفاق العام، والتي قد ترفع العجز بمقدار 2.4 تريليون دولار، وفق تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس.

بعد وصفه بالمجنون.. ماسك يؤيد فكرة عزل ترامبالقنبلة الكبرى..إيلون ماسك يتهم ترامب بالتورط في قضية استغلال القاصرات

ورغم ذلك، أظهر ترامب بعض الحنين للماضي قائلاً: "إيلون أيدني بقوة، بل شارك في حملتي. أعتقد أنني كنت سأفوز، لكن سوزي (ويلز) تقول إنني كنت سأفوز بسهولة في بنسلفانيا على أية حال."

ترامب مصدوم 

أحد مسؤولي البيت الأبيض أكد أن ترامب بدا مصدومًا أكثر منه غاضبًا خلال الأيام الأخيرة، مضيفًا: "الرئيس يكنّ احترامًا لماسك، ويقدّره شخصيًا. ولهذا لم يشأ مهاجمته علنًا."

لكن هذا الموقف بدأ يتغير تدريجيًا، خاصة بعد منشور ماسك الذي قال فيه: "لولاي، لكان ترامب خسر الانتخابات."

وبينما يتساقط غبار المعركة، ظلّت تذكار الصداقة السابقة ماثلة أمام البيت الأبيض: سيارة "تسلا" حمراء اشتراها ترامب في فعالية دعمًا لماسك، كانت لا تزال مركونة في الممر المؤدي إلى المبنى مساء الخميس.

حان وقت إسقاط القنبلة

في مشهد يعكس تصاعد التوتر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال إيلون ماسك، سعى عدد من الحلفاء المقربين إلى التوسط بهدوء بين الطرفين يوم الخميس، في محاولة لاحتواء الخلاف المتنامي، قبل أن تُفجّر الأمور تغريدة مثيرة على منصة "إكس".

كتب ماسك: "حان وقت إسقاط القنبلة الكبرى: @realDonaldTrump موجود في ملفات إبستين. وهذا هو السبب الحقيقي وراء عدم الكشف عنها. يومك سعيد، دي جاي تي!"، في إشارة إلى الرئيس ترامب.

ترامب وماسك في نقطة اللاعودة

التغريدة فاجأت وأربكت الدوائر المقربة من الطرفين، ووصفت من قبل مطلعين على الكواليس بأنها نقطة اللاعودة، إذ نقلت الخلاف من مستوى السياسات إلى المواجهة الشخصية المباشرة، مما صعّب أي فرصة للتهدئة أو الوساطة.

انهيار أسهم تسلا بسبب تصاعد الخلافات بين ترامب وماسكإيلون ماسك يُلمّح إلى تأسيس حزب سياسي جديد بعد خلافه العلني مع ترامب

مسؤولو الجناح الغربي في البيت الأبيض أمضوا معظم يوم الخميس وهم يراقبون التراشق الكلامي عبر منصتي "إكس" و"تروث سوشيال"، بينما تبادل عدد من المساعدين التحديثات في محادثات جماعية، وعلّق أحدهم بالقول: "كأننا نشهد طلاقًا... توقعت حدوثه، لكن ليس بهذه السرعة. كنت أظن أنه سيحدث في أغسطس."

أول تعليق رسمي على معركة ترامب وماسك

وفي أول تعليق رسمي، وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، تصريحات ماسك بأنها "واقعة مؤسفة"، مضيفة في بيان لقناة CNN: "هذه حلقة مؤسفة من إيلون، الذي يشعر بالإحباط لأن مشروع القانون الكبير والجميل لا يتضمن السياسات التي كان يأمل بها. الرئيس يركز على تمرير هذا التشريع التاريخي من أجل إعادة عظمة البلاد."

تهم الاتجار بالبشر

جدير بالذكر أن ماسك لم يقدم أي دليل يوضح كيف حصل على ملفات لم تُنشر بعد تتعلق بالممول الراحل جيفري إبستين، والذي توفي في السجن عام 2019 أثناء انتظاره المحاكمة بتهم الاتجار بالبشر لأغراض جنسية.

وكانت العلاقة بين ترامب وماسك قد شهدت توترًا متزايدًا خلال الأسبوع، بعدما أعرب ماسك عن رفضه لمشروع قانون ترامب الاقتصادي الذي يناقش حاليًا في الكونغرس، وذلك عقب خروجه من منصبه كمستشار حكومي خاص.

ماسك يفتح النار على ترامب: الرسوم الجمركية تدمر الاقتصادانهيار أسهم تسلا بسبب تصاعد الخلافات بين ترامب وماسك

التصعيد بلغ ذروته عندما هدد ترامب بإنهاء العقود الحكومية مع شركات ماسك، فيما رد الأخير بالحديث عن ملفات إبستين، ودعا لاحقًا إلى عزل ترامب، وهدد بإيقاف تشغيل مركبة "دراغون" الفضائية التابعة لـ"سبيس إكس"، والتي كانت قد أعادت رواد فضاء ناسا من محطة الفضاء الدولية. كما حذر من أن الرسوم الجمركية التي يدفع بها ترامب قد تؤدي إلى ركود اقتصادي لاحقًا هذا العام.

لكن ماسك عاد وتراجع عن قراره بشأن مركبة "دراغون" بعد أن دعاه أحد مستخدمي "إكس" إلى "الهدوء والتروي"، فرد عليه قائلاً: “نصيحة جيدة... حسنًا، لن نُخرج دراغون من الخدمة.”

طباعة شارك دونالد ترامب إيلون ماسك مشروع القانون المحلي البيت الأبيض المكتب البيضاوي مجلس النواب مشروع القانون الجمهوري جيفري إبستين كارولين ليفيت تصريحات ماسك

مقالات مشابهة

  • الأنواء الجوية: غيوم وحرارة مرتفعة وغبار خلال الأيام الأربعة القادمة
  • برلماني: تشجيع الصناعات هدف استراتيجي للحكومة الفترة القادمة
  • هل يجيز القانون عمل الموظف تحت رئاسة أقاربه من الدرجة الأولى؟
  • “رويترز”: الخارجية الأمريكية تبحث تقديم نصف مليار دولار لمؤسسة “غزة الإنسانية”
  • حقيقة الدور الأمريكي في مفاوضات وقف الحرب على غزة
  • «محامون من أجل فلسطين»: الدعم الأمريكي لحماية إسرائيل مقبرة جديدة لحقوق الإنسان
  • بحث ملفات أمنية وتجارية حساسة.. المستشار الألماني يزور الولايات المتحدة للمرة الأولى
  • طلاق سياسي بين ترامب وايلون ماسك.. تفكك أقوى التحالفات في الولايات المتحدة .. مواجهة نارية للرئيس الأمريكي تهزّ واشنطن
  • هل يُعيد لقاء ميرتس وترامب تشكيل العلاقات الألمانية الأمريكية؟
  • المعادن النادرة بين السياسة والصناعة.. كيف هزت الصين الأسواق العالمية؟