حكم أداء الصلوات في غير اتجاه القبلة للمسافر .. دار الإفتاء توضح
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (شخص سافر إلى مكان ما، وأقام فيه مدةَ شهرٍ، وأدى الصلوات المفروضة دون أن يتحرَّى القبلة، وفي نهاية مدة سفره ظهر له وتأكَّد أنه كان بالفعل مستقبلًا للقبلة الصحيحة في صلاته، فما مدى صحة صلاته؟ وهل يجب عليه إعادتها لكونه لم يتحرَّ القبلة منذ البداية؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إنه من المقرَّر شرعًا أنَّ استقبال القبلة شَرْطٌ من شروط صحة الصلاة، وجمهور الفقهاء على أنَّ الواجب على مَنْ أراد الصلاة وجَهِلَ جهة القبلة، هو السؤال عنها أو الاجتهاد في تحرِّي إصابةِ جهتها، فإذا تَرَكَ الاجتهاد في تحرِّي القبلة -دون جَهْلٍ أو نسيانٍ- وصلى، فإن تبين الخطأ في إصابة جهة القبلة بطلت صلاته ووجب عليه إعادتها، وإن تبين عدم الخطأ وتحقق أنّه قد أصاب جهة القبلة -وهو محل السؤال-، فقد اختلف الفقهاء في صحة صلاته، مع اتفاقهم على كونه مُقصِّرًا بتركه الاجتهاد أو التحري وسؤال غيره.
وأوضحت دار الإفتاء أنه قد ذهب الحنفية في المعتمد عندهم والحنابلة في قولٍ إلى أنَّ صلاته صحيحةٌ ولا تجب عليه الإعادة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُ﴾ [البقرة: 150]، ولأنَّه أصاب القبلة، وهو المأمور به شرعًا عند أداء الصلاة، ولأن ما افترض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله.
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 303، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو صلى في الصحراء إلى جهة من غير شك ولا تحرٍّ: إن تبين أنه أصاب أو كان أكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شيء حتى ذهب عن الموضع فصلاته جائزة، وإن تبين أنه أخطأ أو كان أكبر رأيه فعليه الإعادة] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (1/ 362، ط. دار الكتب العلمية): [وإن صلى بلا تحر أعاد، وعنه: يعيد إن تعذر التحري، وقيل: ويعيد في الكل إن أخطأ، وإلا فلا] اهـ.
وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى بطلان صلاته ووجوب الإعادة عليه؛ لأنها مبنيةٌ على وَهْمٍ لا ظنٍّ راجحٍ الذي عليه مبنى الفقه.
قال العلَّامة العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 332، ط. دار الفكر): [إذا صَلَّى بغير اجتهادٍ فإنَّه يعيد أبدًا وإن أصاب القبلة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 492، ط. دار الفكر): [(فرع) فيما يُفْعَلُ من العبادات في حال الشك من غير أصلٍ يُرَدُّ إليه ولا يكون مأمورًا به، فلا يجزيه وإن وافق الصواب، فمن ذلك... شَكَّ إنسانٌ في القبلة فصلَّى بلا اجْتِهَادٍ فوافق القبلة... ففي كل هذه المسائل لا يجزيه ما فعله بلا خلاف] اهـ.
وقال العلَّامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (2/ 129، ط. دار الرسالة): [ومن صلَّى بلا اجتهادٍ ولا تقليدٍ، أو ظَنَّ جهةً باجتهاده فخالفها: أعاد] اهـ. ويُنظر: "عمدة الطالب" للعلَّامة البهوتي الحنبلي (1/ 69، ط. مؤسسة الجديد النافع).
والذي عليه الفتوى هو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في معتمدهم من وجوب الإعادة عليه؛ وذلك خروجًا من خلاف العلماء، واحتياطًا لأمر الصلاة، ومن ترك الإعادة أجزأته صلاته؛ لِـمَا تقرَّر من أنَّ أفعال العوام بعد صدُورِها منهم محمولةٌ على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلِّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم ما أمكن ذلك.
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ: أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ، وهذا فيما فات من صلوات أمَّا ما يستقبل فيجب الاجتهاد والتحري أو السؤال.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجب شرعًا على من أراد الصلاة وجَهِلَ جهة القبلة أن يسأل عن اتجاهها أو أن يجتهد في تحرِّيها، وإن لم يسأل وترك الاجتهاد في تحرِّيها وصلَّى، فإن تبيَّن له الخطأ فصلاته غير صحيحة وتلزمه إعادتها، وإن تبيَّن عدم الخطأ وتحقق أنه قد أصاب القبلة: فمقصرٌ في أداءِ واجبِ الاجتهاد، والأصل أنه تلزمه إعادة الصلاة؛ على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد، ولو قلَّد من يُصحِّحُ الصلاةَ فلا بأس، مع وجوب تحري القبلة فيما يُستقبل من صلوات -بالاجتهاد أو السؤال؛ خروجًا من خلاف الفقهاء، واحتياطًا لأمر الصلاة المفروضة التي هي عماد الدين وركنه الأعظم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصلاة دار الإفتاء الوضوء السفر القبلة المزيد دار الإفتاء جهة القبلة فی تحر
إقرأ أيضاً:
علي الطلاق بالتلاتة منا واكل.. الإفتاء توضح هل يقع بها انفصال حال حنث اليمين؟
في رده على استفسار مقدم من أحد المتابعين، أوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى ومدير إدارة البوابة الإلكترونية بدار الإفتاء المصرية، الحكم الشرعي لحالة من حلف يمين طلاق متعلقًا بالطعام ثم أكل بعدما تصالح مع زوجته.
وجاء السؤال على النحو التالي: "حلفت يمين طلاق على الأكل وأكلت لما زوجتي راضتني، فهل على كفارة يمين وهل اليمين وقع أم لا؟".
أجاب الشيخ أحمد وسام بأنه بمجرد زوال سبب الخلاف الذي دفع الرجل إلى الحلف، ينتهي أثر هذه اليمين ولا تترتب عليه أي كفارة ولا يقع الطلاق.
وشرح أن الفقهاء يصفون هذا النوع بـ "يمين الفور" أو اليمين التي تنتهي بمجرد انتهاء المشكلة المباشرة التي قيلت بسببها ، وبما أن الزوجة قد صالحت زوجته، فقد انحلت المشكلة الأساسية، وبالتالي لا يقع الطلاق ولا تجب الكفارة.
حكم الحلف بالطلاق
وفي سياق متصل، تناولت الدار خلال بث مباشر سؤالاً آخر حول طبيعة الحلف بعبارة "عليَّ الطلاق".
وأوضح الدكتور محمد عبد السميع، مدير إدارة الفروع الفقهية وأمين الفتوى بالدار، أن القول "عليَّ الطلاق" يعتبر حلفاً بمعنى القسم بالله، وتكون كفارته هي كفارة يمين عادية إذا لم يقترن بلفظ التطليق الصريح. ونبه إلى أن بعض الصيغ قد تحمل أكثر من يمين وتحتاج إلى تحقيق لفظي دقيق.
حكم الطلاق أثناء الحيض
كما تناولت الإفتاء سؤالاً ثالثاً عن حكم الطلاق أثناء فترة الحيض، وأفادت بأن هذا الطلاق يقع من الناحية الشرعية بمعنى أنه صحيح مستوفٍ للأركان، ولكنه يعد طلاقاً بدعياً محرماً لكونه مخالفاً للأمر الشرعي بعدم طلاق المرأة أثناء الحيض.
وأكدت أن وقوع الطلاق (صحته) أمر، وحرمة إصداره في ذلك التوقيت أمر آخر، والمعصية هنا ترتبط بمخالفة التشريع حتى مع صحة الفعل قانوناً.