لا خيار أمام الدول العربية غير تعزيز هُوياتها الوطنية
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
رغم أن فوز الرئيس الأمريكي ترامب فـي الانتخابات الرئاسية الأمريكية من شأنه أن يساهم فـي إضعاف العولمة وتعزيز السيادة الوطنية على الجوانب الاقتصادية بشكل خاص عبر المزيد من الرسوم الجمركية الحمائية فإن هذا لا يعني أن الهُويات الوطنية فـي دول العالم، وخاصة العالم الثالث، ستصبح فـي مأمن من خطر العولمة الممتد مند عدة عقود، بل ربما يزيد مد العولمة الثقافـية فـي اللحظة التي سيعتقد مصدرو العولمة أنها فـي خطر الانكفاء.
ما زالت الكثير من دول العالم تواجه تحديات متزايدة فـي مسيرة حفاظها على نسيجها الثقافـي وخصوصيتها الاجتماعية، وهذا الأمر فـي تزايد مع تمدد حركات دعم المثلية وتغولها فـي المنظمات العالمية والتكتلات السياسية الكبرى. تحتاج الدول من أجل الحفاظ على استقرارها إلى صمود هويتها الوطنية وتماسكها والحفاظ على قيمها ومبادئها.. وأي تمييع لهذه الهوية أو ضرب لها تحت أي شعار كان من شأنه أن يساهم فـي تفكيك الدول وتشظية تماسكها الاجتماعي وضرب ثقافتها فـي العمق، وأي استراتيجية وطنية تهدف إلى حماية أمن واستقرار أي وطن من الأوطان لا بد أن يأتي بند حماية الهوية الوطنية فـي مقدمتها تلك الأهداف. والهوية الوطنية ليست مجرد انتماء جغرافـي أو عرقي، بل هي تجسيد للقيم الثقافـية والدينية والتاريخية التي تربط مجموعة من الناس ببعضهم بعضًا داخل دولة محددة. وتعمل الهويات الوطنية كقوة تساهم فـي حشد المواطنين حول شعور مشترك بالانتماء لوطن واحد وثقافة واحدة بكل تجليات الدلالة التي تحملها كلمة «ثقافة». ومن منظور نظري، تعمل الهوية الوطنية على تعزيز الشعور بالوحدة الذي يشكل ضرورة أساسية للاستقرار السياسي. ويرى صمويل هنتنغتون فـي كتابه «صدام الحضارات» أن المجتمعات التي تتمتع بشعور قوي بالهوية الجماعية هي أكثر قدرة على تحمّل ضغوط التغيير العالمي. ويمكن تتبع هذه الفكرة عبر تحديات مرت بها الكثير من الدول عبر التاريخ: فقد اعتمدت الولايات المتحدة، خلال فتراتها الأكثر اضطرابا، على سرد وطني مشترك لتجاوز الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية. وعلى نحو مماثل، غالبا ما تجنبت الدول المستعمرة بعد مرحلة الاستعمار والتي نجحت فـي تأسيس هوية وطنية متماسكة تجنبت فخاخ الصراع الداخلي الذي ابتليت به بعض الدول المستقلة حديثًا. وتقدم السياسة الحديثة دليلا آخر على أهمية الهوية الوطنية فـي حفظ تماسك المجتمعات والدول؛ فدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، التي تتمتع بهويات وطنية قوية ومتجذرة، تمكنت من الحفاظ على مستويات عالية من الاستقرار السياسي والاقتصادي حتى حين انتقلت بين ديناميكيات عالمية معقدة. وعلى العكس من ذلك، فإن الدول التي تتسم هويتها بالتفتت أو التقلب، كما هو الحال فـي المناطق التي تعاني من انقسامات عرقية أو طائفـية عميقة، غالبًا ما تعاني من عدم الاستقرار والصراع. لا بد أن تكون الهوية الوطنية أولوية استراتيجية للحكومات التي تسعى إلى ضمان استقرار وأمن بلدانها، والتيقن أن تآكل الهوية يمكن أن يؤدي إلى أزمة عميقة فـي أي مجتمع. وفـي هذه اللحظة التي تشهد فـيها بلدان العالم تحولات كبرى وتقلبات عالمية تحتاج دول العالم وبشكل خاص الدول العربية إلى تنفـيذ استراتيجيات وطنية تركز على التعليم والثقافة والسياسات العامة من أجل تعزيز وضع الهويات الوطنية. ولا بد من وزارات التعليم فـي العالم العربي ومن جميع المعلمين أن يعززوا فخر الطلاب بهوياتهم الوطنية وبتاريخهم العربي مهما كان، وتشجيعهم على الحس النقدي وقراءة التاريخ والمستقبل بأدوات النقد المهنية ولكن دون الشعور بالانكسار من أحداث التاريخ وتحدياته. ولا يمكن تقبل تقليل البعض من توجهات الدول لتعزيز هويتها الوطنية عبر المناهج الدراسية تحت دعاوى أن الهوية الوطنية بخير وأنها راسخة، قد تكون كذلك ولكن المد الغربي الذي يستهدف الثقافات العربية بشكل خاص مد كبير ومدروس وممنهج ونحتاج إلى تكاتف جماعي من أجل الحفاظ على صمود هوياتنا الوطنية فـي العالم العربي. الهوية الوطنية ليست مجرد مسألة ثقافـية؛ بل هي أصل استراتيجي قادر على تعزيز قدرة الدول على الصمود فـي مواجهة الضغوط العالمية والثقافـية. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الهویة الوطنیة الوطنیة فـی
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي إلى وقف حرب الإبادة في غزة
دعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إلى ضرورة تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المُتحدة ومجلس الأمن؛ لصون الأمن والسلم الدوليين، وإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوقف حرب الإبادة في قطاع غزة، وإنهاء المُعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني عبر الفتح الفوري لكافة المعابر، وضمان إدخال المُساعدات الإنسانية، وتوفير الدعم السياسي والمالي لوكالة الأمم المتحدة لغوث، وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، وغيرها من أنشطة الأمم المُتحدة في الأرض الفلسطينية المُحتلّة.
وطالبت الأمانة العامة للجامعة العربية في بيان أصدرته اليوم، بمناسبة "ذكرى النكسة" لدول العالم، باتخاذ كافة التدابير اللازمة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأرض الفلسطينية المُحتلّة، وتمكين الشعب الفلسطيني من مُمارسة حقّه في تقرير المصير، وتجسيد دولته المُستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية ومُبادرة السلام العربية.
كما دعت الجامعة العربية جميع الدول للانضمام إلى جهود تنفيذ حلّ الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، والمُشاركة بفاعلية في المؤتمر الدولي للسلام المُزمع عقده خلال الشهر الحالي في نيويورك، وأن تعترف الدول التي لم تتخذ الخطوة بدولة فلسطين، إنطلاقًا من التزامها بحلّ الدولتين، بما يُمثّل رفعة للأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
وأشارت الأمانة العامة إلى أن الذكرى 58 للنكسة، التي توافق الـ 5 من يونيو لعام 1967 والعدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية والعربية، الذي نتج عنه احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة والجولان السوري في عدوان إسرائيلي سافر، مازالت تداعياته وارتداداته المأساوية والكارثية مُستمرة حتى الآن، بل وتتصاعد بحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) ضد الشعب الفلسطيني لأكثر من (600) يوم، وعدوانها ومُخططاتها التوسّعية الاستعمارية على حساب الأرض العربية في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المُتحدة.
في سياق متصل قال الناطق باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران، إن الاحتلال ماض في سياسة استهداف المنظومة الصحية التي باتت على شفا حافة الانهيار بعد خروج أكثر من 23 مستشفى عن الخدمة وعمل باقي المشافي بشكل جزئي في ظل الشح بالأدوية والمستلزمات الطبية والوقود.
وأضاف الدقران إن الاحتلال يمنع أكثر من 12 ألف مريض سرطان من تلقي العلاج ما يؤدي إلى وفاة 5 منهم يومياً إلى جانب استشهاد عدد كبير من مرضى غسيل الكلى بسبب عدم توفر العلاج اللازم لهم وتقليص جلسات غسيل الكلى نظرا لشح الإمكانيات.
وحذر من تعرض حياة 50 ألف سيدة حامل ومرضعة للخطر نتيجة عدم توفر الغذاء والأدوية المناسبة، وتزايد حالات الإجهاض 6 اضعاف ما قبل الحرب إلى جانب الولادة المبكرة بالوقت الذي تعاني فيه المشافي من امتلاء الحضانات. جاء ذلك وفق لما نقلته وكالة "وفا الفلسطينية".
قطاع غزةجامعة الدول العربيةجيش الاحتلالأخبار السعوديةالأمانة العامة لجامعة الدول العربيةذكرى النكسةقد يعجبك أيضاًNo stories found.