بالتزامن مع زيارة قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قآني إلى العراق ولقائه بعدد من قادة الفصائل المسلحة، بدأت العديد من هذه الجماعات الموالية لإيران، بالانسحاب من مدن عدة في شمال وغرب ووسط البلاد، كانت تتمركز فيها منذ استعادتها من تنظيم الدولة.

ومنذ اجتياح تنظيم الدولة للعراق وسيطرته على ثلث مساحته عام 2014، بدأت العديد من الفصائل المسلحة المنضوية تحت قوات الحشد الشعبي الانتشار في المدن ذات الغالبية السنية، منها: الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وشمال بابل، ولاسيما مدينة جرف الصخر.



زيارة قآني
في ظل ضغوط الأمريكية على العراق لحلّ الفصائل المسلحة، أجرى الجنرال الإيراني إسماعيل قآني زيارة إلى بغداد، أوصل خلالها رسالة إلى الحكومة العراقية، بأن بلاده لا تريد أن تكون جزءا من الحرب ولا للعراق أيضا، وفقا للإعلام المحلي العراق.

وقالت وكالة "شفق نيوز" العراقية، الاثنين، أن "الجنرال قآني أكد إلى بغداد أن بلاده لا تتحفظ على أي قرار بشأن الفصائل المسلحة، فيما أبلغ الفصائل ذاتها بضرورة الالتزام بقرارات الحكومة العراقية".



وأكدت الوكالة المحلية أن "زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني إلى بغداد استغرقت ساعات قليلة، التقى فيها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وبحث معه تطورات المنطقة".

وأشارت إلى أن "قآني، أكد للسوداني أن طهران لا تريد أن تكون جزءا من الصراع والحرب، وكذلك لا تريد لبغداد ذلك، وأكد عدم تحفظ إيران على أي قرار يخص مستقبل الفصائل المسلحة في العراق".

والتقى قآني، أيضا بقادة الفصائل المسلحة و"جرى مناقشة تطورات الأوضاع الأمنية في المنطقة، وخاصة ما حصل في سوريا وتأثير ذلك على قوى محور المقاومة، ودعاهم إلى الوقوف حاليا خلف الحكومة العراقية والالتزام بما يصدر من قرارات عنها"، وفقا للوكالة المحلية.

وتأتي زيارة الجنرال الإيراني بالتزامن مع انسحاب فيصل "لواء الطفوف" من نقطتين أمنيتين استراتيجيتين في منطقة القائم قرب الحدود السورية، وتسليم مهامها إلى قيادة شرطة الأنبار غرب العراق.

وقبل ذلك، كشفت وسائل إعلام محلية انسحاب جزئي لكتائب حزب الله من مدينة جرف الصخر بمحافظة بابل، والتي تسيطر عليها منذ عام 2014، ولا يستطيع أحد دخولها منذ ذلك الحين بمن فيهم رئيس الحكومة العراقية.

وسيطرت الفصائل على جرف الصخر، منذ عام 2014 بعد تهجير أهلها بالكامل، وحوّلتها إلى منطقة لتصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، وكانت عرضة للاستهداف الجوي الأمريكي لأكثر من مرة كان آخره في 31 تموز/ يوليو الماضي.

ومن ضمن مطالب القوى السنية للحكومة العراقية الحالية، هو إخلاء جرف الصخر من الفصائل المسلحة، وإعادة أهلها البالغ عددهم نحو 250 ألف نسمة، والذين يقيم الكثير منهم حتى اليوم في مخيمات النزوح بمحافظة الأنبار.

"إخلاء المسؤولية"
تعليقا على ذلك، قالت الباحثة في الشأن السياسي العراقي، نوال الموسوي، إن "زيارة قآني لها علاقة بالفصائل المسلحة، خصوصا أنه غائب عن المشهد منذ مدة طويلة، وأن تسريب خبر دخوله إلى العراق يعطي رسالتين، واحدة محلية والأخرى إقليمية".

وأوضحت الموسوي لـ"عربي21" أن "ما يتعلق بالجانب العراقي، هو السقوف الزمنية التي تعهد بها العراق لحلّ الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها إلى الدولة، ودمجهم في القوات الأمنية، وهنا ربما تطيع بعضها قآني، لكن جهات أخرى ممولة من روسيا قد لا تطيعه".

وأشارت الباحثة إلى أن "قآني من مدة طويلة لم يعد هو الرجل الأكثر سيطرة على الفصائل المسلحة، لكن الجانب الإيراني يحاول عبر هذه الشخصية إظهار حسن النوايا، لكنني أشك في مدى فاعليتها وتأثيرها على حسم القرار بخصوص حل هذه الجماعات".



وعزت الموسوي ذلك إلى أن "الفصائل العراقية تتمتع نوعا ما باستقلالية في عملها، وذلك من خلال الجانب المالي، كونها تمتلك مشاريع اقتصادية واستثمارية كبيرة، إضافة إلى أن جزءا منهم منخرط أساسا في العمل السياسي ويحمل السلاح".

ولفتت إلى أن "انخراطهم في العمل السياسي كان هدفه التغطية على السلاح، فهم لم يدخلوا العملية السياسية حتى يتخلوا عن سلاحهم، وإنما أرادوا بدخولهم منح الشرعية والتغطية القانونية له".

ورأت الموسوي أن إيران تحاول من خلال زيارة قآني إخلاء مسؤوليتها عن الفصائل المسلحة، لكن لا نعوّل كثيرا على أن تكون هناك خطوات حاسمة تنهي كل هذه الجماعات مهما كان دورها وتمويلها وانتمائها، لأنها تجد المكسب في سلاحها على المستوى السياسي أو الاقتصادي".

وأكدت الباحثة أن "المواقع التي انسحبت منها الفصائل هي مهددة منذ أكثر من عام، وأن إخلائها الغرض منه عدم تعرضها للاستهداف، إضافة إلى أنها تعطي رسائل إقناع للجانب الأمريكي وبقية الأطراف التي تتابع حركتها".

وبيّنت الموسوي أن "هذه الانسحابات هي إعادة تموضع في أماكن أخرى، وأن الحشد الشعبي التزم في إخلاء بعض المدن في محافظات صلاح الدين والأنبار، وهذا كان أحد بنود الاتفاق السياسي الموقع من الأطراف التي شكلت الحكومة الحالية".

وخلصت إلى أنه "تزامنا مع الضغوطات الإقليمية والدولية تجاه الفصائل اختارت هذه القطعات سواء من الحشد الشعبي أو الجماعات المسلحة الانسحاب من مواقعها، وأن تتموضع في مواقع أخرى حماية لها أولا، وتعزيزا للخطوات السياسية المتفق عليها مسبقا".

"الساتر الأخير"
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، عائد الهلالي لـ"عربي21" إن "زيارة قآني حظيت باهتمام إعلامي بالغ في ظل الخطورة التي تمر بها المنطقة، وأن هناك فصائل عراقية منضوية ضمن محور المقاومة، الذي تقوده إيران بشكل مركزي".

وأوضح الهلالي أن "التداعيات الأخيرة التي حصلت بالمنطقة سواء سقوط النظام السوري، واستهداف حزب الله اللبناني، أدى إلى التوصل لحالة من القناعة بأن عملية الانخراط في معركة مع الولايات المتحدة ربما تكلف الشيء الكثير، وأن المحافظة على القوة أمر مهم جدا".

وتابع: "لذلك، يجري الحديث حاليا عن الذهاب باتجاه مأسسة الفصائل المسلحة، وأن تتحول إلى قوة سياسية، وهذا الأمر تحدث به رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عندما خيّرها بين الانخراط في القوات الأمنية أو التحوّل إلى العمل السياسي، وأن يؤدوا دورا في هذا الجانب".

وبحسب الهلالي، فإن "انخراط في أي معركة حاليا يُعد ضربا من الجنون، لذلك استطاعت الحكومة الحفاظ على العراق، وعدم الدخول في الحرب، بالتالي فإن زيارة قآني لا تتخطى هذه الحدود، وربما قدّم النصح والإرشاد للفصائل في هذا الجانب".

ولفت إلى أن "العراق ساحة مكشوفة للاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، وأن سقوطه ربما يكون هو سقوط الساتر الأخير لإيران، وأن الأخيرة تريد الحفاظ عليه قدر المستطاع".

ورجح الهلالي أن "يكون هناك شيء من الربط بين ما حصل من انسحابات للفصائل المسلحة مع زيارة قآني إلى العراق، لأن هذه النقاط الأمنية جرى استهدافها سابقا لأكثر من مرة على يد الولايات المتحدة، وقتل فيها العديد من عناصر الفصائل".



وأردف: "عملية أن تكون هذه الفصائل في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي ربما تجر إلى معركة تكون لها تداعيات كبيرة، بالتالي الولايات المتحدة أيضا، لا تريد ذلك وتخسر العراق على اعتباره دولة محورية ويمكن الاستفادة منه في عملية التهدئة، وشريكا فعالا في تقريب وجهات النظر مع إيران".

وتوقع الخبير العراقي أن "حصول اتفاقات على ألا يكون هناك استهدافات مستقبلية لهذه الفصائل، وأن تعيد الأخيرة انتشارها، وتحلّ محلها قوات أمنية مدربة وتمتلك قدرات كبيرة جدا، سواء من الجيش أو الشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب وغيرهم".

وخلص إلى أن "هذه الفصائل المسلحة أدت دورها في السابق، وبالتالي عملية المحافظة عليها اليوم وعدم زجها في المعركة هو عين الصواب، والعلاج الأنجع في مواجهة الأحداث الحالية".

وقبل نحو أسبوع، كشف رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية، أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أكد لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال اتصال هاتفي، ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على ذلك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية إسماعيل قآني العراق الحشد الشعبي العراق الحشد الشعبي إسماعيل قآني المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحکومة العراقیة الفصائل المسلحة جرف الصخر أن تکون لا ترید إلى أن

إقرأ أيضاً:

تقرير أمريكي: نفوذ إيران يقف وراء تراجع بغداد عن تصنيف الحوثيين إرهابيين

يشهد العراق حالة من الارتباك السياسي والأمني بعد القرار المفاجئ لتصنيف حزب الله اللبناني وحركة الحوثي اليمنية ضمن قائمة "تجميد الأصول الإرهابية"، قبل أن تتراجع الحكومة عن القرار بعد ساعات قليلة فقط. 

ويكشف تقرير موقع Media Line الأمريكي أن هذه الخطوة أظهرت هشاشة الحكومة العراقية في التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية، ووضعت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في موقف حرج أمام الأطراف السياسية المختلفة، بما فيها القوى الموالية لإيران والمعارضة لها.

ووفق التقرير، صدر القرار في 4 ديسمبر/كانون الأول 2025 ونُشر في الجريدة الرسمية العراقية بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، ضمن القرار رقم 61 الصادر عن لجنة تجميد أموال الإرهابيين بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ويهدف إلى تجميد أموال 24 كيانًا مصنفًا كمنظمات إرهابية، من بينها حزب الله والحوثيون.

وبحسب التقرير، اتخذ البنك المركزي العراقي إجراءات قانونية لتجميد أصول الحزبين داخل العراق، قبل أن يصدر بيان لاحق يوضح أن هذه الإجراءات كانت "خطأ غير مقصود" و"دون تحقق"، وأن الحكومة ستقوم بإلغاء كل الإجراءات قبل صدور قرار رسمي لتصحيح الخطأ.

ويشير تقرير Media Line إلى أن القرار المفاجئ أثار موجة من الجدل السياسي داخل العراق، خصوصًا مع القوى الشيعية الموالية لإيران، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهيئة التنسيق، الذين اعتبروا الخطوة محاولة غير مدروسة قد تقوض نفوذهم.

وأوضح التقرير أن القرار قد يؤثر على عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة واختيار رئيس الوزراء المقبل، حيث أن مواقف السوداني من هذه الخطوة يمكن أن تُضعف أو تقوي موقفه بين الكتل الشيعية والعربية والدولية.

وقال التقرير إن الحكومة العراقية أكدت، عبر بيان رسمي لرئيس الوزراء السوداني، أن ما حدث كان خطأ وأنه سيتم التحقيق لتحديد المسؤولية ومحاسبة الجهات المسؤولة، مشددًا على أن موقف العراق تجاه الصراعات في لبنان وفلسطين مبدئي وغير قابل للمساومة، ويعكس إرادة شعب العراق بمختلف أطيافه.

وأفاد التقرير بأن قناة العهد العراقية التابعة لعصائب أهل الحق نشرت أسماء مسؤولين حكوميين متورطين في نشر القرار، من بينهم نزار ناصر حسيو، مدير مكتب مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي، وطارق جاسم حسين، ممثل جهاز المخابرات الوطني، بالإضافة إلى مسؤولين في وزارات المالية والداخلية والعدل، وهو ما أثار مخاوف من تحريض على العنف ضدهم.

وحذر محللون سياسيون، وفق التقرير، من أن نشر هذه الأسماء يعكس أبعادًا خطيرة للتوتر السياسي الداخلي، ويزيد من صعوبة إدارة الحكومة الحالية لمواقفها القانونية والسياسية.

رأى المحلل موفق الخطاب أن الحكومة الحالية تواجه مأزقًا خطيرًا، وأن نشر القرار كان بمثابة اختبار لردود فعل الأطراف السياسية المختلفة. وأضاف أن القرار، رغم تراجعه، أظهر أن الحكومة العراقية غير قادرة على اتخاذ قرارات حساسة تتعلق بالعلاقات مع القوى الإقليمية دون مواجهة ضغوط كبيرة.

وأشار التقرير إلى أن الخطوة كانت فخًا سياسيًا نصبه المالكي وهيئة التنسيق، بهدف ضرب شعبية السوداني بين الناخبين الشيعة وتقويض فرصه في ولاية ثانية. وأكد المحلل عمر الجنابي أن هذه الضربة قد تقلل من الدعم الشعبي والسياسي للسوداني، وربما تعرضه لمخاطر على سلامته الشخصية في حال استمرار النزاع مع الميليشيات الشيعية.

ويشير التقرير إلى أن هذه الحادثة تلقي الضوء على حساسية القرارات المتعلقة بالإرهاب والعقوبات الدولية في العراق، وكيف يمكن أن تؤثر على علاقاته مع الولايات المتحدة والدول العربية. ويأتي القرار في وقت يتزايد فيه النفوذ الإيراني داخل العراق، ويضع رئيس الوزراء في موقف صعب بين الالتزام بالقانون الدولي وتحقيق مصالحه السياسية الداخلية.

وأكد التقرير أن أزمة القرار تعكس هشاشة المؤسسات العراقية في مواجهة الضغوط المتداخلة بين النفوذ الداخلي والإقليمي، وأن أي خطوة متسرعة قد تؤدي إلى توترات سياسية وأمنية كبيرة في البلاد، خصوصًا في ظل محاولات تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • تقرير أمريكي: نفوذ إيران يقف وراء تراجع بغداد عن تصنيف الحوثيين إرهابيين
  • حرس شرف وسلام وطني.. تفاصيل زيارة رئيس الأركان إلى إيطاليا
  • زيارة ميسي التاريخية للهند تتحول لشغب جماهيري.. ماذا حدث؟
  • سافايا يمتدح السوداني في قيادته للعراق واستقراره
  • الخلافات الداخلية والرسائل الخارجية تعيد تشكيل مشهد اختيار رئيس الوزراء
  • ماذا وراء استبعاد توني بلير من مشهد إدارة غزة في المرحلة المقبلة؟
  • السفارة الأمريكية: إشراك الفصائل في حكومة العراق الجديدة لا يتوافق مع الشراكة
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • كأس العرب.. الأردن تتأهب لكسر التفوق التاريخي للعراق
  • زعيم إطاري:زعماء فصائل الحشد “المقاومة الإسلامية” سيحضرون اجتماعات الإطار المقبلة لرسم سياسة الدولة وامنها واقتصادها!!