سودانايل:
2025-05-20@13:29:08 GMT

إعادة بناء السودان – التحديات والآفاق

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

العنوان الرابع : إعادة بناء السودان - التحديات والآفاق

د. احمد التيجاني سيد احمد

**مقدمة**
**السودان يواجه لحظة مصيرية في تاريخه، حيث انقسمت البلاد إلى مناطق سيطرة مليشيا قوات الدعم السريع (الجنجويد) في الخرطوم، وحكومة الجيش المؤدلج المدعومة من بقايا النظام السابق (فلول الكيزان) في بورتسودان. الحرب المستعرة أدت إلى نزوح داخلي لما يقارب ٩ ملايين شخص، وهجرة ٤ ملايين آخرين إلى الدول المجاورة، مخلفة وراءها مشهداً إنسانياً كارثياً وواقعاً سياسياً معقداً يهدد بتفكك الدولة.

يعتبر المشهد الأكثر فظاعة في العالم !

**هذه الحرب ليست إلا امتداداً لصراعات السلطة التي غذتها جماعات تسلطية استخدمت الدين والقبلية وانتماء عروبي عنصري كوسائل لتبرير تسلطها. اخترقت هذه الجماعات المؤسسات الوطنية وأضعفتها، ما أدى إلى خلق فراغ سياسي وأمني سمح بتدهور البلاد إلى هذا الوضع الكارثي.

**الواقع المؤلم بعد الثورة**

**منذ سقوط نظام البشير، استمرت الحركة الإسلامية (فلول الكيزان ) في استخدام العنف والقمع لزعزعة أي عملية انتقالية ديمقراطية، من خلال:
*استهداف الشباب:
قنص القيادات الشبابية وتصفية ناشطي لجان المقاومة، ما أدى إلى تراجع زخم الحراك الثوري.
*تفكيك لجان المقاومة:
استخدام العملاء والتضييق الأمني لتدمير البنى التنظيمية للحراك الشعبي.
*العنف الممنهج:
توظيف الجيش والأجهزة الأمنية لقمع المعارضين وترهيب المدنيين.
*التحالف مع المليشيات:
يعمل الكيزان على دعم مليشيات مسلحة واستخدامها كأداة لفرض نفوذهم في مناطق مختلفة
*الدعاية الإعلامية:
تضليل الرأي العام وتشويه صورة المقاومة الديمقراطية.
*إضعاف الحراك الشعبي:
الكيزان يدركون أن أي حركة شعبية منظمة قد تؤدي إلى اجتثاث نفوذهم بالكامل. لذلك، يعملون على القضاء على القيادات الشبابية التي تُلهم الناس بالثورة.
*خلق حالة من الخوف واليأس:
يسعون إلى إحباط السودانيين وزرع اليأس في قلوبهم، من خلال استمرار القمع والفوضى.
*إعادة السيطرة تدريجياً:
رغم سقوط نظامهم في ٢٠١٩ ، يعملون على استعادة السيطرة من خلال تحالفات جديدة مع قوى داخلية وخارجية.

**تحديات حكومات الأمر الواقع**

*إعلان حكومتين متوازيتين، إحداهما في الخرطوم (الجنجويد) والأخرى في بورتسودان (الكيزان)، يعجل بتفكك السودان، حيث أصبحت الدولة ساحة لصراع سلطوي بلا أفق سياسي واضح. في ظل غياب حكومة وطنية تمثل الشعب وتجمع قواه، يتحول السودان إلى نموذج مشابه للصراعات الطويلة في ليبيا واليمن.

**الحلول الممكنة**

١. بناء توافق مدني ديمقراطي:
*تشكيل تحالف واسع يضم جميع القوى المدنية الرافضة للحرب، بقيادة “تقدم” أو كيانات مماثلة.
*وضع برنامج سياسي واضح يرفض عسكرة الدولة ويضمن التحول الديمقراطي.

٢. إعلان حكومة انتقالية معترف بها دولياً.
**في حال فشل التوافق الداخلي، يمكن لـ”تقدم” أو القوى المدنية إعلان حكومة انتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، مع ضمان دعم دولي وإقليمي يتضمن حماية الاتحاد الأفريقي و البند السابع من ميثاق الامم المتحده الذي يهدف لحماية المواطنين العزل بمنع الأعمال التي تهدد السلم ووقوع العدوان.**

٣. توثيق الجرائم ومحاسبة الجناة:
*إنشاء آليات مستقلة لتوثيق الانتهاكات التي ارتكبها طرفا الصراع منذ اندلاع الحرب.
*استخدام هذه الوثائق في المحافل الدولية لمحاسبة الجناة وفرض عقوبات على المتورطين.

٤. تعزيز المقاومة السلمية:
*استعادة روح الثورة باستخدام أساليب مبتكرة مثل العصيان المدني والإضرابات الشاملة.
*دعم القيادات الشبابية في الداخل والخارج وحمايتها من التصفية.

٥. التركيز على الإعلام المستقل:
*توجيه الجهود لدعم إعلام مستقل يفضح ممارسات الأطراف المتصارعة ويعيد توحيد السودانيين حول مشروع وطني جامع.

٦. إعادة السودان إلى أجندة المجتمع الدولي:
*الضغط على الدول الكبرى والمنظمات الدولية لدعم الحل السياسي في السودان بدلاً من تأجيج الصراع.

**التحديات الدولية والإقليمية**

*تشابك المصالح: القوى الإقليمية والدولية تنظر إلى السودان من زاوية مصالحها الخاصة، مثل الموارد الطبيعية والموانئ.
*الأزمات العالمية: انشغال العالم بأزمات كبرى مثل الحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، أدى إلى تراجع اهتمامه بالسودان.
*انعدام رؤية موحدة: غياب قيادة سودانية موحدة يعقد الجهود الدولية لحل الأزمة.

**خلاصة: خارطة الطريق نحو المستقبل**

**إعادة بناء السودان تتطلب جهوداً موحدة من القوى المدنية والشبابية (باستثناء حزبي الحركة الإسلامية الموتمر المحلول والشعبي و تنظيماتها الشبابية والمهنية) لاستعادة مشروع الدولة الديمقراطية. رغم التحديات، يمكن للسودانيين استعادة مكانة بلادهم إذا نجحوا في تجاوز الانقسامات الداخلية وتوحيد رؤيتهم لمستقبل مشترك.

**السودان بحاجة إلى إرادة جماعية ورؤية موحدة و استراتيجية مدروسة و تحركات متكاملة تنقذه من المصير المظلم، وتعزز أمل السودانيين في وطن آمن وديمقراطي**

**رسالة للشباب السوداني:
الشعب السوداني أظهر شجاعة تاريخية في مواجهة الديكتاتورية والعنف. استهداف قادة الحراك لن يُطفئ روح المقاومة، بل يجعل النضال أكثر إلحاحًا. السودان بحاجة إلى شبابه أكثر من أي وقت مضى، والنصر سيكون حليفهم إذا توحدوا في مواجهة الظلم

نواصل
د. احمد التيجاني سيد احمد
٢ ديسمبر ٢٠٢٤ عنتيبي كمبالا

 

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الحرب على غزة كنقطة تحول تاريخية

عبر التاريخ، ثمة أحداث تُسجل نهاية حقبة تاريخية وحضارية وبداية أخرى، بحيث تشكل ذروة قوة دولة أو إمبراطورية ما أو قمة ضعف أخرى. وطالما كانت الحروب هي الأبرز على هذا الصعيد، مثل معركة واترلو التي تعدُّ نهاية إمبراطورية نابليون، أو معركة لينيغراد وفشل حصارها الذي كان أحد أهم منعطفات الحرب العالمية الثانية، وفتح القسطنطينية الذي شكّل نهاية دورة حضارية وانبلاج أخرى، وفشل السلطان سليمان القانوني في فتح النمسا الذي ينظر له المؤرخون كذروة قوة الدولة العثمانية وبداية تقهقرها.

ولا تكتفي هذه الأحداث أو الحروب بأن تكون منعطفات تاريخية وحضارية، ولكنها كذلك كاشفة لمجمل الأوضاع التي عايشتها على طرفَيْ المعركة. وحرب الإبادة التي شُنت على قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" ليست استثناء في هذا السياق، مهما كانت النتائج المباشرة والظاهرة لها على المدى القصير. فهي نقطة تحول عميقة في مسار الصراع مع "إسرائيل"، وكاشفة للأوضاع السائدة، وستحدد على المدى البعيد مصير كل من دولة الاحتلال والمقاومة (والقضية) الفلسطينية والعالم العربي والإسلامي ككل.

إن جزءا أساسيا من أسباب الدموية والوحشية التي تجاوزت كل حدود المنطق والمكاسب العسكرية في هذه الحرب يعود لمحاولة الاحتلال محو صورة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والسعي لبناء الردع مرة أخرى باستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، والحصول على دعم غير مسبوق وغير محدود
بالنسبة لـ"إسرائيل"، فقد انهارت الأركان الرئيسة لاستراتيجيتها الأمنية المعتمدة منذ تأسيسها، من الردع للحرب على أرض العدو، ومن الإنذار المبكر للحسم السريع، وباتت في حاجة ماسة لاستراتيجية بديلة بعد أن أثبتت المقاومة الفلسطينية محدودةُ الموارد وعناصر القوة؛ بأنها ليست قابلة للحرب فقط وإنما للهزيمة كذلك. وبالنسبة لدولة الاحتلال التي طالما ردد منظّروها بأن أول هزيمة قد تتعرض لها ستكون بداية النهاية أو النهاية نفسها، فقد دقت كل نواقيس الخطر، بعد أن شهدت على ما سبق مختلفُ الأطراف والقوى في المنطقة والعالم، الصديقة لدولة الاحتلال قبل أعدائها.

ولذلك فإن جزءا أساسيا من أسباب الدموية والوحشية التي تجاوزت كل حدود المنطق والمكاسب العسكرية في هذه الحرب يعود لمحاولة الاحتلال محو صورة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والسعي لبناء الردع مرة أخرى باستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، والحصول على دعم غير مسبوق وغير محدود من الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

كما أن الحرب ستحدد مصير المقاومة الفلسطينية ومعها القضية برمتها، إذ ثمة تلازم كبير بينهما، فبالنظر للسياقات والتغييرات التي طرأت على الحركة الوطنية الفلسطينية في العقود الأخيرة وطبيعة الحرب الحالية، لا يمكن تصفية القضية والمقاومة قائمة، ولا يمكن الحفاظ عليها إن هُزمت الأخيرة.

بعد هذه الحرب، إما أن يُقضى على المقاومة الفلسطينية وتحديدا في قطاع غزة وفق ما تسعى له دولة الاحتلال، وتنتهي بالتالي القضية الفلسطينية كما عرفناها وعرفها العالم منذ القرن الماضي، ويُفتح الباب على إمكانية تصفيتها تماما، وإما أن تخرج واقفة على قدميها رغم التضحيات غير المسبوقة منها ومن الشعب، لنكون جميعا أمام مرحلة جديدة ومتقدمة في الصراع، بغض النظر عن الشكل والأسماء.

وهذه الحقيقة تدركها "إسرائيل" وحلفاؤها، ويثير جنونهم استمرار المقاومة بأشكال مختلفة رغم استخدام كل أدوات القتل والنسف والتدمير على مدى أكثر من عام ونصف، وعدم اقتراب المقاومة من مجرد التفكير برفع راية الاستسلام، ولذلك نرى الوحشية والهمجية في استهداف المدنيين بشكل ممنهج للضغط من خلالهم على المقاومة.

كما أن الحرب كاشفة ومؤثرة في السياق العربي والإسلامي وعلى مستوى المنطقة، خصوصا في الفشل والعجز والتواطؤ الرسمي (باختلاف الدول والمواقف) إزاء الإبادة والحصار والتجويع والتهجير، وهو ما تسجله ذاكرة الشعوب. وكما كانت الحروب السابقة على غزة في علاقة تأثر وتأثير مع الواقع العربي والإقليمي، وخصوصا حرب 2008 التي كانت من ضمن عوامل انفجار الاحتجاجات العربية عام 2010، فإن المواقف الرسمية من حرب الإبادة الحالية ستكون ضمن عوامل التغيير في أكثر من بلد على المدى البعيد.

هذه الحرب ومخرجاتها ستحدد شكل المنطقة برمتها، وليس فقط غزة أو القضية الفلسطينية، لعقود قادمة وربما أطول من ذلك، وستكون إعلانا إما لنهاية العالم العربي والإسلامي كما عرفناه وإما بداية حضارية جديدة له،
على المستوى الإقليمي، ثمة سعي أمريكي- "إسرائيلي" محموم لتغيير المنطقة وإعادة تشكيلها وفق معادلات جديدة، فيتكرر الحديث عن السلام والتطبيع والتعاون مع "إسرائيل" رغم استمرار حرب الإبادة. ما يُسعى له هو مشروع "ناتو شرق أوسطي" كان قد طرحه ترامب سابقا، ولكن بمعادلات جديدة هذه المرة تستهدف إخضاع الجميع للقيادة والرغبات والأهداف "الإسرائيلية". إن المتغير الجذري في الاستراتيجية الأمنية لدولة الاحتلال، ومن ضمنها الحرب الاستباقية وضرب التهديدات المستقبلية المحتملة من الآن في مهدها وإنشاء مناطق عازلة داخل دول الجوار، كلها سياقات تدعم فكرة إعادة رسم الخرائط والمعادلات في المنطقة، والتي لن يكون أحد بمنأى عنها حتى من لا يناصبونها العداء والكراهية حاليا.

الأهم من كل ما سبق، أن الإبادة الحالية لم تكن لتحصل فضلا عن أن تستمر حتى الآن لولا الحضيض الذي وصلته الأوضاع في العالم العربي والإسلامي على المستوى الرسمي تحديدا، من أنظمة استبدادية، وتمزق ونزاعات داخلية، وتجريف للقوى الحية، وهرولة نحو التطبيع، والجسور البرية والبحرية لدولة الاحتلال، وإمدادها بمصادر الطاقة، والتعاون الأمني والعسكري معها؛ من مناورات مشتركة واستضافة لتدريبات جيشها.. الخ، كل ذلك وآلة القتل مستمرة في حصد الأرواح بلا حساب في غزة.

هذه الحرب ومخرجاتها ستحدد شكل المنطقة برمتها، وليس فقط غزة أو القضية الفلسطينية، لعقود قادمة وربما أطول من ذلك، وستكون إعلانا إما لنهاية العالم العربي والإسلامي كما عرفناه وإما بداية حضارية جديدة له، وكثير من الأطراف ذات العلاقة تدرك ذلك وتعيه جيدا، بينما ما زالت بعض النخب والكثير من الشعوب بعيدة عن هذا الإدراك، فضلا عن الفعل.

x.com/saidelhaj

مقالات مشابهة

  • الزراعة: توطين صناعة المبيدات ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية
  • بريطانيا تعيد بناء علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي
  • الحرب على غزة كنقطة تحول تاريخية
  • فصل الجيش عن الحزب والحركة
  • قمة مصرية لبنانية.. الرئيسان السيسي وعون يبحثان التعاون الاقتصادي ودعم لبنان في مواجهة التحديات الإقليمية
  • معركة الوعي: كيف يحاول الكيزان إعادة التاريخ
  • “حماس”: بناء العدو الصهيوني جدار أمني عند الحدود مع الأردن لن يحميه من جرائمه
  • كيفية إنقاذ البرهان من قبضة الكيزان
  • القبائل اليمنية: صوتُ المقاومة وصمودُ السيادة في مواجهة التحديات الخارجية
  • بناء القدرات الوطنية لمكافحة الوبائيات .. تحويل التحديات إلى فرص للتطوير