كندا وغرينلاند وبنما في مرمى نيران ترامب
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
عاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يملأ العالم بمواقفه اللافتة ويشغل الناس، وهو لم يتسلم الحكم رسمياً بعد. ففي مؤتمر صحافي عقده هذا الأسبوع هدَّد ثلاث دول بالضم: كندا جارته الضخمة في الشمال، وغرينلاند الجزيرة المهمة في القطب الشمالي والتي تعود للدنمارك، ويحمل مواطنوها الجنسية الدنماركية على الرغم من إدارتها الذاتية، وبنما التي هدَّدها بالاستيلاء على القناة.
فعندما سئل إذا ما كان يمكنه طمأنة العالم أنه لن يستخدم القوة العسكرية أو الاقتصادية للسيطرة على قناة بنما أجاب: «لا، لا أستطيع الطمأنة على أي من هاتين المسألتين. لكني أستطيع القول إننا نريدها للأمن الاقتصادي».
ومع أنه لمَّح لفكرة جعل كندا الولاية الـ51، فإن هذا التهديد لكندا لا يحمله الكثيرون على محمل الجد. وموضوع قناة بنما التي أعادتها أميركا لبنما في اتفاقية وقَّعها الرئيس الأسبق جيمي كارتر عام 1977، وعدّها ترامب «عاراً» ارتكبه كارتر، له جانب اقتصادي وجانب أمني جيو-استراتيجي.
اقتصادياً، ترامب يعبِّر عن غضب أميركي؛ بسبب رفع بنما رسوم مرور السفن الأميركية في القناة، وهو يطالب بخفض هذه الرسوم، وإلا فإن أميركا ستستحوذ على القناة من جديد. أما السبب الآخر الأمني فهو اتهام ترامب بأن هناك نفوذاً صينياً متزايداً في القناة وهو أمر تنفيه بنما نفياً تاماً. وتقول التقارير إن كل ما في الأمر هو أن هناك شركة مركزها الرئيسي في هونغ كونغ، تقوم بإدارة مرفأين على القناة، وهو ما يعدّه خبراء أميركيون تهديداً؛ لأن هذه الشركات يمكن أن تقوم بالتجسس على السفن والشركات الأميركية. لكن السبب يمكن أن يكون أيضاً في غضب الرئيس ترامب من بنما التي سحبت عام 2017 اعترافها بتايوان، واعترفت بالصين، وأقامت علاقات معها معترفة بـ«صين واحدة».
لكن موضوع قناة بنما مثل موضوع كندا يمكن أن يكون صفحة من كتاب التفاوض للرئيس ترامب، ويمكن أن يتم إيجاد حل له عبر تخفيض الرسوم، أو عدم التوغل أكثر في علاقة مع الصين.
لكن الموضوع الأهم هو موضوع جزيرة غرينلاند ذات الموقع الجغرافي والاستراتيجي المهم لأميركا في تنافسها على القطب الشمالي مع روسيا والصين، والملاحة الدولية. وخبراء السياسة الدولية هنا يلحون على واشنطن أن تحكم سيطرتها أكثر على غرينلاند لضمان أمنها القومي. فمستشار الرئيس ترامب السابق عدّ غرينلاند «الطريق السريع (هاي واي) إلى أميركا الشمالية والولايات المتحدة. إنها مهمة جداً استراتيجياً للقطب الشمالي الذي سيكون أرض معركة المستقبل؛ بسبب تغير المناخ الذي يجعل المنطقة دافئة، وربما يكون الطريق الذي يُخفِّض الحاجة إلى قناة بنما».
ودعا أوبراين الدنمارك إلى بيع غرينلاند لأميركا لتضمها إلى ألاسكا إذا كانت عاجزة عن الدفاع عنها. والجزيرة الأكبر في العالم مهمة؛ بسبب مواردها الاقتصادية الكبيرة التي تحتاجها أميركا، خصوصاً لصناعة البطاريات للسيارات الكهربائية وغيرها من المعادن النادرة.
واهتمام أميركا بغرينلاند ليس جديداً. فخلال الحرب الباردة وقَّعت أميركا اتفاقاً دفاعياً مع غرينلاند عام 1951، والذي أعطى واشنطن حقوق إقامة قواعد عسكرية ومنشآت للدفاع؛ مما أعطى غرينلاند أهمية داخل حلف شمال الأطلسي، وهذا سمح لواشنطن بإقامة قاعدة «بيتوفيك» الفضائية، التي تعدّ حجر أساس في القدرات الاستراتيجية الأميركية في القطب الشمالي، وهي قاعدة إنذار مبكر للحماية من أي صواريخ عابرة للقارات، أو أي تهديد جوي لأميركا القريبة جداً من الجزيرة.
واهتمام الرئيس ترامب بها غير جديد أيضاً. فخلال ولاية حكمه الأولى، وحسب كتاب الصحافيَّين بيتر بيكر، وسوزان غليزر، حول ترامب، كشفا عن أن صديق ترامب رونالد لاودر، صاحب شركة «إستي لودر» للعطور اقترح على ترامب شراء الجزيرة، وعرض أن يلعب دور الوسيط مع الدنمارك. وأجرى فريق ترامب يومها اتصالات بالسفير الدنماركي في واشنطن؛ للحديث حول الأمر، وتم وضع عرض رفضته الدنمارك، وتسبب ذلك حسب الصحف بإلغاء زيارته للبلاد.
الغريب أنه يجري الحديث عن بيع وشراء غرينلاند دون ذكر أصحابها الأصليين المدعوين الإينوي، وعددهم صغير لا يتعدى 56 ألف نسمة، لكنهم لا يريدون أن يُعاملوا بوصفهم سلعةً بين قوتين، واحدة أوروبية، وأخرى أميركية، على ملكية أرضهم. وكانت غرينلاند قد وضعت استراتيجيتها السنة الماضية تحت عنوان «لا شيء عنا دوننا»، وردّ رئيس حكومتها على كلام الرئيس ترامب بالقول: إن بلاده ليست للبيع.
والرئيس ترامب الذي أرسل ابنه الأكبر، رونالد جونيور، إلى غرينلاند ليتحدث عن استثمارات هناك، كان يخاطب الدنمارك في مؤتمره الصحافي عندما شكك في قانونية حق الدنمارك بالجزيرة وقال: «الناس لا تعرف إذا كان للدنمارك حق في غرينلاند. لكن إذا كان لديهم حق بها فيجب أن يتنازلوا عنه، لأننا نحتاجها لأمننا القومي». مستشاره الجديد للأمن القومي أيضاً قال: «نحتاج غرينلاند لأمننا القومي».
وتزداد أهمية غرينلاند الاستراتيجية والاقتصادية كلما ازداد تأثير التغير المناخي الذي يذيب الثلج القطبي حول الجزيرة، ويفتح خطوط ملاحة دولية تجارية تُخفِّض المسافة بين أوروبا والشرق الأقصى إلى النصف تقريباً، مما سيحدُّ من أهمية قناة بنما للملاحة والتجارة الدولية. وواشنطن قلقة من التعاون الروسي الصيني في القطب الشمالي، وازداد هذا القلق من خطط الصين التي تسمي نفسها «دولة قريبة من القطب الشمالي»، لأنها تريد خلق «طريق حرير قطبي» ملاحي.
غرينلاند، وحسب استراتيجيتها، تريد تقوية العلاقة مع جيرانها في الولايات المتحدة وكندا. وكانت قد افتتحت مكتباً تمثيلياً لها في واشنطن عام 2014، وتعمل على افتتاح مكاتب تمثيلية في الأمم المتحدة، وتسعى لجلب الاستثمار للبلاد.
بعد الرد الصارم للدنمارك على الرئيس ترامب، عادوا وخففوا اللهجة، معترفين بمخاوف واشنطن الأمنية. هذا يعني أن أسلوب ترامب التفاوضي ينجح، ومن المستبعد أن نرى الحليفين الأطلسيَّين يتنازعان على منطقة حيوية للدفاع عن الحلف بأكمله. ربما نرى تقوية لاتفاق الدفاع بين واشنطن وغرينلاند تترافق مع استثمارات تحتاج إليها البلاد، فتصبح غرينلاند كما قال ترامب «عظيمة من جديد»، فتدخل في فلكه دون الخروج من تحت جناح الدنمارك.
الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب كندا غرينلاند كندا غرينلاند ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القطب الشمالی الرئیس ترامب قناة بنما
إقرأ أيضاً:
ترامب يعلن عن القبة الذهبية.. وهذه أبرز التحديات التي تواجهها
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، عن نظام "القبة الذهبية" والقادر على التعامل مع أي هجوم صاروخي، حتى لو كان من الفضاء.
وقال ترامب خلال تصريحات صحفية: "وعدت خلال حملتي الانتخابية ببناء درع يحمي سماءنا من الصواريخ الباليستية وسوف أفعل"، مشيرا إلى أن "تكلفة القبة الذهبية تبلغ 175 مليار دولار".
وذكر أن "القبة ستحمينا بنسبة قريبة من 100% من جميع الصواريخ بما فيها الفرط صوتية".
وفي وقت سابق، كشفت شبكة "سي إن إن" نقلًا عن مصادر مطلعة، أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قدمت للبيت الأبيض مقترحات متعددة لتطوير نظام دفاعي صاروخي متقدم يحمل اسم "القبة الذهبية"، استجابةً لرغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إنشاء درع يحمي الولايات المتحدة من التهديدات الصاروخية البعيدة المدى.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة المشروع قد تتجاوز 500 مليار دولار خلال العقدين المقبلين، وفقًا لمكتب الميزانية في الكونغرس، رغم تخصيص 25 مليار دولار فقط في الميزانية الدفاعية للعام القادم.
ومن المتوقع أن يعلن ترامب عن خياره المفضل بشأن التصميم والتكلفة خلال الأيام المقبلة، وسط دراسة ترشيح الجنرال مايكل جيتلين، نائب رئيس عمليات الفضاء في قوة الفضاء الأمريكية، لتولي إدارة البرنامج. ويُنظر إلى هذا المنصب على أنه مفتاح لنجاح المشروع نظراً لتعقيده وتعدد مراحله.
سباق شركات التكنولوجيا والدفاع
ويُعد المشروع فرصة استثمارية هائلة لشركات القطاع الخاص، إذ يُنتظر أن تلعب دوراً محورياً في تصميم النظام وتنفيذه.
وتتنافس شركات كبرى، على رأسها "سبيس إكس" التابعة لإيلون ماسك، إلى جانب "أندوريل" و"بالانتير"، على الفوز بعقود التطوير.
وأكدت مصادر أن الشركات الثلاث قدّمت عروضًا مباشرة لوزير الدفاع بيت هيغسيث، وسط جدل سياسي بشأن علاقة ماسك بالإدارة الأمريكية.
تباين جوهري عن "القبة الحديدية"
ورغم إصرار ترامب على وصف النظام المرتقب بـ"القبة الذهبية"، فإن الخبراء يشيرون إلى اختلاف جوهري بينه وبين "القبة الحديدية" الإسرائيلية. فالأخيرة صُممت لاعتراض صواريخ قصيرة المدى في نطاق جغرافي صغير، بينما يسعى ترامب إلى تطوير درع فضائي يغطي كامل الأراضي الأمريكية ضد صواريخ باليستية وصواريخ كروز فائقة السرعة.
وتاريخيًا، واجهت الولايات المتحدة تحديات كبيرة في إنشاء نظام دفاع صاروخي شامل، بسبب تعقيد التكنولوجيا المطلوبة والتكلفة الهائلة.
وتُشير التقارير الاستخباراتية إلى تصاعد التهديدات من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، ما يزيد من إلحاح المشروع رغم التحديات الفنية والمالية.
ويتضمن المشروع أكثر من 100 برنامج فرعي، معظمها قائم أو قيد التطوير داخل وزارة الدفاع، في حين يُعد مكوّن القيادة والسيطرة والتكامل هو العنصر الجديد كليًا.
كما يشمل المخطط بنية تحتية واسعة تتضمن أقمارًا صناعية، وأجهزة استشعار، وصواريخ اعتراضية، ومنصات إطلاق فضائية.
ضغط زمني وتمويل محدود
أمرت إدارة ترامب وزارة الدفاع بعكس خطط "القبة الذهبية" في ميزانية عام 2026، بينما التزم الكونغرس مبدئيًا بتوفير تمويل أولي بقيمة 25 مليار دولار. ومع ذلك، يرى خبراء أن هذا الرقم لا يمثل سوى بداية رمزية لتكلفة ضخمة متوقعة.
ورغم الحماسة السياسية، شهد المشروع تأخيرًا مبكرًا في تسليم خطط التنفيذ للبيت الأبيض، بعد أن تجاوز وزير الدفاع الموعد النهائي الذي حدده ترامب بأكثر من شهر.
كما أدى ضعف التواصل داخل الدائرة المقربة من الوزير هيغسيث إلى إثارة تساؤلات حول قدرته على إدارة مشروع بهذا الحجم.
أثار التقارب بين ماسك وترامب غضب الديمقراطيين، الذين دعوا إلى تحقيق في مدى تأثير علاقات ماسك على عمليات منح العقود. في المقابل، دافع مسؤولون في البنتاغون وخبراء دفاع عن مشاركة "سبيس إكس"، مؤكدين أنها تمتلك قدرات متقدمة في مجال الاستشعار الفضائي.
وعلى الرغم من الزخم السياسي والإعلامي، فإن السيناتور الديمقراطي جاك ريد شدد على أن مشروع "القبة الذهبية" لا يزال في مراحله الأولية، واصفًا إياه بأنه "أشبه بفكرة طموحة أكثر من كونه مشروعًا قيد التنفيذ".
وفي ظل التحديات التكنولوجية، والتعقيدات البيروقراطية، والتكلفة الباهظة، تبقى قدرة إدارة ترامب على تحويل "القبة الذهبية" من حلم سياسي إلى واقع عسكري فعال، محل تساؤل واسع النطاق داخل أروقة الكونغرس وخارجها.