أسطورة المثالية الأميركية لتشومسكي.. كيف تُهدد السياسة الخارجية الأميركية استقرار العالم؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
صدر في الآونة الأخيرة عن دار نشر بنغوين كتاب جديد للمفكر والناشط والأكاديمي الأميركي نعوم تشومسكي، بالتعاون مع ناثان روبنسون، تحت عنوان: "أسطورة المثالية الأميركية: كيف تُعرِّض السياسة الخارجية الأميركية العالم للخطر".
يقدم تشومسكي رفقة زميله بالكتاب، نقدًا عميقًا للسياسة الخارجية الأميركية ومفهوم الاستثنائية الأميركية، مسلطًا الضوء على الكيفية التي أدت بها التدخلات الأميركية المتكررة بالصراعات العالمية إلى تفاقم النزاعات.
ومن الجدير ذكره أن تشومسكي، المعروف بنقده اللاذع لما يسميه "الليبرالية المتوحشة" وللسياسة الخارجية لحكومات بلاده، وخاصة تدخلاتها العسكرية منذ الثلث الأخير من الـ20، الذي بلغ الـ97 من عمره في السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، قد تعرض لسكتة دماغية وتدهورٍ في صحته خلال العام الحالي.
تم إنجاز الكتاب قبل عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقبل إصابة تشومسكي بالسكتة الدماغية. وقد قام المؤلف المشارك ناثان روبنسون بتحليل هجمات حماس وتداعياتها في ملحق الكتاب، مستخدمًا منهجية تشومسكي التحليلية.
إعلانتعليقا على الكتاب، كتب ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، قائلًا: "لقد أثبت نعوم تشومسكي صحة رؤيته… إن سجل النفاق [للمسؤولين الأميركيين] الذي يسرده المؤلفان صادم ومقنع. ولا يمكن لأي قارئ منفتح الذهن أن يطالع هذا الكتاب ويستمر في تصديق المبررات الزائفة التي يسوقها زعماء الولايات المتحدة لتبرير أفعالهم السافرة".
وأضاف دانيال غيري، أستاذ التاريخ الأميركي في كلية ترينيتي بدبلن، أن تحليل تشومسكي كان "بسيطا ويمكن توقعه"، ولكنه كان "صائبًا في 9 حالات من أصل 10".
يُمثِّل كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" نذير خطر عاجل، يُنبِّه إلى التهديد الذي تُشكِّله القوة الأميركية على مستقبل البشرية، هذا فضلا عن كونه اتهاما صريحا للسياسة الخارجية الأميركية وأساطيرها "القومية" الداعمة لها. يُقدِّم الكتاب عرضا شاملا، في توقيتٍ بالغ الأهمية، للانتقادات الحادة للقوة الأميركية التي جعلت من تشومسكي "ظاهرة عالمية"، وأحد أشهر المفكرين على الإطلاق. ومن خلال استعراضٍ تاريخي للنشاط العسكري والاقتصادي الأميركي حول العالم، يتتبع الكتاب الكيفية التي أحدث بها السعي الأميركي للهيمنة العالمية دمارا في بلدٍ تلو الآخر.
ومن المفارقات العجيبة، أن تلك الهيمنة العقيمة لم تجعل الأميركيين أكثر أمانا. كما يستكشف الكتاب كيف روَّجت النخب الأميركية المهيمنة لأساطير أنانية حول التزام أميركا بـ"نشر الديمقراطية"، في حين تنتهج سياسة خارجية متهورة تخدم مصالح فئة قليلة من الناس وتُعرِّض للخطر مئات الملايين.
يجول الكتاب عبر أرجاء العالم، مُقدِّما سردا عميقا لعلاقة واشنطن بدول الجنوب العالمي، ودورها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وغزو العراق وأفغانستان، وكلها مُبرَّرة بحكايات نبيلة عن مهمات وبعثات إنسانية ونوايا خيِّرة لصانعي السياسات الأميركية.
إعلانيرى المؤلفان أن نفس أنواع الأساطير التي أدت إلى حروب كارثية متكررة، تدفعنا الآن نحو صراعات مع روسيا والصين تُعرِّض مستقبل البشرية للخطر. وبفحص قضايا الانتشار النووي وتغير المناخ، يتجلى كيف تُفاقم سياسات الولايات المتحدة التهديدات العالمية.
وعلى مدى أكثر من 6 عقود، كرَّس نعوم تشومسكي جهوده لكشف الأيديولوجيات الحاكمة وانتقاد استخدام بلاده المنفلت للقوة العسكرية. لذا، يُعَدُّ هذا العمل مدخلا سهل القراءة للقناعات التي كوَّنها بعد حياة طويلة من الفكر والنشاط.
يسرد الكتاب قصة شاملة عن العدوانية واللاأخلاقية الأميركية بلغة بسيطة، بل وحتى بريئة. إنه أداة تعليمية قيِّمة وفعَّالة للشباب مع انخراطهم في عالم السياسة. فلطالما كانت موهبة تشومسكي في ردِّ الأفعال الجيوسياسية إلى علاقاتها الأساسية بالمثل والمساواة. وهذا الكتاب حُجَّة شاملة على أن الولايات المتحدة تعمل دائما من موقف الهيمنة والعنف والاستبداد تجاه الأمم الأخرى. إنه وثيقة تمهيدية يمكن الرجوع إليها لفترة طويلة بعد القراءة الأولى.
Have been so proud to work on this book over the last few years, and it’s finally coming into print. It totally destroys self-serving U.S. mythology about our benevolent commitment to freedom and justice, & exposes the true face of American power. Coming from @penguinpress in Oct pic.twitter.com/CeC6m0Uev5
— Nathan J Robinson (@NathanJRobinson) May 15, 2024
خطر الإمبريالية الأميركيةيكتب تشومسكي بوضوح مطلق وسخرية لاذعة، وقراءة أعماله مفيدة حقًا لمن يجهلون الحقائق التي يكشفها، والتي نادرًا ما تُناقَش في وسائل الإعلام الأميركية أو تُدرَّس في مدارسها. يُظهِر تشومسكي كيف ترفض أميركا مرارًا وتكرارًا قبول نفس القيود على سلوكها التي تطالب الآخرين بالالتزام بها، مما يؤدي إلى نتائج كارثية.
إعلانسنجد نقدا قويا لأيديولوجية التدخلات الخارجية الأميركية ومكانتها كقوة عالمية، وأطروحة حول كيفية تهديد سعيها المتغطرس لـ"نشر الديمقراطية" للتوازن الدقيق للسلام العالمي وصحة كوكبنا المتدهورة بالفعل. ويصبح تحليل الكتاب من الأعلى إلى الأسفل ثاقبًا ولافتًا، خاصة في الفصل الأخير الذي يحلل كيف تستفيد النخب العالمية من الوقود الأحفوري القاتل للعالم.
كان تشومسكي ناقدًا صريحًا للإمبراطورية الأميركية طوال حياته، ويركز هنا على الأساطير المؤسسة للتوسع الإمبراطوري، وعلى وجه التحديد فكرة أن انتشار الديمقراطية (بغض النظر عن الأساليب) هو خير خالص. الكارثة تكمن في رجال أقوياء في الغرف المغلقة يعتقدون أنهم حكماء ويرتكبون أكبر قدر من الضرر.
يرى تشومسكي أن أميركا يجب أن تُكبح، وهو يدافع عن هذه الحجة بحماس. ويؤكد أن هذا يجب أن يُفهم كنداء لإنهاء النفاق الأميركي، ولإدخال بُعد مبدئي أكثر اتساقًا في علاقات أميركا بالعالم. وبَدَلًا من افتراض "الإحسان" الأميركي، ينبغي التدقيق النقدي في طريقة ممارسة الحكومة الأميركية لسلطة لا تُضاهى حتى الآن.
تبديد الأسطورةيتحدى الكتاب أسطورة الأهداف والآثار المثالية النبيلة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في النصف الأخير من القرن الـ20، على مدى 300 صفحة (بالإضافة إلى 100 صفحة أخرى من الاقتباسات الدقيقة والملاحظات الختامية).
يقدم هذا الكتاب مسحا نقديا شاملًا، رأسيا وأفقيا، للسياسة الخارجية الأميركية، ويستهدف مباشرة جمهور أميركا الشمالية، ساعيا لتبديد أسطورة أن الولايات المتحدة مكرسة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويرى المؤلفان أن مثل هذه الفكرة تتعارض مع حقائق السياسة الخارجية الأميركية، بل ويؤكدان أن "الولايات المتحدة غالبا ما تصرفت بتجاهل شبه كامل للمبادئ الأخلاقية وسيادة القانون، باستثناء الحالات التي تخدم فيها هذه المبادئ مصالح النخب الأميركية".
إعلانوفي مواجهة العقيدة السائدة التي تعزو هذا الضرر إلى أخطاء عرضية، يتحدى المؤلفان أهمية وجود مثل هذا "الإحسان" الأميركي المفترض عبر سرد الضرر الملموس الذي ألحقته أميركا بمعظم دول العالم منذ توليها دور الهيمنة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.
يتجنب المؤلفان الانتقادات التي تعتبرهما معاديين لأميركا ببساطة، وهو هجوم شائع ضد تشومسكي طوال حياته المهنية الطويلة. لكنهم بدلا من ذلك يزعمون ببساطة أن "مطالبهم الأساسية متواضعة. فالولايات المتحدة ليست شريرة على نحو فريد، وليست أسوأ من قوى حاكمة أخرى. بل إنها قوية بشكل خاص، وهي مفتونة بأسطورة زائفة خطيرة".
المنتقدون الذين يقولون إن تشومسكي مهتم بالولايات المتحدة بشكل خاص، ينجحون في رؤية جوهر المسألة لكنهم يغفلونها تماما. صحيح أن تركيزه منصب على جرائم الولايات المتحدة، وبخاصة في ضوء وضعه كمواطن أميركي، لكن هذا التركيز لا يقلل بطبيعته من شأن تصرفات الدول والقادة الآخرين. بل إنهم ببساطة يطبقون على أميركا معايير يرتاح الخطاب السائد في أميركا الشمالية إلى تطبيقها على بلدان أخرى في حين يتجاهل هذا الخطاب جرائم الولايات المتحدة أو يقلل من أهميتها.
يقول المؤلفان:
"لم تفكر أي قوة حاكمة في نفسها على الإطلاق على أنها شريرة. إنها تعتقد أنها طيبة، وأن خصومها هم الأشرار. ويتعين علينا أن نتأكد من أننا لا نقع في فخ الاعتقاد بأننا على الجانب الصحيح لمجرد أنه جرى تلقيننا هذا الأمر"
يحمل الجزء الأول من الكتاب عنوانًا ساخرًا "السجل: المثالية قيد الفعل" أو قيد التنفيذ، ويأخذ القارئ في جولة عبر قائمة طويلة من الفظائع التي قادتها أميركا أو تغاضت عنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. في الفصل الأول، يناقش المؤلفان دور الولايات المتحدة في الانقلابات العسكرية، والفظائع، وتغيير الأنظمة المختلفة، والتدخلات العسكرية الأميركية في إندونيسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.
إعلانلا يسلط الكتاب الضوء فقط على التكلفة البشرية المجردة لسياسات أميركية عديدة، مثل عشرات الآلاف الذين قُتلوا أو اختفوا قسرا على يد حكومات دكتاتورية بأميركا اللاتينية مدعومة أميركيا، بل يلفت الانتباه أيضًا إلى الانفصام بين مُثل أميركا وقيمها المعلنة وبين أفعالها، مما يُظهر نمطا متواترًا من تجاهل حقوق الإنسان في دعمها للدكتاتوريات اليمينية بأميركا اللاتينية الموالية لمصالح أميركا الشمالية الجيوسياسية والاقتصادية.
مهما افتقدت هذه الفصول للجِدّة، لكنها تعوض ذلك بوضوح التوليف والتركيب، وتقدم تمهيدًا ممتازًا للمبتدئين من منظور مناهض للإمبريالية. أما بقية الجزء الأول فهو تاريخ لجرائم أخرى قادتها الولايات المتحدة، بما في ذلك حرب الإبادة الجماعية في جنوب شرق آسيا في فيتنام ولاوس وكمبوديا، وغزو العراق وأفغانستان، والدعم الأميركي السياسي والمالي التاريخي المستمر للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
تشكل هذه الفصول، المكتوبة جيدًا والمستندة إلى بحث شامل، المجال الأساسي لتشومسكي، وقد تحدث وكتب كثيرًا عن هذه القضايا. قد يشعر القراء الذين يبحثون عن وجهات نظر جديدة حول هذه القضايا بخيبة أمل، لكن هذا التكرار يتعلق بثبات تشومسكي الذي دام عقودًا وليس بكسلٍ بحثي أو تبسيطٍ وتسطيحٍ فكري.
ولعل من الفصول الأكثر أهمية تلك التي تتناول علاقات الولايات المتحدة بروسيا والصين، وهما قوتان كبريان يتم تقديمهما غالبًا لعامة الناس في أميركا الشمالية كعدوين شريرين. وبدون إنكار أو تبرير جرائمهما الثابتة والشنيعة، مثل "غزو روسيا لأوكرانيا" أو قمع الصين لمواطنيها الإيغور (تركستان الشرقية)، يلفت المؤلفان الانتباه أيضًا لتصرفات أميركية لا يمكن الدفاع عنها كذلك في نفس المجالات.
يلقي المؤلفان ضوءًا على توسع حلف شمال الأطلسي بعد الحرب الباردة باعتباره محفزًا لنزعة المغامرة العسكرية الروسية، ويعيدان صياغة المناقشة حول العدوان العسكري الصيني المزعوم في سياق جهود الولايات المتحدة منذ عقود للسيطرة على المحيط الهادي.
إعلانهذه الفصول تستحق الملاحظة لأنها تقدم وجهات نظر تفتقدها بشدة معظم المناقشات السائدة حول صراع القوى العظمى، أكثر من الوعي العام بالشرق الأوسط، أو أميركا اللاتينية، أو جنوب شرق آسيا. يرى المؤلفان الصراع الغربي مع روسيا والصين أقل شبها بمعركة بين الخير والشر، وأكثر شبها بمسرحية عالمية للعبة مخاطرة، حيث تكون المخاطر التي تفاقمت بسبب تهديدات مزدوجة، من تغير المناخ والحرب النووية، أعلى بكثير.
فهم نظام القوة
يتناول الجزء الثاني من الكتاب، بعنوان "فهم نظام القوة"، بإيجاز الأصول المحلية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والطرق التي يساعد بها صناع الرأي النخبة في الدعاية بين الجمهور، إما بتحريف المغامرات الأميركية أو بعدم مناقشتها أصلا، وهو الأكثر شيوعا. ويدرس إجمالا الطرق التي يؤثر بها الإعلام الأميركي على الرأي العام بشأن السياسة الخارجية.
يغطي معظم هذا القسم القضايا الأساسية لتشومسكي، حيث يعيد توصيل أفكار نُقلت منذ فترة طويلة، مثل الطرق التي "تصنع بها الصحافة الأميركية الموافقة والإقرار" بين الرأي العام. مرة أخرى، هذا ليس نقدًا بقدر ما هو اعتراف بسيط. ما قد يفتقده الكتاب من أصالة أو جِدّة صرفة، يُعوّض عنه بالوضوح والإيجاز. لذا فإن "أسطورة المثالية الأميركية" هو تحديث مثالي في عام 2024 لأعمال المفكر الأميركي الذي يصف نفسه بـ"النقابي الفوضوي، والليبرالي الاشتراكي".
يخلص المؤلفان إلى أن السياسة الخارجية والداخلية الراهنة للولايات المتحدة تشكل خطرا غير مشروط على رفاهية الحاضر والمستقبل، بل على بقاء البشرية والحضارة الإنسانية. إذا كان لنا أن نحظى بأي فرصة لمستقبل قابل للعيش ومستدام، يجب على الإمبراطورية الأميركية المنحدرة ببطء أن تفسح المجال، ليس لهيمنة أخرى متعطشة للدم أو للسلطة، بل لعالم متعدد الأقطاب يُجنب الدول الصراعات ويقودها للتعاون والتعايش، حيث يتم توزيع القوة على أسس أكثر ديمقراطية ومساواة.
إعلانمن الصعب تصديق مثل هذا الاستنتاج، ولو فقط لأن الآثار المترتبة على نظامنا الحالي قاتمة للغاية. فأثناء قراءة الكتاب، يتساءل المرء كثيرا عما إذا كانت حالة العالم قاتمة تماما كما يصورها تشومسكي. وهل يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟
قد لا تكون الولايات المتحدة بهذا السوء الذي يصوره الكتاب، وربما يكون احتمال وقوع كارثة مناخية أو نووية أقل مما قد يبدو أحيانا، ولو أن مثل هذا التساؤل مجرد تفكير متفائل. المؤكد أن كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" يفوق كثيرا ذلك النوع من التفنيد الشامل والاستقصائي. وحتى لو كان الكاتبان يبالغان في تقدير الأمور، وهذا ليس مؤكدا، فإن المبالغة في تقدير المخاطر أفضل كثيرا من تقليلها عندما تكون عالية بهذا القدر.
لا يتوقع المؤلفان معجزات أو ترياقا سحريا: فهما يزعمان أن الحركات الشعبية المنظمة والمتنورة التي تطالب بالعدالة والسلام لديها وحدها فرصة التغيير.
"ولحسن الحظ، لا يفتقد هذا النوع من الشجاعة.
إن تاريخ العالم ليس مجرد مجموعة قاتمة من الفظائع، بل إنه أيضا قصة مقاومة أولئك الذين رفضوا قبول القسوة والقمع باعتبارهما أمرا طبيعيا أو عاديا أو حتميا"
تمثل صفحات الكتاب الأخيرة أنشودة لتاريخ أفراد وحركات جماهيرية تصدت لمكافحة الظلم والنضال لأجل عالم أكثر إنسانية، وتصورهم مصدرا ملهما للأمل والعمل المتواصل. كان يمكن لهذا العرض أن يكون أقوى، نظرا لثراء الموضوع وراهنية الأزمات وإلحاحها، لكن حتى هذه السطور القليلة تُكرّس خاتمة الكتاب، وما تبشر به من أمل جلي مكتسب بشِق الأنفس.
نظرًا لتدهور حالته الصحية مؤخرا، حيث يعاني البروفيسور تشومسكي سكتة دماغية أعجزته عن الكلام، فقد يكون كتاب "أسطورة المثالية الأميركية" إصداره الأخير. إن التحذير الذي يقدمه حول خطر الإمبريالية الأميركية لا يمكن أن يكون رهيبا أكثر، ودعوته للعمل لا يمكن أن تكون واضحة أكثر!.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فكر السیاسة الخارجیة الولایات المتحدة أمیرکا اللاتینیة أمیرکا الشمالیة روسیا والصین نعوم تشومسکی لا یمکن
إقرأ أيضاً:
لماذا تراجع سفر الكنديين إلى الولايات المتحدة هذا العام؟
ألبرتا- في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت الأجواء بين كندا والولايات المتحدة تعج بالرحلات الجوية للسياح، لقضاء إجازة فصل الصيف، لكن ولأول مرة منذ عقود عدة، تشهد هذه المسارات تراجعًا غير مسبوق، بعدما شكلت هذه الرحلات شريان حياة اقتصادي وسياحي بين الجارتين.
بدأت التوترات السياسية بين كندا والولايات المتحدة في فبراير/شباط من هذا العام، عندما صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضم كندا إلى الولايات الأميركية، ثم عندما فرضت إدارته رسومًا جمركية على السلع الكندية مدعيةً مخاوف أمنية على الحدود.
وردّت كندا بإجراءات مماثلة بفرض رسوم على المنتجات الأميركية، ما أثار حالة من الغضب والاستياء الشعبي، وأطلقت حملات مقاطعة واسعة ضد السلع الأميركية والسفر إلى الولايات المتحدة.
حجوزات متراجعة نحو أميركاووفقًا لتقرير صادر هذا الشهر عن منظمة بيانات وتحليلات الطيران، فإن شركات الطيران، مثل "طيران كندا"، و"ويست جيت"، و"يونايتد إيرلاينز" قلصت رحلاتها إلى وجهات أميركية رئيسية مثل لوس أنجلوس وشيكاغو وأورلاندو، مع إعادة توجيه تركيزها نحو وجهات محلية ودولية تعتبر أكثر ربحية.
وأشار التقرير إلى بيانات وإحصاءات لافتة، أبرزها:
إلغاء أكثر من 320 ألف مقعد على الرحلات بين البلدين حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، وذلك استنادًا إلى مقارنة البيانات بين الفترة من 3 إلى 24 مارس/آذار 2025. شهرا يوليو/تموز وأغسطس/آب 2025، وهما ذروة موسم السفر الصيفي، شهدا أكبر انخفاض في السعة بنسبة 3.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. رغم الاستقرار العام في سعة الرحلات خلال الصيف، إلا أن التحديثات الأسبوعية الأخيرة أظهرت اتجاهًا تنازليًا واضحًا في عدد المقاعد المتاحة. كما انخفضت حجوزات الركاب على الخطوط الجوية بين كندا والولايات المتحدة بنسبة 70% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، في مؤشر واضح على التراجع الكبير في الطلب على السفر عبر الحدود. إعلانوقالت إيمي بوتشر، نائبة رئيس الشؤون العامة في جمعية صناعة السياحة الكندية، إن الكنديين اختاروا تجنب زيارة الولايات المتحدة هذا الصيف.
وأضافت أن السفر جوًا تراجع بنسبة 22.1% في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالعام السابق، بحسب بيانات هيئة الإحصاء الكندية، كما انخفضت رحلات العودة الكندية بالسيارة بنسبة 33.1%.
وأشارت بوتشر، في بيان نقلته شبكة "سي بي سي" الكندية، إلى أن السياحة تُعد واحدة من أقوى المحركات الاقتصادية في كندا، حيث بلغت عائداتها 130 مليار دولار كندي ( نحو 95 مليا دولار) في عام 2024، منها 75% من السفر المحلي.
كما أكدت هيئة الإحصاء، أن الإنفاق السياحي في كندا من المقيمين ارتفع بنسبة 0.8% في الربع الأول من عام 2025، مدفوعًا بشكل أساسي بالإنفاق على الإقامة.
حملات مقاطعة الكنديين السفر نحو أميركاويعزو الخبراء الانخفاض الحاد في الطلب إلى مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية.
ويقول الدكتور زياد الغزالي، الخبير الاقتصادي من مقاطعة أونتاريو، إن تصريحات ضم كندا كولاية أميركية، أثارت موجة من السخط الوطني، وقد انعكست هذه الموجة في حملات مقاطعة السفر إلى الولايات المتحدة، خاصة بعد الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب، ولغة التهديد والوعيد التي استخدمها في تصريحاته تجاه أوتاوا.
ويضيف الغزالي، في حديث للجزيرة نت، أن تراجع قيمة الدولار الكندي بنسبة 6% هذا العام، إلى جانب زيادة أسعار تذاكر السفر، وارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، جعل السفر إلى الولايات المتحدة أكثر تكلفة على المواطن الكندي.
ويستطرد: "إلى جانب تباطؤ سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة إلى 7% في مايو/أيار الماضي، وهي الأعلى منذ عام 2016 باستثناء فترة جائحة كورونا، فقد ساهم هذا التدهور في تقليص ثقة المستهلك الكندي وقدرته على الإنفاق على السفر".
إعادة جدولة الرحلات وتغيير الوجهات بعيدا عن أميركاوانعكس هذا التراجع الكبير في سفر الكنديين إلى الولايات المتحدة مباشرة على شركات الطيران الكندية، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بتعديل جداول رحلاتها الصيفية، وتقليص سعة الرحلات المتجهة جنوبًا، وإضافة المزيد من المقاعد والوجهات الجديدة، مع التركيز على "أسواق القوة" في أوروبا والوجهات السياحية المشمسة.
فشركة "ويست جيت" الكندية، ثاني أكبر ناقل بعد "الخطوط الكندية"، أعلنت أنها قلّصت عددًا من رحلاتها بين كندا والولايات المتحدة، كما ألغت تسعة مسارات جوية في مايو/أيار الماضي، استجابة للانخفاض الكبير في الطلب.
وعللت هذه التعديلات بالتوترات الجيوسياسية القائمة بين البلدين، وتزايد الإقبال على تجارب السياحة الداخلية.
أما شركة "الخطوط الكندية"، فقد أعلنت في وقت سابق عن انخفاض بنسبة 10% في الحجوزات المتجهة نحو الولايات المتحدة، ابتداء من منتصف مارس/آذار الماضي وحتى الأشهر الستة المقبلة.
وإثر ذلك، بدأت الشركة بخفض الطاقة الاستيعابية، وإعادة تركيز عملياتها نحو وجهات في أميركا اللاتينية وأوروبا، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
ويقول مشغل السياحة في مقاطعة أونتاريو، فؤاد علي، إن الرحلات الجوية والبرية والبحرية نحو الولايات المتحدة انخفضت عموما بنسبة 38%، مرجعًا هذا التراجع إلى التوترات السياسية والتجارية، والرسوم الجمركية المفروضة على كندا.
إعلانوأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المواطنين الكنديين، سواء كانوا عربًا أم أجانب، يتوجهون بشكل كبير في رحلاتهم الداخلية إلى غرب كندا، خاصة إلى مدينة فانكوفر.
وفي السياق ذاته، قررت المواطنة شيرل راتزلاف من مقاطعة ألبرتا تغيير وِجهة سفرها هذا العام إلى تركيا بدلًا من الولايات المتحدة.
وقالت لـ"الجزيرة نت": "إن تغيير وِجهة السفر يعود للتوترات السياسية والرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي على بلادنا، والتصريحات التي تدعو إلى ضم كندا كولاية أميركية، لذلك قررت قضاء إجازتي أنا وزوجي في مدينة إسطنبول التركية".
وتجولت "الجزيرة نت" منتصف الأسبوع في صالات المغادرة والوصول في مطار كالغاري الدولي، بمقاطعة ألبرتا، حيث لوحظ نشاط لافت في صالات وصول الرحلات الداخلية القادمة من المقاطعات الأخرى، في المقابل، بدت صالات المغادرة المخصصة للرحلات الدولية، لا سيما المتجهة إلى الولايات المتحدة، في حالة من الركود والانخفاض الواضح في الحركة، مما يعكس صورة ميدانية لما يعيشه قطاع السفر الكندي من تغيرات جذرية هذا الصيف.