مختصون لـ"الرؤية": التوجيهات السامية بتعزيز القيم والمبادئ سراجٌ ينير طريق الجهود الوطنية للحفاظ على المنظومة الأخلاقية
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
◄ الفهدي: التوجيهات بالحفاظ على المنظومة الأخلاقية محرك فاعل للأفراد والمؤسسات للقيام بالدور اللازم
◄ السناوي: الحفاظ على القيم من أهم أسباب التطور والابتكار
◄ أمبوسعيدية: التمسك بالقيم والتقاليد يُعزز تماسك المجتمع والإسهام في ازدهاره
◄ العاني: الطفولة أفضل مرحلة لغرس القيم والمبادئ الأخلاقية
◄ المحرزي: نحتاج إلى تضمين التوجيهات السامية في فلسفة التعليم المدرسي والجامعي
الرؤية- مدرين المكتومية
أكد عدد من المختصين والتربويين الاهتمام السامي الكبير لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بتعزيز الهوية العُمانية والحفاظ على الموروث الأخلاقي والقيمي والسلوكي، انطلاقًا من المبادئ العُمانية الأصيلة التي تُشكِّل الإرث الحضاري العريق لعُمان، وذلك من خلال توجيهاته السامية بتبني سياسات وبرامج تُعزِّز هذ القيم الأخلاقية وتُعزز الانتماء الوطني.
وقالوا في تصريحات خاصة لـ"الرؤية" إن الحفاظ على السلوك القيمي والاجتماعي لأفراد المجتمع- وخاصة النشء- يتطلب تضمين ذلك في فلسفة التعليم المدرسي والجامعي، من خلال المناهج والبرامج الدراسية المقدمة في التعليم بشتى أنواعه.
وفي خطابه السامي في الحادي عشر من يناير 2025، قال جلالة السُّلطان- أبقاه الله: "نسعى دائماً لتعزيزِ الجهودِ والبرامجِ الحكوميّة للحفاظِ على إرثِنا الأخلاقيِّ والقيميِّ والسُلوكيِّ وعلى تبني مبادراتٍ حكوميّةٍ ومجتمعيّةٍ واسعة تُمكِّنُ هذه الأجيالَ من استلهامِ موروثِنا الوطنيِّ والتسلُّحِ بمبادئِهِ الصّافيةِ والاحتكامِ لمنظومتِنا الأخلاقيّةِ السّاميةِ".
تحديات الهُوِيَّة
ويقول المكرم الدكتور صالح الفهدي إنَّ جلالة السُّلطان- أعزه الله- أولى اهتمامًا كبيرًا بتعزيز الهُوية الوطنية والمبادئ والقيم التي نشأ عليها المُجتمع العُماني، والتي تتجسد في العادات والتقاليد والأفكار والتوجهات والقناعات الراسخة، مبينًا أنَّ هذا الاهتمام له قيمتهُ العالية؛ إذ يُنبِّه جلالته من خطورة التحديات التي يواجهها المجتمع العُماني شأنه كباقي المجتمعات، وهي تحدِّيات تمسُّ الهوية والأخلاق والتربية والبنية المجتمعية المتماسكة.
ويضيف الفهدي أن خطاب جلالته بمناسبة الذكرى الخامسة لتولِّي جلالته مقاليد الحكم في البلاد، يأتي تكريسًا لخطابهِ المستمرِّ للحفاظِ على المنظومة الأخلاقية القيمية والسلوكية للمجتمع العُماني خاصَّة للناشئة، وأن هذا التوجيه السَّامي يُشكِّل سياسةً واضحةً للجهات الحكومية المعنية وللمجتمعِ عامَّةً؛ أفراداً ومؤسسات، من أجلِ الحفاظِ على الإرث الثقافي للأُمَّة بما يتضمَّنه من قيمٍ ساميةٍ، وسلوكيَّات راقية، فضلاً عن أنَّه يحثُّ كلَّ جهةٍ معنيَّة لتبني المبادرات التي ترمي إلى ترسيخ القيم الأصيلة، والأخلاق الحميدة، والسلوكيات الرفيعة، كما أن هذه الخطابات المباركة من لدن جلالته- أيده الله- تعدُّ محركاً فاعلاً لأخذِ الأَمر على محملِ الاهتمام والاعتبارِ من جميع مكوِّنات الوطن، وذلك من خلال برامجَ ومبادرات ذات أثرٍ فاعلٍ ملموسِ النتائج.
ويذكر الفهدي قائلًا: "إِننا ننظرُ كمواطنين إلى هذا التوجيهِ السَّامي لجلالته على أنَّه دافعٌ للعطاءِ والبذلِ في طريق الاعتناءِ بالقيم النبيلة، والأخلاقيات السمحة التي تربَّى عليها المجتمع العُماني، وهو ما يبعثُ في أنفسنا شعوراً متنامياً لمواصلة الطريق، مدعوماً بالهمَّةِ والعزيمة للمضي في الرسائل الهادفة التي نشتغلُ عليها في هذا المسعى الوطني الشريف".
التقدم الحضاري
من جهته، يوضح حمد بن ناصر السناوي رئيس قسم الطب السلوكي بمستشفى جامعة السلطان قابوس، أنَّ المبادئ والقيم الإنسانية تعد من أهم وسائل التقدم الحضاري في المجتمعات، لأنها تنظم تعامل الأفراد كما أنها تنتقل من جيل إلى آخر عبر التربية والتدريب والتعليم والتثقيف، مُبينًا أنَّ الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يركز على أهمية التمسك بالمبادئ والقيم، إذ قال جلالته "نُهِيبُ بأبنائِنَا وبناتِنَا التمسُّكَ بالمبادئ والقيمِ، التي كانت وستظلُ ركائزَ تاريخِنَا المجيد، فَلْنَعْتزّ بِهَوِيَتِنَا وجَوْهَرِ شخصيتِنَا، ولِنَنْفَتِحْ على العالَمِ بتوازن ووضوحٍ، ونَتَفَاعَلْ معه بإيجابيةٍ، لا تُفْقِدُنا أصالتَنَا ولا تُنسينا هويتَنَا".
ويرى السناوي أن المحافظة على الموروث الحضاري وما يحتويه من قيم ومبادئ أخلاقية من أهم أسباب التطور، حيث تمكن الفرد من العيش في توافق مع ذاته وجماعته وأفراد المجتمعات الأخرى، فيبدع ويساهم في تطور المجتمع وبناء نهضته، كما تعتبر القيم من أهم وسائل في حماية أفراد المجتمع من تفشي الجرائم والانحرافات الأخلاقية بمختلف أنواعها والتي تتفشى في المجتمعات الحديثة وما تشهده من تطور في التكنولوجيا ووسائل التواصل التي رغم مالها من جوانب مفيدة إلا أنها لا تخلو من سلبيات يمكن أن تدمر استقرار الفرد والمجتمع بأكمله.
كما يلفت الخبير في الطب السلوكي إلى أن الخطاب السامي أكد على ضرورة خلق التوازن بين المحافظة على الموروث الاجتماعي والانفتاح على العالم دون التفريط في الهوية والشخصية العُمانية، مؤكدا أن من عوامل تحقيق هذا التوازن هو تعزيز دور التربية في بناء الشخصية العُمانية بكل جوانبها بدءًا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والمجتمع بأكمله بمؤسساته الحكومية والخاصة، بحيث تبنى هذه التربية على الأسس والمناهج العلمية التي تتناسب مع لغة العصر وتُحافظ على التقارب بين الأجيال ليتواصل توريث القيم والمبادئ وتبنيها في صياغة الشخصية العُمانية الأصيلة.
مشاعر الولاء والانتماء
وفي السياق، تقول الدكتورة آمال بنت عبدالله أمبوسعيدي استشاري أول في الطب النفسي ومؤسسة أكاديمية الحياة للمرونة النفسية: "يُولد الناس وهم بحاجة إلى الانتماء إلى الآخرين من أجل الشعور بالارتباط بهم وتكوين نظام دعم، ومن خلال الشعور بالانتماء إلى الآخرين، يصبح لدى الأفراد آليات أفضل للتعامل مع التحديات والتمتع بالمرونة النفسية، وتسمح هذه الروابط الداعمة للناس بمشاركة النجاحات وتجربة قدر أعظم منها، والولاء اتجاه نفسي اجتماعي ذو جانب انفعالي عاطفي وجانب سلوكي يدفع الفرد للقيام بسلوك معين نحو مصلحة ما تتعلق بانتمائه للجماعة، هذا إضافة إلى جانبه المعرفي والذي يتمثل في إدراك الفرد للمفاهيم والقيم التي يستند إليها الشعور بالوفاء، وعليه فإن تعزيز انتماء الأفراد للموروث الثقافي والتراث يشكّل ركيزة أساسية للحفاظ على الهوية الوطنية وتعميق شعور الولاء؛ فالموروث الثقافي ليس مجرد ذكريات أو رموز تاريخية، بل هو أساس حاضرنا ومستقبلنا، والرابط الذي يجمع الأجيال في إطار قيم وتقاليد مشتركة، وعندما يدرك الأفراد قيمة تراثهم، يشعرون بالفخر بجذورهم والانتماء العميق لمجتمعهم، مما يعزز لديهم الهوية الفردية والجماعية، ويؤهلهم للإسهام في بناء مجتمع قوي ومتماسك".
وتبيّن أمبوسعيدية أن نشر الوعي بأهمية التراث يبدأ بالتعليم والتثقيف، كما تسهم الفعاليات الثقافية كالمهرجانات الشعبية، وورش العمل الحرفية، والمعارض التراثية في تقديم تجربة عملية تُحيي القيم والموروثات، وتتيح للأفراد فرصة العيش داخل تفاصيل ثقافتهم بطرق ملموسة، كما أن الحفاظ على اللغة والفنون والعادات الاجتماعية يشكّل جزءًا لا يتجزأ من استدامة الموروث، ويتطلب دعم الحرفيين المحليين وحماية المواقع التاريخية، بالإضافة إلى أهمية استخدام التكنولوجيا في إبراز التراث ونقل الموروث الثقافي إلى الأجيال الجديدة، من خلال إنشاء تطبيقات تفاعلية، وإنتاج محتوى رقمي يعرض التراث بطرق مبتكرة يساهم في ربط الشباب بماضيهم بأسلوب يتماشى مع اهتماماتهم، مما يعمق شعورهم بالاعتزاز بهويتهم، وتعريف الأجيال الناشئة برموزهم الوطنية وبالقيم التي يُمثلها تراثهم بما يُعزز لديهم مشاعر المسؤولية تجاه الوطن.
موروث ثقافي
وتضيف أمبوسعيدية إلى أنَّ إبراز قصص الشخصيات التاريخية وإنجازاتها يغرس في نفوس الشباب روح الطموح والإلهام، ويدفعهم للمُساهمة في الحفاظ على تراثهم والعمل على تطويره دون فقدان أصالته، والموروث الثقافي ليس مجرد إرث للماضي، بل هو مصدر إلهام للحاضر والمُستقبل، فهو يُساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية، ويوفر للأفراد شعورًا بالاستقرار النفسي والأمان الاجتماعي، كما أن استمرارية هذا التراث وتفعيله في الحياة اليومية يعززان من شعور الانتماء للوطن، ويعكسان هوية مجتمع قادر على التوازن بين الأصالة والحداثة، وبذلك يُصبح التراث دعامة أساسية لبناء مجتمع متماسك مزدهر وواعٍ لحاضره ومستقبله.
بدورها، تُؤكد الدكتورة مها عبد المجيد العانية، استشارية نفسية، أنَّ الطفولة من المراحل الأساسية في حياة الإنسان وهي ثروة المجتمع الحقيقي باعتبارها المرحلة المناسبة لغرس البذور الأساسية للشخصية وتبلور ملامحها في المستقبل، فضلاً عن أنها محدد هام لذاته الجسمية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، مبينة أن اهتمام المقام السامي بهذه المرحلة والتأكيد على ترسيخ القيم والمحافظة على الموروث العُماني الأصيل يدل على الوعي الكبير بأهمية هذه المرحلة التي تتشكل فيها القيم والعادات والاتجاهات وتتطور فيها الميول والرغبات والقدرات وتتجه نحو رفع رقي وتطور المجتمع.
وتُشير إلى أهمية دور الأسرة في تربية الأبناء؛ إذ أثبتت العديد من الدراسات العلمية وجود علاقة إيجابية بين أسلوب التنشئة الأسرية وتكوين الشخصية، مشددة على ضرورة الاهتمام بتنشئة الأبناء تنشئة سليمة فضلاً عن أهمية دور المؤسسات الأخرى مثل المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام للحفاظ على القيم والعادات الإسلامية العُمانية الأصيلة.
فلسفة العمل الوطني
ويلفت الأكاديمي والتربوي محمد بن علي المحرزي، إلى أنَّ مضامين الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- تبنِّى عليها فلسفات العمل الوطني في شتى المجالات، خاصة فيما يتعلق بضرورة الحفاظ على السلوك القيمي والاجتماعي لأفراد المجتمع وخاصة النشء؛ إذ إنَّ هذا الأمر يتطلب تضمينها في فلسفة التعليم المدرسي والجامعي، بحيث يتم ترجمة ذلك من خلال المناهج والبرامج الدراسية المقدمة في التعليم بشتى أنواعه، إلى جانب أهمية أن تتضافر جهود الإعلام الرسمي والمحلي وكذلك الهيئات الرسمية والاجتماعية في ترسيخ منظومة القيم الهادفة حتى تتكامل مع الجهد التعليمي، بالإضافة إلى تعزيز المبادرات المجتمعية الشبابية في تحقيق المضامين السامية بشأن تعزيز منظومة القيم وتحقيقها في المجتمع والتصدي للظواهر الدخيلة على المُجتمع العُماني الأصيل.
ويقول المحرزي: "في هذا الأمر أطرح بعض الأفكار العملية والتي يمكن من خلالها تحقيق تلك الرؤية السامية، وذلك بزيادة تضمين المناهج التعليمية لبرامج وأنشطة تُعزز السلوك القيمي والتعزيز عليها، وإدراج تقييمات واقعية للمهارات القيمية السلوكية في منظومة التقويم المدرسي والجامعي، وتوجيه المؤسسات التربوية لتنفيذ حلقات نقاش تشمل الجانب الرسمي والشعبي لكيفية تعزيز السلوك القيمي الهادف، والعمل على طرح برامج قيمية متكاملة من خلال الإعلام الرسمي والمحلي لتقديم رؤى مُتقدمة في السلوك القيمي مع ربطها بقيادات فاعلة في المجتمع، وتطوير برامج الكشافة والجوالة وتفعيلها من خلال وزارة الثقافة والرياضة والشباب بحيث تستوعب الطاقات الشبابية وتدفع بها نحو التمكين".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
معنى معاداة السامية
معاني المصطلحات والمفاهيم محددة في العلوم الطبيعية والعلوم الدقيقة exact sciences، ولكنها في العلوم الإنسانية بمعناها الواسع تظل فضفاضة، بل تفقد أحيانًا دلالاتها الأصلية بما يطرأ عليها بمرور الزمن من تأويلات خاطئة تنأى عن معانيها الحقيقية. ولذلك، فإن إحدى المهام الرئيسة للفلسفة هي تنقيح المصطلحات والمفاهيم وتحديد معانيها، بل إن من مهامها إعادة النظر في المصطلحات والمفاهيم الفلسفية ذاتها التي اغتربت عن أصولها الأولى وتشوهت أو انحرفت معانيها، وتلك هي المهمة التي يقوم بها كبار الفلاسفة العارفين بفقه اللغة، ومنهم هيدجر على سبيل المثال.
ومن المصطلحات الشائعة في العلوم الاجتماعية (خاصة في العلوم السياسية)، وأصبحت متداولة في حياتنا اليومية في الصحف والأخبار: مصطلح «السامية» أو بالأحرى مصطلح «معاداة السامية» antisemitism. فكيف نشأ هذا المصطلح؟ وما أصوله التي يستند إليها؟
أول من استخدم هذا المصطلح هو الباحث الألماني فيلهلم مار سنة 1879 لوصف حالة العداء لليهود التي تفاقمت خلال القرن التاسع عشر، وقد شاع تداول هذا المصطلح بعد ذلك. والواقع أنه كانت موجات من حالات العداء والكراهية لليهود عبر التاريخ، منها: كراهية المسيحيين لليهود باعتبارهم المسؤولين عن صلب المسيح، والطرد من إنجلترا سنة 1290، ومذابح اليهود الإسبان سنة 1391، وملاحقات محاكم التفتيش الإسبانية لليهود وطردهم من إسبانيا سنة 1492، والمجازر التي تعرضوا لها في أوكرانيا في القرن السابع عشر، وفي روسيا في القرن التاسع عشر، والمحارق النازية لهم في القرن العشرين؛ فضلًا عن تهجيرهم من البلاد العربية، فلم يبق منهم سوى جالية بمملكة المغرب، وجماعات ضئيلة في جربا بتونس.
ويحق للمرء التساؤل عن أسباب هذا العداء لليهود عبر التاريخ من جانب دول وشعوب مختلفة، وهي أسباب عديدة بلا شك، ولكننا سوف نحجم عن الخوض فيها هنا. وبعد نشأة الصهيونية، قامت جماعات الضغط اليهودية بترويج مصطلح «معادة السامية» بشكل هائل في نوع من المظلومية، إلى أن تمكنت في النهاية من دفع الحكومات الغربية من إقرار قانون يجرم معاداة السامية باعتبارها جريمة عنصرية بحق اليهود! وهكذا أصبحت «معاداة السامية» تعني «معاداة اليهود»؛ لأن كلمة «سامي» أصبحت مرادفة لكلمة «يهودي»!!
وهنا ينبغي أن نفهم أولًا معنى مصطلح «السامية» كي يمكن أن نقف على معنى «معاداة السامية». إن التوحيد بين السامية أو الساميين وبين اليهود هو تصور مغلوط؛ لأنه- كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»- ناتج عن جهالة الباحثين الأوربيين في القرن التاسع عشر بالحضارات الشرقية، وبتنوع الانتماءات العرقية والإثنية واللغوية للجماعات اليهودية؛ ثم إنه ناتج عن فهم للمصطلح يضرب بجذوره في الفكر العنصري الغربي الذي يرمي إلى التمييز الحاد بين الحضارات والأعراق (الجزء الأول، ص. 137).
وحتى عندما يميز بعض الباحثين المعاصرين بين «معاداة اليهودية» و«معاداة السامية» على أساس أن الأولى هي عداء ديني للعقيدة اليهودية، بينما الثانية هي عداء لليهود بوصفهم عرقًا؛ فإن هذا التمييز لا يزال غيرَ شافٍ؛ لأنه يظل ناتجًا عن تصور عنصري. فالشعوب السامية هي الشعوب التي تنتمي إلى جنس كان في الأصل ولا يزال يتحدث اللغات السامية: كالعربية والعبرية، أو كان يتحدث اللغات السامية المنقرضة: كالآشورية والآرامية والفينيقية؛ وبالتالي يمكن القول من جانبنا بأن عرب الجزيرة والشام (من المسلمين والمسيحيين) يشكلون الأغلبية العظمى من الساميين، أما اليهود فلا يشكلون أغلبية الساميين، ولا يدخلون في عداد الساميين باعتبارهم جنسًا أو عرقًا بعينه؛ ببساطة لأنه فكرة «نقاء الأجناس البشرية» أصبحت الآن من الخرافات العلمية، ولقد وُصفوا بأنهم ساميون لأنهم كانوا الجنس الوحيد في أوروبا الذي يتحدث لغة سامية.
وفضلًا عن ذلك، فإن اليهود المعاصرين ينتمون إلى أجناس وأعراق متباينة، منهم الأوروبيون والآسيويون والعرب من أصول آسيوية والحاميون من الحبش وغيرهم (والجميع من أبناء نوح).
وعلى هذا فلا يمكن احتكار اليهود للسامية على أساس من العرق أو على أساس من الدين كما أسلفنا؛ لأن مفهوم «العداء للسامية» بهذا المعنى الخاطئ يصبح مفهومًا عنصريًّا، ومع ذلك فإنه هو المفهوم السائد حتى يومنا هذا، وهو السلاح القانوني الذي يتم إشهاره في وجه كل مَن ينتقد اليهود أو يعاديهم باعتباره مرتكبًا لجريمة العداء للسامية.
ولكن كل ما تقدم قد يثير في أذهاننا السؤال التالي: إذا كان أصحاب الأصول العربية ينتمون إلى الجنس السامي، فلماذا لا نعتبر العداء لكثير من العرب المسلمين في الغرب نوعًا من العداء للسامية، وهو ما يتبدى أحيانًا في كراهيتهم والنظر إليهم باعتبارهم جنسًا أدنى أو محتقَرًا؟ ولقد تبدت هذه الكراهية مؤخرًا بوضوح في كراهية إسرائيل لشعب فلسطين باعتباره شعبًا يستحق القتل والإبادة التي تحدث على مرأى ومسمع من العالم مع عجز المنظمات الدولية عن التدخل لإنقاذه، ومن دون اعتبار ذلك نوعًا من معاداة السامية بالمثل. أفلا يدل ذلك على أن هذا المصطلح بشكله العنصري المتداول في عالمنا هو مصطلح مصنوع بفعل جماعات الضغط الصهيونية. خلاصة القول: إن العداء للسامية لا ينبغي النظر إليه باعتباره عداءً لعرق أو جنس بعينه، ولا باعتباره عداءً لليهود حصريًّا، وإنما باعتباره عداءً لأي جنس له أصول سامية.