الكل ساهم في إسقاط «الأسد» في سوريا
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
لقد انتصرت المعارضة السورية الإسلامية، وأطاحت بالرئيس السوري بشار الأسد، ولم يسقط نتيجة لضعف الجيش السوري فقط، بل لعوامل أخرى، منها عدم رغبة حلفاء نظام الأسد في تقديم أية مساعدة في الوقت الذي كان بأمس الحاجة إليهم، وهم إيران وروسيا وحزب الله في لبنان.
قبل سقوط الأسد بفترة من الزمن، كانت الدول الحليفة قد قدمت المساعدة اللازمة لنظام الأسد لمواجهة المعارضين الذين خرجوا على الساحة بالتزامن مع خروج العديد من المعارضين في الشرق الأوسط، فيما يعرف بالربيع العربي.
أما الآن، فقد تخلى حلفاء بشار الأسد عنه، باستثناء تقديم مساعدة رمزية بسيطة، جاءت في وقت متأخر جدًا، إلى جانب كونها مساعدة بسيطة للغاية.
إيران، التي كانت لفترة تترأس ما يسمى «محور المقاومة» تعيش حالة حرب بالوكالة مع إسرائيل، كما أنها لم تتعافَ بعد من الضربات التي تلقتها من إسرائيل. لذلك عرضت على الأسد مساعدات بسيطة تمثلت في إرسال مجموعة طائرات بدون طيار وبعض الصواريخ لدعم حكومته.
أما حزب الله، الذي خسر عددًا من أبرز قيادييه نتيجة الهجمات الإسرائيلية عن بُعد، وتعرض جنوده لهجمات في مواقع متفرقة في لبنان وبيروت، فقد قرر إرسال اثنين من مستشاريه إلى دمشق وحمص يوم الجمعة 6 ديسمبر، ولكن ذلك لم يكن كافيا، فقد استطاعت المعارضة السورية السيطرة على حمص، وسرعان ما انتقلت للسيطرة على دمشق.
وبالنسبة لروسيا، فهي تعيش حالة تقدم بطيء في حربها مع أوكرانيا، لذلك لم تستطع الالتزام بوعدها في مساعدة نظام الأسد، وعلى الرغم من امتلاكها قاعدتين عسكريتين في سوريا، إلا أن وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» صرح بأن الهجوم المباغت الذي شنته المعارضة السورية كان الخطأ الوحيد، وأضاف في تصريح له أثناء حضوره مؤتمرًا في قطر، جمع مسؤولين من تركيا وإيران بهدف إيجاد سبلٍ لإنهاء الصراع في سوريا: «إن سيطرة الجماعة الإرهابية على الأراضي السورية أمر غير مقبول، ولن يتم السماح بذلك».
لكن الهجوم المباغت الذي شنته المعارضة المسلحة وتقدمها المفاجئ انطلاقًا من شمال سوريا «كان بمثابة صدمة لدمشق»، وفقًا لما وصفه مركز «كارنيغي روسيا أوراسيا»، وهو مركز أبحاث مقره في برلين. وجاء في بيان المركز: «إن عجز النظام السوري بقيادة بشار الأسد عن صد الهجوم لا يمكن تفسيره إلا بضعف دعم حلفاء الأسد، فإيران وحزب الله متضررتان، وروسيا منشغلة بحربها ضد أوكرانيا».
والسؤال هنا ماذا عن الجيش السوري؟ الجيش، في الأساس، ذو تجهيز ضعيف، ويتكون غالبًا من أفراد ينتمون إلى الطائفة السنية، وهي الطائفة الغالبة في سوريا، وهذه الطائفة، بشكل عام، معارضة للأسد وتعتبر مضطهدة في كثير من الأحيان، ومع إحراز المعارضة تقدما في الأشهر الأخيرة، انعكس ذلك على الجيش الذي تفكك، إذ ترك في النهاية مدن حلب وحمص ودمشق دون الدفاع عنها.
وقد فسر ذلك عدد من المحللين، وأرجعوه إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، والتي أثرت سلبًا على كل السوريين عموما، وعلى الروح المعنوية للجيش بشكل خاص، فالجيش السوري يعتمد بشكل أساسي على المجندين.
قال الصحفي السوري جهاد يازجي رئيس تحرير «تقرير سوريا»، في تصريح: «إن انهيار الجيش السوري يمثل انهيارًا عامًا في مؤسسات الدولة السورية، أشعر بشكل عميق أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لا يمكن لها أن تتحسن، بل إن احتمالات التحسن فيها أمر ضئيل جدًا».
فيما قال «ناثانيال هول» وهو باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن: «يمثل اختفاء قوات الأمن السورية مفاجأة إلى حد ما، ولكنها ليست مفاجأة كبيرة، فلم تكن للقوات الروح المعنوية القادرة على الوقوف في وجه شيء مثل هذا».
وفي محاولة منه لدعم نظامه، اعتمد الأسد على الميليشيات المحلية، التي كانت تواجه أحد أمرين، إما كونها غير راغبة في إحباط هجوم المعارضين المسلحين، أو أنها لم تستطع ذلك، وإضافة إلى ذلك اعتمد الأسد على وحدات من الحرس الجمهوري النخبوي، وجهاز استخبارات كبير جدا، وكلاهما يضم أفرادًا من الطائفة العلوية الذين يشكلون نسبة كبيرة في تكوينهما، وهي الطائفة التي يثق بها الأسد في قمع المعارضين.
إن موقع تمركز الحرس الجمهوري غير معروف إلى الآن أثناء تقدم المعارضين في دمشق، كما أن مصير ضباط المخابرات غير معروف.
أما نظام «التجسس الداخلي» في سوريا فقد شهد تدهورًا قبل فترة طويلة من الانتفاضة الأخيرة، وذلك وفق ما جاء في بيان لمعهد «تشاتام هاوس»، الذي يتخذ من لندن مقرًا له. حيث جاء في البيان: «إن أجهزة الأمن في سوريا لا تزال تحكم البلاد بقبضة من حديد، ولكن النظام لم يعد مسيطرًا على البلاد مثلما كان يفعل سابقا، بالإضافة إلى أن النظام تنقصه الموارد والشرعية الكافية لإحلال السلام والاستقرار».
إن المنتصر في الأحداث السورية الأخيرة، التي تشكل تحولًا مفاجئًا، هو مجموعة من جماعات المعارضة المتنوعة، التي كانت تتمركز في شمال شرق سوريا، كما أن بعضها كان منتشرًا على طول الحدود الجنوبية والشمالية البعيدة.
ومن أكبر هذه الجماعات جماعة «هيئة تحرير الشام»، التي دخلت دمشق، وتمت مشاهدة زعيمها، أبو محمد الجولاني، في مدرجات قلعة حلب الكبيرة محاطا بأنصاره، وذلك الأسبوع الماضي عندما سيطرت الهيئة على حلب.
كانت هيئة تحرير الشام في السابق جزءًا من تنظيم القاعدة، الذي سعى لتأسيس دولة إسلامية أصيلة في سوريا، ومع ذلك انفصلت الجماعة عن التنظيم في عام 2017، وبدأت منذ ذلك الحين تسعى لتحسين صورتها على المستوى الدولي، متعهدة بعدم تنفيذ عملياتها خارج الأراضي السورية، ورغم هذه الخطوة، لا تزال كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يصنفانها كمنظمة إرهابية.
على مدار السنوات الأخيرة، أصبحت إدلب، الواقعة في شمال شرق سوريا، تحت إدارة هيئة تحرير الشام بشكل فعلي، ومع استمرار الحرب الأهلية دخل آلاف اللاجئين إلى هذه المنطقة، بالإضافة إلى لبنان وتركيا، مما وفر للهيئة قاعدة كبيرة من الأفراد الذين يمكن تجنيدهم في صفوفها.
التحدي القادم الذي يلوح أمام هيئة تحرير الشام هو فرض نوع من الحكم المدني في المناطق التي تسيطر عليها، باستثناء المناطق الساحلية وبعض المناطق المحدودة التي تتركز فيها القوات الأمريكية شمال البلاد وبالقرب من الحدود مع الأردن.
الهجوم الأخير الذي أدى إلى السيطرة على دمشق شهد تعاونًا بين قوى مختلفة، من بينها «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي مجموعة كردية مدعومة من الولايات المتحدة، و«الجيش الوطني السوري»، المدعوم من تركيا، الذي تستخدمه لمواجهة الفصائل الكردية الانفصالية داخل سوريا، في ظل خشية أن تؤدي طموحاتها إلى دعم انفصال كردستان العراق.
على الجانب الآخر، تحتفظ روسيا، الحليف الرئيسي للنظام السوري، بوجود قوي على الأرض من خلال قاعدة بحرية على البحر الأبيض المتوسط وقوات عسكرية منتشرة في الداخل، وخلال الأيام الماضية كثفت روسيا استعراض قوتها بنشر المدفعية والصواريخ حول قواعدها تحسبًا لأي تحرك من قبل المعارضين.
في الوقت ذاته، أصدرت إيران بيانًا يدعو إلى «وقف العمليات العسكرية بسرعة، ومنع أي أعمال إرهابية، والبدء بحوار وطني شامل»، بينما فضل حزب الله عدم الإدلاء بأي تصريحات.
أما في الولايات المتحدة، فقد تعاملت إدارة «جو بايدن» بحذر مع المستجدات، خاصة في ظل فترة انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» واكتفت بالإشارة إلى أنها «تتابع عن كثب التطورات غير العادية في سوريا».
وبشكل متناقض مع إدارة «جو بايدن» أطلق «دونالد ترامب» تصريحات قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن «الأسد قد غادر سوريا»، وأن روسيا، بقيادة «فلاديمير بوتين» لم تعد مهتمة بحمايته، كما أشار إلى أن روسيا وإيران لديهما معاناتهما، الأولى بفعل الحرب في أوكرانيا والأزمات الاقتصادية، والثانية بسبب ضغوط إسرائيل ونجاحاتها العسكرية.
وفي ختام حديثه، أعلن «دونالد ترامب» الذي لم يكن قد استلم منصبه بعد، أن الولايات المتحدة لن تتدخل في الشأن السوري بأي شكل من الأشكال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام الجیش السوری فی سوریا
إقرأ أيضاً:
ليتم إغلاق ملف «ساهم»
الإعلان عن «631» وظيفة شاغرة في عدد من الوحدات الحكومية مؤخرًا خبر أفرح الجميع، وكان له وقع إيجابي لدى المواطنين، لكنني كآخرين كُثُر تمنيت لو ترافقت هذه الخطوة المهمة مع خطوة ثانية تُسوّى فيها أوضاع من توظفوا ضمن مبادرات مختلفة، من أهمها مبادرة «ساهم»، ليتم إغلاق هذا الملف إلى الأبد.
الذي يمكن أن يُبرر اتخاذ خطوة كهذه أن بعض موظفي «ساهم» سيدخلون سنتهم الرابعة وهم يعانون قلق عدم الاستقرار الوظيفي، رغم قيامهم بكل أعمال الموظف الرسمي، والراتب المجزوء، والميزات المنقوصة التي يحصلون عليها، وأجواء التوتر النفسي التي يكابدونها.
ولعل ما يزيد من معاناة موظفي المبادرة أن عددًا من المؤسسات الحكومية عمل على تثبيت جميع موظفيه دون أي معوقات، فيما ثبّت بعضها عددًا محددًا، ولم يُثبت عدد آخر، ربما بسبب نقص الدرجات المالية أو بحجة عدم تحقيقهم لمعايير منصة «إجادة»، التي صُممت في الأساس من أجل رفع أداء وكفاءة الموظف «الرسمي» وتحقيق أهداف الوظيفة.
لقد أدى تفاوت تثبيت الموظفين من مؤسسة لأخرى من جانب، وعدم وضوح رؤية مسؤولي عدد من المؤسسات الحكومية للعلاقة المباشرة بين تقييم منصة «إجادة» وفرصة تثبيت موظف مبادرة «ساهم» من جانب آخر، إلى حرمان بعض المواطنين من امتياز الحصول على الوظيفة، حيث استندت هذه المؤسسات إلى عذر عدم تحقيقهم التقديرات العالية ضمن المنصة، التي مُنحت بصورة غير موضوعية للموظف الثابت، الذي سيحصل نظير ذلك على مكافأة مالية وفرصة الترقية مستقبلًا.
لا شك أن المسؤول الحكومي فوّت بذلك فرصة التوظيف الكامل على موظف مبادرة «ساهم» بحرمانه من الحصول على تقدير «فوق جيد»، وأبقاه لأمد غير معروف تحت ضغط الانتظار الشاق، بسبب اعتباره موظفًا مؤقتًا و«ليس أولوية»، تدور الشكوك حول بقائه في المؤسسة.
ربما لم يخطر ببال القائم على المؤسسة أن إجراء كهذا كفيل بأن يُفقد الموظف حماسه في العمل أو أن يدفعه باتجاه عدم الاكتراث. كما أنه ـ وهذا أمر طبيعي ـ سيؤدي إلى تأسيس علاقات متوترة وغير صحية مع الزملاء والمسؤولين على المدى البعيد، وهو ما سيؤثر تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على جودة العمل اليومي ومستوى أداء المؤسسة العام.
تمنيت أن تُطوى سيرة ملف «ساهم» بتعيين كل من انضوى تحت لواء المبادرة، فجُلّهم أثبت مسؤولية عالية ومهارة فائقة في الأعمال الموكلة إليه، خاصة في المؤسسات التي تُعاني نقصًا حادًا في موظفيها. وإذا تعذر ذلك، تكون أولوية التعيين للدفعات الأولى ومن يعانون هشاشة مادية.
تمنيت أيضًا ألا يطول انتظار أي مواطن للوظيفة التي بدأ يستوعبها، وأن تُصدر الحكومة قرارًا توصي من خلاله كل وحدة حكومية بتعيين القوائم التي لديها من مبادرة «ساهم» بصورة نهائية، لأن المواطن في أي وزارة واحد، والمصلحة الوطنية واحدة.
النقطة الأخيرة..
تثبيت بعض موظفي مبادرة «ساهم» في وظائفهم وتخطي بعضهم، إجراء لا مسوغ له بعد سنوات عجاف من الترقب والانتظار.
عُمر العبري كاتب عُماني