أبو محمد الجولاني… النسخة السورية من “توكل كرمان”
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
يمانيون../
حين نتحدث عن أبو محمد الجولاني، قائد “هيئة تحرير الشام” في سوريا، نجد أمامنا شخصية مثيرة للجدل تحمل ملامح واضحة من الانتهازية السياسية والبراجماتية المفرطة.
ولعل المقارنة بين الجولاني والناشطة اليمنية توكل كرمان ليست تهجماً على الأخيرة بقدر ما هي محاولة لتسليط الضوء على التشابه بين الشخصيتين في تقلب مواقفهما وفق المصالح، وتكيفهما السريع مع المتغيرات السياسية، بما يضعهما في خدمة أجندات القوى التي تدعمهما، بغض النظر عن المبادئ أو المصالح الوطنية.
توكل كرمان: تناقضات سياسية تحت عباءة المثالية
ليس خفياً أن توكل كرمان، الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، قدمت نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية، لكن مسيرتها السياسية اتسمت بالكثير من التناقضات. فعلى الرغم من موقفها الحالي المناهض للعدوان السعودي على اليمن، إلا أنها كانت في بدايات العدوان مؤيدة ومبررة له، متجاهلة المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف بقيادة السعودية.
هذا التغير الجذري في مواقفها لم يكن نتيجة مراجعات فكرية أو أخلاقية، بل جاء عقب الأزمة الخليجية عام 2017، عندما وجدت نفسها في المعسكر القطري التركي، مما جعلها تتبنى خطاباً يخدم مصالح مموليها الجدد. هذا النموذج من التلون السياسي لا يقتصر على توكل كرمان وحدها، بل يمتد إلى جماعة الإخوان المسلمين ككل، الذين لطالما برروا تناقضاتهم السياسية والدينية تحت غطاء براغماتي بحت، يجمع بين عقيدة “الغاية تبرر الوسيلة” وما يشبه فلسفة ميكافيللي.
الجولاني: الوجه السوري للانتهازية السياسية
بالانتقال إلى المشهد السوري، نجد أن أبو محمد الجولاني يمثل النسخة الأوضح من هذه البراغماتية السياسية، لكن في سياق مختلف أكثر دموية وتعقيداً. بدأ الجولاني كأحد قادة تنظيم داعش في سوريا، قبل أن ينشق عنه ليؤسس “جبهة النصرة”، التي تحولت لاحقاً إلى “هيئة تحرير الشام”، وهي حركة ذات واجهة إسلامية لكنها تعكس أجندات إقليمية ودولية واضحة.
الجولاني، شأنه شأن كرمان، يعرف كيف يُعيد تشكيل صورته وفق المتغيرات. تخلى عن اسم تنظيمه الأول (النصرة)، وغير خطابه السياسي والعسكري، وحتى مظهره الخارجي، من زيّ عسكري إلى بدلات رسمية، ليقدم نفسه كقائد سياسي “معتدل”، يمكن التعامل معه دولياً. لكنه في جوهره لا يختلف عن ماضيه القريب، حيث كان واحداً من قادة تنظيم داعش المتشدد.
هذا التلون لم يكن عبثياً، بل جاء بناءً على مصالح القوى الداعمة له، خصوصاً قطر وتركيا. إذ عمل الجولاني على تنفيذ أجنداتهما في سوريا بمهارة، مستغلاً الدعم المالي والعسكري الذي قدمته هذه الدول، في حين أمعن في قمع الشعب السوري وفرض هيمنته على المناطق التي يسيطر عليها.
الهيمنة التركية القطرية على المشهد السوري
يعكس موقف الجولاني من الاحتلال الإسرائيلي في سوريا وفلسطين مدى ارتهانه للأجندة القطرية والتركية. فبالرغم من أن إسرائيل تحتل أراضٍ سورية بشكل علني، لم يطلق الجولاني ومسلحوه رصاصة واحدة باتجاه الاحتلال. بدلاً من ذلك، وجهوا سلاحهم ضد أبناء وطنهم، تحت ذرائع طائفية ومذهبية واهية.
لقد أظهرت تجربة الجولاني أن الاقتتال الداخلي هو الأولوية الكبرى بالنسبة له، بينما يظل الاحتلال الإسرائيلي بمنأى عن أي مواجهة أو تهديد. هذا الموقف يخدم تماماً مصالح قطر وتركيا، اللتين تستخدمان الفصائل المسلحة، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”، كأدوات لتنفيذ سياساتهما في المنطقة، دون أدنى اعتبار للمصلحة الوطنية السورية.
براجماتية الجولاني: وسيلة للبقاء
من خلال دراسة مسيرة الجولاني، نجد أنه نموذج للسياسي البراجماتي الذي لا يكترث بالمبادئ أو الأخلاق. استطاع أن يُحكم قبضته على العديد من الفصائل المسلحة في سوريا بفضل الدعم المالي والعسكري الذي قدمته له تركيا وقطر. هذا الدعم لم يكن لمصلحة الشعب السوري، بل لتكريس الهيمنة التركية القطرية على المشهد السوري، بما يخدم المصالح الإسرائيلية في نهاية المطاف.
إن سلوك الجولاني اليوم لا يختلف كثيراً عن سلوكه في “داعش”، فالاسم فقط تغير، بينما بقيت الممارسات نفسها: قمع، قتل، وترويع للشعب السوري، مع استخدام الدين كغطاء لتبرير أفعاله.
التبعات الكارثية على سوريا
إذا استمرت سيطرة الجولاني على المشهد العسكري والسياسي في سوريا، فإن البلاد مقبلة على أيام حالكة السواد. ستظل الفصائل المسلحة مشغولة بالاقتتال الداخلي، بينما تتفاقم معاناة الشعب السوري، الذي يعاني من القتل والتهجير والفقر.
لن تجرؤ هذه الفصائل على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو الدفاع عن الأراضي السورية المحتلة، لأن مصالحها مرتبطة بالمال القطري والدعم التركي، وكلاهما مرتبطان بعلاقات واضحة مع إسرائيل.
ختاماً: الجولاني رمز لفشل المشروع الوطني السوري
أبو محمد الجولاني، كغيره من قادة الفصائل المسلحة المرتبطة بأجندات خارجية، يمثل وجهاً قاتماً للفشل في تحقيق مشروع وطني سوري حقيقي. فبدلاً من أن يكون جزءاً من حل الأزمة السورية، أصبح أداة لتكريس الهيمنة الأجنبية على البلاد.
وإذا لم ينتفض الشعب السوري ضد هذه الهيمنة الصهيو-خليجية، فإن المستقبل يحمل المزيد من المآسي لسوريا وشعبها. الجولاني، تماماً كتوكل كرمان، ليس سوى رمز للتلون والانتهازية، حيث لا مكان للمبادئ أو الأخلاق في حساباتهما، بل المصالح وحدها هي التي تحدد مساراتهما.
السياسية محمد الجوهري
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أبو محمد الجولانی الفصائل المسلحة الشعب السوری توکل کرمان فی سوریا
إقرأ أيضاً:
بقاء الفصائل المسلحة في سوريا هل يقود إلى حرب أهلية
رغم التحسن النسبي للأوضاع الأمنية في سوريا قياسا بحالها نهاية العام الماضي، يبقى احتمال انزلاق هذا البلد في نفق الحرب الأهلية أمرا واردا مع استمرار الأسباب الجذرية للصراع وفي المقدمة الانتشار الواسع للفصائل المسلحة المتقاطعة المصالح والطموحات والنفوذ وغياب الشرعية السياسية الجامعة وأكثر من ذلك تجدد العوامل المغذية للصراع الطائفي والعرقي في بلد تنهشه تركة هائلة من الأزمات.
تحليل / أبو بكر عبدالله
منذ الإطاحة السريعة بنظام بشار الأسد، لم تعرف سوريا سوى استقرار نسبي خيب آمال كثيرين مع تصاعد وتيرة التهديدات الأمنية والتوترات بين الفصائل المسلحة المرتبطة بهيئة تحرر الشام ومسلحي الأقليات العلوية والكردية والدرزية، الذين تحولت مناطقهم إلى مسارح لمواجهات مسلحة وأعمال عنف وانتهاكات زادت منها العودة القوية لمسلحي تنظيم “القاعدة” وكذلك مسلحي تنظيم “داعش” الذي دعا مؤخرا هيئة تحرير الشام إلى التوبة والعودة “وترك الطاغية الجولاني”.
والترتيبات التي قادتها القيادة السورية -هيئة تحرير الشام- بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، تمكنت من احتواء 18 فصيلا مسلحا، أعلنت حل نفسها والاندماج ضمن الهيكل التنظيمي لهيئة تحرير الشام التي لم تحل نفسها بعد، في حين تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 400 فصيل مسلح نشط في الساحة السورية يعملون خارج نفوذ هيئة تحرير الشام التي تتولى الحكم المركزي في سوريا حاليا دون القدرة على السيطرة على بقية الفصائل.
والفصائل المسلحة “السنية” الخارجة عن نفوذ هيئة تحرير الشام تنتشر اليوم في كامل الأراضي السورية تقريبا، ويتصدرها فصيل” جيش الإسلام” والمتمركز حاليا في مناطق الشمال السوري وإلى جوارها “حركة أحرار الشام” والفصائل التي عملت تحت مظلة “غرفة عمليات فجر الحرية” التي شاركت في عمليات الإطاحة بنظام الأسد، وتضم العديد من الفرق العسكرية أبرزها فرقة السلطان مراد” وفرقة ” السلطان سليمان شاه” وفرقة الحمزة” وفصيل الجبهة الشامية، فضلا عن عشرات الفصائل غيرها.
وإلى جانب الفصائل المسلحة التي تتبع الأقليات العلوية والدرزية والكردية، هناك العشرات من الفصائل المسلحة سواء المرتبطة بدول إقليمية أو المحسوب بعض قياداتها على النظام السابق، وتعيش في حالة استنفار دائم تجاه هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة الإسلامية القريبة منها.
جميع الفصائل السنية التي تحالفت للإطاحة بنظام بشار الأسد بما فيها المندمجة ضمن هيئة تحرير الشام، لا تزال حتى اليوم تعيش حالة انقسام، وليس هناك أي مؤشرات ترجح قدرة السلطة السياسية الجديدة بقيادة احمد الشرع على احتواء هذه الفصائل التي لا تزال تثير قلقا داخليا وخارجيا وتضعف ثقة الأقليات السورية بالسلطة الانتقالية الجديدة، ما دعا العديد من الأطراف إلى توجيه تحذيرات من مخاطر أن يقود استمرار هذا الوضع الدولة السورية الجديدة إلى نفق الفوضى والحرب الأهلية.
ورغم الجهود التي نجحت في اقناع العديد من الفصائل المسلحة، للاندماج بالجيش الذي تقوده السلطة الانتقالية إلا أن هذا الجيش لا يزال يفتقر حتى اليوم للقيادة الموحدة، ما يزيد من احتمالات تفجر الصراع المسلح.
غير بعيد عن ذلك التنافس الحاد بين الفصائل المسلحة التابعة للسلطة الحاكمة والتوترات الحاصلة بينها وبين الفصائل المنشقة، والتي ترجح التقديرات أنها ستتحول مع مرور الوقت إلى صراعات مسلحة واسعة النطاق تلوح بذهاب سوريا من جديد إلى نفق الحرب الأهلية.
مشهد مضطرب
المخاوف من إمكان انزلاق سوريا مجددا في الفوضى والحرب الأهلية في ظل حكم الفصائل المسلحة المتصارعة تبدو اليوم واقعية كثيرا بالنظر إلى هشاشة الوضع الأمني وتصاعد العنف الطائفي والعرقي الذي سجل مؤخرا فصولا مأساوية في المواجهات بين قوات الحكومة الجديدة والأقليات العلوية والدرزية وأدت إلى مقتل المئات فضلا عن المواجهات المندلعة مع الأكراد في مناطق الشمال الشرقي والتي تثير أيضا مخاوف من انفجار عنف مجتمعي واسع النطاق في هذا البلد الذي مزقته الحروب.
هذه الصراعات وغيرها من الصراعات التي تواجه طوائف أخرى في الخارطة السورية، لم تكن بعيدة عن جوهر الصراع الطائفي والعرقي الذي يعصف بالبلد منذ عقود، وتفجرت جميعا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، نتيجة تسيد فصيل مسلح واحد على مشهد الحكم في ظل اقصاء الفصائل السياسية والطوائف الأخرى التي شعرت بالقلق من مخاطر تعرضها للسحق على خلفيات سياسية أو ثقافية أو طائفية.
ويصعب التكهن بقدرة السلطة السورية الجديدة التي استولت على الحكم بدعم تركي مكنها تاليا من الحصول على اعتراف دولي، على اذابة المشهد السوري المنقسم والمتوتر، فهي لا تزال تواجه ضعفاً وهشاشة في ظل انقسام الفصائل المسلحة المنخرطة فيها، فضلا عن علاقاتها المتوترة مع الفصائل المسلحة اختارت خوض حربها في مناطق مختلفة من الأراضي السورية بصورة مستقلة.
يتزايد التهديد في مناطق الأكراد بشمال شرق سوريا والتي تديرها قوات سوريا الديموقراطية (قسد) المعروفة باسم “وحدات حماية الشعب” حيث تراها تركيا الحليفة لهيئة تحرير الشام بكونها فرعاً لحزب العمال الكردستاني، ومصنفة من جانبها ودول أخرى كتنظيم إرهابي.
ذلك أن تركيا لا تزال مصرة على القضاء على نفوذ قوات سوريا الديموقراطية، من خلال دعمها الواسع لقوات الجيش الوطني الذي يخوض معها معارك بصورة مستقلة عن الإدارة السورية بهدف طردها من مناطق الشمال الشرقي السوري رغم خطوات المصالحة التي اتخذتها أنقرة مؤخرا مع حزب العمال الكردستاني.
ولا يستبعد المراقبون أن تأخذ التداعيات الأمنية في هذه المناطق مسارا دراماتيكيا، في ظل الترتيبات الجارية لاستلام هيئة تحرير الشام من قوات “قسد” السجون التي تأوي الآلاف من أسرى تنظيم “داعش” بما فيهم زوجاتهم وأطفالهم في ظل مخاوف من احتمال فرارهم أو الفشل في السيطرة عليهم بما قد يؤدي إلى كابوس أمني قد يهدد أمن الدولة السورية لعقود.
التدخل الخارجي
إشكالية أخرى تواجهها سوريا اليوم تتمثل بالتدخل الإقليمي والدولي الواسع، والذي تتصدره تركيا في الشمال، وروسيا في الساحل السوري وكذلك إسرائيل التي تستولي حاليا على أجزاء من الأراضي السورية في الجنوب، في حين تتهم تركيا بالعمل على توسيع نفوذها فيما تسميه “المنطقة الآمنة” بالشمال.
والتدخلات الخارجية في الشأن السوري تبدو متفردة عن كل نظيراتها في العالم فهي تمضي بصورة علنية بدءا من التدخل التركي في دعم فصائل مسلحة في الشمال وصولا إلى التدخلات الإسرائيلية في الجنوب، مرورا بالعديد من الأطراف الدولية التي وجدت لها موطئ قدم بعد ان منحت النظام الجديد اعترافا سهلا.
وعلى أن شكل التحالفات الدولية القائم حاليا عمل على ضمان قدر من التماسك الأمني، غير أن أي تغيير مفاجئ للتحالفات الدولية أو انسحاب مفاجئ للقوات الروسية أو الأمريكية أو التركية قد يعمل على إحداث فراغ أمنى يقود إلى اشتعال صراعات مسلحة.
ويبدو أن تركيا كانت مدركة لهذه الحسابات ولذلك عملت على أن يكون لها حضور عسكري مباشر بداخل الأراضي السورية رغم أنها تسيطر على القرار السياسي لدى السلطات الانتقالية ممثلة بهيئة تحرير الشام، وتريد لذلك منع حصول أي فراغ سياسي يفقد الحكومة المؤقتة زمام السيطرة ويقحمها في موجة صراعات محلية.
الحال كذلك مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي عملت على توسيع تواجد قواتها في مناطق الجولان المحتل وصولا إلى جبل الشيخ، تحت ذرائع منع وصول السلاح إلى حزب الله من فصائل مسلحة موالية أو تابعة للنظام السابق، في حين أنها تنظر بتوجس إلى التركيبية الحالية للسلطة الانتقالية وتخشى من مخاطر صعود فصائل مسلحة متطرفة موالية لتركيا قد تهدد امنها مستقبلا.
معضلات داخلية
رغم محاولات السلطة الانتقالية الجديدة إنشاء جيش موحد إلا ان هذا الهدف لم يتحقق حتى اليوم في ظل المشكلات العميقة والمعقدة التي تواجهها وفي المقدمة هشاشة قواتها التي تشكلت من فصائل مسلحة غير متوافقة بما فيها الفصائل المنشقة عن تنظيمي “القاعدة” و”داعش” اللذين ينشطان باستقلالية في مناطق الصحراء والبادية السورية وبعض المناطق الشمالية.
ولم يعد سرا اليوم أن كل فصيل مسلح أصبح يمارس نشاطاته بصور تحت مظلة حكومة مؤقتة مختلفة، ومنها على سبيل المثال “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام و”الحكومة المؤقتة” التي يقودها الجيش الوطني المدعوم من تركيا في الشمال.
يضاف إلى ذلك استمرار بقاء هيئة تحرير الشام بقوامها التنظيمي دون أي خطوات عملية لحلها كما كان يتوقع، وكذلك الخلفية التاريخية لقيادات الجيش الجديد والتي يصنف بعضها كإرهابيين بما فيهم الرئيس الانتقالي أبو محمد الجولاني المعروف حاليا باسم احمد الشرع، وهي عوامل جعلت من مشروع إنشاء جيش وطني موحد يحظى باعتراف الداخلي والخارجي من أكثر الملفات الشائكة والمؤجلة حتى اليوم.
ومن الناحية السياسية، ثمة إشكالية عميقة تتمثل بغياب الشرعية السياسية الموحدة، في ظل غياب أي توافق سياسي ناهيك عن عدم وجود مرجعية سياسية مشتركة حتى بين الفصائل ذات اللون المذهبي الواحد.
وتأتي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الكارثية التي تعيشها سوريا ضمن العوامل المعززة لحالة عدم الاستقرار، حيث تعيش البنية التحتية حالة انهيار شاملة في ظل تردي كبير للخدمات الأساسية وهي عوامل تغذي حالة السخط الشعبي في ظل تردٍ البنية التحتية ودمار معظم المدن وانهيار الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات البطالة والفقر لنسب تصل إلى 90 % مع فقدان أكثر من 90 % من السكان لسبل العيش الكريم ما يجعل حصول احتجاجات عنيفة في أي وقت أمرا واردا.
محاولات غير كافية
المؤكد أن إزالة التشوهات الحاصلة في المشهد الداخلي السوري أمر لا يمكن إصلاحه بمجرد حصول السلطة الانتقالية على اعتراف دولي أو رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عنها أو حصول رعاية عربية لإعادة البناء، فعملية كهذه تحتاج إلى جهود وتكاليف هائلة تركز أولا على تعزيز عمل المؤسسات بالتوازي مع جهود فعالة لإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الاقتصادية وهي أمور يستحيل تحققها في الوضع السوري الراهن وتحتاج إلى ما لا يقل عن عشر سنوات للتعافي.
وفي حال فشلت هذه الجهود بتحقيق الأهداف فإن اقل السيناريوهات تشاؤما هو حدوث صراعات بين الفصائل المسلحة ما سيحول المناطق السورية إلى بؤر مشتعلة للصراع والاستقطاب والتدخلات الخارجية وذلك سيقود حتما إلى انهيار سريع للسلطة الانتقالية والانزلاق إلى دوامة حروب داخلية.
ومعلوم أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الانتقالية والدول الإقليمية الحليفة مؤخرا في إعادة فتح سفاراتها في دمشق وتعليق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على سوريا، كانت مهمة وتصب في إطار تعزيز الاستقرار في سوريا خصوصا وهي تزامنت مع إجراءات داخلية على صلة ببناء مؤسسات الدولية وصياغة الدستور الجديد والاشتغال بملف العدالة الانتقالية غير أن هذه الإجراءات تمضي ببطء شديد ولا تبدو كافية لتحصين المشهد السوري من دوامة الصراع.
وكل ما تحقق خلال الشهور الماضية يبدو مهددا بالزوال في حال تصاعدت حدة الخلافات بين الفصائل المسلحة بداخل الحكم أو بينها والفصائل المسلحة خارجها، وأكثر من ذلك التقديرات التي تحذر من مخاطر محاولات هيئة تحرير الشام إعادة إنتاج نموذج حكمها السابق في ادلب وتعميمه في جميع أنحاء البلاد وهي خطوة إن حصلت فإنها ستقود فورة اضطرابات وحروب قد تعم الخارطة السورية في غضون ساعات.