تباينت الأنباء حول إمكانية الوصول إلى اتفاق بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله ينهي الحرب على لبنان، ما بين التفاؤل والحديث عن قرب الوصول إليه وبين التشاؤم الذي وصل حد تهديد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، عاموس هوكشتاين، بالاستقالة من منصبه إذا فشلت المفاوضات.

وحضر التفاؤل بالوصول لاتفاق قبل أيام، فوفقا لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين، فإن "هناك ملامح اتفاق محتمل بين إسرائيل ولبنان قد بدأ يتشكل، الأمر الذي فتح باب التفاؤل الحذر بخصوص الوصول للتسوية".



وأشارت الصحيفة إلى أن "التفاصيل المتعلقة بتنفيذ التسوية ما زالت بحاجة إلى تفاهم واتفاق، وأن الاتفاق المحتمل يتضمن هدنة 60 يوما تنسحب خلالها إسرائيل من لبنان، في حين ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني".

في المقابل قالت وسائل إعلام لبنانية؛ إن "المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري علي حمدان، تواصل مع السفارة الأمريكية بعد لقاءات هوكشتاين في تل أبيب، ونُقل إلى عين التينة أجواء إيجابية".

خفض رتم المعركة
ويدفع هذا التباين في التصريحات حول إمكانية الوصول لاتفاق ينهي الحرب على لبنان للتساؤل عن إمكانية تحقيق ذلك؟

المحلل السياسي اللبناني بلال اللقيس، يعتقد أن "العجز العسكري الإسرائيلي في الميدان، ومسألة أن قوته لا تتحول لإنجاز أمني أو سياسي، وثانيا شعور الكيان الصهيوني بأنه يدخل مرحلة العُزلة، وثالثا وضع الجيش والمشاكل الداخلية، هي معطيات وظروف ضاغطة على الاحتلال من أجل وقف الحرب في الساحة اللبنانية".


وتابع اللقيس في حديث خاص لـ"عربي21"، "بالتالي نتيجة لهذه العطيات الضاغطة على الاحتلال فإن الرأي الان عندهم يقول - لنحافظ على بعض المكتسبات التي تحصلنا عليها في المرحلة الأولى، لأنه مع مرور الوقت يبدو أننا نخسر هذه المكتسبات-".

ويكمل، "أيضا هناك معطى له علاقة بالخارج، وهو أن المنطقة اليوم أصبحت على مفترق طرق كذلك الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون أمام تحدي كبير، إما تدخل المنطقة في مسارات وحلول للتهدئة، وإما أن تكون المنطقة مرشحة للانفجار".

وأردف، "لهذا يمكن القول بأن المسار الموضوعي العام سيؤدي إلى انخفاض هذه المعركة بغض النظر عن رأي نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف، وليس بالضرورة الوصول لحلول نهائية".

من جهته قال المحلل السياسي اللبناني ابراهيم حيدر، إن "الميدان يُشكل عنصر ضغط أساسي في التفاوض وسط المحاولات الإسرائيلية لفرض أمر واقع أمنيا في قرى الشريط الحدودي حتى خط الليطاني واستخدامه كورقة في المفاوضات لتمرير شروطها".

ويرى حيدر في حديث خاص لـ"عربي21"، أنه "لا يمكن الحسم في إمكانية التوصل إلى اتفاق في وقت قريب، خاصة مع وجود النقاط العالقة في التفاوض والتي تصر إسرائيل على تمريرها وفق شروطها، وأهمها حرية الحركة العسكرية أي ضرب أهداف لحزب الله تُشكل تهديدات وفق ما تراه من وجهة نظرها".

وأضاف، "أيضا إسرائيل تحاول أن تُنشئ المنطقة العازلة حتى جنوب الليطاني مستفيدة من قدراتها النارية ومحاولاتها للسيطرة على قرى على الخط الأمامي مثل الخيام، وتضغط على لبنان للقبول بشروطها".

ويتابع، "بالمقابل لبنان يعتبر الشروط الاسرائيلية بمثابة استسلام وتسليم للسيادة ويرفض ذلك ويصر على تطبيق القرار 1701 وفق البنود المتفق عليها في الورقة الأميركي".

ويكمل، "وعلى هذا يبدو أن التوصل إلى حل يحتاج وقتا إضافيا رغم الاجواء الايجابية التي يشيعها المبعوث الأميركي أموس هوكشتين، خاصة وأن الحديث عن هدنة موقتة لمدة ستين يوما مع استمرار حرية الحركة الإسرائيلية يعني ترحيل التسوية حتى تسلم دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض".

وأوضح حيدر أن "ملاحظات حزب الله التي قدمها على الورقة الأمريكية تتطابق مع الموقف الرسمي اللبناني الذي يُعبر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث جدد الحزب التزامه بالقرار 1701، لكنه يرفض في بند أخر نزع سلاحه أو ما جاء في الورقة الاميركية تدمير قدرات حزب الله".

وأكمل، "لكن الحزب الذي وافق أيضا على الانسحاب إلى شمال الليطاني إنما بشروط، عاد ليطرح الاستراتيجية الدفاعية أي شعب وجيش ومقاومة بما يعني اعلان لرفض القرار الموازي أي 1559".

حرب نتنياهو الشخصية
على الجانب الأخر وفقا لمسؤول إسرائيلي يجري رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشاورات بشأن وقف إطلاق النار مع حزب الله، وذلك ضمن اجتماعات تضم كبار الوزراء والمسؤولين الأمنيين.

وأكد المسؤول أن هذه المشاورات تتم بانتظام، وتضم وزير الحرب يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، ورئيسا الموساد والشين بيت، من بين آخرين، بحسب ما نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

الكاتب والخبير بالشأن الإسرائيلي سليمان بشارات، يعتقد أن "حظوظ إمكانية الوصول لاتفاق عبر المسار السياسي والدبلوماسي قليلة جدا، وإن ارتفعت نسبة التفاؤل في التصريحات والمواقف الإعلامية الأمريكية وحتى الإسرائيلية".

ويضيف بشارات في حديث خاص لـ"عربي21"، "وأما بث روح التفاؤل فهي باعتقادي جزء من إدارة الحرب، بمعنى الخطاب التفاؤلي هو ذاته الذي اعتدنا عليه طوال الحرب على قطاع غزة، حيث كانت واشنطن وأيضا الإعلام الإسرائيلي وبعض الشخصيات الإسرائيلية تقوم دائما بتقديم حالة شبيهة ومتقدمة من إمكانية الوصول إلى اتفاق في غزة، ولكن دائما كان يتم إفشال هذه الجهود في اللحظات الأخيرة".

ويرى أن "الهدف الأساسي من إفشال هذه الجهود الدبلوماسية هو أن نتنياهو والصهيونية الدينية لا زالوا ينظرون إلى هذه الحرب كواحدة من الأدوات والاستراتيجيات التي يمكن من خلالها تمرير وتعزيز المشروع الذي تقوم عليه، والمتمثل بإدامة حالة الاحتلال الإسرائيلي بإعادة الاستيطان إلى قطاع غزة والكثير من الجغرافيا الفلسطينية وحتى ربما جزء من الجغرافيا اللبنانية".

وتابع، "النقطة الثالثة أن الحرب من منظور الصهيونية الدينية ونتنياهو تُمثل مسار يمكن من خلاله تحقيق إعادة بناء وهيكلة المؤسسات الإسرائيلية خصوصا مؤسستي الجيش والقضاء، ونتذكر جميعا كيف أن بنيامين نتنياهو سعى لتحقيق ذلك ما قبل الحرب، ومن ذلك مشروع الإصلاحات القضائية".

وأكد أن "هذا كله يعزز أن نتنياهو ومشروع الصهيونية الدينية ما زالوا يستخدمون هذه الحرب لتحقيق الأهداف الأساسية المرتبطة بإمكانية إحكام قبضة نتنياهو على نظام الحكم والسياسة الإسرائيلية وتحييد كل العقبات التي يمكن أن تحول من تأييد حالته السياسية".


ويعتقد بشارات أيضا أنه "حتى هذه اللحظة لا توجد عوامل ضاغطة يمكن أن تدفع نتنياهو للذهاب إلى اتفاق، ومنها استراتيجية حزب الله والذي صحيح لديه من الترسانة العسكرية والقدرات القتالية، ولكن الحزب لا زال يتبع أسلوب إدارة الحرب وليس الذهاب إلى الحسم المباشر".

ويرى أن "حزب الله أخطأ استراتيجيا حينما اتبع أسلوب إدارة الحرب وليس الذهاب للحسم، وبالتالي نتنياهو ما زال قادر على إدارة الحالة والضغوط التي تمارس عليه وحجم الخسائر، وذلك ضمن منطلقات أساسية متمثلة بأن هذه الحرب هي حرب وجودية وأهدافها عظيمة وبالتالي يمكن التضحية مقابل تحقيق هذه الأهداف".

وأردف، "أيضا هناك أسباب خارجية تساهم في احتمالية فشل الوصول لاتفاق، منها ما يتمثل بإدارة بايدن والتي على مشارف مغادرة المشهد السياسي الأمريكي، فهي لم تستطع أن تكون طرفا حاسما وجازما ولم تكن قادرة على فرض رؤيتها على بنيامين نتنياهو".

وأوضح أن "عدم حسم الإدارة الأمريكية منح نتنياهو إمكانية تقديم خطاب متقدم على مستوى أعلى من الخطاب الذي تقدمه الادارة الأمريكية، ولهذا السبب باعتقادي ما لم نصل إلى حالة تنصيب دونالد ترامب وتوليه المسؤولية لا يمكننا أن نتحدث عن أن هناك تغير في استراتيجية واشنطن في إدارتها لهذه الملفات".

وختم بشارات أسباب عدم تفاؤله بالوصول إلى اتفاق بين حزب الله وإسرائيل بالقول، "للأسف الشديد الحالة العربية والاقليمية والدولية ما زالت غير قادرة على الخروج عن الموقف الأمريكي وغير قادرة على الذهاب إلى إمكانية اتخاذ قرار حاسم في مواجهة التعنت الإسرائيلي وما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ عمليات ابادة وقتل جماعي شاهدناه في قطاع غزة ونشاهده الآن في لبنان".

مصير وحدة الساحات
وكان حزب الله منذ بداية الحرب على غزة يؤكد أن عملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي هي ضمن جبهة إسناده لغزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

وأكد الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله ذلك في أخر خطاب له قبل اغتياله وبعد عملية تفجيرات البيجر، وقال بعد أن توعد الاحتلال برد قاسي على هذه العملية، إن "جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة رغم كل هذه الجراح وكل هذه الدماء".

كذلك أكد الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم استمرار دعم وإسناد جبهة غزة، واستغل خطابه الأول قبل تسلم منصبه وبعد اغتيال نصر الله ليؤكد أن أن الحزب سيستمر بإسناد قطاع غزة في مواجهة الاحتلال.

ولكن مع الحديث عن احتمالية الوصول لاتفاق بين حزب الله والاحتلال، ما مصير جبهة إسناد غزة وهل ستستمر؟


المحلل السياسي بلال اللقيس، يعتقد أن "هناك وحدة مصير بين لبنان وغزة، ووحدة الساحات هي قضية مركزية لمحور المقاومة، وبالتالي الأصل أن تستمر عناصر الضغط من كل الساحات بما يحقق قضية عدم الفصل بين هذه الساحات".

وتابع، "بالتالي أفترض اليوم أن إيران وربما بالتعاون مع بعض القوى العربية يفكرون بمشروع شامل، بمعنى إيقاف الحرب في لبنان سيؤدي حتما لإيقاف الحرب في غزة ولا يجب أن نوقف الحرب في ساحات المقاومة وتبقى في غزة".

وخلص بالقول، "أعتقد أن محور المقاومة سيناقش التكتيكات التي ستكون في حال أوقف الإسرائيلي الحرب في لبنان، أي كيف نوقف الحرب في غزة، واليوم العمل يرجي بشكل متلازم في هذه القضية".

من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم حيدر، أن "المعركة اليوم في الجنوب اللبناني لم تعد فقط معركة إسناد لغزة، وإنما للدفاع عن لبنان ومنع احتلال جديد لأراضي لبنانية".

وأضاف، "بالتالي إذا وافق حزب الله على وقف اطلاق النار وفق ما يطرحه الأميركيون وفي ظل موافقة إيرانية سينسحب الأمر على فصل جبهة لبنان عن غزة، خاصة بعدما تعرض الحزب لضربات قاسية وباتت الحسابات مختلفة، أما رهانات الحزب على استمرار دعم غزة فباتت تتقاذفها مصالح إقليمية لم يعد الحزب قادرا على الاستمرار فيها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاحتلال لبنان هوكشتاين حزب الله لبنان حزب الله الاحتلال هوكشتاين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الوصول إلى اتفاق إمکانیة الوصول الوصول لاتفاق الحرب على على لبنان قطاع غزة الحرب فی حزب الله فی غزة

إقرأ أيضاً:

البيانوني ينهي شهادته لـ عربي21 حول تاريخ سورية والتحول الديمقراطي

اليوم أصل مع المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، المحامي علي صدر الدين البيانوني، إلى الحلقة الأخيرة من رواية سيرته الذاتية وشهادته على تاريخ سورية الحديث والمعاصر، ودور الإسلاميين فيه.

عايشت معه تجربة امتدت 19 سنة ضمن القيادة الفعلية للجماعة، وخلال جلسات مطولة سرد لي رؤيته لتاريخ سورية وحاضرها بكل ما تحمله من تعقيدات وصراعات. رغم تقدمه في العمر وضعف قدرته على الحركة والعودة إلى مدينته حلب التي نشأ وترعرع فيها، يظل البيانوني متمسكاً بشغفه الكبير تجاهها، معبراً عن سروره بالتحول السياسي الكبير الجاري في سورية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.

قد لا يصل السياسي الحالم دائماً إلى مراده، لا سيما في عالمنا العربي عامة، وسورية على وجه الخصوص، لكن ما جرى في سورية منذ 8 ديسمبر الماضي، حين أعلن رسمياً نهاية نظام بشار الأسد، يشكل منعطفاً تاريخياً وإنجازاً يحق للسوريين ومن بينهم البيانوني نفسه أن يفخروا به. ويأمل البيانوني أن تفتح هذه المرحلة مجالاً لتجربة ديمقراطية حقيقية تنهي عقوداً من الاستبداد وترسخ مبادئ الحرية والعدالة.

فيما يلي التفاصيل الكاملة.

19 ـ بعد تسليمي أمانة المسؤولية في عام 2010

بعد تسليم أمانة المسئولية للأخ المهندس محمد رياض الشقفة في شهر أيلول 2010، وضعت نفسي تحت تصرّفه، وبقيت قريبا من إخواني أشارك بما يُطلَب مني. ولما كان النظام الأساسي للجماعة، يمنح العضوية الحكمية في مجلس الشورى للمراقبين العامين السابقين، فقد كنت ـ وما زلت ـ أمارس مسؤوليتي عضواً في مجلس الشورى، منذ ذلك الحين.

ومع انطلاقة الثورة السورية المباركة في شهر آذار 2011، كان شأني شأن كلّ السوريين الأحرار، في تأييد الثورة السلمية، ودعمها ومساندتها. وكنت قد أيقنتُ من خلال سنوات طويلة من المراس السياسي، أن النظام السوري بتركيبته الحالية، غير قابل للإصلاح، بل هو أصلاً لا يملك أي توجّه نحو الإصلاح، لأن الإصلاح الحقيقي يعني سقوط منظومتَيْ الاستبداد والفساد، اللتين يقوم عليهما.

وأذكر أنني في بداية عام 2011، بعد أن شعرت بشيء من الفراغ، هممتُ بكتابة مذكراتي عن العمل في الجماعة، لأضع أمام إخواني، وخاصةً الأجيال الشابّة، خلاصة هذه التجربة، بكلّ نجاحاتها وإخفاقاتها، وإنجازاتها وأخطائها، لتقويمها والاستفادة منها، وبدأت بتجميع الوثائق والمستندات وفرزها وتصنيفها، تمهيداً لكتابة هذه المذكّرات.. إلاّ أنني وبعد انطلاقة الثورة السورية المباركة، وجدت أن واجب الوقت أصبح هو التفرّغ لدعم هذه الثورة السلمية، بكلّ جهدٍ ممكن، واستفراغ كل الجهود والإمكانات، لمساندتها حتى تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة..

أذكر أننا عندما عقدنا مع مجموعة من القوى الوطنية، (المؤتمر الوطني لدعم الثورة) في بروكسل في بلجيكا، بتاريخ 3 حزيران 2011، وقبيل إلقائي كلمتي في المؤتمر، وصلتني اتصالات هاتفية عديدة من سورية، وعندما رددت عليها كان على الهاتف هناك أخ صديق من سورية، يبلغني بأنني مدعوّ لزيارة سورية، والاجتماع مع رئيس الجمهورية مباشرة، للبحث في أوضاع البلد، وأنهم سينقلونني مباشرة من المطار إلى القصر الجمهوري، فأجبت مستغرباً: وهل يجتمع الرئيس مع المجرمين؟.ولا أخفي أنني كنتُ في بداية الثورة، مشفقاً على الثورة والثوار، ومتحفّظاً في حديثي عنها أمام وسائل الإعلام، لأنني كنت أدركُ مدى بطش النظام، واستعدادَه لتدمير سورية فوق رؤوس أبنائها، في سبيل بقائه متسلطاً على رقابهم، ولم أكن متأكّداً في الوقت نفسه، من مدى قدرة الشعب السوري على الثبات والصمود، وتقديم التضحيات.. إلاّ أنه بعد انتشار الثورة في كلّ المحافظات والمدن والبلدات، وبعد ظهور البطولات الرائعة من الثوار، والتضحيات الكبيرة، من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال.. لم يعدْ أمامي، وأمامَ كلّ مواطن حرّ، إلا بذل الغالي والنفيس لنصرة أهلنا الثائرين، وتقديم العون الممكن لهم بكلّ أشكاله، عملاً بقوله تعالى: وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة.. وكنت أحضّ إخواني على ذلك في كلّ مناسبة أو لقاء. وكنت أعمل منذ انطلاقة الثورة، على مشروع التسديد والمقاربة والتحشيد والتجميع، في إطار وطنيّ جامع، وأشجّع الجميع على ذلك.

وفي تلك الفترة، بعد انطلاق الثورة، دعاني فضيلة الأخ المراقب العام، مع مجموعة من الإخوة، للالتحاق بقيادة الجماعة، لتوسيع دائرتها، استجابة لمتطلّبات دعم الثورة، فاستجبنا للدعوة، ولبّيْنا النداء، وأخذنا مواقعنا في القيادة، وكنتُ حينها النائبَ الأول للمراقب العام، مسؤولاً عن الدائرة السياسية.

وعندما اتخذت قيادة الجماعة قراراً عهدت فيه إلى الإخوة في كل محافظة بدعم الثورة في محافظتهم، سارعتُ مع إخواني في محافظة حلب، إلى دعوة الناشطين في المحافظة، من الإخوان وغيرهم، لتشكيل (اللجنة المركزية لدعم الثورة في محافظة حلب)، التي اختارني الإخوة رئيساً لها، وقمنا بما نستطيع في تقديم الدعم والعون والمساندة، بكل أشكالها، إلى فصائل الثورة في المحافظة، دون تمييز بين فصيل وآخر، ودخلتُ مع مجموعة من الإخوة إلى الداخل السوريّ عدة مرات، وتجوّلنا في المدينة والريف، والتقينا بأعدادٍ كبيرة من الثوار والضباط والمقاتلين والمدنيّين، نشدّ من أزرهم، ونؤكّد على دعمهم. ولا أخفي أننا كنا نعود من كلّ جولة، بمعنوياتٍ عالية، وتفاؤل كبير، لما نجده عند أهلنا من صمود وثبات، واستعداد كبير لبذل الغالي والنفيس، وتقديم التضحيات.

وأذكر أننا عندما عقدنا مع مجموعة من القوى الوطنية، (المؤتمر الوطني لدعم الثورة) في بروكسل في بلجيكا، بتاريخ 3 حزيران 2011، وقبيل إلقائي كلمتي في المؤتمر، وصلتني اتصالات هاتفية عديدة من سورية، وعندما رددت عليها كان على الهاتف هناك أخ صديق من سورية، يبلغني بأنني مدعوّ لزيارة سورية، والاجتماع مع رئيس الجمهورية مباشرة، للبحث في أوضاع البلد، وأنهم سينقلونني مباشرة من المطار إلى القصر الجمهوري، فأجبت مستغرباً: وهل يجتمع الرئيس مع المجرمين؟.

أنا في نظر القانون مجرمٌ، محكومٌ عليه بالإعدام، بموجب القانون رقم (49) لعام 1980، فقال لي لقد صدر قانون بالعفو منذ أيام، قلت: ولكن القانون نصّ على يعفى عن الجرائم المرتكبة قبل 30 أيار 2011، ونحن الآن في 3 من حزيران، وأنا ما زلت مصرّاً على انتمائي للجماعة، وما زلت مجرما في نظر القانون، فسألني هل تريد أن أجيبهم بأنك تشترط إلغاء هذا القانون؟. قلت: فات أوان مثل هذا الشرط، بعد أن تم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، ودُمّرت الأبنية على ساكنيها، واستشهد الآلاف من المدنيين. أطالب الآن بوقف عمليات القتل، وسحب الجيش من الشوارع، ومحاكمة المجرمين الذين قتلوا الأبرياء من المدنيين.. وعندئذ أفكّرُ في تلبية الدعوة. وقلت: لوكان بشار الأسد يريد حلاًّ حقيقياً، لوجد الطريق إليه واضحا. وانتهت المكالمة.

وخلال وجودي في القيادة، مسئولاً عن الدائرة السياسية، شاركت إخواني في إصدار وثيقة (عهد وميثاق) التي تقدمت بها الجماعة، إلى المجتمع السوري، وكلّ القوى الوطنية بتاريخ 25/3/2012.

وعندما بدأت مشاورات تشكيل (الإئتلاف الوطني للثورة وقوى المعارضة) في عام 2012، دعيت للمشاركة في هذه المشاورات، كشخصية وطنية مستقلة، وبعد تشاور وحوار، مع المراقب العام والإخوة في القيادة، شاركت في تأسيس هذا الائتلاف، بتاريخ 4/11/2012، وكنت عضواً في الهيئة السياسية فيه. لكن بعد أقلّ من سنتين، شعرت بعدم الجدوى من الاستمرار في هذا الائتلاف، للأسباب التي أشرت إليها في كتاب الاستقالة التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة الكرام في الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فقد كنت حريصاً منذ أن شاركت في تأسيس الائتلاف الوطني، أن يبقى هذا الائتلافُ معبّراً عن الثورة السورية ومبادئها، ساعياً إلى تحقيق أهدافها، بعيداً عن الرؤى الشخصية، والصراعات الفئوية، والأجندات الحزبية، والتدخّلات الخارجية.. وكنت أحاولُ أن أؤدّيَ دوري في خدمة الثورة ومبادئها وأهدافها، متعاوناً مع نخبة وطنية طيبة، ما زلت أحمل لها كلّ عرفان وتقدير.

لا أخفي أنني كنتُ في بداية الثورة، مشفقاً على الثورة والثوار، ومتحفّظاً في حديثي عنها أمام وسائل الإعلام، لأنني كنت أدركُ مدى بطش النظام، واستعدادَه لتدمير سورية فوق رؤوس أبنائها، في سبيل بقائه متسلطاً على رقابهمورغم أن الائتلافَ خلالَ مسيرته، والمحطّات التي مرّ بها، تعرّض  لمحاولاتٍ كثيرة لحرفه عن مهامّه الأساسية، في تمثيل الثورة وخدمة مشروعها، كما تعرّض لضغوطٍ كثيرة حاول من خلالها البعضُ أن يمليَ عليه إراداتٍ  خارجية، لحرفه عن خطه الوطني الثوريّ.. إلاّ أني كنت  أشعرُ أنه بالتعاون مع النخبة الطيبة من منتسبيه، يمكننا أن نشكلَ سدّا في وجه تلك المحاولات، وهذا ما كان يدفعني إلى المثابرة والمواظبة، حرصاً على متابعة العمل لخدمة الثورة من خلال موقع انتُدِبتُ له، على أمل أن يتعاون كلّ المخلصين والشرفاء، على إعادته إلى مساره الوطنيّ الذي أراده له مؤسّسوه.

إلا أنه في الآونة الأخيرة، بدأت أشعرُ أن الطوفانَ أصبح أقوى من السدّ، وأن النزعة الشخصية والقرارات الفردية غير المدروسة، بدأت تطغى، بعيداً عن روح ثورتنا وتطلّعات شعبنا، وأصبحنا في كلّ يوم نفاجَأ بموقف، أو نسمع تصريحاً، ثم لا يلبثُ أن يتمّ سحبه أو تصحيحه أو التنصّل منه.

ولقد فوجئت ـ كما فوجئ كثيرٌ غيري ـ بأن الائتلاف ممثّلاً برئيسه، يوجّه رسالة تهنئة للثورة المضادّة في مصر الشقيقة، ويبارك للانقلابيّين نجاحَهم في الانقضاض على ثورة الشعب المصريّ، التي كانت إحدى الثورات الملهمة لثورة الشعب السوري.

هذه التهنئة لا تختلف كثيراً ـ في نظري ـ عن تهنئة المجرم بشار الأسد بفوزه المزعوم في انتخابات الدم المزيّفة في سورية، وتُخرج الائتلافَ عن نهجه الثوريّ الوطني الذي اختطّه له المؤسّسون.

إن استشعاري لثقل الأمانة، وجسامة المسئولية أمام الله أولاً، ثم أمام شعبنا في سورية الجريحة ثانياً، يضطرني إلى تقديم استقالتي من الائتلاف الوطني، الذي لم يعد ـ في رأيي ـ يعبّر عن آمال شعبنا وتطلّعاته في تحقيق أهداف ثورته المجيدة.

متمنّياً لكم جميعاً الخير والتوفيق لما فيه خير شعبنا وأمتنا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لندن في العاشر من حزيران 2014    علي صدر الدين البيانوني

وفي عام 2014 أعاد إخواني في مجلس الشورى، انتخابي رئيسا للمجلس، واستمررت في هذا الموقع إلى حين انتهاء دورة المجلس في عام 2018 . وكنت خلال هذه السنوات أسعى إلى تفعيل دور مجلس الشورى، من خلال تفعيل مكتب المجلس.

وما زلت أعيش هموم الجماعة والشعب السوري، وأبذل جهدي وطاقتي في تقديم المشورة والعون والمساندة،. وأشارك في كل ما أدعى إليه من جهود إيجابية وبناءة.

وأخيراً.. إن كان لي أن أختم هذه الترجمة الموجزة، فإنني أتوجه إلى أبناء شعبنا السوريّ الحر الأبي؛ بأن ثورة أهلنا في سورية، كانت ثورة الضرورة، وأننا جميعاً لم نخرجْ أشَرا ولا بطرا، وأننا لا نريد علوّاً في الأرض ولا فسادا. وأنّ وطنية الثورة لا تتعارضُ مع إسلاميتها، كما أن إسلامية الثورة لا تتعارض مع وطنيتها.. وأريد أن أؤكّدَ أن التوحّد والتوافق، لا يعني التطابق في كل شيء، فالهمّ الكبيرُ يجمعُنا، والهدفُ الكبيرُ يوحّدنا، ودولة العدل والحرية والمساواة ينبغي أن تظلّلنا..

لقد كشفت هذه الثورة المباركة، أهمية أرض الشام، وشعب الشام، وحجم المؤامرة الدولية على الشام؛ وانكشافُ كلّ هذا لا ينبغي أن يورثنا ضعفاً ولا يأساً ولا قنوطاً، بل يجب أن يزيدنا أملاً وعملاً وتوكّلاً على الله وإعداداً وإحكاماً، وثقةً بوعد الله لعباده الصالحين.

أسأل الله الرحمة لشهدائنا الأبرار، والفرج للأسرى، والمعتقلين، والمفقودين، والنازحين والمهجّرين، والشفاء للجرحى والمصابين، وأسأل الله أن يعينيهم ويحفظهم ويرعاهم. وأدعو السوريين كلّ السوريين، للتعاون والتكافل والتناصر، ومساعدة الضعيف وحمل الكلّ من الثكالى والأرامل واليتامى والمساكين.. وأدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا بجميل وعده (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)

20 ـ  وفي الختام:

 وفي ختام هذه الترجمة الموجزة، التي سطّرتها بناء على رغبة بعض الإخوة الكرام، أسجّل اعتزازي بجماعة الإخوان المسلمين، التي انتسبت إليها، بتشجيعٍ من والدي رحمه الله، ونشأت في ظلالها، منذ نعومة أظفاري، وعشت فيها مع إخوة أحبة كرام، أكثر من خمسة وستين عاماً، هي معظم سنوات عمري التي تجاوزت الثمانين.. وشهدتُ إنجازاتها ونجاحاتها، كما شهدتُ تعثّراتها وإخفاقاتها، وعاصرتُ مِحَنَها وابتلاءاتها.. فلم يزدني ذلك إلاّ اقتناعاً بسلامة منهجها وصحة طريقها، وثباتاً على نهجها ومبادئها، وحباً بقادتها وأبنائها، الذين أحببتهم في الله، وأحبّوني، وأسأل الله عز وجل أن يثبّتني وإياهم على الحق، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا. وأن يجمعنا في مستقرّ رحمته، تحت ظلّ عرشه، يومَ لا ظلّ إلاّ ظلّه. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

أبو أنس علي صدر الدين البيانوني


إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ "عربي21".. هذه بدايتي

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي تفاصيل تجربته في سجون الأسد

إقرأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي شهادته.. من سجون الأسد إلى مفاوضات الطليعة

إقأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي كواليس توحيد اخوان سورية ومعركة حماة الكبرى

إقرأ أيضا: البيانوني: هذا ما جرى حين جلس "الإخوان" وجهاً لوجه مع مخابرات الأسد

إقرأ أيضا: البيانوني يروي لـ"عربي21" شهادة مرحلة مفصلية في تاريخ الإخوان بسوريا

مقالات مشابهة

  • صمت حزب الله: العقلانيّة أولًا والضاحية مرّت من هنا
  • حزب الله أمام اختبار تجنيبه لبنانَ المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية
  • قافلة “الكرامة” تنطلق من لبنان إلى رفح لكسر الحصار عن غزة
  • لماذا لم تٌقحم إيران حزب الله في الحرب مع إسرائيل؟
  • كلام إسرائيليّ عن حزب الله.. هل سيدخل الحرب؟
  • مطر: أي رد لحزب الله على الهجوم الإسرائيلي على إيران هو إنتحار له
  • لبنان ينأى بنفسه عن الحرب وتواصل بين الجيش وحزب الله
  • من نوفمبر لأبريل.. نتنياهو يكشف كواليس التخطيط الإسرائيلي لقصف إيران
  • الصّدي: الوصول لمياه آمنة ومستدامة حق مكتسب للإنسان
  • البيانوني ينهي شهادته لـ عربي21 حول تاريخ سورية والتحول الديمقراطي