أعلنت ميليشيا الدعم السريع – بشكلٍ دراماتيكي – عن تكوين ما أسمتها ب “الإدارة المدنية” في ولاية الخرطوم، وقد ظهر في حفل التكوين، دون تحديد الزمان ولا المكان، مجموعة من الشخصيات، غير المألوفة، تحت لافتة مجلس التأسيس المدني، ثم ظهر في الخلفية المصقولة للمنصة شاب في مقتبل العمر، يرتدي ربطة عنق حمراء، هو عبد اللطيف عبد الله الحسن، الذي قيل أنه تم انتخابه – تحت حراسة بنادق قوات التمرد – ليصبح رئيساً للإدارة المدنية بولاية الخرطوم، وقد ظهر أيضاً على يمينه وشماله إثنان من الضباط الإداريين ممن تمردوا على الدولة.

مدنية الجنجويد
فيما كان لافتاً أصوات التصفيق، في قاعة تبدو ضيقة، أو ربما أًعدت على عجل في منطقة تحلق فوقها المسيّرات، إذ أن الحضور، الذين ظهروا في تلك القاعة، كان بعضهم يخفي ملامحه بكمامة، دون أن يتضح هل تلك الكمامة لأسباب صحية، أم بقصد التنكُّر !!

الخبر المصاحب لتكوين “الإدارة المدنية”، والذي تم الترويج له على منصات المليشيا، تحدث عن ممثلين من الشباب والمرأة والإدارة الأهلية، شهدوا تلك الجلسة الإجرائية، بقيادة نايل بابكر المك ناصر رئيس “مجلس التأسيس المدني”، والذي انتخب بدوره عبد اللطيف الأمين، لكن ما أفسد المسحة الديمقراطية التي حاول أن يظهرها ذلك الحشد المصنوع ظهور ممثل الدعم السريع، (العقيد خلا) حسن الترابي، ليؤكد في كلمته أمام الحضور أنهم يقفون وراء تلك الإدارة لتكون بديلاً لحكومة بورتسودان، حد تعبيره !!

لم يقدم رئيس الإدارة المدنية أي تفسيرات لظهور قائد الجنجويد بمنطقة وسط الخرطوم إلى جانبه، دون حتى أن يخلع بزته العسكرية، أو يتوقف عن إصدار الأوامر لهم، وقد ذهب عبد اللطيف لتأكيد رفضهم لما قال إنه “قصف الأسواق والمستشفيات ودور العبادة من قبل الطيران”، لكنه بالمقابل لم يطالب قوات التمرد بوقف قصف الأحياء السكنية ولا بالخروج من بيوت المواطنين والأعيان المدنية.

أين بقال؟
وقد تعامل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر تكوين الإدارة المدنية لولاية الخرطوم، بطريقة ساخرة، حيث تساءل البعض عن مصير (إبراهيم بقال) الذي سبق وأن أطلق على نفسه صفة والي ولاية الخرطوم، فهل تم عزله أم قاطع الفعالية لعدم اعترافه بها؟ بينما أبدى البعض استغرابه من الحديث عن الحياة المدنية في منطقة تتعرض للدمار والنهب من قبل الدعم السريع.
وكتب سالم الأمين قائلاً: “لقد رأينا حكمكم المدني في سنار وفي ود النورة والهلالية، ورأيناه أيضاً في دارفور”.

سليمان صندل، القيادي المنشق عن حركة العدل والمساوة، أعلن مباركته لتلك الإدارة، وقال في تدوينة على صفحته بالفيسبوك ومنصة إكس “إن السودان موعود بعهد جديد، وسلطة جديدة تعمل من أجل الشعب، وحقه في الحياة الكريمة”، وقد توالت الردود الساخرة على منشور صندل، ما بين الهجوم والاستهزاء بكلامه،
وكتب الصحفي وجدي الكردي رداً على صندل حيث وصفه بالطمبوري الإماراتي المثقوب، قائلاً : “ماذا سينوب الشعب من إدارة الجنجويد؟” لافتاً إلى أن صندل ورفاقه عبارة عن واجهات مفضوحة تطل على شوارع الرأي العام، استأجرها الكفيل ليضع ما يريده على ألسنتهم ومتعلقاتهم وأدراج منصاتهم التي لا يعلمون عنها شيئاً، حد وصف الكردي.

حكومة بلا مواطنين
أكثر ما كان لافتاً اعتبار مجلس التأسيس المدني بأنه هو الجهاز التشريعي الذي سوف يصدر التشريعات ويراقب أداء الجهاز التنفيذي الذي يقوده رئيس الإدارة المدنية، في وقت تبدو مدينة الخرطوم شبه خالية من السكان، بينما يتمدد الجيش في أم درمان وبحري، كما أن المؤسسات الحكومية محتلة بالكامل من قبل الدعم السريع، بما فيها المجلس التشريعي ومباني حكومة ولاية الخرطوم، وقد حولتها المليشيا إلى ثُكنات عسكرية، بل كيف سوف يتمكنوا من فتح المدارس والجامعات والبنوك، ودعوة المواطنين للعودة إلى المناطق التي هربوا منها؟ والاستفهام الآخر الذي يحاصر تلك الإدارة هل بمقدرها إعادة الممتلكات المنهوبة ومكافحة الجرائم التي تقوم بها قوات الميليشيا في مناطق جنوب الخرطوم وشرق النيل، التي ينتمي إليها رئيس الإدارة المدنية عبد اللطيف الأمين؟

إدارة المجازر
في يناير 2024 وقعت تنسيقية تقدم وميليشيا الدعم السريع إعلان أديس أبابا، والذي التزمت فيه قوات التمرد بحماية المدنيين، وفتح ﻣﻤﺮات آﻣﻨﺔ ﻟﻮﺻﻮل اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴاﻧﯿﺔ، وﺗهيئة اﻷﺟﻮاء ﻟﻌﻮدة اﻟﻤﻮاطﻨﯿﻦ إلى بيوتهم، وتم بموجب ذلك الإعلان تكوين الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة، وتسمية كادر حزب الأمة القومي صديق عثمان، الشهير بـ(صديق موية) رئيساً لها، وعقب ذلك الإعلان ارتكبت الميليشيا مجزرة ود النورة، التي راح ضحيتها ما لا يقل من (200) من المواطنين الأبرياء، ثم قامت أيضاً تلك القوات بالهجوم على قرية السريحة وأزرق، وأزهقت مئات الأرواح، وكذلك حاصرت مدينة الهلالية وتسببت في مقتل نحو (600) مواطن، دون أن تتقدم الإدارة المدنية في الجزيرة باستقالتها، أو تنفض تنسيقية تقدم يدها من ذلك الإعلان المكتوب بمداد من الدم السوداني.

الراجح أن فكرة الإدارة المدنية نبعت من الخطة (ب) التي أعلن عنها حميدتي في آخر خطاب له، إذ بدأت تتشكل ملامحها في بعض ولايات دارفور، وهى تحاول شرعنة الاحتلال الذي تقوم به قوات الميليشيا لمنازل المواطنين في ولايتي الخرطوم والجزيرة، حيث وصل بها الأمر إلى توطين مكونات مجتمعية في تلك المناطق، والهدف الأخر، وفقاً لبعض الأراء، هو توفير واجهات لتجنيد الشباب من حواضن مكونات الإدارة المدنية للقتال في صفوف الميليشيا، فضلًا على محاولة نزع الشرعية عن القوات المسلحة السودانية، والايحاء بوجود سلطة موازية لها، مع تجاهل حقيقة أن العالم يعترف بمجلس السيادة، ويتعامل مع الحكومة الحالية.

حكومة موازية بلا أرض
يبدو أن القوى التي تحرك الدعم السريع من الخارج وكانت تتحين الفرصة المواتية للإعلان عن حكومة موازية شعرت بأن المناطق التي احتلتها تلك الميليشيا بدأت تتقلص، وذلك نظراً للانتصارات التي حققتها القوات المسلحة مؤخراً في العديد من الولايات، والأمر الأخر، هو أن المواطنين يفرون من أماكن تواجد الدعم السريع، والإدارة المدنية التي انسلت من تحت (كدموله)، إلى مناطق سيطرة الجيش، ولا يعودون إلا بعد تحرير مناطقهم، كما حدث في سنجة والدندر، وقبلها في أم درمان، فكيف سوف تتعامل تلك الإدارة مع ذلك المأزق؟

المحقق – عزمي عبد الرازق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الإدارة المدنیة ولایة الخرطوم الدعم السریع تلک الإدارة عبد اللطیف

إقرأ أيضاً:

ماذا تعني تلميحات مناوي بإمكانية تواصله مع الدعم السريع؟

الخرطوم- أثارت تصريحات حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي التي ألمح فيها إلى إمكانية التواصل مع قوات الدعم السريع تساؤلات على المستوى السياسي والشعبي.

وقال مناوي في ختام اجتماع اللجنة السياسية للكتلة الديمقراطية "سنظل في تواصل مع المجتمع الدولي، والقوى السياسية، حتى الدعم السريع إذا وجدنا له رؤية معقولة".

ودفع هذا الموقف المراقبين والمحللين إلى البحث عن خلفياته وتداعياته، وتحدثت الجزيرة نت إلى عدد من المحللين لتستطلع آراءهم بشأن تصريحات مناوي الجديدة.

مناوي (يمين) أكد في ختام اجتماع اللجنة السياسية للكتلة الديمقراطية انفتاحه على الحوار مع الدعم السريع (الجزيرة)دعوة مشروطة

يشغل مناوي منصب حاكم إقليم دارفور المكون من 5 ولايات منذ العام 2021 بعد توقيع اتفاق سلام جوبا، وهو قائد حركة جيش تحرير السودان، التي تقاتل بجانب القوات المسلحة السودانية في حربه الحالية، وهو رئيس اللجنة السياسية بتحالف الكتلة الديقراطية.

ويرى المحلل السياسي أحمد موسى عمر أن تصريحات مناوي لا تبتعد كثيرا عن رؤية الحكومة في التزامها بترك باب الحلول مفتوحا، في حال التزامه بمخرجات اتفاق جدة لإحلال السلام في السودان، الذي وقّعت عليه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والسودان في 20 مايو/أيار 2023، مع ممثلين للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

وقال في تصريحات للجزيرة نت إن السياق الذي خرج فيه تصريح مناوي هو رؤية للقطاع السياسي للكتلة الديمقراطية وليس رؤية فردية للقائد أو رؤية جماعية لحركته ولا تمثل الدولة.

وأكد أن الحوار مع الدعم السريع لن يكون مُلزما للحكومة السودانية "فهو وإن تم؛ قبل مرحلة الحوار الحكومي، يُهيَأ له باتفاق حول رؤية مقبولة ومعقولة يمكن أن تلعب فيها الكتلة دور الوسيط بين الجيش والدعم السريع؛ بمعنى أن يكون حوارا إجرائيا أكثر من أن يكون حوارا يؤدي لحلول".

إعلان

ويوضح موسى أن الحوار مع الدعم السريع مربوط بتقديمه "رؤية معقولة" لوقف الحرب، وهي دعوة للحوار تنتظر مبادرة الدعم السريع بتقديم ما يمكن أن يكون معقولا، ويشير إلى أن قبول الدعم السريع هذه الدعوة يعتبر فتح باب حوار يؤسس لتسوية سياسية.

وقال إن مناوي ربط جدية الحوار بأن يناقش موقف الحرب؛ "وفي هذا الأمر الكلمة الأخيرة للجيش السوداني، الأمر الذي يضع الكتلة الديمقراطية في موضع الوسيط".

ويوضح أن الكتلة الديمقراطية لديها التزام بتهدئة الأوضاع وفتح المسارات الإنسانية في دارفور، ولتحقيق هذا الأمر تُقدم "دعوة مشروطة للدعم السريع لتقديم رؤية معقولة تصلح لعرضها على الأجهزة الرسمية، "كما أن الأمر لا يخلو من حسابات إقليمية ودولية خاصة حسب قوله".

فواعل دولية

وتشكل مدينة الفاشر أهمية إستراتيجية بالغة الأهمية للجيش السوداني؛ إذ فيها آخر معاقل الجيش في دارفور، كما أنها تشكل مقر قيادة القوات المشتركة، وتمثل خط الدفاع الأول عن مدينة الأبيض، كما يعني سقوطها سيطرة الدعم السريع على كامل ولايات دارفور.

من جهته، يقرأ مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والإستراتيجية، المحلل السياسي حسن شايب تصريح مناوي بأنه ليس موضوعيا ولا منهجيا في طرح قضية لم يناقشها هو في مجلسي السيادة والوزراء "بصفته أحد شركاء الحكم الآن".

ويرى شايب في تصريح خاص للجزيرة نت أن مناوي لم يفصح عن الكثير فيما يتعلق بمثل هذه التصريحات، وتساءل عن سبب عدم طرح هذا الأمر أمام مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وطرحه للشارع السوداني.

وقال إن مثل هذه التصريحات تمثل نوعا من الممارسة السياسية غير الراشدة، وإن أية تسوية سياسية شاملة داخل السودان لا بد أن يكون فيها مركز صنع القرار، ولا يمكن لمناوي أن يقوم بها وحده.

وأضاف أن أي تسوية سياسية "لا تؤدي إلى خروج هذه المليشيا من المشهد السياسي والعسكري لا يمكن تسميتها تسوية، لأن ما أحدثه الدعم السريع لم يترك خط رجعة للخلف، ولم يترك مساحة لقبوله في المشهد السياسي من قبل الشعب السوداني"، ويرى أن الحديث عن أي تسوية سياسية في الوقت الراهن ربما يكون نتيجة ضغوط خارجية كبيرة، مشيرا إلى إلغاء اجتماع الرباعية.

وتابع أن الفواعل الدولية والإقليمية موجودة في السودان ولديها تأثير كبير في هذا الملف، كما أن صراع المحاور، يمكن أن يشكل ضغطا مع استخدام سياسة العصا والجزرة، مؤكدا أن مسار الحرب في دارفور والتعامل مع الأوضاع الإنسانية هناك يحتاج إلى رؤية ثاقبة، وأنه يجب أن يكون لدى الدولة السودانية رؤية واضحة لفك الحصار عن الفاشر سواء كان ذلك من خلال الرؤية العسكرية أو السياسية.

مرونة أم انعدام تأثير؟

ويصف المحلل السياسي وليد النور، مناوي بأنه "أكثر شخصية سياسية مثيرة للجدل" وأنه "أكثر شخصية تجيد التصريح والتصريح المناقض له في الموقف وفي الاتجاه".

وقال إن تصريحاته الأخير تُعد كسابقاتها؛ وهي لن تؤثر ولن تفتح بابا أمام التسوية السياسية في السودان، لأن التسوية السياسية تحتاج إلى إرادة حقيقية "وليست مزايدات"، ولن تحدث الكثير من الإيجابية.

ولا يتوقع النور أن تتأثر مجريات الحرب بمثل تلك التصريحات؛ فهي تتأثر فقط بمجريات الطبيعة والإرادة السياسية الحقيقية وبالضغط الدولي على الأطراف المتحاربة.

إعلان

أما رئيس تحرير موقع "قلب أفريقيا" الإخباري لؤي عبد الرحمن، فيقول إن في تصريحات مناوي الأخيرة "مرونة سياسية" لا توجد في غالبية السياسيين السودانيين؛ كونهم يتمسكون بمواقفهم، وإن مناوي حاول من خلال تصريحاته أن يرسل رسالة بأنه مرن، وأنه حمل البندقية ليس غاية وإنما وسيلة لواقع أفضل سواء كان لدارفور أو للسودان.

واستبعد أن تمثل هذه التصريحات تغييرا في مواقفه السابقة، ووصف تلك التصريحات بأنها "بادرة طيبة باتجاه السلام، وضوء أخضر للحكومة السودانية للمضي قدما في التفاوض مع مليشيا الدعم السريع".

ورجح لؤي في تصريح خاص للجزيرة نت، أن تزيل مثل هذه الخطوة الحرج عن كثير ممّن كانوا يترددون في طرح مثل هذه المواقف التي تدعو للسلام والحوار، والتفاوض بين السودانيين.

وقال إن هذه التصريحات تعكس جدية مناوي باتجاه السلام، وهي محاولة لمحو الانطباع المشوه عنه الذي كان في السابق في نظام الإنقاذ وما بعد ذلك.

واستبعد أن يكون لمثل تلك التصريحات تأثير على الواقع الميداني للعمليات، وتوقع أنها ربما تساعد في دفع الحكومة باتجاه المفاوضات والعملية السلمية، وتسهم في تهدئة الأوضاع في دارفور وربما تقود إلى سلام شامل.

مقالات مشابهة

  • حاكم غرب بحر الغزال: عبور عناصر من الدعم السريع إلى جنوب السودان دون إذن رسمي أثار الذعر ونزوح السكان
  • ماذا تعني تلميحات مناوي بإمكانية تواصله مع الدعم السريع؟
  • بسبب سوء التغذية.. وفاة 13 طفلاً سودانياً في مخيم للنازحين بولاية دارفور
  • شبكات الكبتاغون تنتقل من سوريا إلى السودان.. مصنع ضخم داخل حقل ألغام للدعم السريع
  • فارون من انتهاكات “الدعم السريع”.. مصرع وإصابة 27 نازحا من الفاشر
  • إعادة دفن جثامين من “الدعم السريع” في الخرطوم
  • “الدعم السريع” استخدم أسلحة محرمة دوليا في الخرطوم
  • منشق عن “الدعم السريع” يكشف معلومات خطيرة
  • مليشيا الدعم السريع استخدمت الغام محرمة دوليا في غابة السنط بولاية الخرطوم
  • صحة الخرطوم تشيد بدور منظمة الصحة العالمية