وكيل الأزهر: منطقتنا العربية تعرضت لكوارث متلاحقة نتيجة أفكار وانحرافات عن جادة الصواب
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن العالم يمر بأزمات يندى لها جبين البشرية، وإن عالمنا الإسلامي والعربي ليس بمعزل عنها، موضحا أن منطقتنا العربية تعرضت خلال السنوات القليلة الماضية إلى كوارث متلاحقة أصابت كثيرا من الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، نتيجة أفكار وانحرافات عن جادة الصواب استغلها المغرضون لتدمير عقول الشباب وتفكيك وحدة الأوطان فغاب الأمن والأمان، وذلك في الوقت الذي نقر فيه أن الشريعة الإسلامية بما فيها من أحكام مختلفة تحرص على تحقيق الأمن والطمأنينة في حياة الأفراد والمجتمعات.
وأوضح وكيل الأزهر، خلال كلمته اليوم بالندوة الدولية لدار الإفتاء المصرية، والتي تقام تحت عنوان «دور الفتوى في تحقيق الأمن الفكري»، أوضح أن ظهور متطفلين على الفتوى؛ ساهم في تعميق أزمات عالمنا العربي والإسلامي، مبينا أن ما أتاحه الإعلام ووسائله المتنوعة، وخاصة وسائل التواصل التي سهلت انتشار الفتوى، ونشرها في الآفاق، ربما ساعد على هذا التطفل، كاشفا عن أنه كلما كانت الفتوى أكثر شذوذا وغرابة، ازداد الاهتمام بها وتناقلتها الوسائل المشبوهة وصورت للناس أن هذا هو الإسلام وأحكامه.
حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردا.. الإفتاء توضح
حكم السجود على العمامة أو الطاقية.. الإفتاء توضح
وبيّن الدكتور الضويني، أن الناظر إلى واقع الناس في تعاملهم مع الفتوى يرى فوضى لا ضابط لها، فمن فتوى موجهة، إلى فتوى عمياء، إلى فتوى صحيحة ولكنها غير محاطة بأسوارها الفقهية، إلى فتوى تنشر حيث ينبغي أن تمنع! قائلا: "ليت الأمر مقصور على العلماء المتخصصين أو مؤسسات الإفتاء الرسمية، وإنما يزاحم هؤلاء دخلاء على الإفتاء من كل حدب وصوب، ممن لم تتوفر فيهم شروط الفتوى، وليست لديهم ملكة فقهية، موضحا أن موطن الداء في هذه الفتاوي غير المؤصلة وهؤلاء المفتين المفتونين بالشاشات والصفحات أنها لا تعبر إلا عنهم أو عن مذهبهم أو عن جماعتهم، وأنها قد تغفل أبعادا أخرى ضرورية في صناعة الفتوى.
وأكد وكيل الأزهر أن الإسلام وأحكامه لا يعرف إلا من خلال أهل العلم المعتبرين الذين أوجب الله تعالى على العامة الرجوع إليهم، وأن الفتوى البصيرة عامل مهم من عوامل استقرار النفوس، وأمن المجتمعات، إذا وضعت في إطارها الصحيح ووجدت من يقدمها بعيدا عن الأهواء والشهوات ومحاباة الاتجاهات الفكرية وغيرها.
العلماء الأجلاء.
وشدد وكيل الأزهر على أن حاجة المجتمعات إلى الأمن لا تقل عن حاجتها إلى الطعام والشراب، مبينا أن الإسلام قد حرص على تحقيق الأمن الفكري، وعده من المطالب الأساسية للمجتمعات الآمنة.
وقال وكيل الأزهر، إن الوصول إلى مجتمع آمن فكريا لا يكون بأماني العاجزين، ولا بأحلام الكسالى، وإنما يكون بصيانة الفتوى من الاختطاف بعيدا عن حياض العلم والشرع، وإن من الخطورة بمكان أن تستخدم الفتوى كسلاح لتمرير ممارسة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك، مؤكدا أن ذلك هو أول طريق الهزيمة للأوطان وللأمة، وأن الجماعات –وحتى الأفراد- التي تستخدم الفتوى سلاحا في يدها ترهب به كل معارض ظالمة لنفسها ولدينها ولأمتها.
كما أضاف وكيل الأزهر، أنه في الوقت الذي نعاني فيه من الفكر المنغلق، ووجهة النظر الأحادية نؤكد أن صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان نابعة من مرونتها التي استطاعت أن تقابل المتغيرات بأحكام منضبطة وفق ركن ركين من القواعد والأصول المقررة، وأن الفتاوى المعلبة لا تفي بحاجات المجتمعات المتغيرة في ظل سياقات الزمان والمكان والإنسان والحال المتغيرة.
ودعا وكيل الأزهر إلى إقرار قوانين وضوابط ومعايير تعنى بضبط وتصحيح مسيرة الإفتاء ووقاية المجتمع من تداعيات الانحراف بها عن جادة الصواب، والسعي لتأكيد ثقة الناس في المؤسسات الرسمية، بدلا من هذه الهوة المقصودة التي تسعى اتجاهات وأجندات لتجذيرها.
كما أكد الدكتور الضويني، ضرورة أن يعهد بالفتوى إلى الأمناء الذين يدركون الواقع بعين الفقيه المتشرع وعين العالم المتمرس، والذين يلتزمون في فتواهم بأصول الفتوى وضوابطها، ويؤسسونها على أدلة صحيحة معتبرة، والذين يختارون الأيسر للناس دون أن يتجاوزوا الأحكام المستقرة، ودون أن يوقعوا الناس في الإثم أو الحرمة، والذين يحققون مقاصد الشريعة الكلية، والذين يتجردون عن الهوى، مؤكدا أن ذلك وغيره من المعايير كفيل بأن يجعل المستفتي يقبل على الدين، يأوي به إلى ركن آمن، ويطمئن إلى صحة عقيدته وعبادته، ويتعامل به مع الناس وفق سعة الشريعة وسماحتها، فيحبهم ويحبونه، ويأنس إليهم ويأنسون إليه، فتتحقق المصلحة له ولهم، وتتحقق السعادة في الدارين للجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأزهر وكيل الأزهر منطقتنا العربية المزيد وکیل الأزهر الناس فی
إقرأ أيضاً:
وعاظ الأزهر يردون على أسئلة حجاج بيت الله الحرام .. صور
شَهِد موسم الحج لهذا العام مشاركةً متميزةً لوعَّاظ الأزهر وواعظاته في توعية حُجَّاج بيت الله الحرام بمناسك الحج، وذلك بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي، في إطار الدَّور الدَّعوي والتوعوي الذي يضطلع به الأزهر الشريف، ومشاركته الفاعلة في خدمة ضيوف الرحمن.
وتهدف هذه المشاركة إلى تقديم الدَّعم الدِّيني والعِلْمي للحُجَّاج منذ لحظة سفرهم بالمطارات والموانئ، مرورًا بمحطَّات أداء المناسك المختلفة، وذلك من خلال دروس إرشاديَّة ولقاءات مباشرة تستهدف تبسيط المناسك، والإجابة عن أبرز الأسئلة التي تشغل الحُجَّاج؛ كأحكام المبيت والتنقُّل بين المشاعر، إلى جانب الإرشادات السلوكية التي تعزِّز من وعي الحاج بمقاصد الشعيرة المباركة.
ولا تقتصر التوعية على الجوانب الفقهية فقط؛ بل تمتدُّ إلى البُعد الروحي للحج، من خلال تأكيد أنَّ الغاية الأسمى من أداء الفريضة هي تزكيةُ النفْس، وتعميقُ الصِّلة بالله، وبثُّ قِيَم الرحمة والتعاون بين الناس، وهي المعاني التي يحرص الأزهر الشريف على ترسيخها في وعي الأمَّة الإسلاميَّة.
بدوره، أكَّد الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، أنَّ مشاركة وعَّاظ الأزهر وواعظاته تأتي في إطار التكامل بين المؤسَّسات الوطنيَّة لخدمة الحُجَّاج، وتمثِّل خطوةً مهمَّةً لترسيخ الوعي الدِّيني الصحيح، وتعزيز روح الطمأنينة والسكينة في نفوس الحُجَّاج.
وأضاف الجندي، أنَّ هذه المشاركة تُعدُّ امتدادًا طبيعيًّا لدَور الأزهر الشريف في خدمة المجتمع، وترجمة فعليَّة لرسالته العالميَّة، التي لا تقتصر على التوعية داخل مصر فحسب؛ بل تمتدُّ لتصل إلى كل تجمُّع إنساني يحتاج إلى الكلمة الطيبة والنُّصح الرشيد، مؤكدًا أنَّ الأزهر سيظل حاضرًا في كل ميدان يؤدِّي فيه رسالة الخير والرحمة والاعتدال.
وأشار الأمين العام إلى أنَّ وجود وعَّاظ الأزهر وواعظاته في موسم الحج تأكيدٌ عمليٌّ على ريادة الأزهر العالميَّة في التوجيه والإرشاد، وتجسيدٌ حيٌّ لرسالته في التفاعل المباشر مع هموم الناس وقضاياهم الدِّينيَّة والروحيَّة.
وأوضح أنَّ هذا الحضور الميداني يعكس الثقة العميقة في خطاب الأزهر الوسطي الذي يجمع بين العِلم والرحمة، وبين الفقه والواقع، مشدِّدًا على أنَّ الأزهر سيظل في طليعة المؤسسات الدينيَّة التي تخاطب العقول والقلوب معًا، وتنزل إلى الميادين حيث يكون الناس؛ لتغرس فيهم معاني الهداية والسكينة، وتدفعهم إلى السُّمو الأخلاقي والمعنوي، في وقتٍ تشتدُّ فيه الحاجة إلى الكلمة الصادقة والفهم العميق والقدوة الصالحة.