تعود أصول برامج الفدية إلى ثمانينيات القرن الماضي، وهي أحد أشكال البرمجيات الخبيثة التي يستخدمها قراصنة الإنترنت لتشفير وقفل الملفات على الحاسوب والمطالبة بدفع فدية لفك تشفيرها وفتحها، ورغم ذلك لم تكن برامج الفدية بهذا التطور ولم تشكل خطرا على الأمن السيبراني في السابق، ولكنها اليوم أصبحت صناعة مستقلة تُقدر بمليارات الدولارات، وفقا لموقع "سي إن بي سي".

وقطعت هذه التكنولوجيا التي مر عليها 35 عاما شوطا طويلا، وسمحت لقراصنة الإنترنت بإنشاء برامج الفدية بشكل أسرع ونشرها على أهداف مختلفة.

وعام 2023 وحده حقق المجرمون السيبرانيون أرباحا تُقدر بمليار دولار من ضحايا برامج الفدية، وفقا لبيانات شركة تحليل سلسلة الكتل "تشينيليسيس" (Chainalysis).

ويتوقع الخبراء استمرار تطور برامج الفدية، وذلك بسبب تقنيات الحوسبة السحابية الحديثة والذكاء الاصطناعي والجغرافيا السياسية التي ستؤثر على مستقبل هذه البرامج.

تقديرات: قيمة أصول سوق المرتزقة السيبرانيين أكثر من 12 مليار دولار (شترستوك) كيف ظهرت برامج الفدية؟

أول هجوم مُسجل ببرامج الفدية حدث عام 1989، عندما أرسل أحد المجرمين السيبرانيين أقراصا مرنة بالبريد مدعيا أنها تحتوي على برنامج يحدد ما إذا كان الشخص معرضا لخطر الإصابة بالإيدز أم لا.

إعلان

وفي حال إدخال القرص المرن وتثبيت البرنامج المُلغم فإنه سيخفي المجلدات ويشفر الملفات بعد إعادة تشغيل الحاسوب 90 مرة، وبعدها سيعرض ملف نصي على سطح المكتب يحتوي على شيك مصرفي تابع لعنوان في دولة بنما مقابل استعادة الملفات والمجلدات، وقد أصبح هذا البرنامج معروفا باسم "حصان طروادة الإيدز".

وقد تبين أن مخترع هذا البرنامج هو عالم أحياء درس في جامعة هارفارد ويدعى جوزيف بوب، وقد اعتقل فيما بعد، ولكن بعد أن أظهر سلوكا غير طبيعي ُوجد أنه غير مؤهل للمثول أمام المحكمة وعاد إلى الولايات المتحدة.

وقال مارتن لي رئيس قسم استخبارات التهديدات السيبرانية في شركة "سيسكو" (Cisco) "كان هذا أول برنامج فدية وكان من فكر شخص ما لم يكن هناك من قرأ أو بحث عنه".

تطور برامج الفدية

تطورت برامج الفدية بشكل كبير عقب ظهور فيروس "حصان طروادة الإيدز" وعام 2004 استهدف هاكر (قرصان) مجهول مواطنين روسا ببرنامج فدية عُرف باسم "جي بي كود" (GPCode) حيث أُرسل البرنامج إلى المستخدمين عبر البريد الإلكتروني مستخدما التصيد الاحتيالي.

وكان البريد الإلكتروني عبارة عن عرض عمل مرفق بملف مصاب على شكل استمارة طلب وظيفة، وبمجرد فتح المرفق فإنه يُنزّل ويُثبت برامج الفدية على جهاز الضحية ومن ثم يشفر الملفات مع مطالبة بالدفع عبر تحويل مصرفي.

وعام 2010 لجأ قراصنة برامج الفدية إلى العملات المشفرة كوسيلة دفع، وبعد 3 سنوات فقط من ظهور البيتكوين انتشرت برمجيات "كريبتولوكر" (CryptoLocker) الخبيثة.

واعتمد القراصنة الذين يستخدمون برمجيات " كريبتولوكر" على عملة البيتكوين أو القسائم النقدية مسبقة الدفع لتحصيل أموالهم، حيث كان هذا منعطفا مصيريا لتحويل العملات المشفرة إلى وسيلة الدفع المفضلة لقراصنة الإنترنت.

وفي وقت لاحق انتشرت برامج فدية تستخدم العملات المشفرة كوسيلة دفع مثل "واناكراي" (WannaCry) و"بيتيا" (Petya).

إعلان

وقال مارتن لي بهذا الصدد "توفر العملات المشفرة العديد من المزايا للقراصنة، حيث تعتبر وسيلة لنقل المال خارج النظام المصرفي وبطريقة تكون مجهولة وغير قابلة للتغيير، وفي حال قمت بالدفع لشخص ما عن طريق العملات المشفرة، فلن تتمكن من استرداد أموالك أبدا".

وأضاف "أوائل عام 2010 شهدنا تقدما كبيرا لدى الهاكرز وقد كانت برمجيات (كريبتولوكر) ناجحة جدا في تنفيذ الهجمات".

عام 2004 استهدف هاكر مجهول مواطنين روسا ببرنامج الفدية "جي بي كود" (رويترز) مستقبل برامج الفدية

مع تطور صناعة فيروسات الفدية، يتوقع الخبراء أن مجرمي الإنترنت سيستمرون في إيجاد طرق جديدة لاستهداف الشركات والأفراد مستغلين التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي.

وبحسب تقرير صادر عن "سايبر سكيرتي فينتوريز" (Cybersecurity Ventures) يُتوقع أن تكلف فيروسات الفدية الضحايا 265 مليار دولار سنويا بحلول عام 2031.

ويشعر بعض الخبراء بالقلق الشديد تجاه الذكاء الاصطناعي، الذي سهل الطريق أمام المجرمين العاديين الذين يرغبون في إنشاء واستخدام برامج الفدية.

ومن جهة أخرى، فإن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "شات جي بي تي" تسمح للمستخدمين العاديين بإدخال استفسارات وطلبات مستندة إلى النص والحصول على إجابات متقدمة صعبة الكشف، كما أن المبرمجين يمكن أن يستخدمونه في كتابة الشفرات.

وقال مايك بيك كبير مسؤولي أمن المعلومات في "داركتراك" (Darktrace) "إن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين يمكن استخدامه في تسليح مجرمي الإنترنت أو تحسين الإنتاجية داخل شركات الأمن السيبراني".

وأضاف بيك "علينا أن نتسلح بنفس الأدوات التي يستخدمها الأشرار، إذ إنهم يستغلون جميع الأدوات المتاحة لتحقيق غاياتهم".

ومن جهة أخرى قال بيك "لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يُشكل خطرا كبيرا فيما يتعلق ببرامج الفدية كما يعتقد الكثيرون، كما أن هناك العديد من الفرضيات حول كونه جيدا جدا في الهندسة الاجتماعية. ومع ذلك، عندما ننظر إلى الهجمات الموجودة والتي تعمل بشكل واضح، يبدو أن الهجمات البسيطة غالبا ما تكون أكثر نجاحا من غيرها" بحسب "سي إن بي سي".

اقتصاد الجريمة الإلكترونية اليوم تعد من أكبر الاقتصادات نموا في العالم (شترستوك) برامج الفدية وأنظمة الحوسبة السحابية

التهديد الخطير الذي يجب الانتباه إليه في المستقبل قد يكون استهداف القراصنة لأنظمة الحوسبة السحابية، والتي تُمكّن الشركات من تخزين البيانات واستضافة المواقع والتطبيقات عن بُعد.

إعلان

وقال لي "لم نشهد الكثير من هجمات برامج الفدية التي تستهدف أنظمة الحوسبة السحابية، ولكن أعتقد أن نشهد هجمات كهذه في المستقبل".

وأضاف "يمكن أن يستخدم القراصنة برامج الفدية لتشفير الأصول السحابية أو حجب الوصول إليها عن طريق تغيير بيانات الاعتماد أو استخدام هجمات تزييف الهوية لمنع وصول المستخدمين".

ومن المتوقع أن تلعب الجغرافيا السياسية دورا بارزا في تطور برامج الفدية السنوات القادمة، فعلى مدى السنوات العشر الماضية أصبح من الصعب التمييز بين برامج الفدية الإجرامية وهجمات الدولة القومية، حيث أضحت برامج الفدية سلاحا جيوسياسيا لدى الكثير من الدول.

ولكن، حتى مع تطور الطرق التي يستخدمها القراصنة في برامج الفدية، فمن غير المرجح حصول تغيير كبير في الهيكل الحقيقي للتكنولوجيا خلال السنوات القادمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحوسبة السحابیة الذکاء الاصطناعی العملات المشفرة

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست تنتج برامج بودكاست بالذكاء الاصطناعي مليئة بالأخطاء

قال موقع سيمافور الأميركي، إن برامج بودكاست التي أنشأتها صحيفة واشنطن بوست بالذكاء الاصطناعي مليئة بالأخطاء والاقتباسات المفترضة والمزيفة.

وانتقد كبير محرري المعايير في الصحيفة الشهيرة الأخطاء التي وصفها بالمحبطة، في برامج بودكاست التي قوبل إطلاقها بالاستياء من صحفيي واشنطن بوست.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتهاlist 2 of 2تحذيرات من أجندة خفية للذكاء الاصطناعي بغرف الأخبارend of list

وأعلنت الصحيفة، الأسبوع الماضي، أنها ستطلق سلسلة برامج بودكاست مخصصة، أنشئت عبر الذكاء الاصطناعي لمستخدمي تطبيق الهاتف المحمول الخاص بالصحيفة.

وفي بيان صحفي، قالت الصحيفة، إن المستخدمين سيتمكنون من اختيار الموضوعات المفضلة ومقدمي البرامج من الذكاء الاصطناعي، ويمكنهم "تشكيل إحاطتهم الإعلامية الخاصة، واختيار موضوعاتهم، وتحديد مدتها، واختيار مقدمي البرامج، وحتى طرح الأسئلة قريبا باستخدام تقنية Ask The Post AI الخاصة بنا".

???????? Introducing our latest customer audio offering: “Your Personal Podcast,” a personalized, AI podcast experience only available in The Washington Post app.

App users will be able to shape their own briefing, select their topics, set their lengths, pick their hosts and soon… pic.twitter.com/wHtD3owGL6

— Washington Post Communications (@WashPostComms) December 10, 2025

ولكن بعد أقل من 48 ساعة من إطلاق المنتج، أشار أشخاص في الصحيفة إلى أخطاء متعددة في بودكاست المخصص، تراوحت بين أخطاء في النطق وكانت طفيفة نسبيا، إضافة إلى تغييرات كبيرة في محتوى القصص، مثل نسب اقتباسات خاطئة أو اختلاقها وإدراج تعليقات، بعضها فسّر اقتباسات على أنها موقف الصحيفة من قضية ما.

ووفقا لـ4 أشخاص مطلعين، أثارت هذه الأخطاء قلق كبار قادة غرفة الأخبار الذين أقروا في قناة "سلاك" داخلية أن مخرجات الإنتاجات لا ترقى إلى مستوى معايير الصحيفة.

إعلان

وبحسب سيمافور، كتب أحد محرري الصحيفة على سلاك: "من المدهش حقا أن يُسمح بمثل هذا الأمر، لم أكن أتخيل أبدا أن واشنطن بوست ستشوه عمدا صحافتها ثم تنشر هذه الأخطاء على نطاق واسع إلى جمهورنا"، وطلب سحب البرامج فورا.

لا بد من الرقابة البشرية

ولخص أحد موظفي الصحيفة لموقع سيمافور: على الرغم من البدء في استخدام نماذج لغوية كبيرة لأداء مهام مثل النسخ والبحث، إلا أن الافتقار إلى الرقابة البشرية أثار قلقا واسعا، وعرّض الصحيفة لمخاوف حقيقية بشأن جودة التحرير.

وعلى مدى سنوات، ناقش مسؤولو واشنطن بوست سبلا مختلفة لتحسين فريق الصوت في الصحيفة، بالنظر إلى أنه أقل أداء من منافسيه في صحيفتي نيويورك تايمز و"وول ستريت جورنال"، اللتين تمتلكان برامج بودكاست تتصدر قوائم الأكثر استماعا.

تجارب سابقة بعضها ناجح

ولا تعد واشنطن بوست الوحيدة التي تجرب الإنتاج بالذكاء الاصطناعي، إذ أعلنت ياهو أنها ستطرح منتجا مشابها تماما، كما أعلنت "بيزنس إنسايدر" أنها ستطرح أداة لإنشاء أخبار تحت إشراف محررين بشريين، ونشرت أقل من 12 خبرا كتبها الذكاء الاصطناعي، أحدها تضمن تصحيحا بسيطا، وجربت سيمافور مشاريع داخلية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تحسين إنتاجية غرفة الأخبار.

وتلقت منتجات الذكاء الاصطناعي لبعض الوسائل الإعلامية ردود فعل سلبية من مستهلكي الأخبار، في حين يبدو أن منتجات أخرى لم تواجه احتجاجات كبيرة.

وفي مقابلة مع بودكاست "ميكسد سيغنالز" من سيمافور، قال محرر مجلة "نيويوركر" ديفيد ريمنيك، إن قراء المجلة تبنوا إلى حد كبير المقالات الطويلة التي يقرأها الذكاء الاصطناعي، إذ يمكنهم قراءتها بسرعة أكبر بكثير من المقالات التي يقرأها مقدم البرنامج.

ويرى سيمافور، أن المستقبل سيحسم إذا كان عدد كبير من الناس سيبدؤون في استهلاك بودكاست المدعوم بالذكاء الاصطناعي على نطاق يمكن أن يكون مربحا لشركات الإعلام أم لا.

وبحسب الموقع الأميركي، يمثل الإطلاق المتعثر لصحيفة واشنطن بوست مشكلة أكبر، فمنذ أن أثار قرار مالك الصحيفة جيف بيزوس بعدم السماح بتأييد كامالا هاريس في انتخابات 2024، رد فعل عنيفا بين المشتركين، تحاول الصحيفة إعادة تموضعها، وجعل صفحة الرأي فيها أكثر اعتدالا والتخلي عن بعض الأصوات المناهضة بشدة للرئيس دونالد ترامب.

وأدى هذا التحول الأيديولوجي إلى دفع مشتركيها القدامى، الذين اشتركوا في الغالب بسبب موقفها العدائي من ترامب في ولايته الأولى، إلى أحضان منافسات مثل "ذا أتلانتك" و"ذا بولوارك" وغارديان، إذ استقطبت صحفيي وكتاب واشنطن بوست، وشهدت زيادة في عدد المشتركين.

وكانت واشنطن بوست نشطة في عام 2025 بطرح العديد من المنتجات الجديدة في سبيل التطوير والوصول إلى جماهير جديدة، بما في ذلك Ask The Post AI، وعلامة التبويب Watch داخل التطبيق وغيرها.

مقالات مشابهة

  • أستاذ طب نفسي: برامج الذكاء الاصطناعي لا تتعاطف مع المريض
  • واشنطن بوست تنتج برامج بودكاست بالذكاء الاصطناعي مليئة بالأخطاء
  • حسن المستكاوي: الأرقام التي يحققها صلاح دخلت كتاب تاريخ ليفربول
  • السجن 15 عاماً لعبقري «العملات المشفرة»
  • «العملات المشفرة» لشراء يوفنتوس!
  • محكمة أمريكية تحكم بالسجن 15 عامًا على دو كوون
  • المجلس الأعلى للأمناء: منهج البرمجة والذكاء الاصطناعي يجهز "جيل المستقبل"
  • سجن مؤسس منصة لتداول العملات الرقمية 15 عاما بعد تسببه في خسارة 40 مليار دولار
  • تقرير: تعدين العملات المشفرة في ليبيا يستنزف الكهرباء ويصطدم بحملات أمنية صارمة
  • 15 عاما سجنا لقطب العملات الرقمية دو كوون بعد تسببه بخسارة 40 مليار دولار