فصائل المقاومة وحسابات الداخل
تاريخ النشر: 18th, November 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
ظاهريًا تقود فصائل المقاومة اليوم في الجغرافيات الأربعة المعروفة، غزة، ولبنان، واليمن، والعراق، حربًا تحريرية وجودية ضد الغرب الاستعماري المتمثل في القاعدة المتقدمة ومخلب القط الكيان الصهيوني، وتقود هذه الفصائل هذه الحرب بالنيابة عن النظام الرسمي العربي، وبالنيابة عن دولة "الاستقلال" العربية والتي جلبت التحرير الناقص والاستقلال الناقص من مُستعمِر الأمس، واستقبلت بلا وعي المُستعمِر الجديد المتمثل في التبعية العمياء للغرب.
"التبعية" أنتجت طيفاً واسعاً في دولة الاستقلال العربية منبهرًا بالغرب، ومعتقدًا أنه الملاذ الأخير للبشرية، والنموذج والقدوة الصالحة لها، والوصفة السحرية للتقدم والتطور. فقد نجحت التبعية كأداة سيطرة ناعمة في التغلغل بداخل عقل عربي دولة "الاستقلال"، وإعادة إنتاجه كحاضن للفكر الغربي، ومتجاسرًا على موروثه وثوابته بوعي أحيانًا، وبلا وعي أحيانًا كثيرة.
استمراء التبعية وثقافتها، وعدم فهمها وإنكارها، واعتبارها في لا وعي عرب الاستقلال، وسيلة للتعايش والتسامح وطي صفحات الاحتلالات الغربية المسلحة، خلق بالنتيجة طبقات مُخمَلية في فكرها في أوساط النخب العربية، الفكرية منها والسياسية ورجال الأعمال، تمارس "السادية" ضد نفسها، وضد ثوابتها وقيمها وتُقدِّم العلف على الشرف، اعتقادًا منها بأنَّ ذلك مدعاة للسكينة والاستقرار للدولة وبالنتيجة جلب التطور والنمو لها.
تسلَّل إلى عقل هؤلاء النخب واستقر بداخله، أكذوبة نظرية المؤامرة، وسوقوا بأن لا وجود لنظرية المؤامرة من قبل الغرب، وأن المعضلة من عرب زماننا أنفسهم وكامنة بداخلهم. وحين أنكر هؤلاء المؤامرة لم يدركوا أن إنكارها هو جزء أصيل وركن مُهم لتمريرها وتغولها لاحقًا. وتسبب فكر هؤلاء النخب الناتج عن قناعاتهم السطحية الهشة، وانبهارهم المُعيب بالغرب، وبفعل سطوتهم وسيطرتهم على مفاتيح الوعي والقرار بمجتمعاتهم، في توليد حالة الهشاشة التي أنتجت التفاهة التي نعيش تفاصيلها اليوم؛ إذ أفقد هؤلاء الأمة مناعتها المتمثلة في قيمها وموروثها، وأنتجوا أوطانًا لا تُشبهنا في شيء.
فصائل المقاومة اليوم تنطلق عقيدتها من خلال الثوابت والقيم التي وأدها جيل دولة الاستقلال، وغيَّبها وتجاسر عليها، لهذا ظهرت ثقافة المقاومة كالبدعة السيئة في زمن العلف والارتخاء الفكري.
من وجهة نظر طبقات العلف والتي لم تستوعب بعد ولم تُدرِك خطورة التبعية وصراع الوجود مع الغرب، تبدو فصائل المقاومة وتُصوَّر على أنها ميليشات خارجة على الدولة والقانون، وأنها فصائل تتاجر بمكتسبات الأوطان وأمنه واستقراره، وأنها فصائل تُحيي ثقافات غائبة ولم تعد صالحة اليوم مثل الجهاد، وتواجه بإمكانياتها البسيطة والمحدودة قوى لا طاقة لنا بها؛ بل قوى تُعد في خانة القضاء والقدر الذي لا طاقة لا يمكن مواجهته وهزيمته. وأخيرًا وليس آخرًا، تعمل تلك الفصائل على اعتماد هذا "الضجيج" ليس بقصد تحرير الأرض فحسب؛ بل لتحقيق مكاسب لها بداخل أوطانها لاحقًا.
من يُدرك هذه التحولات التاريخية في العقل العربي المعاصر، ومنذ عهود وأزمنة "الاستقلال"، يُدرك اليوم أسباب تكتُّل النظام الرسمي ضد المقاومة وثقافتها إلى درجة الاصطفاف مع العدو، ويُدرك كذلك، أسباب غياب الصورة الدموية للحروب وحضور الصورة "الوردية" في أذهان الكثير اليوم، هذه الصورة التي جعلت الكثير يتوقف عند الصور السطحية للحرب من دماء ودمار، ولا يتنبأ باليوم الثاني بعدها. ثقافة الهشاشة التي أنتجت التفاهة لاحقًا، هي ما عطلت في عقول الكثير نعمةَ إعمال العقل، ونعم التأمل والتدبر والقياس والمنطق.
فصائل المقاومة من الأساس يُمكنها تحقيق مآربها في الداخل دون ضجيج أو استعراض، ودون خوض حروب أو إسالة دماء، لو كان هذا مشروعها وهدفها؛ فالعدو يعلم خطورتها عليه، ويعلم قوة تأثيرها وحضورها مقابل الطبقات المخملية التي يحبها ولكنه لا يحترمها لأنها لا تُشبه أوطانها في شيء.
العدو قدَّم- وما يزال- لفصائل المقاومة جميعها وبلا استثناء عروضًا تُشبه البرزخ لتمكينها من مكاسب عظيمة مقابل الكف عن عدائها له، والسبب الرئيس هو قوة العقيدة القتالية لتلك الفصائل، وخوفه من تفشي ثقافة المقاومة والشرف، وتحلُّل ثقافة العلف وزوال أعراض التبعية والانبهار وثقافتهما.
قبل اللقاء.. أمريكا تُريد، والله فعَّال لما يُريد.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المرصد السوري لحقوق الإنسان يوثق مقتل 7670 شخصاً منذ سيطرة فصائل الجولاني
الثورة نت/..
وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 7670 شخصاً في مختلف أنحاء سوريا، في الفترة الممتدة من 8 ديسمبر 2024 وحتى 6 يونيو 2025، نتيجة استمرار أعمال العنف والانتهاكات على يد أطراف محلية وخارجية، إلى جانب الفوضى الأمنية العارمة.
وأوضح أن من بين الضحايا، سقط 5784 مدنياً، منهم 306 أطفال و422 سيدة، مما يعكس هشاشة الواقع الأمني والخطر المتزايد على الفئات الأضعف في المجتمع.
ووثق المرصد، في تقرير حقوقي، أنماط القتل والانتهاكات الجسيمة للحق في الحياة التي استمرت خلال الفترة التي أعقبت انهيار النظام، حيث تتقاطع مسؤولية جهات متعددة عن ارتكابها، سواء عبر القتل المباشر أو الإهمال المتعمد لأمن السكان.
ووفقاً للتقرير، فقد شكّل المدنيون نسبة 75.4% من إجمالي عدد القتلى خلال الأشهر الـ6، في حين بلغت نسبة عدد غير المدنيين 24.6%.
وقال: يعكس هذا التوزيع ارتفاع نسبة المدنيين المتضررين بشكل كبير مقارنة بغير المدنيين في الحوادث الموثقة خلال هذه الفترة.
ويوثّق هذا التقرير سلسلة من الانتهاكات وحوادث العنف التي أودت بحياة العشرات، في ظل غياب الدولة وتفكك الأجهزة الأمنية.
وسجّل التقرير وقوع ضحايا بسبب الرصاص الطائش خلال مناسبات عامة ونزاعات شخصية، حيث يسقط القتلى من المدنيين دون قصد، في مشهد يعكس غياب أدنى معايير ضبط السلاح.
وقال: في ظل انعدام الرقابة الأمنية، تصاعدت وتيرة الانفجارات في الأسواق والشوارع العامة، ما أسفر عن عشرات القتلى، دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذه الهجمات التي أسهمت في تعميق مناخ الرعب اليومي لدى السكان.
وفي مناطق سيطرة العصابات المسلحة وثق التقرير حوادث قتل نفّذها عناصر من العصابات المسلحة بحق مدنيين، سواء خلال عمليات مداهمة أو عبر إطلاق نار مباشر.
كما سلّط الضوء على حالات تعذيب أفضت إلى الوفاة داخل مراكز احتجاز تابعة للعصابات، وسط غياب المحاسبة وانعدام الرقابة المستقلة.
أما في مناطق سيطرة عصابات الجولاني، رصد التقرير وقوع وفيات تحت التعذيب في مراكز احتجاز رسمية، في ظل تغييب ممنهج للعدالة وحرمان المعتقلين من حقوقهم القانونية.
كما تم توثيق حالات قتل مباشر نفّذتها تشكيلات موالية لعصابات الجولاني في مرحلة ما بعد الانهيار، في سلوك يعكس استمرار العنف الانتقامي دون رادع
وقال التقرير: رغم تراجع سيطرته الميدانية، لا يزال تنظيم “الدولة الإسلامية” ينفّذ عمليات اغتيال وتصفية بحق معارضيه، مستهدفاً أفراداً ومناطق متفرقة، ما يفاقم الخسائر البشرية ويعزز حضور خلاياه النشطة.
وأضاف: كذلك، شنّ العدو الإسرائيلي غارات جوية على أهداف داخل سوريا عقب سقوط النظام، إلا أن بعض تلك الضربات أسفرت عن مقتل مدنيين، وهي خسائر وثّقها التقرير ضمن سياق العمليات العابرة للحدود.
وأردف: وفي شمال شرقي سوريا، أودت الهجمات التركية المتكررة على مناطق سيطرة “قسد” بحياة عدد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في انتهاك واضح لقوانين النزاع المسلح.
وتابع: كما يوثّق التقرير حالات قتل طالت سوريين حاولوا عبور الحدود نحو الأردن، وتركيا حيث تعرضوا لإطلاق نار من قبل حرس الحدود، في مشهد يسلّط الضوء على المخاطر التي تواجه المواطنين.
ويعرض التقرير أيضاً انتهاكات منسوبة لعناصر من “قسد”، شملت حالات إعدام ميداني واستخداماً مفرطاً للقوة خلال عمليات أمنية، ما يثير تساؤلات حول آليات المحاسبة في تلك المناطق.
كما وثّق التقرير مجازر ارتُكبت على خلفيات طائفية أو ثأرية، استهدفت أفراداً وعائلات لمواقفهم السابقة أو انتماءاتهم، في مشهد يعيد إنتاج دوائر العنف الأهلي ويقوّض فرص المصالحة.
وقال: بعد ستة أشهر من سقوط النظام السوري، تستمر الانتهاكات الجسيمة بحق الحياة وحقوق الإنسان، وسط تعدد الجهات الفاعلة وغياب محاسبة حقيقية.
ودعا المرصد السوري لحقوق الإنسان، استنادا على التقرير إلى تشكيل آلية تحقيق مستقلة، وفرض احترام القانون الدولي من قبل جميع الأطراف، وضمان عدالة كاملة للضحايا، إضافة إلى جهود التوعية ونزع السلاح وإزالة مخلفات الحرب.