حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
كشفت دار الإفتاء المصرية عن حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان، موضحة أنه أمر جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، ولكن يكون بمراجعة الطبيب عند أمن الضرر للمرأة.
وأوضحت الإفتاء أن الأفضل والأكمل هو ترك الأمور على ما هي عليه، والأخذ بالرخصة التي منحها الله تعالى لذوات هذا العذر من النساء، وأن المرأة إذا نوت الامتثال لما قضى الله به عليها في أصل خِلقتِها فإن ذلك مما يعود عليها بجزيل الثواب، فإنها تحصل على مثل أجر الصائم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
كما يمكن للمرأة أن تحصل على أجر آخر، وذلك بمحافظتها على أنواع الطاعات القلبية، وحفظ جوارحها، وتحقيق الخشية لباريها سبحانه وتعالى مع ما تيسر لها من أعمال الجوارح الأخرى.
حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة في رمضان
قال الإمام ابن الملقن في "التوضيح" (17/ 472، ط. دار الفلاح): [من حبسه العذر من أعمال البر مع نيته فيها، أنه يكتب له أجر العامل بها كما قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم فيمن غلبه النوم عن صلاة الليل أنه يكتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه] اهـ.
فمن كمال الشريعة الإسلامية أن جعلت للمرأة في هذه الحال رخصةً شرعيةً؛ فلذا يُباح لها الفطر مع هذا العذر، وكذا جعلت الشريعة الأخذ بالرخص في مثل ذلك مما يحبه الله تعالى كمحبة الأخذ بالعزائم في مواطنها. فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» أخرجه الإمام أحمد والبزار في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحه".
العبادة في هذا الشهر ليست منحصرة في الصوم وإن كان أساسه، ولكنها تشمل الذكر، والتسبيح، والتحميد، والتمجيد لله تعالى، والتَّفكر والتأمل في خلقه، كما تشمل أعمال القلوب من حب الله تعالى، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء له، وإخلاص الدِّين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضا به وعنه، والذل له والخضوع، والإخبات إليه، والطمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فَرْضُها لا يقلُّ عن أعمال الجوارح، بل عمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة أو قليل المنفعة.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].
قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (2/ 54، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: يذكرونه دائمًا على الحالات كلها قائمين، وقاعدين، ومضطجعين، وعنه عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله»... ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ استدلالًا واعتبارًا، وهو أفضل العبادات كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا عبادة كالتَّفكر»] اهـ.
فضل شهر رمضان وبيان أجر العبادة فيه
وفضَّل الله تعالى شهر رمضان على غيره من الشهور، ففيه أنزل القرآن، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتسلسل الشياطين.
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» متفق عليه.
ومن فضائل هذا الشهر العظيم أن أجر العبادة فيه مضاعف إلى أضعافٍ كثيرة، فمن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الأشهر، ومن تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان ثوابه كثواب من أدَّى فريضة فيما سواه.
وورد سلمان رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّم فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي في "شعب الإيمان" و"فضائل الأوقات".
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1367، ط. دار الفكر): ["من تقرب" أي: إلى الله، "فيه" أي: في نهاره أو ليله، "بخصلة من الخير" أي: من أنواع النفل، "كان كمن" أي: ثوابه كثواب من "أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدَّى فريضة فيه" بدنية أو مالية "كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه" أي: من الأشهر] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكم تعجيل الولادة للتفرغ للعبادة حكم تعجيل الولادة للعبادة حكم تعجيل الولادة رمضان شهر رمضان تعجيل الولادة الولادة الله تعالى الله ع ى الله ل الله
إقرأ أيضاً:
تعرف على شرح حديث.. (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك)
التمسك بسنة النبي من صفات المتقين وعن أبي العباس عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيحٌ.
ويتحدث الشيخ هشام البنا من علماء الازهر الشريف وقال فى شرح الحديث (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم)): يحتمل أنه راكب معه، ويحتمل أنه يمشي، ولكن نقل الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أهدى كسرى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه وسار بي مليًّا، ثم التفت فقال: يا غلام، إلخ.
((يومًا، فقال)) لي ((يا غلام))، وهو الصبي من حين يفطم إلى تسع سنين، وكانت سنُّه إذ ذاك تسع سنين، وقيل: عشرًا ((إني أعلمك كلماتٍ))؛ أي: أفهمك كلمات ينفعك الله بهن، ((احفظ الله يحفظك))؛ أي: احفَظْ أوامره وامتثلها، وانتهِ عن نواهيه، يحفظك في تقلباتك ودنياك وآخرتك؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]، وما يحصل للعبد من البلاء والمصائب بسبب تضييع أوامر الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30]، وقيل: يحفظك في نفسك وأهلك، ودنياك ودِينك، لا سيما عند الموت؛ إذ الجزاء من جنس العمل.
((احفظ الله تجده تجاهك))؛ أي: تجده أمامك؛ يدلك على كل خير، ويقربك إليه، ويهديك إليه، وأن تعمل بطاعته، ولا يراك في مخالفته، فإنك تجده في الشدائد، كما جرى للثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار، فانحدرت عليهم صخرة فانطبقت عليهم، فقالوا: انظروا ما عملتم من الأعمال الصالحة، فاسألوا الله تعالى بها؛ فإنه ينجيكم، فذكر كل واحد منهم سابقة سبقت له مع ربه، فانفرجت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون، وقصتهم مشهورة في الصحيحين.
((إذا سألت))؛ أي: أردت أن تسأل شيئًا، ((فاسأل الله)) إشارة إلى أن العبد لا ينبغي له أن يعلق سره بغير الله، بل يتوكل عليه في سائر أموره؛ لأنه القادر على الإعطاء والمنع، ودفع الضر وجلب النفع.
أما من حيث سؤال الناس في الأمور التي يقدرون على تحقيقها من أمور الدنيا وحطامها، فوردت أحاديث كثيرة تذم المسألة في هذا، وترغِّبُ في التعفُّف.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا قَبيصةُ، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثةٍ: رجلٌ تحمل حَمَالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال: سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقةٌ حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلت له المسألة، حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال: سدادًا من عيش، فما سواهن من المسألة، يا قبيصة، سُحْتٌ يأكلها صاحبها سحتًا)).
إن الناس إذا سئلوا: فإما أن يُعطُوا، وإما أن يمنعوا، وهم إن يُعطُوا مَنُّوا، وإن منعوا أهانوا وأذلوا، وكل ذلك مما يحز في نفس المسلم، ويدخل عليه الحزن والكرب، ويحط من كرامته، وينال من عزته؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما أخذ العهد على من يبايعه على الإسلام ألا يسأل الناس شيئًا، وقد بايع جماعة من الصحابة على ذلك، منهم: أبو بكر الصديق، وأبو ذر، وثوبان، وعوف بن مالك رضي الله عنهم، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه؛ رواه مسلم وأبو داود وغيرهم.
((وإذا استعنت))؛ أي: أردت الاستعانة في الطاعة وغيرها من أمور الدنيا والآخرة، ((فاستعن بالله))؛ فإنه المستعان، وعليه التكلان، بيده ملكوت السموات والأرض، وهو يُعينك إذا شاء، وإذا أخلصت الاستعانة بالله وتوكلت عليه، أعانك وسددك.
((واعلم أن الأمة))؛ أي: سائر المخلوقين ((لو اجتمعت)) كلها ((على أن ينفعـوك بشيءٍ))؛ أي: على خير الدنيا والآخرة ((لم ينفعوك)) بشيء من الأشياء ((إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك))؛ أي: أثبته في اللوح المحفوظ، ((وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)) بالمعنى المتقدم، ويشهد بذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾.
(رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ أي: كتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر، فعبر عن سبق القضاء والقدر برفع القلم وجفاف الصحيفة، تشبيهًا لفراغ الكاتب في الشاهد من كتابته.
((احفظ الله تـجده أمامك)) وهو بالمعنى المتقدم، ((تعرَّفْ إلى الله في الرخاء، يعرفك فـي الشدة)) تحبب إليه وتقرب من رحمته ورضاه بلزوم الطاعات واجتناب المنهيات في زمن سَعة الرزق وصحة البدن؛ ليجازيك في زمن نزول المصائب والمكروهات، بفرج الهموم، وكشف الغموم، ويجعل لك من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.
((واعلم أن ما أخطأك))؛ أي: جاوزك فلم يصل إليك، ((لم يكن ليصيبك))؛ لأنه غير مقدَّر لك أو عليك؛ إذ لا يصيب الإنسانَ إلا ما قُدِّرَ له أو عليه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾.