بيروت- في تمام الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، بدأت التحذيرات تتوالى على هواتف سكان مدينة صيدا، الذين تلقوا مكالمات صوتية استمرت حوالي 30 ثانية، تطالبهم فيها بمغادرة منازلهم فورا بسبب "وجودهم في مناطق تعرض حياتهم للخطر".

وفي حديثه للجزيرة نت، يروي إبراهيم الحاج تجربته قائلا "في البداية، ظننا أن التهديد يقتصر على بنايتين في منطقة سيروب بمدينة صيدا جنوبي لبنان، لكن مع مرور الوقت، اكتشفنا أن التحذيرات شملت مناطق أخرى في المدينة"، مضيفا أنهم انتقلوا من منطقة إلى أخرى وسط تزايد القلق، بينما استمرت محاولات البحث عن مكان آمن، واستمر الوضع على هذا النحو لساعات".

ويؤكد إبراهيم أن أكثر من 100 منزل تلقت نفس المكالمة الصوتية، التي كانت تبدو كالتسجيلات الآلية، حيث تكرر النص نفسه بشكل دقيق، وسرعان ما عمّت حالة من الذعر، وبدأ سكان المنطقة يتحركون بشكل عاجل، مغادرين منازلهم وركضوا نحو سياراتهم، مبتعدين عن المكان".

ولم تكن هذه الحادثة حالة استثنائية، إذ تكررت مشاهد مشابهة في العديد من المناطق اللبنانية خلال الآونة الأخيرة، فبينما كانت التحذيرات تركز في البداية على المناطق الجنوبية والضاحية الجنوبية لبيروت، اتسعت رقعتها لتشمل مناطق أخرى في بيروت وخارجها، ما يعكس التصعيد العسكري في مختلف أنحاء البلاد.

الاتصالات كانت تبدو كالتسجيلات الآلية وتكرر النص نفسه بشكل دقيق (الجزيرة) ارتباك أمني

أكد الخبير العسكري والإستراتيجي حسن جوني أن مسألة الاتصالات الخادعة باتت تتكرر بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أن بعض الأفراد يلجؤون لاستخدامها كوسيلة لتصفية الحسابات الشخصية أو لإرباك أطراف معينة، وهذا قد يؤدي إلى حالة من الخوف والارتباك تصل في بعض الأحيان إلى نزوح مؤقت قبل التحقق من صحتها، لكنها في أحيان أخرى تكون ذات أبعاد أمنية واضحة.

وأشار جوني في حديثه للجزيرة نت إلى أن بعض هذه الاتصالات تستهدف أشخاصا استنادا إلى أماكن سكنهم السابقة قبل نزوحهم، وليس إلى أماكنهم الحالية، ما يجعل التهديد جديا أحيانا، لكنه يستهدف مواقع غير دقيقة.

واعتبر أن هذا يزيد من الضغط النفسي على النازحين، الذين يعانون بالفعل من النزوح المتكرر والتهديدات المتواصلة، إلى جانب القصف والغارات، كما رأى أن هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على الأمن والاستقرار، خاصة في المناطق التي تُعتبر بيئة داعمة للمقاومة.

وعن مواجهة هذه الظاهرة، لفت جوني إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها الأجهزة الأمنية، موضحا أنها تبذل جهودا كبيرة في تتبع هذه الاتصالات والتحقق من حقيقتها، وتشكل ضغطا كبيرا عليها وتستغرق وقتا، وهذا يزيد من حالة القلق بين المواطنين، موضحا أن التعامل مع مثل هذه الحالات يتطلب أخذ كل اتصال على محمل الجد بسبب ارتباطه بحياة الناس.

أما عن ارتباط الاتصالات بالجانب الإسرائيلي، فاعتبر جوني أن تهديداته غالبا ما تكون عشوائية وتعتمد على معلومات غير دقيقة أو قواعد بيانات خاطئة، وأشار إلى أن "العدو لا يهتم بدقة المعلومات بقدر ما يعتمد على الوحشية في التعامل مع التهديدات، ما يجعل الوضع أكثر خطورة وتعقيدا".

شائعات أم حقيقة؟

ويوضح الخبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولان أبي نجم، للجزيرة نت، أن الأرقام التي تتصل بالناس لا تحمل رمز 07 المخصص للهاتف الأرضي في لبنان، بل هي أرقام لرموز دولية تستخدم عبر الإنترنت، ولا تتبع أي دولة معينة.

ويشرح أبي نجم أن الإسرائيليين يعتمدون على وسائل أخرى، مثل النشر على تطبيق "إكس" أو تصريحات الناطقين الرسميين، لنقل رسائلهم التحذيرية، بينما الاتصالات الهاتفية المباشرة نادرة جدا، حيث إنه من غير المنطقي أن يتصلوا بشخص بعينه لتحذيره شخصيا، وأي شخص يتابع السياق العام يدرك ذلك".

ويشدد أبي نجم على أن النقطة الأهم في نظره هي أن "الإسرائيليين لا يقومون بالاتصال بالناس مباشرة عبر الهاتف لإبلاغهم بإخلاء المباني، لكن هناك من يستغل هذا الواقع والفوضى الحالية لتحقيق أغراض مختلفة، مثل إثارة البلبلة بين الناس من خلال اتصالات أو رسائل تهديد وتحذير زائفة، تهدف في بعض الأحيان إلى السرقة أو العبث غير المسؤول".

ويشدد أبي نجم بالتأكيد على أهمية توضيح أن الإسرائيليين حتى الآن لم يقوموا بأي اتصالات مباشرة لتحذير الناس، وأن هذه الأخبار تفتقر للمنطق والدقة.

حرب نفسية

ويشرح الطبيب النفسي الدكتور أحمد عياش للجزيرة نت، أن القلق الذي يعيشه الناس حالة طبيعية وغير مرضية، إذ يعكس استجابتهم لأحداث واقعية، ويقول "يشعر الناس كأن الريح تحت أقدامهم والموت يطرق الأبواب، فهم يرون بأعينهم أهوال غزة ودمار الضاحية الجنوبية، والخوف هنا ليس وهميا، بل هو نتيجة لتجارب حقيقية عاشها البعض أو حدثت لأقربائهم، حيث لا تزال الدماء حاضرة في الساحات".

من ناحية أخرى، يشير الدكتور عياش إلى أن التعامل غير الجاد مع بعض المعلومات قد أدى إلى مآسٍ في الماضي، وهذا دفع الناس إلى الميل لتصديق الأخبار بدلا من إنكارها، ويوضح أن هذه الحالة نابعة من حرص الناس على حماية أنفسهم من أخطار محتملة، رغم غموض بعض المعلومات.

ويضيف الدكتور عياش: "الحرب النفسية تلعب دورا مركزيا في نشر الخوف بين الناس، حيث إنها أداة تهدف إلى خلق ضغط نفسي على مستويات عدة، تبدأ بالمقاتلين ثم القيادات، وصولا إلى عامة الناس، خاصة الذين لا يعتبرون أنفسهم معنيين مباشرة بالحرب، لحثهم على معارضة الأطراف الداعمة لغزة".

ويوضح الدكتور عياش أن "الناس بدؤوا يدركون أن الاتصالات تواجه بإجراءات مضادة من الجهات الأمنية والجيش تهدف إلى استجلاء الحقائق وتقييم التهديدات الأمنية"، ويشير إلى أن التعليمات الأمنية غالبا ما تتلخص في دعوة المواطنين لأخذ الحيطة والابتعاد لمدة 24 ساعة، حتى تتضح الصورة الأمنية وطبيعة المخاطر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت أبی نجم إلى أن

إقرأ أيضاً:

سلموا لنا عليه.. تشييع زياد الرحباني إلى مثواه الأخير وعيون اللبنانيين على السيدة فيروز

شيع لبنان صباح الإثنين الفنان زياد الرحباني، رائد المسرح اللبناني الحديث، وأحد أبرز المطوّرين في الأغنية اللبنانية، نجل السيدة فيروز وعاصي الرحباني، الذي اختار أن يبتدع لونًا خاصًا ومدرسة تشبهه وحده وتشبه بلده كما كان يراه، ويراه أبناؤه. اعلان

وقد أُجريت مراسم الجنازة في كنيسة رقاد السيدة في بلدة المحيدثة، في مسقط رأسه بكفيا شمال شرق بيروت، بحضور نادر للسيدة فيروز، التي نشر محبّوها صورها من الجنازة، مع أغانٍ كان قد لحّنها لها زياد، مثل "سلّملي عليه" ومقاطع من "زعلي طول أنا وياك"، عندما تغني بشجن: "يا ريتك مش رايح، يا ريت بتبقى بتبقى عطول".

تصل فيروز، أيقونة الغناء اللبناني وأحد أشهر فناني العالم العربي، ووالدة زياد الرحباني لحضور جنازة ابنها في كنيسة ببلدة بكفيا في جبل لبنان، يوم الاثنين 28 تموز/يوليو 2025. Mohammed Anouti/ AP

وقالت وسائل إعلام لبنانية إن تشييع الفنان اليساري، الذي كان دومًا واضحًا في مواقفه السياسية وبانحيازه للفقراء وقضايا بلاده كان يشبهه: بعيدًا عن الضجيج والتكلّف، حتى أن عائلته طلبت من المعزّين في بطاقات الدعوة عدم إحضار أكاليل الورد واستبدالها بالتبرّع للكنيسة.

اللبنانيون يتأثرون بحضور السيدة فيروز في جنازة نجلها Related زياد الرحباني في باريس.. تفاصيلُ لقاءٍ لم يتمّ فاسمعوا الحكايةزياد الرحباني يحل ضيفاً على مهرجان الحمامات الدولي في تونسالمغنّي والمسرحي والمؤلف الموسيقي ونجل فيروز.. رحيل الفنان اللبناني زياد الرحباني عن 69 عاماً

وانتقدت وسائل الإعلام الدولة اللبنانية لعدم إعلان الحداد أو إغلاق الشوارع لوداع قامة فنية، مشيرة إلى أن محبيه تجمعوا أمام المستشفى الذي كان يرقد فيه في بيروت، وصفّقوا عندما خرج النعش، كما كانوا يفعلون في جميع مسرحياته، ثم رافقوه إلى شارع الحمرا، رافعين صوره، ولافتات مكتوب عليها: "بلا ولا شي.. بحبك"، في إشارة إلى أغنيته الشهيرة.

تحمل إحدى المشيّعات صورة زياد الرحباني، المؤلف والكاتب المسرحي وعازف البيانو اللبناني المبدع خلال مشاركتها في جنازته في بيروت، لبنان، يوم الاثنين 28 تموز/يوليو 2025. Hussein Malla/ AP

وكان زياد قد عانى من مرض في الكبد، ورفض تلقي العلاج مؤخرًا، فاختفى عن الأنظار والأضواء، وكان مقلاّ في حديثه مع الإعلام، وقد عُرف بآرائه الجدلية ونقده الحاد، وسخريته غير الجارحة.

ويُوارى جثمان زياد الثرى في مدافن العائلة القريبة من الكنيسة. وقد قدّمت التعازي به شخصيات فنية وسياسية هامّة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • روسيا: لدينا قلق إزاء التهديد بشن هجمات جديدة على ايران
  • النائب محمد أبو العينين: مواقف ورسائل الرئيس السيسي غيرت موقف ترامب من غزة
  • العماد هيكل في أمر اليوم بمناسبة العيد الثمانين للجيش: سنبقى الضامن لجميع اللبنانيين
  • يديعوت أحرونوت: تأثير تركيا العسكري والسياسي المتزايد بات التهديد الأكبر لإسرائيل
  • تنظيم الاتصالات يوضح حقيقة فرض رسوم بأثر رجعي على الهواتف المستوردة قبل 2025
  • تنظيم الاتصالات توضح حقيقة فرض رسوم بأثر رجعي على الهواتف المستوردة قبل 2025
  • تجمع العلماء المسلمين: الضغوط الأميركية بلغت حد التهديد
  • منتدى الاستثمار السوري السعودي… توقيت مفصلي ورسائل داخلية وخارجية
  • سلموا لنا عليه.. تشييع زياد الرحباني إلى مثواه الأخير وعيون اللبنانيين على السيدة فيروز
  • كرم: الجمود أصعب على اللبنانيين من الحرب