لم يكن سقوط نظام الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول أمرًا متوقعًا لدى أي من دول المنطقة أو العالم، بل حتى لدى إدارة العمليات العسكرية التي قادت العملية، رغم إصرار بعض المحللين على أنه أمر مخطط له.
فتصريحات القيادة العسكرية، وتصريحات دول المنطقة حتى بعد انطلاق الحملة العسكرية كانت تتحدث عن عمليات عسكرية ضيقة في حلب وريف إدلب؛ بهدف إسكات قصف النظام على المعارضة وقتها، و"ردع العدوان" الذي استمرّ به النظام السوري رغم الاتفاقيات المتتالية في جنيف وأستانا، وغيرها.
بيدَ أن انهيار الجيش السريع والمفاجئ أمام تقدم مقاتلي قيادة العمليات العسكرية أدى إلى ارتجال خطط جديدة والإسراع نحو دمشق من الشمال والجنوب بتقنيات "الحرب الخاطفة" والتي لم تستطع قوات النظام الصمود أمامها، وأصدرت الأوامر بتخلي الجنود عن مواقعهم، وانتهت بوصول قوات المعارضة إلى دمشق، وهروب بشار الأسد إلى روسيا في مشهد لم يكن مطروحًا على الساحة إطلاقًا قبل عشرة أيام فقط من بداية العمليات.
هذا الانتصار السريع أثار قلق دول المنطقة ومنها الأردن تجاه أمرين أساسيين:
أولًا: احتمالية الفوضى التي تقع بعد سقوط الأنظمة عادة، والانفلات الأمني الذي قد يؤدي إلى تشكيل خطر على المملكة من حدودها الشمالية. ثانيًا: هوية الفصائل التي قادت المعركة والتي تنتمي لتنظيمات كان لديها عداء تاريخي مع الأنظمة العربية، وخاصة الأردن. إعلانهذه المخاوف المبررة التي تشاركتها المملكة الأردنية مع عدد من الدول، دفعتها في خطوة شديدة الأهمية إلى الدعوة إلى مؤتمر العقبة في الرابع عشر من ذات الشهر (ديسمبر/كانون الأول)، والذي شارك فيه أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية التي تضم الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، بحضور وزراء خارجية قطر، والإمارات، والبحرين، وتركيا. بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة.
قوبل هذا الاجتماع ببرود في البداية من قبل السوريين؛ لأنه أكد على الرعاية الأممية وتطبيق القرار 2254 الذي يدعو لتحول سلمي سياسي في سوريا، وهو قرار يعتبره السوريون مرتبطًا بحقبة قد انطوت صفحتها، فقد سقط النظام وسقطت الأطراف المتفاوضة، ولم يبقَ إلا الشعب السوري والدولة السورية الجديدة، والتي كانت القيادة الجديدة وقتها قد بدأت باستلامها، وتعيين وزراء للوزارات السيادية.
لكنني أعتقد أن قيمة هذا المؤتمر لم تكن تكمن في البيان الصادر عنه، والذي أكد إضافة إلى ما سبق، على ضرورة انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة العازلة في الجولان والقنيطرة. فقيمته الحقيقية هي في شبكة التحالفات الجديدة التي استطاعت المملكة الأردنية أن تبنيها بشكل سريع وديناميكي مع الأطراف التي تملك مصلحة إستراتيجية في استقرار سوريا وأمنها على المديَين؛ المتوسط، والبعيد.
أتحدث هنا، بالإضافة إلى الجمهورية العربية السورية نفسها، عن المملكة العربية السعودية (الحليف التاريخي للأردن)، وتركيا، وقطر، وهي الدول التي يبدو أنها اتفقت بعد مؤتمر العقبة على المشاركة الفعالة في بناء وإعمار سوريا الجديدة والحرص على أمنها واستقرارها وانتقال السلطة فيها إلى الحكومة الجديدة بطريقة سلسة، أو على الأقل معقولة.
في أعقاب المؤتمر، كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي صاحب أول زيارة رسمية لدولة عربية للقاء أحمد الشرع ووزرائه، تلته الوفود العربية من قطر، والسعودية. تبع ذلك في خطوات – واضح أنها مخطط لها – الزيارة الرسمية الأولى للفريق (السياسي- الأمني- العسكري) السوري إلى المملكة العربية السعودية، حيث قابلوا أيضًا نظراءهم هناك.
إعلانوأعلن الأردن بعدها عن زيارة فريقه (السياسي- الأمني- العسكري) إلى تركيا، ثم إلى سوريا ممثلًا بوزير الخارجية ومدير المخابرات ورئيس هيئة الأركان، لتعقبها زيارة بنفس المستوى من الطرف السوري إلى الأردن.
المنطقة إذن، تتنفس ولأول مرة من رئتها التي كانت مغلقة من زمن طويل. فعلاقة الأردن بالأخت الكبرى لبلاد الشام لم تكن مثالية حتى قبل الثورة، بل منذ تولي حزب البعث مقاليد الحكم في سوريا؛ فقد هدد حدودها أكثر من مرة، واعتقل الأردنيين وخطفهم وعذبهم، وخرّب مشاريع إستراتيجية أردنية اقتصادية، وكان سببًا في تصدير متكرر لعناصر حاولت زعزعة أمن الأردن.
كما أنه حول سوريا بالكامل إلى مصنع مخدرات واستخدم عصابات منظمة عبر الأردن ليوصل إنتاجه إلى دول الخليج. وذلك كله فضلًا عن خريطة تحالفاته البائسة مع إيران والتي كانت وبشكل فعال تهدد أمن المنطقة بالكامل.
يشعر الأردن أنه أمام شريك "محتمل" يمكن العمل معه على الملفات الأساسية، فقد أبدت الحكومة السورية المؤقتة مرونة شديدة، كما أعطت ضمانات للمملكة الأردنية حول إيقاف تصدير الكبتاغون والمخدرات، وأمن الحدود الشمالية، وعودة اللاجئين. وأعطت ضمانات أخرى لتركيا والخليج والمجتمع الدولي، مما أثار شعورًا بالارتياح أمام معظم دول المنطقة واعتقادًا بأن اللاعب السوري الجديد عاقل وليس كسابقه.
أدى هذا -بنظري – إلى تشكل حلف مرن (أو تنسيق على الأقل) بين الدول صاحبة المصلحة الإستراتيجية في استقرار سوريا وأمنها، وهي الدول التي أحب أن أسميها تيمنًا بدول حلف العقبة؛ سوريا، والأردن، والسعودية وقطر، وتركيا، والتي يبدو أنها ستعمل معًا في المرحلة القادمة بشكل فعال، وفي ملفات لا تقتصر على الملف السوري.
وما نأمله هو أن تشكل دول حلف العقبة قوة احتواء للعدو الصهيوني على المدى البعيد، ورمانة الميزان في هذا ستكون دون منازع الأردن، فهو خط المواجهة الأول مع العدو الصهيوني الذي يهدد الضفة الغربية والأردن بشكل مستمر.
إعلانومع أن المملكة استطاعت حتى الآن -دبلوماسيًا – منع توسع الصراع باتجاه صراع إقليمي، إلا أنه من الواضح أننا لا نعمل مع طرف عاقل يريد إنهاء الصراع، بل يريد إشعال حرب إقليمية شاملة سيكون الأردن فيها في خط النار الأول. ولذلك فإن الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها الأردن الآن وتشكيل خريطة التحالفات الجديدة والجمع بين السعودية، وتركيا، وقطر، وسوريا في مجال حيوي تنسيقي واحد، هي أفضل طريقة ممكنة لمواجهة التحديات القادمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دول المنطقة
إقرأ أيضاً:
وزير إسرائيلي يصف الحرب على سوريا بالحتمية وسط توتر على حدود القنيطرة
صرح وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي يوم الثلاثاء بأن الحرب على سوريا باتت حتمية، وذلك في تعليق على التطورات الأمنية قرب محيط القنيطرة السورية.
وجاءت تصريحات شيكلي عقب تداول مقاطع فيديو أظهرت تحركات لقوات الأمن السورية ومسلحين بالقرب من مواقع انتشار الجيش الإسرائيلي في ريف القنيطرة، وهو ما اعتبرته تل أبيب “تهديدًا أمنيًا”، رغم أن المنطقة تشهد منذ سنوات اعتداءات وانتهاكات متكررة للسيادة السورية.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن الحادثة تزامنت مع جولة ميدانية للسفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة مايك وولز، والسفير الإسرائيلي داني دانون، في القنيطرة القديمة، حيث ارتديا معدات حماية وأجريا تقييماً ميدانياً للوضع.
وأشارت الصحيفة إلى وقوع “حادثة غير اعتيادية” تمثلت باضطرابات وإطلاق نار بعد مرور الموكب المسلح، وزعم الجيش الإسرائيلي محاولة اعتقال عنصر من حركة الجهاد الإسلامي، بينما لم يشاهد السفيران الحادث مباشرة.
ونشرت وسائل الإعلام السورية تسجيلات تظهر مسلحين من قوات الأمن السورية يتحركون في شاحنات صغيرة وبحوزتهم أسلحة ظاهرة بمحاذاة آليات إسرائيلية، وأفادت التقارير بإصابة عدد من المدنيين السوريين جراء ما وصفه الجيش الإسرائيلي بـ”إطلاق نار تحذيري”.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن الحادثة سبقتها “إخلالات بالنظام ورشق بالحجارة” باتجاه جنوده، ما دفعهم لإطلاق النار في الهواء والانسحاب إلى مواقع آمنة، بينما أفادت مصادر سورية باندلاع تظاهرة احتجاجية على وجود الجيش الإسرائيلي ونشاط طائراته المسيرة في المنطقة.
وفي سياق سياسي، أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن غضبه من تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك حول “أولوية الملكية على الديمقراطية”، ونفت رئاسة الوزراء الإسرائيلية التقارير الإعلامية عن أي اتفاق أمني بين إسرائيل وسوريا، مؤكدة أن الاتصالات التي جرت برعاية أمريكية لم تُفضِ إلى تفاهمات.
وختم السفير الإسرائيلي داني دانون الجولة بالإشارة إلى أن “التهديدات من الشمال واضحة”، موضحًا أن الجيش يواجه تحديات على الحدود اللبنانية بسبب حزب الله والتهديد الإيراني، إضافة إلى تحديات على الجبهة السورية ناجمة عن عدم الاستقرار في المنطقة.
قذائف مجهولة المصدر تسقط في محيط مطار المزة العسكري بدمشق
أفادت وكالة سانا، الثلاثاء، بسقوط قذائف مدفعية مجهولة المصدر قرب مطار المزة العسكري بدمشق، وأوضح مصدر عسكري لوكالة سانا أن القذائف الثلاث لم تتسبب في أي إصابات أو أضرار مادية.
وأضاف المصدر أن الجهات المختصة انتشرت في محيط المطار وبدأت التحقيقات لتحديد مصدر هذه القذائف والتأكد من طبيعة الهجوم.
وكانت المنطقة نفسها تعرضت منتصف الشهر الماضي لضربات صاروخية قالت السلطات السورية إنها اعتداء غادر، وأسفرت عن إصابة عدد من المدنيين وإلحاق أضرار مادية بالأحياء السكنية المحيطة بالمطار، مع تحديد موقع إطلاق الصواريخ من أطراف المدينة.
ولم يتضح حتى الآن فيما إذا كانت إسرائيل وراء الضربات الأخيرة، وسط ترقب للنتائج الأولية للتحقيقات.
العدل السورية تحيل وسيم الأسد إلى قاضي الإحالة تمهيدًا لمحاكمته
أصدرت وزارة العدل السورية قرارًا بإحالة المدعى عليه وسيم الأسد، ابن عم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إلى قاضي الإحالة تمهيدًا لمحاكمته، مؤكدة أن الخطوة تعكس التزام الدولة بسيادة القانون واستقلالية القضاء وتعزيز الشفافية والمحاسبة القضائية.
وأظهر فيديو نشرته الوزارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استجواب وسيم الأسد من قبل قاضي التحقيق السابع توفيق العلي، حيث وُجهت له عدة تهم تشمل تشكيل مجموعات قتالية إجرامية تابعة للفرقة الرابعة عام 2012، والإشراف على تمويل المجموعات بالأسلحة والمال بالتنسيق مع العميد في جيش النظام السابق غياث دلة، وتسليح المنتسبين للميليشيات الرديفة في منطقة المليحة، إضافة إلى جرائم الترهيب والتخويف والتسبب بمقتل مدنيين في جرمانا عام 2012.
كما شملت التهم تفييش الجنود ونقلهم ضمن القطعات العسكرية، وقبض الرشاوى قبل الثورة وبعدها، وإقامة علاقة مع تاجر المخدرات اللبناني نوح زعيتر الذي اعتُقل مؤخرًا.
وكانت قوى الأمن الداخلي السوري قد ألقت القبض على وسيم الأسد في 21 يونيو الماضي في عملية أمنية محكمة على الحدود السورية اللبنانية.
يأتي إحالة وسيم الأسد إلى قاضي الإحالة في سياق محاولات السلطات السورية تعزيز محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتبطة بالعنف المسلح والميليشيات خلال سنوات الصراع، في إطار جهود القضاء لاستعادة الثقة في النظام القانوني وتحقيق العدالة بصورة موضوعية.