العراق – كشفت الحفريات في مستوطنة تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد في العراق أدلة جديدة حول أصول مؤسسات الحكم الأولى في العالم.

وتوصلت الدراسة الجديدة إلى أن العديد من الأوعية الطينية قد تكون دليلا على واحدة من أقدم المؤسسات الحكومية في العالم. ويعتقد أن هذه الأوعية كانت تستخدم لحمل وجبات لذيذة تُقدم مقابل العمل في بلاد الرافدين القديمة.

وهو ما يعكس نظاما اقتصاديا واجتماعيا منظما تحت إشراف سلطة مركزية.

وفي المجتمعات القديمة، غالبا ما كان يتم استخدام الطعام كوسيلة للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي. وعندما يتم توزيع الطعام بواسطة سلطة مركزية، فهذا يشير إلى أن هناك سلطة مسؤولة عن تنسيق الأعمال وتوزيع الموارد، ما يساهم في ظهور شكل من الحكومة المركزية.

لكن الموقع هُجر في النهاية، ما قد يشير إلى أن السكان المحليين رفضوا السلطة المركزية، على الرغم من أن العلماء غير متأكدين مما إذا كان هذا هو السبب.

وبعد سقوط هذه الحكومة المبكرة، استغرق الأمر 1500 سنة أخرى قبل أن يعود أي نوع من السلطة الحاكمة المركزية إلى المنطقة، وفقا لما ذكره العلماء المشاركون في الدراسة.

وتم اكتشاف هذا الموقع في “شاخي كورا” (Shakhi Kora)، وهو موقع أثري يقع جنوب غرب “كلار” في إقليم كردستان شمال العراق، ويعتقد أن هذا الموقع يحتوي على بقايا مستوطنة يُعتقد أنها تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد.

وقالت عالمة الآثار في جامعة غلاسكو، كلوديا غلاتز، التي قادت الحفريات في الموقع منذ عام 2019 وهي المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة التي نُشرت يوم الأربعاء (4 ديسمبر) في مجلة Antiquity: “توفر أعمال التنقيب لدينا في شاخي كورا نافذة إقليمية جديدة وفريدة من نوعها على تطوير ورفض بعض أقدم التجارب مع المنظمات المركزية وربما الشبيهة بالدولة”.

وكشفت أعمال التتنقيب التي أجرتها غلاتز وزملاؤها عن هياكل في “شاخي كورا” تمتد عبر عدة قرون، بينما تشير شظايا الفخار وغيرها من العناصر الثقافية إلى تطور تقاليد السكان المحليين الأوائل الذين عاشوا هناك، وصولا إلى الهيمنة على التقاليد من مدينة الوركاء القديمة في جنوب بلاد الرافدين التي تقع على بعد أكثر من 355 كم جنوبا.

وأفاد العلماء أن الأوعية الفخارية التي عثر عليها في “شاخي كورا” هي ذات نوعية مماثلة للأوعية الموجودة في مدينة الوركاء القديمة، التي كانت تشهد مرحلة من التحضر والابتكار في التنظيم الحكومي والاقتصادي، حيث تعد “فترة الوركاء” المرحلة الأولى من الحضارة السومرية، بين عامي 4000 و3100 قبل الميلاد.

وهذا يشير إلى أن الناس في “شاخي كورا” قد تأثروا بتقنيات وأساليب السلطة المركزية التي كانت تمارس في الوركاء.

وبشكل خاص، كشفت الحفريات في “شاكي كورا” عن أعداد كبيرة من الأوعية الفخارية المميزة، والتي تسمى الأوعية ذات الحواف المائلة. ويعتقد الفريق أن هذه الأوعية كانت تستخدم لتوفير الطعام في مقابل العمل، وهو شكل مبكر من السلطة المركزية، وربما كان يشير إلى تطور المدن-الدول في بلاد الرافدين القديمة.

وتشير التحاليل إلى أن بعض الأوعية كانت تحتوي على لحوم، ربما في شكل حساء، ما يشير إلى أن هناك قطعانا من الأغنام والماعز كانت تُربى بالقرب من المستوطنة القديمة لهذا الغرض.

وعلى الرغم من اكتشاف هذه الأدلة على وجود سلطة مركزية، تشير الحفريات أيضا إلى أن الموقع هُجر في نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد دون وجود أي علامات على العنف أو الضغوط البيئية.

ويُعتقد أن ذلك قد يشير إلى أن السكان المحليين رفضوا فكرة النظام المركزي للسلطة وعادوا إلى مزارعهم العائلية.

وقالت سوزان بولوك، عالمة الآثار في جامعة برلين الحرة والمتخصصة في تطور الدول المبكرة في بلاد الرافدين، والتي لم تشارك في الدراسة الجديدة، إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد ما إذا كان هذا يشير إلى رفض مقصود للسلطة المركزية أم أن هناك سببا آخر لانهيار المستوطنة الكبرى.

المصدر: لايف ساينس

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: بلاد الرافدین قبل المیلاد یشیر إلى أن

إقرأ أيضاً:

الحكومات وأسواق سنداتها السيادية

ترجمة: قاسم مكي

الساسة حول بلدان العالم المتقدم لديهم مشكلة وهي أن مديونياتهم كبيرة ويحتاجون إلى اقتراض المزيد من الأموال في كل عام. لكن الحصول على مشترين تلقائيين لسندات حكوماتهم يزداد صعوبة.

في أحدث تقرير لها عن الدين الحكومي، تقدِّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن بلدانها الأعضاء ستُصدِر سندات سيادية بحوالي 17 تريليون دولار في عام 2025 ارتفاعا من 14 تريليون دولار في عام 2023. وسيتم استخدام بعض هذه الأموال بالطبع لإعادة تمويل الدين القائم. لكن من المتوقع أن ترتفع قيمة إجمالي الدين المُستحَق إلى 59 تريليون دولار أو حوالي 84% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان.

جزء كبير من هذا الدين أجَلُ استحقاقِه أقصر. ويقدر تقرير المنظمة أن 45% منه سيكون مستحق السداد بحلول عام 2027. وعندما يحين أوان استحقاقه سيعاد تمويله بتكلفة أكبر. فالكثير منه كان قد تم إصداره في فترة تدني أسعار الفائدة. وسيشكل ذلك المزيد من الضغوط على الأوضاع المالية للحكومات. فتكاليف فائدة الدين الحكومي في المتوسط لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبلغ حاليا 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي ويزيد عن المبلغ الذي ينفق على الدفاع.

الحل الواضح لهذه المشكلة هو خفض العجز. لكن الساسة يواجهون مشاكل كبيرة عندما يحاولون أن يفعلوا ذلك. لقد وعد عديدون منهم بإنفاق المزيد على الدفاع. وخفض الإنفاق أو زيادة الضرائب يخاطران بإغضاب الناخبين الذين يتزايد استعدادهم كما يبدو للتصويت لصالح الأحزاب الشعبوية أو القومية الكارهة للأجانب. وإذا تولى هؤلاء الشعبويون الحكم من المرجح أن تفاقم سياساتُهم عجوزاتِ الموازنة.

لذلك إذا كانت السندات ستصدر في الغالب بكميات متزايدة من سيشتري هذا الدين؟ لم تكن تلك مشكلة خلال سنوات العشرية الثانية. فالحكومات كانت قادرة على تمويل عجوزاتها في يسر. وأحيانا كان يمكنها حتى إصدار سندات بعائدات سلبية. وهو ما يعني أن من يشترونها كانوا سيتعرضون حتما للخسارة (بالقيمة الاسمية على الأقل) إذا احتفظوا بها حتى أوان استحقاقها. لكن كان يمكن لهذه السندات تحقيق عائد إيجابي بالقيمة الحقيقية إذا حدث انكماش في الأسعار.

كانت البنوك المركزية إحدى مجموعات المشترين المنتظمة بموجب برامج التيسير الكمي التي دُشِّنت في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2009. وفي حين تشتري البنوك المركزية السندات في السوق الثانوية فقط وليس مباشرة من الحكومات إلا أن برامج الشراء كانت مُطَمْئِنَة للمستثمرين لعلمهم بأنه سيكون هنالك دائما مشترون جاهزون لموجوداتهم من الديون (السندات).

لكن البنوك المركزية أوقفت التيسير الكمي وهي الآن تتخلص من موجوداتها في برامج يُطلق عليها «التشديد الكمي.» وكلما زادت البنوك المركزية مبيعاتها من السندات عبر التشديد الكمي كلما وجب أن يشتري المستثمرون الآخرون المزيد منها إلى جانب شراء العرض الجديد من سندات الحكومات.

موجودات البنوك المركزية من دين الحكومات في بلدان منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية انخفضت سلفا من 29% من إجمالي الدين في عام 2021 إلى 19% في عام 2024. ومن المستبعد أن يُستأنف التيسير الكمي في أي وقت قريب. فإذا أرادت البنوك المركزية تيسير السياسة النقدية ستخفِّض أسعار الفائدة أولا.

كثيرا ما كانت صناديق التقاعد مشترية مهمة للسندات الحكومية المحلية. لكن هذا المصدَر للطلب يتقلص أيضا. كانت صناديق التقاعد التقليدية تقدم رواتب تقاعد محددة الفوائد يرتبط فيها دخل التقاعد براتب الموظف. واشترت العديد من هذه الصناديق التي تعتمد نظام «الفوائد المحددة» السنداتِ الحكومية من باب التحوط لضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في المستقبل. لكن في السنوات الأخيرة كان هنالك توسع سريع لصناديق «المساهمة المحددة» والتي ببساطة تودع أموال العاملين في وعاء ادخاري لاستخدامها عند التقاعد. وهي أقل ميلا الى الاستثمار في السندات مقارنة بصناديق الفوائد المحددة.

عالميا، لدى صناديق المساهمة المحددة الآن 59% من كل أصول صناديق التقاعد مقارنة بحوالي 40% في عام 2004، حسب معهد «ثِنْكِنْج أَهيد انستيتيوت.»

لافتقارها إلى الطلب المنتظم على سنداتها من البنوك المركزية وصناديق التقاعد قد تحتاج الحكومات الى الاعتماد على المستثمرين الدوليين مثل صناديق التحوط والتي هي حساسة جدا تجاه الحاجة إلى تعظيم العائدات «على استثماراتها».

تظهِر أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المستثمرين الأجانب حازوا على 34% من السندات في عام 2024 وذلك ارتفاعا من 29% في عام 2021. والأجانب الآن يشكلون أكبر مجموعة منفردة من المستثمرين.

في هذا السياق السؤال المثير للاهتمام الذي طرحه البيرت ادواردز، استراتيجي الأسواق ببنك سوسيتيه جنرال، هو: هل سيوجد الارتفاع الأخير في عائدات السندات الحكومية اليابانية مشكلة. ادواردز من المتشائمين المعروفين جيدا تجاه الاستثمار في الأسهم ولكن ليس في السندات. وهو يحاجج بأن مستثمرين عديدين انخرطوا في تجارة «الكاري» من خلال الاقتراض الرخيص بعملة الين واستثمار حصيلة المبالغ المقترضة في سندات بلدان أخرى ( عائداتها أعلى) . لكن الدين في اليابان لم يعد رخيصا مع ارتفاع عائد السند الحكومي لأجل 10 سنوات من صفر في المائة في نهاية عام 2021 إلى 1.6% اليوم (عائد السند الياباني لأجل 30 عاما يبلغ حوالي 3%).

قد تفسر هذه القفزات في العائدات اليابانية بعضَ نوباتِ التوتر الأخيرة في أسواق السندات الحكومية بما أن مستثمري الرافعة المالية سيتوجب عليهم بيع أصول (مثلا محافظ سنداتهم) لسداد ديونهم الأكثر تكلفة.

في الواقع، لقد اختل التوازن السياسي بين العرض والطلب في أسواق السندات في الأجل القصير. فهناك المزيد من السندات المعروضة وذلك في اقتران مع تراجع الطلب من كل من المشترين الموثوقين (البنوك المركزية مثلا) والمضاربين (مثلا صناديق التحوط).

ذلك يعني أن ارتفاع العائدات على السندات يبدو محتملا وهذا ما يجبر الحكومات على دفع المزيد لتمويل عجوزاتها المتزايدة أبدا. لذلك من المرجح أن تدبير الأمور المالية للبلدان المتقدمة سيزداد صعوبة كما يبدو.

فيليب كوجان صحفي مختص بالشؤون المالية ومؤلف كتاب بعنوان: النتائج الاقتصادية لسياسات دونالد ترامب

الترجمة عن «الفاينانشال تايمز» 

مقالات مشابهة

  • وزيرة التضامن تكشف حجم المساعدات التي قدمتها مصر لـ غزة خلال 4 أيام
  • أول طائرة ركاب نفاثة في العالم تستعيد مجدها.. فهل كانت آمنة؟
  • هذه النتائج المالية التي حققتها الشركة المركزية لإعادة التأمين (CCR)
  • الداخلية تكشف لغز العثور على بقايا خيول وحمير في الإسكندرية
  • الحكومات وأسواق سنداتها السيادية
  • حكومة غزة تكشف عدد شاحنات المساعدات التي دخلت غزة ومصيرها
  • هآرتس تكشف خطة نتنياهو التي سيطرحها على الكابينت بشأن غزة
  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة كانت مرتجلة ورسالة مباشرة إلى العالم
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • «مفيش واحدة عايزة بيتها يتهد».. بسمة بوسيل تكشف حقيقة عودتها لـ تامر حسني