بعد أن أنهك جيش الاحتلال الاسرائيلي على جبهات متعددة، سواء في لبنان أو غزة والضفة الغربية أو حتى بعض المناوشات لم تتطور لمواجهات كبيرة مع إيران تمخضت عن ضربات متبادلة ورد ورد مضاد لم تكن مؤثرة بشكل كبير، و أخرى مع الجماعات المسلحة في سوريا والعراق ، لم يتمكن خلالها جيش الاحتلال من تحقيق انتصارات كبيرة يستطيع أن ينهي بها هذه المعارك على ذكرها، باستثناء تمكنه من تحقيق بعض "اللقطات" المتمثلة في مجموعة من الاغتيالات لقيادات حماس وحزب الله، التي مكنته من تسويق استمرار المعارك أمام مؤيديه وعلى رأسهم الولايات المتحدة والغرب.

وبعد مرور ما يزيد عن 400 يوم على الحرب في غزة، وتطورات الأوضاع سواء في غزة، أو في ساحة القتال في لبنان، لم يجن جيش الاحتلال من هذه الحرب سوى صمود الشعب الفلسطيني على أرضه رغم استخدام جيش الاحتلال كل الوسائل المحرمة دوليا والتي تتنافى مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وعلى الجبهة اللبنانية تمكن حزب الله اللبناني من لملمة شتاته ووإعادة تنظيم صفوفه بعد اغتيال أغلب قادته، ليعيد توجيه ضربات موجعه لجيش الاحتلال، وبخاصة في مستوطنات الشمال الإسرائيلي، وعلى الرغم من رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في استمرار الحرب كضمانة لبقائه في موقعة، في ظل ملاحقات قضائية تنتظره ولا يبعده عنها أكثر من استمراره في منصبه، الأمر الذي دفعه لعرقلة جهود الوساطة "المصرية ـ القطرية" برعاية أمريكية، للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وجهود الوساطة الأخرى لتطبيق هدنة في لبنان، إلا أنه وافق على الأخيره مضطرا بعد تزايد الضغط على مستوطنات الشمال الإسرائلي بفعل ضربات حزب الله اللبناني.

وفي خضم رغبة إسرائلية معلنه للقضاء على أذرع إيران في المنطقة على حد وصف "نتنياهو"، سعى خلالها بكل الطرق لتوحيه ضربات موجعة لإيران ووكلائها في المنطقة، إلا أنه مع تزايد الضغوط الداخلية في الداخل الإسرائيلي وزيادة حجم الخسائر على كل المستويات، وبعد إقرار هدنه بين إسرائيل وحزب الله والتي دخلت حيز التنفيذ فجر الأربعاء الماضي، والتي لم تخلو من الخروقات الإسرائيلية، ليتفاجأ الشرق الأوسط بانفجار جديد للأوضاع هذه المرة في سوريا، بعد شن فصائل مسلحة هجوما غير مسبوق على قوات الجيش السوري، تمكنت بموجبه من دخول حلب ثاني أهم المدن السورية، ووصلوا إلى إدلب، بينما يكافح الجيش السوري للرد على هذا الهجوم من خلال دعم روسي، وفي هذا الهجوم الأخير للفصائل المسلحة تشير أصابع الاتهام إلى دعم إسرائيلي، وهنا يكون السؤال الأهم لماذا تدعم إسرائيل مثل هذه الجماعات في سوريا مع انخراطها في عمليات أخرى سواء في فلسطين أو لبنان؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تتجسد في كيفية تحقيق الآمان في مستوطنات الشمال، من من خلال مخطط "شيطاني" بدعم هذه الجماعات التي تهدد مصالح إيران في المنطقة، وستدفع إيران بتوجيه اهتمامها واسلحتها بل وبعض الجماعات المسلحة التابعة لها إلى الجبهة السورية لصد هذه العدوان والحفاظ على مكتسباتها في سوريا، وهو ما حدث بالفعل، بل والأكثر هو صرف انتباه حزب الله اللبناني إلى ساحة القتال في سوريا، والانخراط ربما في الصراع هناك، وقطع إمدادات السلاح عنه، الأمر الذي يعني بالضرورة تأمين مستطونات الشمال الإسرائيلي على المدى القصير، بنقل العمليات إلى ساحة قتال أخرى لا ينخرط فيها جيش الاحتلال بشكل مباشر، وبالتالي جر خصوم جيش الاحتلال إلى صراعات أخرى.

وعلى الرغم من عدم وجود دلائل مادية على تورط إسرائيل في تأجيج الصراع في سوريا، إلا أنه بإعمال حسابات المكسب والخسارة، وباعتبارها الرابح الأكبر بتأجيج المعارك هناك، فهذا بالتأكيد يوجه أصابع الاتهام إليها، خاصة في ظل تحذيرات نتنياهو للرئيس السوري قبل ساعات من اندلاع المواجهات العسكرية في سوريا، حينما وصف الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "يلعب بالنار" بسبب دعم الأخير لمحور المقاومة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: لبنان جيش الاحتلال الضفة الغربية المزيد المزيد جیش الاحتلال فی سوریا

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( …. ورسم قلب المجتمع)

عادت العلاقات السودانية الأمريكية إلى واجهة التوتر، بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على السودان، استنادًا إلى اتهامات باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد مليشيا الدعم السريع. غير أن التوقيت والسياق السياسي يفرضان قراءة مغايرة، تكشف عن تحوّل نوعي في طريقة تعامل السودان مع الضغوط الأمريكية، بالنظر لتجارب سابقة.

في خطوة وصفها مراقبون بـ”الذكية”، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قرارًا بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية، تضم وزارات الخارجية والدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذه الخطوة تعكس جدية الدولة في تناول الملف، وتحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية مهمة، حيث تؤكد التزام السودان بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. كما أنها تبعث برسالة واضحة: السودان دولة مؤسسات، ترفض الإملاءات والتجريم المسبق.

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وتشمل قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية. ورغم أن الأثر الاقتصادي لهذه العقوبات يبدو محدودًا بسبب ضعف العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن توقيتها السياسي يثير التساؤلات. فقد تزامن إعلان العقوبات مع تقدم ميداني كبير أحرزه الجيش السوداني، ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين القرار الأمريكي والواقع العسكري، واعتبار العقوبات محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى وفرض بيئة تفاوضية لا تعكس الوقائع على الأرض، بل تعبر عن رغبات خارجية تمثل مصالح داعمي المليشيا الإقليميين.

في هذا السياق، تبدو السياسة الأمريكية تجاه السودان وكأنها لا تزال رهينة لكتاب قديم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُعيد قرأته كلما تعثرت رهاناتها على التحولات المحلية. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، انخرطت واشنطن في محاولات متعددة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، بدءً بدعم البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس، ومرورًا بمحاولات فرض “دستور المحامين” بصيغته المستوردة، وانتهاءً بالاتفاق الإطاري الذي وُلد ميتًا بعد أن اصطدم بواقع سوداني معقد ومتشابك. ومع فشل هذه الأدوات “الناعمة”، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى أدوات أكثر خشونة، من خلال دعم غير مباشر لتحركات مليشيا الدعم السريع التي انقلبت على السلطة في أبريل 2023 وأدخلت البلاد في أتون الحرب.

هذه القراءة تكشف عن محاولة لإعادة هندسة موازين القوى، وفرض مناخ تفاوضي جديد يستند إلى ضغوط خارجية تُستخدم فيها قضايا الحقوق كسلاح سياسي. تدرك الولايات المتحدة أن انتصار الجيش سيُضعف من نفوذها في البلاد، ويوسّع هامش مناورة الخرطوم، ما قد يدفع السودان نحو تقارب أكبر مع شركاء دوليين كروسيا أو الصين، وهو ما لا يخدم مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة.

وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض قيود على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، في محاولة لضبط المسار السياسي مجددًا، بعد فشل الرهان على المليشيا. اللافت أن هذا الدعم غير المباشر للمليشيا ينسجم أيضًا مع أجندات بعض الحلفاء الإقليميين، خصوصًا الإمارات، التي ترى في هذه القوات أداة تخدم مشروعها في السودان و القرن الإفريقي، وهي سياسات أثارت انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، كما عبّرت عن ذلك السيناتور سارة جاكوبس التي حذّرت من تواطؤ واشنطن مع أبوظبي، مؤكدة أن السياسات الأمريكية تُضلّل الرأي العام ولا تعكس قيمًا أخلاقية حقيقية (رويترز).

العقوبات الأمريكية على السودان ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة بدأت منذ عام 1993، وأدت إلى عزله اقتصاديًا وتكنولوجيًا، دون أن تحقق أهدافها السياسية. بل إنها أضرت بالمواطن ودفعته للتعامل مع دول بديلة كالصين. وفي هذا الإطار، وصفت الحكومة السودانية عبر الناطق الرسمي خالد الإعيسر الاتهامات الأمريكية بحسب “سونا” بأنها “ابتزاز سياسي” و”تزييف للحقائق”، مشيرة إلى تشابه هذه المزاعم مع سيناريوهات قديمة، كقصف مصنع الشفاء في عام 1998.

وفي سياق تعزيز موقفها الأخلاقي والقانوني ، عمدت الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة منضبطة في سلوكها العسكري، إذ قامت الفرقة الثالثة شندي، قبل يومين، بتسليم 66 طفلًا جندتهم مليشيا الدعم السريع إلى أسرهم، عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة، بحضور ممثلين من مؤسسات حكومية وعدلية. وقد مثّل هذا الحدث ردًّا عمليًا على الاتهامات، وفارقًا جوهريًا في طبيعة السلوك القتالي بين الجيش و المليشيا المتمردة.

ومن منظور # وجه_ الحقيقة ، فإن تعامل السودان مع الأزمة الراهنة يُظهر تحوّلًا تدريجيًا من الاستجابة الانفعالية إلى إدارة متأنية للأزمات، في توازن بين الدفاع السياسي والاحتواء الدبلوماسي، دون التفريط في السيادة أو السقوط في فخ العزلة. ومع أن الولايات المتحدة ما تزال تملك أوراق ضغط، فإن السودان اليوم أكثر وعيًا بتاريخ هذه الضغوط، وأكثر استعدادًا لصياغة مسارات بديلة تحترم قراره الوطني. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح الخرطوم في تجاوز هذه العقوبات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في السودان.
دمتم بخير وعافية.

إسحق أحمد فضل الله
السبت 31 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (وعن … أنت منو عشان تتكلم..؟)
  • القرعان يكتب: نعم مخرجنا ثورة بيضاء يقودها ولي العهد
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( …. ورسم قلب المجتمع)
  • واشنطن بوست: سوريا قد تُساق لحرب أهلية من جديد!
  • العراق ولبنان يجددان دعم وحدة سوريا واستقرارها وسيادتها
  • أحمد موسى: إسرائيل هددت بضم الضفة إذا اعترفت دول كبيرة بدولة فلسطين
  • ابن فرحان: لدى سوريا الكثير من الفرص، والشعب السوري قادر على الإبداع والإنجاز وبناء وطنه، ونحن معه في ذلك
  • الوزير الشيباني: إعادة إعمار سوريا لن تفرض من الخارج، بل من قبل الشعب السوري، ونرحب بكل مساهمة في هذا المجال
  • إسرائيل تشن غارات جوية على جنوب لبنان وتزعم قتل قيادي خطير بحزب الله
  • إسرائيل تهدم منازل الفلسطينيين في نور شمس ومسيرة للمستوطنين برام الله