لجريدة عمان:
2025-07-30@16:35:43 GMT

حلم بوتين الذي تحول إلى كابوس

تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT

مع سقوط بشار الأسد، انقلب المدوِّنون العسكريون القوميون الروس على الكرملين، فاشتعلت قناة (تو ميجورز) على تلجرام في وجه أكثر من مليون مشترك قائلة: «عشر سنوات من الحضور، وجنود روس موتى، ومليارات مهدرة من الروبلات وآلاف الأطنان من الذخيرة، لا بد من تعويضها بطريقة ما». ولم يتحرج البعض من انتقاد فلاديمير بوتين رأسا: «يبدو أن مغامرة سوريا، التي بدأها بوتين شخصيا، تشرف على النهاية.

والنهاية مخزية، شأن جميع مساعي الكرملين’الجيوسياسية’ الاستراتيجية الأخرى». ولم تكن تلك حالات فردية، فقد رصدت شركة «فيلتر لابس» لتحليل البيانات التي أتعاون معها انخفاضا حادا على مواقع التواصل الاجتماعي في المشاعر المتعلقة بسوريا مع سقوط الأسد.

يتناقض ذلك تناقضا صارخا مع زعم بوتين السخيف في مؤتمره الصحفي السنوي الذي عقد الأسبوع الماضي بأن روسيا لم تتكبد أي هزيمة في سوريا. وخلافا لمواقع التواصل الاجتماعي، حاولت وسائل الإعلام التقليدية أن تسير على خطى الكرملين، لكن حتى في هذا كان ثمة انشقاقات. فقد جاء في مقال رأي نشرته صحيفة كومرسانت واسعة الانتشار لعقيد سابق مقرب من القيادة العسكرية أن «بوسعك أن تمارس الخداع قليلا على الساحة الدولية، على أن تحرص لئلا ينطلي خداعك عليك أنت»، ثم إن الكاتب ضرب المثال بسوريا على أن «النصر في عالمنا اليوم لا يمكن تحقيقه إلا في حرب سريعة خاطفة. فمن يحقق نصرا فعليا في غضون أيام أو أسابيع ولكنه يعجز عن تعزيز نجاحه تعزيزا عسكريا وسياسيا، فسوف ينتهي به الأمر مهزوما مهما فعل». وقال لي فاسيلي جاتوف محلل الإعلام في جامعة كاليفورنيا الجنوبية إنه يظن أن تلك رسالة موجهة من هيئة الأركان العامة إلى الكرملين: كونوا واقعيين بشأن ما يمكننا تحقيقه في أوكرانيا أيضا.

ليس سقوط الأسد لطمة لمصالح روسيا في الشرق الأوسط وحسب، ولكنه لطمة لجوهر قوة بوتين التي طالما قامت على إدارة التصورات. فقد شرح لي ذات يوم جليب بافلوفسكي، البوق الإعلامي السابق لبوتين، كيف تعلم القادة الروس، عندما ضعف الكرملين على المستوى المحلي في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أن يسيطروا على التليفزيون لخلق عظمة مصطنعة. لم يكن الكرملين قادرا في تلك المرحلة على السيطرة على حكام الأقاليم، ولكنه أعطى إحساسا بتحكم الرئيس في كل شيء من خلال وجوده الطاغي في وسائل الإعلام. ومنذ ذلك الحين، انتقل بوتين بإدارة التصورات إلى الساحة الدولية، محاولا أن ينسج قصة مفادها أنه يقود جيلا جديدا من الأنظمة الاستبدادية المقدر لها أن ترث الأرض. وفجأة تبدو هذه الصورة مهتزة. فالآن هو الوقت المناسب لفرض المزيد من الضغوط قبل أن يتمكن من إصلاح أوضاعه وعرض فيلمه مرة أخرى عن القوة العظمى.

بداية من جورجيا، حيث اتخذ المحتجون موقفا شجاعا ضد قرار الحكومة الموالية لروسيا بوقف التكامل مع الاتحاد الأوروبي، والأمر في جورجيا يتعلق بابتلاعها في مجال موسكو الاستعماري الجديد، فالهيمنة الروسية المتزايدة تسمح لموسكو بفرض قبضتها الخانقة على خطوط أنابيب نقل الغاز إلى أوروبا والتلاعب بالوصول إلى آسيا الوسطى. والهدف الذي يسعى إليه المتظاهرون هو حشد عدد كاف من الناس في النظام للتخلي عن الحزب الحاكم وحاكمهم الفعلي أي رجل الأعمال بيدزينا إيفانشفيلي، وقد بدأت المظاهرات تؤتي ثمارها، إذ انشق بعض الدبلوماسيين والمسؤولين، وبوسع الغرب أن يوضح أن القادة الجورجيين منبوذون من خلال فرض عقوبات على الساسة والشركات ومسؤولي الأمن المتورطين في حملات القمع.

وفي الأسبوع الماضي، سارت حكومة المملكة المتحدة على الطريق الصحيح بفرض تجميد الأصول وحظر السفر على 5 مسؤولين. فلا بد من إظهار أن القيادة الموالية لروسيا ضعيفة لكي يسارع من يلونها في السلطة إلى الفرار من السفينة بأعداد كافية. وقد فشلت مساعي الكرملين في استخدام الفساد والدعاية لعرقلة رحلة مولدوفا نحو الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الأخير. ولذلك يستحق الجورجيون دعم تطلعاتهم الأوروبية أيضا.

في الوقت نفسه، في أعالي البحار، اتخذت أوروبا أخيرا إجراءات ضد الأسطول الروسي الخفي الذي ينقل النفط عبر العالم ويبيعه بأسعار أعلى من الحد الذي حددته مجموعة الدول السبع. فسوف يتم الآن إيقاف السفن والصعود إليها إذا لم يكن لديها التأمين الصحيح. ويذهب إيدي فيشمان من جامعة كولومبيا إلى أن هذه هي اللحظة المناسبة لشل عائدات النفط الحيوية للكرملين من خلال فرض عقوبات ثانوية على الكيانات التي تشتري النفط بسعر أعلى من المحدد. وهذا سوف يخيف التجار الهنود والإماراتيين الذين يواصلون التعامل مع روسيا، وبالتالي يزيد الضغوط على الاقتصاد الروسي الذي تشكو قياداته بالفعل من عدم استدامة النظام. وبرغم مزاعم الكرملين بأن كل شيء في الاقتصاد على ما يرام، فالروس لا يصدقون هذا، ويتذمرون على الإنترنت من أن التضخم يجعل رواتبهم تبدو عديمة القيمة.

وبرغم إصرار الكرملين على أن روسيا والصين يمثلان تحالفا أقيم في جنة اقتصادية، فإن الواقع أكثر هشاشة. إذ تقول الشركات الروسية إن البنوك الصينية لن تعمل معها الآن بعد أن أدرجت الولايات المتحدة المؤسسات الروسية على القائمة السوداء. وبدلا من ذلك، فإنهم يخشون من أن الصينيين يعرضون عليهم طرقا «مريبة للغاية» لنقل الأموال ــ ولا يجدون خيارا سوى المشاركة في اللعبة.

سوف يكون الكرملين أشد وعيا بهذه الشكاوى في مختلف أنحاء المجتمع، من المدونين العسكريين إلى رجال الأعمال. وبرغم أنه لا توجد أي بوادر على انتفاضات ديمقراطية، وأن بوتين لا يخشى الانتخابات، لكنه يقلق عندما لا يتصرف الناس وفق إملاءاته عليهم، وكثيرا ما يعيد الرئيس الروسي حساباته عندما يرى أنه لا يستطيع السيطرة على التصورات والسلوكيات، ولذلك تخلى عن جهود التعبئة بعد أن أدت محاولاته الأخيرة للتعبئة إلى فرار ما يصل إلى مليون شاب روسي من البلد.

ومع زيادة الغرب نقاط الضغط على روسيا، فإن الهدف من ذلك لا يتمثل في تغيير سحري للنظام. بل إن الهدف هو إشعار القيادة بعدم اليقين إلى الحد الذي يجعلها تعيد التفكير فيما يمكنها الإفلات به. ولتحقيق هذه الغاية، يجب أن تكون الضغوط على بوتين كثيفة وسريعة، فتأتي الضربة تلو الأخرى في تتابع غير متوقع، بما يفضح قصص النفوذ الدولي التي ألفها. وتتخذ أوكرانيا إجراءات مباشرة: بهجمات طائرات مسيرة على مواقع الإنتاج العسكري في عمق روسيا والاغتيال المشهود لجنرال روسي في قلب موسكو. لكن حلفاءها الديمقراطيين يمكن أن يفعلوا الكثير من خلال إعادة تعلم فن الحرب الاقتصادية والسياسية.

لقد كان نهج جو بايدن المعيب هو الانتظار دائما إلى ما بعد الأزمة الروسية، ثم السماح لبوتين بالتعافي وإعادة تجميع صفوفه. فهل يمكن أن يجرب دونالد ترامب شيئا أكثر ديناميكية؟ أم أنه سيصدق تهديدات بوتين أكثر مما صدقها بايدن؟ فتكون المفارقة إذن هي أن الولايات المتحدة تصدق أسطورة بوتين عن منعته أكثر مما يصدقها العديد من الروس. ذلك أن أهم إدارة تصورات يكتنزها فلاديمير بوتين هي التي تستهدف البيت الأبيض نفسه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

الكرملين ردا على تعليقات ترامب: روسيا اكتسبت مناعة من العقوبات

عواصم " وكالات ": جدد الرئيس الامريكي دونالد ترامب تهديداته المباشرة الى روسيا من أجل إنهاء القتال في اوكرانيا أو مواجهة عقوبات جديدة.

وصرح ترامب لصحافيين ردا على سؤال عن هذه المهلة "عشرة أيام اعتبارا من امس".

وجاء كلام ترامب في طريق عودته من المملكة المتحدة الى واشنطن. وكان ترامب قد اعلن في وقت سابق من هذا الاسبوع أنه قلص مهلة سابقة منحها لموسكو من 50يوما الى ما بين عشرة و12 يوما لإنهاء حربها في أوكرانيا.

وأكد الرئيس الأمريكي أنه لم يسمع اي رد فعل من نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هذا التهديد، وقال "لم اتلق أي رد..وهذا معيب".

واضاف "سنفرض رسوما جمركية وما إلى ذلك"، قبل أن يتدارك "لا أعلم ما إذا كان ذلك سيؤثر على روسيا لأن من الواضح أن (بوتين) يريد استمرار الحرب".

من جانبه، أثنى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على "تصميمه الصريح" في قراره بتقليص المهلة الزمنية لروسيا لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وكتب زيلينسكي على منصة إكس "موقف واضح وتصميم صريح من (ترامب) في الوقت المناسب، إذ يمكن أن يتغير الكثير من خلال القوة من أجل سلام حقيقي".

وأضاف "أشكر الرئيس ترامب على تركيزه على إنقاذ الأرواح ووقف هذه الحرب المروعة".

وفي السياق، قال الكرملين اليوم الأربعاء إن روسيا تواصل الأخذ في الاعتبار جميع التعليقات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنها اكتسبت مناعة من العقوبات لأنها خضعت لعدد كبير منها على مدى فترات طويلة.

وجدد الكرملين رفضه التعليق على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقليص المهلة المحددة لموسكو للموافقة على وقف إطلاق النار في أوكرانيا من 50 يوما إلى 12-10 يوما، واكتفى متحدث باسمه امس بالقول:"إن موسكو على علم بهذه الخطوة".

ونقلت وكالة أنباء تاس الروسية الرسمية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله: "لقد علمنا ببيان الرئيس ترامب اليوم".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية "صارمة" على الشركاء التجاريين لروسيا إذا لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار في غضون 50 يوما، مانحا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهلة حتى 2 سبتمبر المقبل.

لكن خلال اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أمس، قال ترامب إنه خفض المهلة التي منحها لبوتين من 50 يوما "إلى عدد أقل"، قائلا إن هذا قد يكون "10 أو 12 يوما".

وبرر ترامب هذه الخطوة بالقول إنه شعر بخيبة أمل من بوتين، الذي لم يظهر أي استعداد للتسوية.

وقد أكد المتحدث باسم الكرملين مرارا أنه لن يرضخ للضغوط لإبرام صفقة، ومضى بيسكوف ليقول إن عملية تطبيع العلاقات المستمرة بين روسيا والولايات المتحدة قد تباطأت.

وأضاف أن موسكو لا تزال مهتمة بالحفاظ على العلاقات وتأمل أن تكتسب العملية زخما كبيرا.

كان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف ونائب رئيس مجلس الأمن القومي انتقد الرئيس ترامب أمس، لتقصير المهلة.

وكتب ميدفيديف على موقع "اكس" "كل إنذار نهائي جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب. ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل مع بلاده".

في الاثناء، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده تقترب من التوصل إلى اتفاق تمويلي مع هولندا لإنتاج الطائرات المسيرة في أوكرانيا.

وفي خطابه المسائي للأمة، قال زيلينسكي إنه يتوقع إتمام الاتفاق هذا الأسبوع. وأضاف:"سيجري تحويل 400 مليون يورو (460 مليون دولار) إضافية لشركاتنا الأوكرانية، ولمنتجي المسيرات الأوكرانيين إلى حسابات المنتجين الأوكرانيين هذا الأسبوع".

وتوسع أوكرانيا حاليا إنتاجها الخاص من الطائرات المسيرة بمساعدة مالية غربية لتعزيز دفاعها ضد روسيا.

وعلى الارض، نقلت وكالات أنباء روسية اليوم الأربعاء عن وزارة الدفاع أن القوات الروسية شنت هجمات بصواريخ من طراز (إسكندر) على معسكر تدريب للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة تشيرنيهيف في أوكرانيا.

وفي سياق آخر، أعلنت الصين اليوم الأربعاء أنها ستجري مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في اغسطس، بما في ذلك تدريبات بحرية وجوية قرب فلاديفوستوك ودوريات بحرية مشتركة في المحيط الهادئ.

وإلى جانب العلاقات الاقتصادية والسياسية، عمّقت موسكو وبكين أيضا التعاون العسكري بينهما في السنوات الأخيرة في وقت يسعى البلدان لموازنة ما يعتبرانه نظاما عالميا تقوده الولايات المتحدة.

وتعد المناورات التي أُطلق عليها "البحر المشترك-2025" جزءا من خطط دورية للتعاون الثنائي و"ليست موجّهة ضد أطراف ثالثة"، بحسب ما أكد الناطق باسم وزارة الدفاع الصينية جانغ شياوغانغ أثناء مؤتمر صحافي الأربعاء.

وأضاف أن البلدين سيسيّران بعد المناورات دوريات بحرية في المحيط الهادئ في مياههما.

وأُجريت مناورات "البحر المشترك-2024" العام الماضي على طول ساحل الصين الجنوبي.

وتجري المناورات هذا العام قبيل زيارة مقررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين تبدأ أواخر اغسطس.

سيحضر بوتين قمة لمنظمة شنغهاي للتعاون واحتفالات في ذكرى مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، تشمل عرضا عسكريا.

ومن المقرر أن يجري محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينغ.

وتعمّقت العلاقات بين البلدين منذ بداية الحرب الروسية الاوكرانية، ولم تندد الصين قط بالحرب العسكرية الروسية في أوكرانيا ولم تدع موسكو للانسحاب من أراضي جارتها، فيما يعتقد الكثير من حلفاء أوكرانيا أن بكين وفّرت الدعم لموسكو.

تصر الصين من جانبها على أنها طرف محايد وتدعو مرارا إلى وضع حد للقتال بينما تتهم البلدان الغربية بإطالة أمد النزاع عبر تسليح أوكرانيا.

وقال شي لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت سابق في يوليو إن على البلدين "تعزيز الدعم المتبادل" أثناء اجتماع عقداه في بكين.

مقالات مشابهة

  • الكرملين ردا على تعليقات ترامب: روسيا اكتسبت مناعة من العقوبات
  • الكرملين: روسيا اكتسبت مناعة من العقوبات
  • الكرملين: روسيا اكتسبت مناعة ضد العقوبات
  • الكرملين يرفض التعليق على تصريحات لترامب هاجم فيها بوتين
  • الكرملين لا يستبعد لقاء بوتين وترمب.. روسيا تشترط استبعاد أوكرانيا من الناتو للتسوية
  • الكرملين: بوتين وترامب قد يلتقيان في الصين خلال سبتمبر
  • سوريا وإيران.. الكرملين يكشف تفاصيل مكالمة بوتين ونتنياهو
  • الكرملين لا يستبعد لقاء بوتين وترامب في الصين خلال سبتمبر
  • الكرملين: لا يمكن استبعاد لقاء بين بوتين وترامب
  • الكرملين يرجح إمكانية عقد لقاء بين بوتين وترامب حال تزامن وجودها في الصين