كيف وصل نواب مسلمون للبرلمان السريلانكي؟ وما أجندتهم؟
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
كولومبو- في خطوة مفاجئة وُصفت بالتاريخية، اختار الناخبون في سريلانكا، خلال الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أكثر من ثلثي نواب البرلمان البالغ عددهم 225 عضوا، من حزب "القوة الشعبية الوطنية" الحاكم ذي التوجه اليساري، بينهم 8 نواب مسلمين، كما اختاروا 12 نائبا مسلما من أحزاب المعارضة.
وجاءت الانتخابات البرلمانية بعد 6 أسابيع من الرئاسية التي أفضت إلى انتخاب أنورا كومارا ديساناياكه كأول رئيس يساري في تاريخ البلاد.
ويعتقد النواب المسلمون المنتخبون عن الحزب الحاكم أن الحكومة الجديدة ستكون قادرة على بناء بلد خالٍ من الفساد، مع التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية بين المجموعات العرقية والدينية في سريلانكا.
وحدة وطنية
يقول النائب المسلم المنتخب حديثا عن الحزب الحاكم منير مظفر، للجزيرة نت، إن حصوله على عدد كبير من الأصوات من السنهاليين، الذين يشكّل البوذيون الأغلبية الساحقة بينهم إلى جانب أقلية مسيحية وأصوات المسلمين، يعكس خطوة إيجابية نحو تعزيز الوحدة الوطنية.
ويُعتبر السنهاليون أكبر مجموعة عرقية في سريلانكا، ويمثلون نحو 74.9% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة، وفي المقابل، يمثل التاميل 11.2% من السكان. في حين يشكل المسلمون 9.2%، ويشكل التاميل الهنود 4.2%، وتشكل المجموعات العرقية الأخرى نحو 0.5% من إجمالي السكان.
ويُعد النائب مظفر، الذي تخرج من كلية أصول الدين بالجامعة النظامية الإسلامية في سريلانكا، أول عالم ديني إسلامي يُنتخب لعضوية البرلمان في تاريخ البلاد، وكان من أبرز الخطباء السياسيين في الحملة الانتخابية التي نظمها الحزب الحاكم.
وأوضح أن نشاطه السياسي طوال مسيرته ركز على قضايا تهم جميع المواطنين، بدلا من حصر جهوده في مشكلات مجموعة عرقية أو دينية محددة.
في هذا السياق، قال رئيس المجلس الإسلامي السريلانكي نظام الدين أمين، للجزيرة نت، إن الناس في كولومبو أصبحوا يصوتون بناء على السياسات والرؤى عوضا عن الخلفيات العرقية والدينية، وهو تطور يُعد إيجابيا، برأيه، وقد تمكّن كل من مظفر وأرقم إلياس من الفوز في مناطق لا تشكّل فيها الأصوات المسلمة نسبة كافية لانتخاب عضو في البرلمان.
وأفاد إلياس، النائب المسلم المنتخب حديثا عن الحزب الحاكم، للجزيرة نت، بأن نحو 70% من ناخبيه كانوا من السنهاليين.
من جانبه، يرى مظفر أن الفشل في بناء الوحدة الوطنية بين الأعراق في البلاد كلف الاقتصاد جزءا كبيرا من موارده، مشيرا إلى أن جزءا مهما منه تم إنفاقه على الحرب الأهلية التي استمرت 30 عاما بين الحكومة وحركة نمور التاميل، التي كانت تسعى لإقامة دولة مستقلة للأقلية التاميلية في شمال سريلانكا وشرقها.
من جهة أخرى، قال مظفر إنه إذا أصبحت البلاد خالية من الفساد، فإن معظم المشاكل التي يعاني منها الناس ستحل تلقائيا، وإن الشعب سئم من السياسيين الفاسدين الذين دخلوا المجال السياسي فقط لحماية مصالحهم الاقتصادية، وأكد "نحن لا نرى السياسة كزينة لتجميلنا، بل نعتبرها مسؤولية وأمانة كبيرة".
بدوره، صرح النائب إلياس بأن اقتصاد سريلانكا انهار بسبب الفساد، وتعمل حكومتهم الحالية على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجته بجميع أشكاله، وأكد أن القضاء عليه من أهدافها الرئيسية.
من جانبه، قال مجيب الرحمن، النائب المسلم عن حزب "ساماجي جانا بالاويجايا" الرئيسي في المعارضة، إن حزبه سيدعم دائما الخطوات التي تتخذها الحكومة لمكافحة الفساد.
وبشأن برنامج يدعمه صندوق النقد الدولي، ويقدر بـ2.9 مليار دولار بهدف استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي وتحقيق استدامة الديون في البلاد، أشار مجيب الرحمن إلى أنه سيتعين عليه الانتظار لمعرفة كيف ستتصرف الحكومة في مفاوضات المساعدات، نظرا لاختلاف وجهات النظر نتيجة خلفية الحكومة اليسارية.
فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية للمسلمين في البلاد، يرى رئيس المجلس الإسلامي السريلانكي نظام الدين أمين أن المجتمع المسلم هو الأجدر بتحديد ما يجب تغييره وإبقاؤه فيه، في إشارة إلى المحاولات السابقة لإلغاء هذا القانون وتعديله.
على مدار العقد الماضي، دعت بعض المنظمات البوذية "المتطرفة" إلى إلغاء قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، معتبرة أنه لا يجب أن تكون لهم قوانين خاصة. في المقابل، طالبت بعض المنظمات النسوية بتعديلها بحجة أن "الفتيات المسلمات يُجبرن على الزواج دون السن القانونية".
وكان الرئيس السابق غوتابايا راجاباكسا عيّن لجنة برئاسة الراهب البوذي "المتطرف" جلاجوتا آتاي جنانا ساري، بهدف تطبيق نظام "دولة واحدة قانون واحد" في سريلانكا.
في هذا السياق، يقول النائب إلياس إنه إذا دعت الحاجة إلى تعديل هذا القانون في المستقبل، فلن يتم ذلك إلا بعد التشاور مع العلماء المسلمين، وهو "ما أكده أيضا المتحدث باسم الحكومة الوزير فيجيتا هيراث قبل بضعة أسابيع". وأضاف أن الدستور الجديد الذي وعد به الحزب الحاكم خلال حملاته الانتخابية سيضمن تمكين جميع المجموعات العرقية في سريلانكا من العيش بسلام في البلاد.
أما النائب مظفر فيرى أن التحديات التي يواجهها المسلمون في سريلانكا تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي المحافظة الشرقية يعاني المسلمون من مشاكل متعلقة بالأراضي والزراعة، في حين تتركز الصعوبات في المحافظة الشمالية حول إعادة التوطين التي تفاقمت جراء الحرب الأهلية، أما في المحافظات الأخرى، فيواجهون نقصا حادا في الموارد التعليمية، "مما يؤثر سلبا على التعليم".
وأكد النائب إلياس أن التعليم والفرص الوظيفية هما من الأولويات في المرحلة المقبلة، وأضاف "نحتاج في منطقتي إلى تحسين فرص التعليم المهني بشكل خاص".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحزب الحاکم النائب إلیاس فی سریلانکا فی البلاد
إقرأ أيضاً:
أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
أحمد زيور باشا، هذا الاسم الذي يلمع في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد شخصية سياسية عابرة، بل هو رمز للإصرار والعطاء والتفاني في خدمة وطنه.
ولد زيور باشا في الإسكندرية عام 1864 في أسرة شركسية تركية الأصل، كانت قد هاجرت من اليونان، لكنه بالرغم من جذوره الأجنبية، حمل قلبه وروحه على مصر، وجعل منها مسرحا لحياته المليئة بالعطاء والمسؤولية.
منذ نعومة أظافره، أظهر أحمد زيور براعة وحسا عميقا بالواجب؛ فقد التحق بمدرسة العازاريين، ثم واصل دراسته في كلية الجزويت ببيروت، قبل أن يتخرج من كلية الحقوق في فرنسا، حاملا معه العلم والخبرة ليخدم وطنه الغالي.
طفولته لم تكن سهلة، فقد كان صبيا بدينا يواجه العقوبات بحساسية شديدة، وكان العقاب الأصعب بالنسبة له مجرد “العيش الحاف”، لكنه تعلم من هذه التجارب الأولى معنى الصبر والمثابرة، وكان لذلك أثر واضح على شخصيته فيما بعد، إذ شكلت بداياته الصعبة حجر أساس لصقل إرادته القوية وعزيمته التي لا تلين.
عندما عاد إلى مصر بعد دراسته، بدأ أحمد زيور مسيرته في القضاء، ثم تقلد مناصب إدارية هامة حتى وصل إلى منصب محافظ الإسكندرية، وبدأت خطواته السياسية تتصاعد بسرعة.
لم يكن الرجل مجرد سياسي يحكم، بل كان عقلا مفكرا يقرأ الواقع ويفكر في مصلحة الوطن قبل أي اعتبار شخصي، تولى عدة حقائب وزارية هامة، منها الأوقاف والمعارف العمومية والمواصلات، وكان يتنقل بين الوزارات بخبرة وإخلاص، ما جعله شخصية محورية في إدارة شؤون الدولة، وخصوصا خلال الفترة الحرجة بعد الثورة المصرية عام 1919.
لكن ما يميز أحمد زيور باشا ليس فقط المناصب التي شغلها، بل شخصيته الإنسانية التي امتزجت بالحكمة والكرم وحب الدعابة، إلى جانب ثقافته الواسعة التي جعلته يجيد العربية والتركية والفرنسية، ويفهم الإنجليزية والإيطالية.
كان الرجل يفتح صدره للآخرين، ويمتلك القدرة على إدارة الصراعات السياسية بحنكة وهدوء، وهو ما جعله محل احترام الجميع، سواء من زملائه السياسيين أو من عامة الشعب.
عين رئيسا لمجلس الشيوخ المصري، ثم شكل وزارته الأولى في نوفمبر 1924، حيث جمع بين منصب رئاسة الوزراء ووزارتي الداخلية والخارجية، مؤكدا قدرته على إدارة الأمور بيد حازمة وعقل متفتح.
واستمر في خدمة وطنه من خلال تشكيل وزارته الثانية، حتى يونيو 1926، حريصا على استقرار الدولة وإدارة شؤونها بحنكة، بعيدا عن أي مصالح شخصية أو ضغوط خارجية.
زيور باشا لم يكن مجرد سياسي تقليدي، بل كان رمزا للفكر المصري العصري الذي يحترم القانون ويؤمن بالعلم والثقافة، ويجمع بين الوطنية العميقة والتواضع الجم.
محبا لوالديه، كريم النفس، لطيف الخلق، جسوره ضخم وقلوبه أوسع، كان يمزج بين السلطة والرقة، بين الحزم والمرونة، وبين العمل الجاد وروح الدعابة.
هذا المزيج الفريد جعله نموذجا للقيادة الرشيدة في وقت كان فيه الوطن بحاجة لمثل هذه الشخصيات التي تجمع بين القوة والإنسانية في آن واحد.
توفي أحمد زيور باشا في مسقط رأسه بالإسكندرية عام 1945، لكنه ترك إرثا خالدا من الخدمة الوطنية والقيادة الحكيمة، وأصبح اسمه محفورا في وجدان المصريين، ليس فقط كوزير أو رئيس وزراء، بل كرجل حمل قلبه على وطنه، وبذل كل ما في وسعه ليبني مصر الحديثة ويؤسس لمستقبل أفضل.
إن تاريخ زيور باشا يعلمنا درسا خالدا، أن القيادة الحقيقية ليست في المناصب ولا في السلطة، بل في حب الوطن، والعمل الدؤوب، والوفاء للعهود التي قطعناها على أنفسنا تجاه بلدنا وشعبنا.
أحمد زيور باشا كان نموذجا مصريا أصيلا، يحكي عن قدرة الإنسان على التميز رغم الصعاب، ويذكرنا جميعا بأن مصر تحتاج دائما لأمثاله، رجالا يحملون العلم والقلب معا، ويعملون بلا كلل من أجل رفعة وطنهم وشموخه.
ومن يقرأ سيرته، يدرك أن الوطنية ليست شعارات ترفع، بل أفعال تصنع التاريخ، وأن من يحب وطنه حقا، يظل اسمه حيا في ذاكرة شعبه، مهما رحل عن الدنيا، ومهما تبدلت الظروف.