بايدن ينتقد قرار ميتا بالتخلي عن التحقق من الحقائق: "مخزٍ حقًا"
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن بشدة قرار شركة ميتا، بقيادة مارك زوكربيرج، بالتخلي عن أقسام التحقق من الحقائق واستبدالها بنظام ملاحظات مجتمعية يديرها المستخدمون. وصف بايدن القرار بأنه "مخزٍ حقًا"، معتبرًا أنه يشكل تهديدًا لجهود مكافحة المعلومات المضللة وحماية الحوار العام.
وقال بايدن خلال مكالمة صحفية يوم الجمعة: "فكرة الابتعاد عن التحقق من الحقائق وعدم الإبلاغ عن أي شيء يتعلق بالتمييز أو التلاعب بالمعلومات.
جاء قرار ميتا بإنهاء التحقق من الحقائق بعد سنوات من اعتمادها هذه الخدمة التي أُطلقت في عام 2016 بهدف محاربة الأخبار الزائفة. أوضح زوكربيرج أن القرار اتخذ نتيجة لتراجع الثقة العامة، حيث قال: "التحقق من الحقائق تسبب في ضرر أكثر مما أفاد من حيث تعزيز الثقة". وأضاف: "الانتخابات الأخيرة بدت وكأنها نقطة تحول ثقافية نحو إعطاء الأولوية للخطاب مرة أخرى. لذا، سنعود إلى جذورنا، نركز على تقليل الأخطاء، تبسيط السياسات، واستعادة حرية التعبير".
وشدد زوكربيرج على أن هذا التوجه الجديد يأتي استجابة لتغيرات ثقافية وسياسية، مشيرًا إلى أن النظام الجديد سيمكن المستخدمين من الإبلاغ عن الأخطاء عبر ملاحظات مجتمعية تشبه تلك التي تستخدمها منصة "X" التابعة لإيلون ماسك.
تصاعد التوتر بين بايدن وميتا
أثار هذا القرار انتقادات لاذعة من بايدن، خاصة في ظل الخلافات السابقة بين إدارته وميتا بشأن إدارة المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي. زوكربيرج كشف خلال حديثه في برنامج "The Joe Rogan Experience" أن إدارة بايدن ضغطت على ميتا لإزالة محتوى معين يتعلق بكوفيد-19، بما في ذلك محتوى فكاهي وساخر. وأكد أن فريقه رفض في بعض الحالات مطالب الإدارة بحذف منشورات "حقيقية"، مشددًا على أهمية حرية التعبير.
وفي هذا السياق، أشار زوكربيرج إلى أن ميتا انصاعت أحيانًا لضغوط الإدارة السابقة، لكنها قامت لاحقًا بمراجعة قراراتها. وأضاف: "بفضل الاستفادة من المعلومات الجديدة، ندرك الآن أن بعض القرارات لم تكن صائبة".
تأثير القرار على المعلومات المضللة
قرار ميتا أثار جدلاً واسعًا حول مستقبل المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي. إدارة بايدن وصفت الخطوة بأنها غير مسؤولة، مؤكدة أن شركات التكنولوجيا يجب أن تتحمل مسؤولية التأثيرات التي تتركها أفعالها على الشعب الأمريكي. ومع ذلك، ترى ميتا أن التوجه نحو مزيد من حرية التعبير هو السبيل الأمثل لتجنب تسييس المعلومات.
وفي ختام ولايته الرئاسية، عبر بايدن عن أسفه لعدم التصدي بشكل كافٍ لانتشار المعلومات المضللة، مشيرًا إلى أن هذا أحد أكبر إخفاقاته. وقال: "لا أعرف ما الذي يدور حوله هذا القرار... لكنه يتعارض مع قيمنا. يجب أن نضمن أن الحقيقة تظل الأساس لأي نقاش عام".
تبعات القرار
مع اقتراب نهاية ولاية بايدن، واستعداد ميتا للتعامل مع الإدارة القادمة، تبرز أسئلة كبيرة حول تأثير هذه القرارات على مشهد الإعلام الرقمي. بينما ترى ميتا أن نظام الملاحظات المجتمعية يمثل خطوة نحو تعزيز الشفافية، يرى البعض أن غياب التحقق الرسمي من الحقائق قد يؤدي إلى تفاقم التحديات المتعلقة بالمعلومات المضللة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ميتا مارك زوكربيرج جو بايدن المعلومات المضللة بايدن إيلون ماسك المعلومات المضللة قرار میتا
إقرأ أيضاً:
الفيلم الكوري مجنونة جدا.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق المخفية
عالجت السينما موضوع الانقسام بين الذات التي يراها المجتمع والدوافع الخفية الأكثر قتامة التي تقف خلف السلوكيات الغريبة التي لا تتسق معها. وجسّدت كلاسيكيات الرعب المبكرة مثل "دكتور جيكل ومستر هايد" (Dr. Jekyll and Mr. Hyde) هذه الثنائية حرفيا، إذ أظهرت رجلا محترما في حالة حرب مع الأنا البديلة العنيفة، محوِّلة الصراع النفسي إلى تحول جسدي.
وطوّرت الأفلام اللاحقة الفكرة بعمق نفسي أكبر، ومنها "فيرتيجو" (Vertigo) الذي جسّد الهوس والرغبة في التحكم بهوية الآخر، ملمّحا إلى أن الظلام لا يكمن فقط داخل الأفراد، بل أيضا داخل الأوهام التي يفرضها الآخرون عليهم. وفي فيلم "سائق التاكسي" (Taxi Driver)، يقدم البطل نفسه على أنه محارب قديم وحيد، لكن تحت هذه الهوية العامة الهشّة تنمو عقدة منقذ عنيفة تنفجر في عمل خطير، وفي فيلم "نادي القتال" (Fight Club)، يعبّر العمل عن خيبة أمل من خلال الأنا البديلة المولودة من الإحباط الذكوري المكبوت، كاشفا كيف يصنع المجتمع الحديث هويات تتمرّد في النهاية على الوضع الطبيعي المفروض.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ضايل عنا عرض" يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام الوثائقيةlist 2 of 2فيلم "أوسكار: عودة الماموث".. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم كبوة جديدة؟end of listوبرزت الميلودراما في أفلام منها "البجعة السوداء" (The Black Swan)، حيث استخدمت الذات المزدوجة لاستكشاف الكمال والذات الأنثوية، مشيرة إلى أن الشخصية المظلمة أحيانا ما تكون نتاجا لضغوط مجتمعية لا شرّا فطريا.
لم تتعامل هذه الأفلام مع الذات الخفية بوصفها مجرد وحش، بل باعتبارها رد فعل على الكبت العاطفي والوحدة والتوقعات الثقافية، ممهدة الطريق لقصص معاصرة مثل "مجنونة جدا" (Pretty Crazy) لإعادة صياغة الصراع نفسه في أنواع أدبية جديدة.
وتدور أحداث فيلم "مجنونة جدا" حول غيل غو، وهو شاب عاطل عن العمل ينجرف في روتين ممل حتى تدخل جارته الجديدة الساحرة، سون غي، حياته فجأة، ليكتشف أن المرأة اللطيفة التي يلتقيها خلال النهار تتحول إلى شخصية فوضوية، تكاد تكون شيطانية كل ليلة بسبب لعنة غامضة.
إعلانورغم صدمته، يفتن بها، ويقبل طلبا غير عادي من والدها المنهك لمراقبتها خلال هذه التحولات الليلية، ليصبح حارسا مترددا ينمو ببطء مرتبطا عاطفيا بكلا جانبي شخصيتها. بينما يقضي ليالٍ طويلة يحميها ويراقبها، يتحول ما يبدأ كخوف إلى عاطفة، ويتحول الفيلم من كوميديا رومانسية غريبة إلى قصة عن الهوية والصدمة الخفية والصراع بين التوقعات الاجتماعية والواقع الداخلي.
وحين يحاول غيل غو كسر اللعنة ومساعدة سيون غي على استعادة السيطرة على حياتها، يترك الفيلم السؤال الأعمق الكامن وراء الحبكة الخارقة للطبيعة مفتوحا، وهو هل يمكن للحب أن يعيش في ظل الاختلاف الحاد بين شخصية المحبوب نهارا وليلا؟
يُشير التناقض بين غيل غو وسون غي بشكلٍ خفي إلى اختلاف طبقي، حيث يقدم الفيلم غيل غو كشاب عاطل عن العمل، ينجرف بلا هدف ولا استقرار. من ناحية أخرى، تعمل سون غي خبازة في متجر محلي، وتظهر في البداية كجارة مهذبة وفعّالة اجتماعيا، فهي امرأة لديها وظيفة وروتين، يبدو كأنه جزء من الحياة اليومية العادية، ويُنشئ هذا التناقض توترا اجتماعيا واقتصاديا بين استقرارها المتواضع، وإن كان منتظما، ووجوده الهش وغير المستقر.
ويزداد هذا التوتر حدة بالطريقة التي تُخفي بها "طبيعة" سون غي الظاهرة اللعنة الخارقة للطبيعة التي تسكنها. في الوقت نفسه، يُصبح غيل غو، رغم اضطرابه الاقتصادي، حاميها الليلي، لتنقلب بذلك موازين القوة والدعم المتوقعة. من خلال هذا التناقض، يُشير الفيلم إلى أن الطبقة أو المكانة الاجتماعية لا تضمن الأمن أو الهوية، فالاستقرار قد يكون وهما، بينما قد يحمل الضعف أو التهميش على قوة خفية.
قدم المخرج الكوري الجنوبي لي سانغ غيون أداء بصريا مميزا، ولعبت بعض المشاهد أدوارا مفتاحية للدفع بالمشاهد في قلب أزمة العمل، ولعل أحد أكثر المشاهد لفتا للانتباه هو ذلك الذي تستقل فيه غيل غو المصعد مع سون غي بعد مقابلتها في الليلة السابقة، يصبح المشهد العادي مقلقا فجأة حيث يتغير تعبيرها ووضعيتها بشكل جذري لدرجة أن الجمهور يشعر بالصدمة تماما كما يشعر بها غيل غو، تنجح هذه اللحظة لأنها تعلن بصريا عن الصراع المركزي للفيلم دون تفسير.
وفي مشهد آخر لا يُنسى خلال أحد "مواعيد الليل"، عندما تكشف سون غي، في حالتها الفوضوية، بشكل غير متوقع عن تلميحات من انعدام الأمن بدلا من العنف، مما يشير إلى أن شخصيتها المظلمة ليست شرا خالصا ولكنها جزء مجروح من نفسها، وهو كشف يجلب تعاطف المشاهد.
وفي مشهد لاحق تواجه فيه سون غي والدها بشأن اللعنة، لأنه يحول السرد من الكوميديا إلى الدراما العاطفية، ويكشف عن الإرهاق والخوف والذنب الذي يحيط بحالة سون غي، ويظهر أن اللعنة تؤثر على كل من يرتبط بها.
وأخيرا، فإن اللحظة التي تقترب من النهاية التي يختار فيها غيل غو البقاء مع سون غي أثناء تحولها، بدلا من الهرب كما يفعل أي شخص عاقل، تقف كقمة عاطفية، فهي تُظهر القبول بدلا من الخوف، مما يحول الصراع الخارق للطبيعة إلى بيان مؤثر حول الحب والولاء والشجاعة لمواجهة الجانب الأظلم لشخص ما.
تتكامل العناصر البصرية وتصميم الصوت في الفيلم لبناء مشهد عاطفي متقلب يتأرجح بين الكوميديا والتشويق والتوتر النفسي. بصريا، يلعب الفيلم على التناقضات بين بيئات النهار والليل لإبراز موضوعه الرئيسي، وهو الانقسام بين شخصية سون غي العامة وهويتها الخفية المظلمة.
إعلانغالبا ما تصور مشاهد النهار بإضاءة طبيعية ساطعة، وألوان دافئة، وأجواء عادية، بينها مخابز، وشقق، وشوارع الأحياء، مما يخلق شعورا بالراحة والطبيعية اليومية، وتبرز هذه المشاهد الهادئة بصريا الروتين والاستقرار، مما يجعل سون غي تبدو مندمجة تماما في محيطها.
على النقيض من ذلك، تميل بيئات الليل إلى أن تكون أكثر برودة وظلاما وعدم استقرار بصري: تملأ الظلال الزوايا، وتصبح حركة الكاميرا أقل قابلية للتنبؤ، وتحل إضاءة النيون أو الإضاءة الاصطناعية محل سطوع النهار الطبيعي. لا يُشير هذا التحول في التصوير السينمائي إلى تحول سون غي فقط، بل يعكس أيضا القلق النفسي الذي يحيط بحالتها.
تسهم اللقطات المقربة في المشاهد الليلية في تجسيد تحولات الوجه والتوتر العاطفي، بينما تكون لقطات النهار أوسع وأكثر استرخاء، وتوضح السياقات الاجتماعية والمساحة، وتخلق المشاهد المكبرة جوا من الضيق، يشعر من خلاله الجمهور أنه مُحاصر بشخصية سون-غي المظلمة، بينما توحي التركيبات الأوسع في ضوء النهار بالحرية والانتماء الاجتماعي.
كما يستخدم الفيلم الانعكاسات والمرايا والنوافذ للتلميح إلى الهويات الخفية، وتذكر هذه العناصر البصرية المشاهدين ببراعة بوجود ذات منقسمة دائما تحت السطح، حتى التصميمات الداخلية البسيطة للشقق تصبح مساحات رمزية، تنتقل من الراحة المنزلية إلى الحبس المقلق اعتمادا على الإضاءة ووضع الكاميرا.
يلعب تصميم الصوت دورا حاسما بالقدر نفسه في تشكيل النسيج العاطفي للفيلم. خلال مشاهد النهار، تنشئ الأصوات المحيطة، كضجيج الشوارع والمحادثات العابرة، بيئة صوتية طبيعية ترسخ المشاهد في عالم اجتماعي واضح.
عادة ما تكون الموسيقى في هذه اللحظات خفيفة أو مرحة، مما يعزز أجواء الكوميديا الرومانسية التي تفتتح الفيلم. ومع ذلك، يتغير المشهد الصوتي بشكل كبير مع حلول الليل. تضفي النغمات الخافتة، والأصداء البعيدة والضوضاء المحيطة المكتومة شعورا بالتشويق وعدم القدرة على التنبؤ، كما لو أن شيئا خطيرا على وشك الحدوث. تعمل هذه الإشارات السمعية الدقيقة كإشارات نفسية، تهيئ المشاهد لتحول سون غي حتى قبل أن يراه.
في بعض المشاهد، يصبح الصوت أكثر تعبيرا من الصورة. على سبيل المثال، تعتمد مشاهد التحول بشكل كبير على المؤثرات الصوتية بدلا من المؤثرات البصرية، مما يوحي غالبا باضطراب داخلي من خلال تشوهات صوتية، أو أصوات هامسة، أو إشارات انتقالية حادة. تتيح هذه التقنية للجمهور الشعور بصراع سون غي الداخلي دون الاعتماد على صور حاسوبية صريحة أو صور مخيفة. فبدلا من صدمة الجمهور بصريا، يزعجهم الفيلم صوتيا، مما يجعل التحول تجربة عاطفية، وليست خارقة للطبيعة بحتة.
كما تساعد الموسيقى التصويرية على تطوير علاقات الشخصيات. عندما يبدأ غيل-غو بقضاء الليالي مع سون-غي، تتحول الموسيقى من نغمات كوميدية إلى ألحان عاطفية وتأملية، مما يوحي بترابط عاطفي متنام. أحيانا، يصبح الصمت أداة مؤثرت حيث يبرز الضعف في لحظات السكون، مما يجعل المشاهد ينتظر بقلق التحول غير المتوقع التالي.
في النهاية، يحول مزيج التناقضات البصرية وتصميم الصوت فيلم "مجنونة جدا" إلى أكثر من مجرد مزيج من الكوميديا والرعب، باستخدام الإضاءة والتصوير والألوان واالصوت لعكس الصراع الداخلي.