حكومة حمدوك ما زالت الحكومة الشرعية رغم انف الانقلاب

التحليل التاريخي للحكومات في المنفى: النجاح أم الفشل؟

د. أحمد جمعة صديق
أوتاوا - كندا

كان مفهوم الحكومات في المنفى ظاهرة متكررة عبر التاريخ، حيث يلجأ قادة الدول، في أوقات الأزمات، إلى اللجوء خارج بلادهم لمواصلة النضال من أجل السلطة. تنشأ الحكومات في المنفى عادة في فترات الحروب، أو الاضطرابات السياسية، أو عندما تواجه الأنظمة معارضة كبيرة داخل البلاد.

تعمل هذه الحكومات بنية استعادة السيطرة على أوطانها، وغالبًا ما تعتمد على الدعم الخارجي والاعتراف الدبلوماسي. يعتمد نجاح أو فشل الحكومات في المنفى على عدة عوامل، بما في ذلك قدرتها على الحصول على الدعم الدولي، والحفاظ على التماسك داخل قيادتها، والوضع السياسي أو العسكري في البلاد التي تسعى إلى حكمها. يهدف هذا التحليل إلى تقييم نجاحات وإخفاقات الحكومات في المنفى عبر التاريخ، وتقديم فهم شامل لدورها في الديناميكيات السياسية العالمية.
طبيعة الحكومات في المنفى
تتكون الحكومات في المنفى من قادة سياسيين أو مجموعات تم تهجيرهم من بلادهم نتيجة لظروف مختلفة. غالبًا ما يكون هذا التهجير نتيجة للحروب أو الثورات أو الغزو أو التغير في الحكومة. عندما يتم الإطاحة بحكومة أو يتم عزل ملك، قد يفر الناجون من الحكومة إلى بلد آخر، على أمل حشد الدعم للعودة إلى السلطة. مصطلح "الحكومة في المنفى" يُستخدم لوصف الحكومة التي تدعي تمثيل السلطة الشرعية للدولة المهجورة، على الرغم من أنها لا تسيطر فعليًا على أراضيها.
قد تتخذ الحكومات في المنفى أشكالًا متنوعة، تتراوح من الملكيات الدستورية إلى الجمهوريات. يمكن أن يقودها رئيس دولة سابق، أو حزب سياسي، أو مجموعة عسكرية. بعض الحكومات في المنفى تحظى بالاعتراف الدبلوماسي الرسمي من دول أخرى أو منظمات دولية، بينما يواجه البعض الآخر صعوبة في إثبات شرعيتها. يعتمد نجاح الحكومة في المنفى على قدرتها على الاستمرار في العمل بفعالية من الخارج والحصول على الدعم اللازم لتنفيذ العودة.
أمثلة تاريخية على الحكومات في المنفى
• الحكومة البولندية في المنفى (1795-1990)
إحدى الأمثلة الأكثر بروزًا وطولًا في تاريخ الحكومات في المنفى هي الحكومة البولندية، التي كانت موجودة في المنفى من تقسيمات بولندا في أواخر القرن الثامن عشر حتى انهيار الشيوعية في 1990. في عام 1795، تم تقسيم بولندا من قبل الإمبراطورية الروسية، ومملكة بروسيا، والإمبراطورية النمساوية، مما أدى إلى محو بولندا من الخريطة. في ذلك الوقت، فر قادة بولنديون إلى دول أخرى، لا سيما إلى فرنسا، وأسسوا حكومة في المنفى لمواصلة النضال من أجل استقلال بولندا.
لعبت الحكومة البولندية في المنفى دورًا مهمًا في النضال من أجل التحرر الوطني. حافظت على علاقات دبلوماسية مع القوى الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا، ولاحقًا مع الولايات المتحدة. قادت الحكومة في المنفى شخصيات مثل جوزيف بيلسودسكي وفلاديسلاف راكزكيفيتش، وكانت هي الصوت الذي يعبر عن قضية استقلال بولندا لأكثر من قرن، حتى تشكيل الجمهورية البولندية الثانية في عام 1918 بعد الحرب العالمية الأولى.
ومع ذلك، بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال بولندا من قبل الاتحاد السوفيتي، انتقلت الحكومة البولندية في المنفى إلى لندن. على الرغم من الاعتراف بها من قبل الحلفاء الغربيين، كان تأثيرها داخل بولندا محدودًا. أنشأ الاتحاد السوفيتي، الذي احتل بولندا بعد الحرب، حكومة شيوعية دمية، وكانت الحكومة البولندية في المنفى غير قادرة على فرض سيطرتها على وطنها. استمرت الحكومة حتى عام 1990، عندما انهار النظام الشيوعي في بولندا وانتقلت البلاد إلى الديمقراطية.
النجاحات والإخفاقات: كانت الحكومة البولندية في المنفى ناجحة في الحفاظ على أمل السيادة البولندية وحافظت على الاعتراف الدولي بحقوق بولندا. ومع ذلك، فإن افتقارها إلى القوة الفعلية على الأرض البولندية وتدخل القوى الخارجية، وخاصة الاتحاد السوفيتي، يعني أن لها تأثيرًا عمليًا ضئيلًا على الوضع السياسي الفعلي في بولندا خلال معظم القرن العشرين. بينما كانت تمثل رمزًا للمقاومة البولندية، فشلت الحكومة في المنفى في استعادة السيطرة على بولندا حتى نهاية الحرب الباردة.
• الحكومة التبتية في المنفى (1959-الوقت الحاضر)
في عام 1959، بعد الغزو الصيني لتبت، وفر الدالاي لاما وأعضاء آخرون من الحكومة التبتية إلى الهند. أنشأت الحكومة التبتية في المنفى الإدارة المركزية للتبت (CTA) في دارامشالا، الهند. كانت هدف الحكومة التبتية في المنفى هو تعزيز الثقافة والدين التبتيين، والدعوة لحقوق التبتيين، والمطالبة بعودة التبت إلى الاستقلال، أو على الأقل منحها استقلالًا أكبر تحت حكم الصين.
لقد حصلت الحكومة التبتية في المنفى على دعم دولي كبير، لا سيما من المنظمات الحقوقية والدول التي تعتبر أن سيطرة الصين على التبت تعد انتهاكًا لحقوق التبتيين. وقد ساعدت الشهرة العالمية للدالاي لاما كزعيم ديني وسياسي في تعزيز شرعية الحكومة في المنفى. كانت الحركة التبتية فعالة في زيادة الوعي العالمي بمعاناة التبتيين تحت حكم الصين.
ومع ذلك، فشلت الحكومة التبتية في المنفى في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في استعادة السيادة أو الحكم الذاتي للتبت. كانت الصين تعارض بشدة أي شكل من أشكال استقلال التبت، ولم تتمكن القيادة التبتية من حشد القوة العسكرية أو السياسية لتحدي الحكم الصيني. ومع ذلك، نجحت الحكومة التبتية في المنفى في الحفاظ على الهوية الثقافية للتبتيين وكسب دعم دبلوماسي وعام كبير لقضيتها.
النجاحات والإخفاقات: كان للحكومة التبتية في المنفى نجاح محدود من حيث هدفها النهائي المتمثل في استقلال التبت أو الحكم الذاتي. ومع ذلك، فإن نجاحها يكمن في الحفاظ على الثقافة والدين التبتيين وقدرتها على إبقاء الاهتمام الدولي في قضية التبت. لا تزال الحكومة في المنفى منارة أمل للعديد من التبتيين، حتى في الوقت الذي تواصل فيه الصين سيطرتها على المنطقة.
• الحكومة النرويجية في المنفى (1940-1945)
خلال الحرب العالمية الثانية، تم احتلال النرويج من قبل ألمانيا النازية في عام 1940. فرّت الحكومة النرويجية، بقيادة الملك هاكون السابع، إلى لندن، حيث أسست حكومة في المنفى. استمرت الحكومة النرويجية في المنفى في العمل طوال الحرب، حافظت على العلاقات الدبلوماسية مع الحلفاء، ودعمت حركة المقاومة النرويجية، وساهمت في تحرير النرويج.
حظيت الحكومة النرويجية في المنفى بدعم كبير من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ولعبت دورًا مهمًا في الجهد الحربي للحلفاء. لم يتم التشكيك في شرعية الحكومة في المنفى، وكانت حاسمة في الحفاظ على الوحدة الوطنية النرويجية خلال الاحتلال الألماني.
بعد الحرب، تم تحرير النرويج وعادت الحكومة في المنفى إلى البلاد. يُنظر إلى نجاح الحكومة النرويجية في المنفى على أنه نموذج للحكومات في المنفى، حيث تمكنت من الحفاظ على شرعيتها الدبلوماسية ودعم الشعب النرويجي، مما ساعد البلاد على استعادة استقلالها.
النجاحات والإخفاقات: تعتبر الحكومة النرويجية في المنفى من أنجح الأمثلة في التاريخ. لقد حافظت على علاقات دبلوماسية فعالة، ودعمت جهود المقاومة في النرويج، وضمنت عدم فقدان السيادة النرويجية بشكل دائم. يمكن أن يُعزى نجاح الحكومة النرويجية في المنفى إلى قيادتها القوية، وتحالفاتها الاستراتيجية، وعزيمة القيادة والشعب النرويجي.
• الحكومة الفيتنامية في المنفى (1975-الوقت الحاضر)
بعد سقوط سايغون في عام 1975، تم الإطاحة بحكومة فيتنام الجنوبية من قبل القوات الشيوعية في فيتنام الشمالية. فر العديد من أعضاء الحكومة الجنوبية إلى الخارج، مؤسسين حكومة في المنفى بهدف استعادة فيتنام الجنوبية من الحكم الشيوعي. كانت هذه الحكومة في المنفى، التي كانت مقرها في الولايات المتحدة، تعمل بدعم من الشتات الفيتنامي، لكنها كانت تفتقر إلى أي قوة أو اعتراف كبير في السياسة الدولية.
على الرغم من محاولاتها للحصول على الاعتراف الدبلوماسي وشن العمليات العسكرية، فشلت الحكومة الفيتنامية في المنفى في استعادة فيتنام الجنوبية. أصبحت الحكومة في المنفى أكثر تفككًا، حيث ظهرت خلافات حول مستقبل فيتنام وأفضل السبل لتحقيق أهدافها. مع مرور الوقت، بدأ الشتات الفيتنامي يتكامل أكثر مع دوله المضيفة، مما جعل فكرة الحكومة في المنفى تتلاشى.
النجاحات والإخفاقات: عانت الحكومة الفيتنامية في المنفى من صعوبة الحصول على الاعتراف وفشلت في تحقيق تقدم كبير في أهدافها. أدى افتقارها إلى توحيد الشتات الفيتنامي أو الحصول على دعم دولي ذي مغزى إلى فشل جهودها لاستعادة فيتنام الجنوبية. وقد شكل دمج فيتنام الجنوبية في فيتنام الشيوعية الموحدة نهاية لوجود الحكومة في المنفى.
سجل الحكومات في المنفى تاريخيًّا متنوع. بعضها نجح في الحفاظ على أمل السيادة الوطنية ولعب دورًا مهمًا في النضال من أجل استقلال أوطانها. في المقابل، فشل البعض الآخر في تأمين الدعم أو القوة اللازمة لاستعادة أراضيهم أو التأثير في مجريات التاريخ.
تميل الحكومات في المنفى إلى النجاح عندما تحظى بدعم دبلوماسي قوي، والقدرة على توحيد مجتمعاتها في المنفى، وقيادة ملتزمة بالقضية. ومن المرجح أن تفشل عندما تفتقر إلى الاعتراف الدولي، أو تعاني من الانقسامات الداخلية، أو تواجه خصومًا أقوياء يمنعونها من ممارسة النفوذ على وطنها. إن تجارب الحكومات البولندية والتبتية والنرويجية والفيتنامية في المنفى تُظهر الطبيعة المعقدة والمتنوعة لهذه الكيانات السياسية، مما يبرز التحديات التي تواجهها القيادة المنفية في سعيها وراء السلطة والشرعية. في النهاية، يعتمد مصير الحكومات في المنفى على عوامل خارجية وداخلية، مما يجعل نجاحها أو فشلها رهناً بمجموعة واسعة من الظروف التاريخية والسياسية. وفي ظني ان حكومة حمدوك ما زالت هي الحكومة الشرعية رغم الاتقلاب. وهي تجد وستجد دعما من الداخل والخارج لمواصلة مهامها التنفيدية والسياسية والدبلوماسية وبنفس ال Cabinet.



[email protected]

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فیتنام الجنوبیة حکومة فی المنفى النضال من أجل فی المنفى على فی الحفاظ على فی المنفى إلى فی المنفى فی فی المنفى من ومع ذلک فی عام من قبل

إقرأ أيضاً:

حين تمنح المفردات الشرعية: تنبيه للإعلاميين السودانيين

ها قد أعلنت قوات الدعم السريع وأتباعها من المدنيين والحركات المتمرّدة تشكيل حكومةٍ سرعان ما بدأ الإعلام في الإشارة إليها بمصطلح (حكومة تأسيس). يعكس هذا الإعلان، في جوهره، تحوُّلاً في الإستراتيجية بعد فشل الدعم السريع في إحكام السيطرة على العاصمة، والتمدُّد شرقًا وشمالًا. أمام هذا العجز، جاء هذا الإعلان على سبيل التعويض الرمزي بإنشاء كيانٍ مدني ورقي يحاول التغطية على القصور العسكري، وترسيخ وجودٍ إعلامي افتراضي يخلق شرعيةً بديلة، ربما تمهيدًا لدورٍ تفاوضي دولي أو قبول سياسي إقليمي. غير أن الأخطر من هذا الإعلان في ذاته هو كيفية التعامل معه إعلاميًا.

وسط هذه المعمعة، يجب أن نُذكّر بأن اللغة ليست محايدة، وفي ظلّ بيئات النزاع، كالتي نعايشها الآن، لا تكون اللغة مجرَّد وسيلة للتوصيل، بل تتحوَّل إلى أداة صراعٍ رمزي. ومن نافلة القول إن مسؤولية الإعلام لا تتوقَّف عند نقل الأحداث، بل تشمل كيفية توصيفها. وحين تصبح اللغة أداة شرعنة أو تجريم، فإن التدقيق في كلّ مصطلح واجبٌ مهني وأخلاقي.

في سياق الإعلان المشار إليه آنفًا، فإن استعمال الإعلاميين والكتّاب والمراسلين مصطلح (حكومة تأسيس) وما في حُكْمِه بلا تحفُّظ من شأنه إضفاء شرعيةٍ ذهنية وسياسية غير مستحقَّة؛ إذْ ترسّخ هذه الاستعمالات في اللاوعي الجمعي صورةً لكيانٍ حقيقي وفاعل ومستقر. ومع التكرار، يحدث ما يسمّيه علماء النفس واللسانيات بـ(تثبيت المفهوم بالاعتياد)؛ أي أن شيوع الكلمة يُنتج واقعًا جديدًا في ذهن المتلقّي في الداخل والخارج، ويدفعه تكرارها بلا تفكيكٍ أو تشكيك إلى التعامل مع هذا الكيان الورقي كما لو كان سلطةً ماثلة، تمتلك صفات الدولة ومؤسَّساتها. وهنا يتسرَّب الوهم إلى الإدراك العام، ويصبح الإعلام شريكًا، عن غير قصد، في تعويم كيانٍ بلا مشروعية، وربما في إرباك الرأي العام، وإضعاف وضوح الصراع الحقيقي الذي يدور في البلاد بين دولةٍ تُختطَف، وميليشيا تحاول تلبُّس ثوب المدنية.

هناك أمثلة كثيرة في التاريخ الحديث يتجلَّى فيها دور اللغة في ترسيخ مفاهيم قد تكون غير دقيقة أحيانًا، أو لترويج تصوُّراتٍ محدَّدة في أحيان أخرى. فعلى سبيل المثال، كرَّرت وسائل الإعلام اسم تنظيم الدولة الإسلامية في سنواته الأولى كما هو، وهو ما ساهم في ترسيخ صورة (الدولة) في ذهن الرأي العام العالمي. لاحقًا، صحَّحت المؤسسات الإعلامية الكبيرة مسارها، وبدأت تقول (ما يُسمَّى بالدولة الإسلامية)، أو تستعمل المختصر (داعش) أو كلمة (تنظيم) لتُضعِف فكرة الدولة. كما أدَّى ترديد كلمة (الشرعية) في عبارة (الحكومة الشرعية في اليمن) إلى تكريس هذه الصورة ذهنيًا، حتى بدت وكأنها تملك زمام السلطة فعليًا، رغم وجودها في الخارج.

ودأبت بعض وسائل الإعلام على تجنُّب مصطلح (إسرائيل) إلا في حالات الاقتباس، والاستعاضة عنه بعبارة (الكيان الصهيوني)، واستعمال مصطلح (قوات الاحتلال) أحيانًا بدلاً من (القوات الإسرائيلية)، مقاومةً للاعتراف الرمزي، وهو قرارٌ لغوي نابع من موقفٍ سياسي واضح.
هذه الحساسيَّة في اختيار الألفاظ مهمّة جدًا، لأنها تعكس المواقف؛ فعلى سبيل المثال، وصفت قناة الجزيرة أزمة قطر مع دول الخليج عام 2017 بـ(الحصار)، بينما سَمّتها القنوات السعودية والإماراتية (مقاطعة)، وهو ما يعكس اختلافًا في الزاوية السياسية والإعلامية لتأطير الأزمة. وعلى نحوٍ مماثل، كانت الجزيرة تصف الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي عام 2013 بأنها (انقلاب)، بينما صوَّرتها وسائل إعلام أخرى على أنها (ثورة)، وهو اختلافٌ تحريري يعكس التوجُّه السياسي لكلّ وسيلة. كما لوحظ اعتماد الإعلام السعودي كلمة (وفاة) عند الحديث عن قتلى سعوديين أو مقيمين، مقابل استعمال كلمة (قتل) ومشتقَّاتها عند الإشارة إلى قتلى الحوثيين. هذا التباين ليس لغويًا فحسب، بل يعكس موقفًا تحريريًا من كلّ حالة، ويُظهِر كيف يُستعمَل اللفظ للتقليل من وقع الخسائر (الوطنية)، أو لتأجيج العداء تجاه الآخر. وبالنظر إلى مصطلح (suicide bomber)، فقد تباينت ترجماته حسب القناة والسياق، فتراوحت بين (انتحاري)، و(فدائي)، و(استشهادي).

من هذا المنطلق، نوصّي الإعلاميين السودانيين والمدوّنين، وحتى الكُتَّاب في منشوراتهم الشخصية على وسائط التواصل الاجتماعي، بعدم استعمال مصطلح (حكومة تأسيس)، بل الاستعاضة عنه بعبارات مثل، (كيان تأسيس)، أو (ما يُعرَف بحكومة تأسيس)، أو (الكيان المدني التابع لقوات الدعم السريع) بحسب السياق. ولمَّا كانت الكلمة موقفًا، والتوصيف مسؤولية، فلا تمنحوا الشرعية مجانًا لهذا الكيان الذي وُلِد ميتًا، وهو أقرب إلى ورقة ضغطٍ سياسية وإعلامية من مشروع دولةٍ بديلة. هذا الكيان قد يعيش بعض الوقت بوصفه مظلةً تجميلية لقوةٍ عسكرية غير شرعية، لكنه لا يملك في صيغته الحالية مقوّمات السيادة، أو الديمومة، أو القبول الشعبي والدولي.

والأخطر من الاعتراف الضمني بهذه الكيانات هو تطبيع وجودها عبر التكرار اللغوي. وهذا ما يجب أن يتفاداه الإعلامي المسؤول؛ لأن الكلمات، في نهاية المطاف، ليست أدوات نقلٍ فحسب، بل أدوات خلقٍ للواقع أو تشويهه.
فمن يُعيد للمفردات حيادها؟ ومن يحمي الوعي من سطوة التكرار؟
خالد محمد أحمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أكد دعمه الكامل للسلطة الشرعية.. الاتحاد الأفريقي يرفض تشكيل حكومة موازية في السودان
  • محاكمات الشجرة (يوليو 1971): مهرجان الكلاب الجائعة
  • نهب حصة اليمن من أسماك التونة يثير تساؤلات عن دور الحكومة الشرعية
  • الحكومات وأسواق سنداتها السيادية
  • في بولندا.. العثور على فارس من العصور الوسطى مدفونًا تحت متجر آيس كريم
  • اليوم .. شباب الطائرة يلتقي بولندا في بطولة العالم
  • آيات الرقية الشرعية مكتوبة.. حصن نفسك بالقرآن من العين والحسد
  • الديهي: مصر كانت وما زالت ضد أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية
  • منح السفير الصالح وسام الاستحقاق البولندي برتبة قائد مع نجمة
  • حين تمنح المفردات الشرعية: تنبيه للإعلاميين السودانيين