كيف تمكن الذكاء الاصطناعي من تعزيز العمليات المصرفية في أستراليا؟
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
هناك العديد من الأصوات التي تتغنى باستخدامات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة من أجل تعزيز خدماتها وتحسين تجربتها بشكل كبير، ورغم هذا، فإن قلة من الهيئات والجهات استطاعت دمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها اليومية التي يحتك بها الأشخاص المعتادون يوميًا، وفي مقدمة هذه القلة يأتي القطاع المصرفي الأسترالي.
تمكن "مصرف الكومنولث الأسترالي" (Commonwealth Bank of Australia) في الشهور الماضية من دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدماته بشكل كبير، وبفضل هذا الدمج، استطاع خفض عمليات الاحتيال على العملاء إلى أقل من النصف فضلًا عن تسريع عمليات منح القروض للمستخدمين ووصولهم إلى الخدمات التي يحتاجونها، ولكن كيف هذا؟
دمج الذكاء الاصطناعي في مركز خدمة العملاءيعد "الكومنولث" أحد أكبر المصارف الأسترالية التي قررت تبني تقنيات ذكاء اصطناعي مماثلة لتقنية "شات جي بي تي"، وذلك إلى جانب 3 بنوك أخرى توازيه في الحجم، ليصبح إجمالي البنوك الأسترالية التي قررت تطبيق هذه التقنية 4 بنوك.
قام البنك بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراكز خدمة العملاء مباشرةً، وذلك ليتمكن من إجابة التساؤلات التي ترد إليه إن كانت بسيطة وموجودة في المعلومات الخاصة بالمستخدمين فضلًا عن تسريع عملية توثيق المستندات والتأكد من سلامتها، وعبر هذا الدمج تمكن من حل 15 ألف مشكلة دفع تم تقديمها من قبل المستخدمين.
إعلانإدخال الذكاء الاصطناعي في قطاع خدمة المستخدمين عبر تطبيق دردشة فوري أسهم في خفض حالات الاحتيال على المستخدمين بنسبة تتخطى 30%، فضلًا عن أنه أسهم في خفض وقت الانتظار من أجل الوصول إلى ممثلي خدمة العملاء بنسبة تخطت 40% هذا العام.
وأما عملية توثيق المستندات عبر الذكاء الاصطناعي، فقد ساعدت البنك في توثيق المستندات والموافقة على منح قروض العقارات خلال 10 دقائق بدلًا من الحاجة إلى تدقيق وتوثيق المستندات خلال عدة أيام كما كان يحدث في الماضي.
تسعى البنوك الأسترالية أيضًا إلى توسيع عملية دمج الذكاء الاصطناعي مع خدماتها، إذ يأمل مصرف "الكومنولث" أن يستطيع الذكاء الاصطناعي الإجابة على 10% من إجمالي التساؤلات المعقدة التي ترد من العملاء قبل تحويلها إلى موظفي خدمة العملاء.
وأما بنك "إيه إن زد" (ANZ) أعلن أنه ينوي دمج هذه التقنيات بشكل أكبر ليتم ملء استمارات الطلبات والوصول إلى معلومات المستخدمين بشكل أسرع من السابق فضلًا عن تحليل وضع المتقدمين إلى القروض وتقديم تقييم سريع عن هذه الحالة من أجل تسريع عملية اتخاذ القرار بمنح القروض أو عدمه.
كشف مصرف "كومنولث" أيضًا عن خططه لتطوير استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وهو ما يتناسب مع إنفاق البنك سنويًا، إذ ينفق ما يقارب مليار دولار سنويًا على تطوير تقنيات جديدة تيسر عمل الموظفين وحياة المستخدمين.
أحد الاستخدامات التي ينوي البنك التوسع إليها هو القيام بفحص جميع عمليات الدفع التي تتم يوميًا من الحسابات المختلفة قبل الموافقة عليها، وذلك في خطوة لاكتشاف عمليات الدفع الخبيثة التي تتم من حسابات المستخدمين أو يتم سرقتها من حساباتهم.
إعلانكما توسعت التقنية أيضًا إلى عمليات مراجعة الحسابات السنوية لتنخفض مدتها من 14 ساعة إلى ساعتين فقط، وينوي البنك توسيع خدمات الذكاء الاصطناعي لتصل إلى توليد نصوص والإجابة على الأسئلة المحددة التي يوجهها المستخدمون لخدمة العملاء، لذا يتعاون المصرف في الوقت الحالي مع "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" و"آنثروبيك" للوصول إلى أفضل حلول تقنية تلائم هذه الاستخدامات.
مخاوف من الاستغناء عن العمالة البشريةكالعادة، عندما يتوسع الذكاء الاصطناعي إلى قطاع جديد، فإن المخاوف من استبدال العمالة البشرية بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتصاعد بشكل كبير، وهذا ما حدث في قطاع البنوك الأسترالية، التي نقل موقع "إيه بي سي" (ABC) معظمها.
إذ تحدث الموقع مع مجموعة من موظفي خدمة العملاء ومديري التقنيات في البنوك الكبرى في أستراليا، وقد تضاربت الآراء بين من يرى أن الذكاء الاصطناعي يسهل على الموظفين القيام بعملهم دون أن يستبدلهم بشكل كامل، وبين من يرى بأن الذكاء الاصطناعي يستبدل العمالة البشرية أو يخفضها في أفضل سيناريو مستقبلًا.
ولكن في الوقت الحالي، تقوم البنوك بتدريب موظفيها على الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي وتسخيرها لصالحها، فحتى إن كان هذا الانتقال متوقعًا، فإنه لن يحدث في المستقبل بعد 5 أو 10 أعوام كما وضح تيم هوغارث المدير التقني في مصرف "إيه إن زد" الأسترالي.
رغم أن التطور الذي أحدث مصرف "الكومنولث" في أستراليا عبر استخدام الذكاء الاصطناعي واضح للغاية، فإنه ليس إلا قطرة في بحر من التقنيات التي يمكن استخدامها، وكالعادة، مع تطور التقنيات المستخدمة، تزداد المخاوف الأمنية.
ففي حين يعد الذكاء الاصطناعي أكثر سرعة في الكثير من الحالات من الموظف البشري، لكنه يفتقر إلى الدقة الموجودة في الجانب البشري، وهو الأمر الذي كان واضحًا مع حالات هلوسة الذكاء الاصطناعي وتلفيق المعلومات التي ظهرت في تطبيقات الدردشة، وفي حال ظهور هذه الأمور مع المستخدم الذي يواجه تحديًا مصرفيًا أو يرغب في القيام بعملية مصرفية ما، فإن النتائج ستكون كارثية.
فضلًا عن ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي في الكثير من الأحيان يعد أقل أمنًا من الموظفين البشر، إذ يمكن اختراقه عن بعد والوصول إلى جميع البيانات التي يقوم بتخزينها وفحصها تلقائيًا، وهو ما يضع البيانات المصرفية للعملاء في خطر التسريب والسرقة.
إعلانبالطبع، تحاول البنوك بالتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي تطوير آليات للتغلب على هذه التحديات بشكل واضح، ومن المؤكد أنها لن تقوم بتوسيع رقعة استخدام الذكاء الاصطناعي دون الوصول إلى هذه الحلول حفاظًا على أموال العملاء، لذا قد لا نرى الذكاء الاصطناعي ينتشر بشكل كبير في القطاع المصرفي في السنوات القريبة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تقنیات الذکاء الاصطناعی دمج الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی العمالة البشریة خدمة العملاء بشکل کبیر فضل ا عن
إقرأ أيضاً:
المملكة المتحدة ترسخ ريادتها في الذكاء الاصطناعي
تواصل المملكة المتحدة تعزيز موقعها الريادي في مجال الذكاء الاصطناعي، متفوقة على نظرائها الأوروبيين في عدد الشركات الناشئة التي تحصل على تمويل جديد، وفي حجم الاستثمارات الخاصة الإجمالية خلال عام 2024. ومنذ عام 2013، نجحت مشاريع الذكاء الاصطناعي البريطانية في جذب تمويل خاص يقدر بنحو 22 مليار جنيه إسترليني، في مؤشر واضح على استمرار ثقة المستثمرين في بيئة الابتكار البريطانية، موطن شركات كبرى مثل DeepMind وStability AI وWayve.
وخلال فعاليات «أسبوع لندن للتقنية»، كشفت دراسة بحثية أعدتها مؤسسة Public First عن علاقة وثيقة بين البنية التحتية المتقدمة للذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، والنمو الاقتصادي الشامل. وأشارت التحليلات إلى أن التوسع المتواضع في قدرة مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف قرابة 5 مليارات جنيه سنويا للاقتصاد البريطاني، بينما قد يسفر توسيع هذه القدرة إلى الضعف عن تحقيق مكاسب اقتصادية سنوية تصل إلى 36.5 مليار جنيه.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة خدمات الحوسبة السحابية Nscale خلال أسبوع لندن للتقنية عزمها نشر 10,000 وحدة معالجة من طراز NVIDIA Blackwell في المملكة المتحدة بحلول أواخر عام 2026. من جانبها، كشفت شركة Nebius عن خطط لإقامة أول مصنع للذكاء الاصطناعي في البلاد، يضيف 4,000 وحدة معالجة أخرى، لتوفير قوة حوسبية عالية مطلوبة بشدة من قبل مؤسسات البحث والجامعات والخدمات العامة، بما في ذلك هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) التي تعاني من نقص دائم في التمويل.
مبادرة لتأهيل المهارات
رغم أهمية البنية التحتية، إلا أن توفر الأجهزة لا يكفي وحده. فهناك تحد بارز يتمثل في نقص الكفاءات القادرة على الاستفادة من هذه القدرات. وللتعامل مع هذه الفجوة، أعلنت شركة NVIDIA عن دعمها للمبادرة الوطنية البريطانية لتأهيل المهارات، من خلال إنشاء مركز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في بريطانيا، يهدف إلى تقديم تدريب عملي في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والحوسبة المتقدمة.
وأوضح بيان صادر عن الشركة أن المركز سيركز على تدريب متخصصين في نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، والذكاء الاصطناعي المجسّد، وعلوم المواد، ونمذجة النظم البيئية والجيولوجية.
وفي القطاع المالي، الذي يُعد أحد أبرز مصادر القوة الاقتصادية للمملكة المتحدة، تستعد هيئة الرقابة المالية لإطلاق بيئة اختبار افتراضية «sandbox» مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تسمح بتجريب الحلول الجديدة في مجال المصارف والتمويل ضمن بيئة آمنة. وستوفر NayaOne البنية التحتية، بينما تتولى NVIDIA دعم هذا النظام تكنولوجيا.
وقال سومانث كومار، كبير مسؤولي التكنولوجيا للقطاع المصرفي والمالي في NTT DATA المملكة المتحدة وأيرلندا: «كل إجراء في بيئة الـsandbox يترك أثرًا، وهو ما يفرض على البنوك الالتزام بإطار تنظيمي صارم حتى خلال المراحل التجريبية. يتعين على المؤسسات توثيق كيفية بناء النماذج، وتفسير نتائجها، وضمان إمكانية تتبع مصادر البيانات».
وأضاف كومار: «هذه المبادرة تمثل فرصة حقيقية للمؤسسات لتطوير قدراتها الداخلية على استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية. ومن جهة أخرى، تمكّن الحكومة من الحفاظ على التنافسية البريطانية وتعزيز الابتكار ضمن إطار تنظيمي متوازن يحمي المستهلك».
الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي
أعلنت Barclays Eagle Labs عن إنشاء مركز ابتكار جديد في لندن، سيكون بمثابة منصة انطلاق للشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة. وستحظى المشاريع الواعدة بفرصة الانضمام إلى برنامج NVIDIA Inception، مما يفتح لها أبواب الوصول إلى أدوات متقدمة وبرامج تدريبية نوعية كانت لتظل بعيدة المنال لولا ذلك.
وفي تعليق له، قال مارك بوست، الرئيس التنفيذي لشركة Civo: «لطالما تحدثنا عن ريادة المملكة المتحدة في الذكاء الاصطناعي، لكن ما نراه الآن هو خطوات فعلية: استثمارات في البنية التحتية، وتدريب للمطورين، وأبحاث وتطوير جادة».
وتابع بوست: «مركز NVIDIA الجديد مبادرة مهمة لسد فجوة المهارات، وإعداد الجيل المقبل من المواهب المحلية في مجال الحوسبة المعجلة وهندسة الذكاء الاصطناعي وتطوير النماذج».
وتطرق بوست إلى قضية بدأت تحظى باهتمام متزايد في دوائر صنع القرار: السيادة التقنية.
وقال: «إذا أردنا بناء قدرة وطنية طويلة المدى، فعلينا تقليل اعتمادنا على الحوسبة الخارجية. ينبغي للمملكة المتحدة أن توازن بين الشراكات العالمية والاستثمار في البنية التحتية المحلية والمعايير المفتوحة والتقنيات التي يمكننا تطويرها بأنفسنا. هذا هو مفتاح الحفاظ على مرونتنا وتنافسيتنا».
تنسيق بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص
وبخلاف ما اعتدنا عليه من مبادرات حكومية أو حملات علاقات عامة من الشركات، يبدو أن هذه الشراكة بين المملكة المتحدة وNVIDIA تنطوي على تنسيق حقيقي بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والجامعات، مع تركيز واضح على تلبية الاحتياجات الآنية وبناء أسس مستقبلية صلبة.
ورغم أن النتائج الاقتصادية المتوقعة لا تزال في طور التحقق، فإن المملكة المتحدة تبدو، لأول مرة منذ سنوات، وكأنها تلعب على نقاط قوتها بذكاء: مؤسسات بحثية من الطراز العالمي، قطاع مالي نابض، تنظيم براغماتي، وقدرات حوسبية ومهارية تتنامى بسرعة — وهي جميعها عناصر قد تجعل من الطموح في أن تصبح قوة عالمية في الذكاء الاصطناعي حقيقة ملموسة.
أسامة عثمان (أبوظبي)