تقرير محايد داعم للمواطن المغلوب؟ هذا خطل وشاعرية ديسمبرية
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
تقرير محايد داعم للمواطن المغلوب؟ هذا خطل وشاعرية ديسمبرية. أنت لست محكمة لتفصل في أيهما أجرم اليوم وأيهما سيجرم غداً ، بعيداً عن المحددات المرتبطة بموقفك من الأحداث الحالية .
إما أن تتبنى موقفاً واضحاً داعماً للجيش ينظر إلى الحرب كأنها عدوان على المواطن من طرف محدد يتم تعريفه وفقاً للشواهد الحالية وجرائمه التي شهد عليها العالم، والتمييز بين واقع العمليات اليومي الذي يتضمن أخطاء وتبعات عرضية متصلة بسير العمليات .
ما هو موقفك من هذه الحرب وفقاً لما تراه وتؤمن به؟ هذا هو المهم، وليس الاحتماء بخطاب الحيادية والادعاء بوقوفك مع المواطن المغلوب. قم بإصدار حكم قيمي”value judgment ” لتقييم الأحداث الحالية، ومن خلاله أتخذ موقفك ، أنا أدعم الجيش لأنني أرى أنه يخوض حرباً عادلة، وأقف ضد الدعم السريع لأنني أرى أنه يخوض حرباً ضد المواطنين بغرض قتلهم وتشريدهم ..
حدد موقفك الداعم للجيش، ومن ثم تحرك داخل ذلك الموقف نصحاً وتصويباً لمعالجة الأخطاء. أما تحولك إلى ناقل أخبار حيادي يساوي بين جرائم الجنجويد وسرقات الجيش تحت ذريعة وقوفك مع المواطن، فإنه يخدم فكرة المساواة بين الطرفين دون النظر إلى مشروعية الجيش في حربه، ودون الاكتراث لجرائم الجنجويد واستهدافهم للمواطنين ..
إذا افترضنا براءة مسعاك وصدق نواياك ، فإن ما تقوم به يستخدم بعلمك أو دون علمك كأداة سياسية لترسيخ صورة ذهنية تساوي بين أفعال الجيش وجرائم الجنجويد ، وهذا يظهر بوجود أبعاد غير إنسانية تجعل خطابك عرضة للتوظيف السياسي تحت غطاء الحيادية والاستقلالية مما يجعل حديثك عن المواطن المغلوب مجرد شاعرية كما ذكرت في بداية هذا المنشور .
Hasabo Albeely
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
موقف عمومي
#موقف_عمومي
د. #هاشم_غرايبه
بعد عودة أحد الأوروبيين من رحلة سياحية لبلادنا العربية، قال لأصدقائه: أغرب ما لاحظته عندهم أنهم يحافظون على بيوتهم نظيفة جدا، وأثاثها في منتهى الترتيب والأناقة، ويحرصون على بقائها كذلك، لكن أحدهم في الشوارع والمرافق العامة شخص آخر، فهو يلقي بالمهملات كيفما اتفق، ويفسد مقاعد الحدائق وأشجارها بحفر إسمه وإسم محبوبته عليها، ويلقي بالمناديل الورقية في بالوعة دورات المياه العامة، فيما لا يفعل ذلك في بيته.
دهش الحضور لهذه المفارقة، وسألوه لها تفسيرا، فقال: أعتقد أن السبب هو أن المواطن عندهم يحرص على بيته لأنه ملكه، فيما لا يشعر أن المرافق العامة تخصه…بل يعتقد أنها للدولة!.
لا أعتقد أن أيا من هؤلاء (الجميع) لا يراعي أصول النظافة في بيته، ولا يمكن أن يرمي شيئا على الأرض.. لماذا؟…لأن ربة البيت ستوبخه وستجبره على رفع ما رماه ووضعه في سلة المهملات.
أثناء رحلة سياحية في اسبانيا، كنا نسير كمجموعة في أحد شوارع مدريد، لاحظ أحدنا شخصا اسبانيا يرمي كيسا فيه بقايا شطيرة وعلبة مشروب فارغة على جانب الشارع، ذهب وورفعها ورماها في حاوية للنفايات قريبة، طبعا جميعنا قدرنا عمله وأثنينا عليه، لأنه سيعطي عنا صورة حضارية، مقابل ما يعتقده البعض أن الشعوب الاوروبية نظيفة بطبعها، وملتزمة بالنظام أكثر منا.
في حقيقة الأمر فالموضوع متعلق بالضبط والحزم في منع هذه الظاهرة، وليست في أن طبيعة شعبنا أنه لا يحب النظافة ولا يهتم بالمظهر العام.
الدراسات الإجتماعية أثبتت أن البشر في المسلكيات متشابهون، لا يوجد شعب يحب القذارة، ولا أحد يعتقد أن النظافة سخافة، كما أنه لا توجد هنالك أمة فوضوية بطبيعتها وأخرى منظمة، بل توجد واحدة منضبطة بفعل ضابط ، وأخرى منفلته لغياب ذلك الضابط.
هذه الظاهرة التي يكرهها الجميع ويتبرمون منها رغم أن أغلبهم يمارسها، والقلة القليلة التي لا تفعل ذلك، تحس باليأس من ضآلة نفع التزامها، ..فماذا سينفع رش معطر للجو بجانب محطة لتنقية المياه العادمة.
هكذا نتوصل الى فهم أسباب هذه الظاهرة، فهي ليست بتقدم الشعوب الأوروبية وتأخرنا، ولا هي لأسباب أخلاقية أو أن طبيعتهم هي التي تلزمهم بحب النظافة والنظام.
إنها لسببين هما في الحقيقة مرتبطان عضويا بأنظمة الحكم، الأول: الثقافة المترسخة بعدم الإنتماء الى مؤسسات الوطن ومرافقه الحيوية تعود الى ما اكتسبه الناس من تجارب مريرة بعد الممارسات التسلطية للسلطة طوال عقود، من أن الوطن هو ملك الحاكم وكل ما فيه له، فالشارع باسمه والحديقة باسم زوجته والملعب باسم ابنه وحتى المسجد باسم أبيه أو جده، ويمن النظام عليه بكل ذلك إذ يعتبره منجزا له، وأنه لولا عطايا الزعيم ومكارمه ما تحققت.
والثاني: هو تقصير الدولة المزري في صيانة الشوارع والمرافق، وفي حجم خدمات النظافة ، حيث أن الضرائب الكثيرة التي يدفعها المواطن لا تنعكس عليه بخدمات بسبب فساد الأنظمة، فالداخل الى جيبها مفقود، لذا فالخارج منها معدوم.
ربما يجب نشر ثقافة النظافة والترتيب، وضبط ذلك بقوانين ورقابة، لكن قبل لوم المواطنين لتسببهم في تراكم الأوساخ ورمي أعقاب السجائر وأكواب القهوة في الشوارع، يجب أن نبدأ بإحياء شعور المواطن بالإنتماء الى الوطن وإحساسه بملكيته له، والتوقف عن جلده بمقولة أنه عالة على جيب الزعيم الذي يحييه إن سبّح بحمده، ويميته إن عارضه.
ولن يتحقق ذلك إلا بأمرين، أولهماعندما يرى زعيمه مثل أي رئيس أوروبي، لا يمتلك الوطن بل يخدمه، وهمُّه الأول رفعة الوطن ونفع المواطنين، وليس محصنا من المساءلة هو وعائلته، لذا فليس للفساد من وسيلة إليه.
والثاني عندما يجد المسؤول الذي يتبوأ منصبه هو بحجم المسؤولية، قد تم تعيينه لكفاءته ووفق المؤسسية وليس بالمحسوبية، لذلك يكون مخلصا لواجبه ويخشى المساءلة ان قصر أو أخطأ.
عندها يحس المواطن أن الدولة له، وأن له حصة في هذا الوطن.