صحيفة التغيير السودانية:
2025-07-31@01:38:29 GMT

الكيزان وتسييس الامتحانات

تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT

الكيزان وتسييس الامتحانات

الكيزان وتسييس الامتحانات

د. النور حمد

في بلد أصبحت، من حيث نظام الحكم والإدارة، جزرًا متقطعةً، وفي ظروفٍ طال فيها التشرد والعوز وانعدام الأمن الشخصي ملايين السكان، تصر حكومة الكيزان في بورتسودان على إقامة امتحانات الشهادة السودانية. لكن لا غرابة، فالكيزان، منذ أن وصلوا إلى السلطة في عام 1989، وطَّنوا أنفسهم على أن يتجاهلوا، وألا يحسُّوا، ولا يتعاطفوا مع الشعب، مهما أصابه.

ظلوا هكذا على مدى ثلاثين عامًا، أضاف إليها الفريق عبد الفتاح البرهان خمس سنواتٍ أخرى.

ما يهم الكيزان هي أن يكسبوا. فهم فرقةٌ جُبلت على الكسب، دون النظر لأي اعتبارات أخرى، أيًّا كانت. فهم يريدون كسب أي حربٍ، رغم أنهم لم يكسبوا أي حربٍ خاضوها؛ لا حرب الجنوب، ولا حرب دارفور، ولا حرب جبال النوبة، ولا حرب جنوب النيل الأزرق، ولا حتى حرب أبريل هذه، التي لا تزال رحاها دائرة. إلى جانب ذلك، ظلوا مصرِّين على احتكار السلطة، وأن يكونوا الجهة الوحيدة الكاسبة سياسيًا. وأي دعوة سبق أن دعوها للحوار وللتوافق الوطني، كانت لا تنتهي إلا بانفرادهم بسلطة القرار، وجعل الآخرين مجرد ديكور.

لكن، هم يحرصون، أكثر من هذا وذاك، على الكسب المالي. لقد أخرجوا الناس من الأسواق واحتكروها لأنفسهم وفق خطَّةٍ مُحكمةٍ ممنهجة. بل فصلوا الموظفين الأكفاء من وظائفهم ليأخذوا مواقعهم لأعضاء تنظيمهم. كما احتكروا ثروات البلاد لأشخاصهم وتنظيمهم، وأخفوها عن أعين الشعب والدولة. فجعلوا البلاد، من حيث مستوى التنمية الاقتصادية، بسبب نهب الثروات على مدى 35 عامًا، مضحَكةً بين البلدان. باختصار، هذه فرقةٌ دينيةٌ ضالةٌ، تحولت إلى عصابةٍ ناهبة. فأضحى محركها الوحيد هو الكسب الشخصي والجهوي، سواءً في السلطة أو في المال، دون النظر لأي اعتبارات أخرى. من أجل ذلك، ظلت هذه العصابة الشرهة للتحكم في كلِّ عرضٍ زائلٍ، تقتل خارج نطاق القانون، بصورةٍ فرديةٍ وجماعية، وتُخفي قسريًّا، وتعذِّب، وتشرِّد، وتغتصب، وتنهب، وتبيع أراضي البلاد، وترتكب كل موبقة.

مواصلةً لهذا النهج، وضمن حملتها التضليلية الضخمة التي تهدف إلى القول إنهم لا يزالون ممسكين بزمام الأمور، رغم هروبهم من العاصمة القومية، واتخاذهم عاصمةٍ جديدة، في أقصى ساحل بحري في شمال شرقي البلاد، تجدهم يجهدون أنفسهم في تسويق الوهم للعامة بأن كل شيءٍ على ما يرام. وعلى سبيل المثال، تجد الفريق البرهان يعين واليًا لغرب دارفور، رغم أن الكل يعرف أن غرب دارفور واقعةٌ تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بل إن حاكم الإقليم نفسه يعيش لاجئًا في بورتسودان. كما تقرأ في الأخبار، وهذا مما قرأته اليوم، أن: “لجنة أمن ولاية الخرطوم تقف على جملة من الإنجازات في المجالات الجنائية وضبط العصابات والحد من الظواهر السالبة”. هذا في حين أن حكومة الكيزان لا وجود لها في كامل ولاية الخرطوم، إلا في جيوب صغيرة منعزلة، أكبر جيب فيها هو جيب محلية كرري، الذي لا تتجاوز مساحته ثلاثين كيلومترًا مربعا. كما يعلم الجميع أنه لا توجد شرطة في كامل ولاية الخرطوم منذ بداية الحرب ليقوموا بضبط العصابات. بل، إن الذين ينهبون الثورات وأحياء أمدرمان القديمة هم جنود الجيش أنفسهم. والكل يعلم أنهم يبعيون المسروقات، جهارًا نهارًا، في سوق صابرين، في قلب محلية كرري.

على غرار هذه الأكاذيب تصر عصابة بورتسودان على إجراء امتحانات الشهادة السودانية، بصورةٍ جزئية في الأجزاء التي يسيطر عليه الجيش. وقد أورد موقع قناة سكاي نيوز عربية، أن التقديرات تشير إلى أن نحو 400 ألف طالب، يمثلون ثلثي أعداد الطلاب البالغة 600 ألف، لن يتمكنوا من الجلوس للامتحانات، لأنهم يقعون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. يُضاف إلى ذلك، أن المدارس التي كان يقيم فيها اللاجئون قد أُخليت بالقوة لكي يجري إعدادها لتكون مقَّراتٍ للامتحانات، وكأن الامتحانات أهم من إيواء الذين شردتهم الحرب.

هذا الإصرار على إقامة امتحانات الشهادة بهذه الصورة الجزئية المخلة يوغر نفوس من لا يستطيعون المجيء لأدائها، ويعمق الانقسام المجتمعي، بل وانقسام البلاد نفسها. ولا أستبعد أن يكون الإصرار على إقامة هذه الامتحانت جزء من حملة إيذاء حواضن الدعم السريع، بلا جريرة اقترفوها. يُضاف إلى ما تقدم، فإن ذهاب من يستطيعون الذهاب لأدائها يكلِّف الأسر التي يذهب أبناؤها وبناتها لأدئها كلفةً ماليةً فوق طاقتها. فهي أحوج ما تكون للمال لمواجهة مشاكل المعيشة التي تتصاعد كلفتها يوميًّا، وإبعاد شبح المجاعة التي أضحت تهدد الجميع. فالأسر تدبِّر مالاً لسفر وإسكان أبنائها وبناتها، في مقرَّات الامتحانات، في وقتٍ أصبحت فيه كلفة السفر والإسكان باهظةً للغاية. وقد أشارت بعض التقارير أن بعض الطلاب الذين حاولوا الالتحاق بالامتحانات قد تعرَّضوا، للاعتقال تحت ما يسمى قانون “الوجوه الغريبة”. وما من شكٍّ، أن السفر لمسافاتٍ طويلةٍ في مثل هذه الظروف، التي تضعضعت فيها سلطة الدولة وعمَّت فيها الفوضى، يشكِّل خطرًا كبيرًا على الطلاب والطالبات المسافرين.

مرةً أخرى، الكيزان تهمهم أغراضهم هم، غض النظر عما يصيب الآخرين من جراء إصرارهم على فعل ما يريدون فعله. فغرض هذه الامتحانات سياسيٌّ بحت، وهو القول أن الأمور تحت السيطرة وأن الدولة وأجهزتها لا تزال تعمل. وكل هذا هراءٌ كيزانيٌّ تعودناه لعشرات السنين. لقد تجاهلوا كل هذه الاعتبارات التي ذكرناها، وهي اعتبارات يمكن أن يراها كل شخصٍ عاقلٍ في مثل هذه الظروف، لكن الكيزان تعوَّدوا ألا يروا إلا ما يريدون.

ما معنى أن تمتحن الدولة ثلث الطلاب في القطر وتترك الثلثين؟ ثم أين هي الجامعات العاملة حاليًا، التي سوف تستوعب الناجحين من هؤلاء؟ ودعك من طلاب الثانويات المساكين الذي أُجبروا على القيام بهذه المخاطرة الكبيرة التي أرهقوا فيها كاهل أسرهم، ودعنا نسأل: كم من الذين تخرَّجوا من الجامعات عبر سنوات الإنقاذ أوجدت لهم سلطة الكيزان فرصًا للعمل؟ وهل الأَوْلى في مثل هذه الظروف بالغة السوء، التصدي لمشاكل التشرد والجوع وانعدام الأمن وتوفير الدواء، أم امتحان الطلاب بلا هدفٍ ذي مردودٍ واضحٍ من امتحانهم؟ ولا أستبعد إطلاقًا أن تكون وراء هذا الأمر أغراضٌ خفيةٌ أخرى، كجمع الرسوم، وخلق سوقٍ حامٍ للترحيل، وللسكن، وانعاش الأسواق بما يفيد المتنفذين، وغير ذلك. خلاصة القول، لن تنصلح هذه البلاد، يد الدهر، ما بقيت شؤونها في قبضة هذه العصابة الإجرامية.

[email protected]

الوسومالامتحانات الخرطوم السودان الكيزان امتحانات الشهادة السودانية بورتسودان د. النور حمد دارفور عبد الفتاح البرهان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الامتحانات الخرطوم السودان الكيزان امتحانات الشهادة السودانية بورتسودان د النور حمد دارفور عبد الفتاح البرهان امتحانات الشهادة لا حرب

إقرأ أيضاً:

إحالة سارة خليفة و27 آخرين إلى الجنايات بتهمة جلب وتصنيع المواد المخدرة والاتجار فيها

أمرت النيابة العامة بإحالة ثمانية وعشرين متهمًا - من بينهم المتهمة سارة خليفة حماده- إلى محكمة الجنايات، لمعاقبتهم عما نُسب إليهم من اتهامات بتأليف عصابة إجرامية منظمة تخصصت في جلب المواد المستخدمة في تخليق المواد المخدرة، بغرض تصنيعها بقصد الاتجار، وإحراز وحيازة أسلحة نارية وذخائر بغير ترخيص.

وكشفت التحقيقات عن قيام المتهمين بتأليف منظمة إجرامية يتزعمها بعضهم، بغرض تصنيع المواد المخدرة المُخلقة بقصد الاتجار فيها، وذلك عن طريق استيراد المواد المستخدمة في التصنيع من خارج البلاد.وتوزعت الأدوار فيما بينهم على مراحل، فاضطلع بعضهم بجلب المواد الخام، وتولى آخرون تصنيعها، بينما تولى الباقون ترويجها. وقد اتخذ المتهمون من أحد العقارات السكنية مقرًا لتخزين تلك المواد وتصنيعها.

وبلغ إجمالي ما ضُبط من مواد مخدرة مُخلقة ومواد خام داخلة في تصنيعها، أكثر من 750 كيلو جرامًا.

وفي ضوء ما أسفرت عنه التحقيقات، أصدرت النيابة العامة عددًا من القرارات العاجلة، شملت حصر ممتلكات المتهمين، والكشف عن سرية حساباتهم المصرفية، والتحفظ على أموالهم، وإدراج المتهمَيْن الهاربَيْن على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، واستمرار حبس باقي المتهمين.

وأستند قرار الإحالة إلى أقوال عشرين شاهدًا، وأدلة فنية ورقمية، تمثلت في محادثات وصور ومقاطع مرئية توثق النشاط الإجرامي للمتهمين.

اقرأ أيضاًقرار عاجل ضد المتهم بنشر خبر ضبط أحد أعضاء النيابة العامة في قضية سارة خليفة

بعد قضية سارة خليفة.. الداخلية تحبط إغراق البلاد بـ حشيش اصطناعي بقيمة 70 مليون جنيه

ترويج المخدرات في المناطق الراقية.. القصة الكاملة للقبض على الإعلامية سارة خليفة

مقالات مشابهة

  • الإجهاد الحراري.. جمال شعبان يحذر المواطنين من موجة الحر التي تضرب البلاد
  • وزير الخارجية يٌدين الجريمة السعودية بحق يمنيين في جيزان ويدعو إلى تحقيق دولي فيها
  • المارديني لـ سانا: هدفنا هو تقديم تجربة إعلانية تُبرز الوجه العصري لدمشق منذ لحظة الوصول إلى أرض المطار، إيماناً منا بأن المطار هو النافذة الأولى التي يطل منها الزائر على البلاد
  • السيسي يتلقى رسائل من اتحاد الكرة وفريق الزمالك.. هذا ما جاء فيها
  • منفذ هجوم نيويورك ترك رسالة يلوم فيها اتحاد دوري كرة القدم.. ما السبب؟
  • سموتريتش: نقترب من إعادة احتلال غزة والاستيطان فيها... وخطة إسرائيلية لضم أجزاء من القطاع
  • إحالة سارة خليفة و27 آخرين إلى الجنايات بتهمة جلب وتصنيع المواد المخدرة والاتجار فيها
  • الكرملين يرفض التعليق على تصريحات لترامب هاجم فيها بوتين
  • بالصور.. هذه هي كنيسة رقاد السيدة التي سيشيّع فيها زياد الرحباني
  • الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة؟.. الإفتاء توضح