الاقتصاد السوري وآفاق التعاون العربي
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية، أصبح من الضروري فهم العلاقة الاستراتيجية بين سوريا والدول العربية في إطار أكثر تكاملاً. فلا يكفي أن ننظر إلى سوريا باعتبارها دولة تعاني من الأزمات، بل يجب أن نتناولها كجزء لا يتجزأ من الكيان العربي، وندرك أن استقرارها الاقتصادي والسياسي يشكل ركيزة ضرورية لاستقرار المنطقة برمتها.
ولطالما شكّلت العلاقات بين سوريا ودول الجوار العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، نموذجاً للشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين التاريخ المشترك والمصالح الاقتصادية الحيوية. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تطوير هذه الشراكة على نحو يُسهّل انتقالها من مرحلة التعاون التقليدي إلى مستوى أكثر عمقاً يعتمد على الاستثمارات طويلة الأمد. ورغم أن المبادرات الوطنية مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الإمارات 2071 تهدف إلى تحقيق تحولات اقتصادية كبرى، إلا أن استراتيجياتها يمكن أن تتسع لتشمل دعم إعادة الإعمار الاقتصادي في سوريا، من خلال مشاريع مشتركة تخدم مصالح كافة الأطراف. إن نموذج التعاون الاقتصادي العربي - إذا ما تم تبنيه بجدية - قادر على تحويل المشهد الاقتصادي لسوريا من الاعتماد على الدعم الخارجي إلى بناء اقتصاد مُنتج، يساهم في تقليص الفجوة الاقتصادية في المنطقة.
وتعد قضية التضخم في سوريا من أكثر التحديات إلحاحاً، حيث أدت الصراعات المستمرة والفساد واحتلال بعض أراضيها التي تحتوي على موارد زراعية ونفطية إلى ارتفاع معدلات التضخم، وتدهور قيمة العملة المحلية، وأثر سلباً على قدرة المواطنين على تحمل الأعباء المعيشية.
تشير التقارير إلى أن معدل التضخم في سوريا قد وصل إلى أرقام غير مسبوقة وليعكس عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد. فقد بلغ التضخم في أبريل 2024 120.4%، مع تضخم شهري بنسبة 7.6%.. وبحسب تقرير البنك الدولي في مايو 2024، بلغ معدل الفقر في سوريا 69% من السكان في عام 2022، مع وصول معدل الفقر المدقع إلى 27%.
معالجة مشكلة التضخم تتطلب استعادة السيطرة على الموارد الوطنية وإعادة توجيهها لدعم الاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى كبح جماح الفساد، والذي سيعيد بدوره الثقة للمواطن ويعزز من فرص النمو.
ورغم أن التحديات الحالية تبدو مُعقدة، إلا أن الحلول ليست بعيدة المنال. النهوض بالاقتصاد السوري يتطلب توفير بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية، وتحسين الإطار القانوني الذي ينظم الاستثمارات، ويضمن حماية الحقوق المالية للمستثمرين، ويوفر آليات واضحة وشفافة لحل النزاعات التجارية. تشير الدراسات العالمية إلى أن البيئات الاستثمارية المحفزة قادرة على اجتذاب رؤوس الأموال التي تساهم في رفع الإنتاجية وتوفير فرص عمل جديدة، والإسهام في الحد من التضخم وتحقيق استقرار اقتصادي على المدى البعيد. لا يمكن التغاضي عن أن رؤوس الأموال تسعى إلى البيئات المستقرة والمنظمة، وحينما تتحقق هذه المعايير، ستصبح سوريا قادرة على جذب الاستثمارات التي يمكن أن تساهم في إعادة بناء بنيتها التحتية وتنويع اقتصادها.
كما تقدم العديد من الدول تجارب ناجحة في تجاوز الأزمات الاقتصادية من خلال سياسات تدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتحرص على توسيع القاعدة الإنتاجية. تعد كوريا الجنوبية نموذجاً مُلهماً، حيث اعتمدت سياسات اقتصادية متكاملة شملت دعم الصناعات الناشئة، وهو ما أتاح لها التحول من اقتصاد نامٍ إلى قوة اقتصادية عالمية. إن تطبيق نموذج مشابه - بعد تكييفه مع الواقع السوري - يمكن أن يشكل أساساً لتعزيز الاقتصاد السوري، وتوفير فرص عمل للشباب، وفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة. دعم هذه الصناعات سيمثل ركيزة أساسية لإعادة بناء الاقتصاد من القاعدة الشعبية، ويمنح المواطنين فرصاً للنمو والمساهمة في بناء وطنهم.
ختاماً، يمكن القول إن الاقتصاد السوري بحاجة إلى رؤية شاملة تتخطى المعالجات المؤقتة وتركز على بناء مؤسسات قادرة على استيعاب التحديات وتحقيق التنمية. التغيير الحقيقي لن يتحقق من خلال المساعدات الخارجية وحدها، بل عبر إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، واستقطاب استثمارات تعزز من التكامل الإقليمي وتعيد لسوريا مكانتها في قلب الاقتصاد العربي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الاقتصاد السوري الاقتصاد السوری فی سوریا
إقرأ أيضاً:
تباين أداء مؤشرات الأسهم الأميركية مع استيعاب تقرير التضخم
الاقتصاد نيوز - متابعة
تباين أداء مؤشرات الأسهم الأميركية خلال تعاملات جلسة يوم الثلاثاء 13 مايو/ أيار في وول ستريت، مع استيعاب المستثمرين التقرير الصادر عن التضخم في الولايات المتحدة والذي جاء أضعف من المتوقع.
ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 0.5%، كما صعد مؤشر Nasdaq المركب بنسبة 1%. بينما تراجع مؤشر Dow Jones الصناعي 144 نقطة، أو 0.3%.
يأتي ذلك بعد إعلان ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة، وهو مقياس واسع لتكاليف السلع والخدمات في جميع أنحاء الاقتصاد الأميركي، بنسبة 2.3% على أساس سنوي في أبريل/ نيسان، وهو ما يعتبر أقل مما توقعه اقتصاديون استطلعت آراءهم داو جونز بأن يظل معدل التضخم عند 2.4% الشهر الماضي على أساس سنوي.
باستثناء الغذاء والطاقة، بلغ معدل التضخم الأساسي 2.8% سنوياً، وهو ما يتوافق مع تقديرات الاقتصاديين، ولم يتغير عن الشهر السابق.
يأتي هذا التقرير بعد أن شهدت مؤشرات وول ستريت ارتفاعاً كبيراً يوم الاثنين بعد أن اتفقت الولايات المتحدة والصين على خفض التعرفات الجمركية بينهما لمدة 90 يوماً، مما أنعش الآمال في ألا تدفع الحرب التجارية الاقتصاد الأميركي إلى الركود.
وقال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة Northlight لإدارة الأصول، كريس زاكاريلي: "وهكذا، هدأت مخاوف الأسواق المزدوجة - الركود الناجم عن التعرفات الجمركية والتضخم الثابت - بشكل كبير".
وأضاف: "لا نزال قلقين من أن التقييمات المرتفعة وتركيز السوق لا يزالان يشكلان خطراً على ارتفاع أسعار الأسهم بشكل كبير هذا العام، لكن على المدى القصير، من المتوقع أن تعجب الأسواق بهذه البيانات وتواصل الاحتفال الذي بدأته أمس (بسبب التجارة مع الصين)".
ارتفع مؤشر Dow Jones الصناعي بأكثر من 1100 نقطة، بينما صعد مؤشر S&P 500 بأكثر من 3%، مقلصاً خسائره منذ بداية العام إلى 0.6% فقط. وزاد مؤشر Nasdaq المركب بنسبة 4.4%. وسجلت المؤشرات الثلاثة أفضل أداء يومي لها منذ التاسع من أبريل/ نيسان.
بعد مفاوضات في سويسرا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة بينهما إلى 10%. وستبقى الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 20% على الواردات الصينية المتعلقة بالفنتانيل سارية، مما يعني أن إجمالي الرسوم الجمركية على الصين يبلغ 30%.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام