سودانايل:
2025-07-07@20:02:21 GMT

القوى السياسية والتحنيط العقلي

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

أن واحدة من أهم نتائج الحروب في المجتمعات الإنسانية، أنها تكشف السلبيات التي يعيشها المجتمع و تقعده عن النهضة و تهدد استقراره، و تحاول النخب السياسية و علماء الاجتماع و النفس كشفها بهدف البحث عن أنجع الطرق لمعالجتها، حتى لا تصبح أسبابا مرة أخرى لنزاعات في المجتمع.. و حرب السودان قد كشفت عجز و تواضع قدرات النخب السياسية في البلاد الذين حقيقة قد فشلوا في معالجة السلبيات و آثارها، بل أصبحوا هم أنفسهم عقبة في طريق إيجاد الحلول الناجعة.

. فإذا أخذنا دخول الجيش عاصمة الجزيرة ود مدني و دحر الميليشيا و مطاردتها في القرى و المدن، كان للحدث وقعا كبيرا عند عامة الشعب الذي خرج في أغلبية ولايات السودان المختلفة يعبر عن فرحته، و حتى في عدد من الدول حيث أحتفلت الجاليات السودانية بهذا النصر.. في اتجاه أخر تجد أن قيادات سياسية و أحزاب يحاولون أن يشوهوا الانتصار، و يبحثون عن أفعال لكي يدينوا بها الجيش، أو الذين يقاتلون تحت قيادته، الأمر الذي يؤكد ما ذهبت إليه تكرارا أن انتصار الجيش و هزيمة الميليشيا سوف يخلق معادلة سياسية جديدة، و سوف تبرز من خلاله قيادات جديدة ذات وعي أكبر و انضج من السابق..
هناك فارق كبير بين عقليتين: عقلية تبحث عن السلطة فقط، و هي عقلية تحنطت لأنها لا تستطيع أن تقرأ الواقع قراءة صحيحة، فهي تقف عند كيفية الوصول للسلطة، و هؤلاء هم الأكثر إصابة بالأمراض الاجتماعية " الانتهازية و الوصولية و غيرها" لأنهم لا يرون المشهد إلا من خلال مسودة مصالحهم الشخصية، و أيضا هؤلاء لا يترددون أن يكونوا أدوات لدول خارجية توعدهم بأنها سوف تجد لهم طريقا للمشاركة في أية سلطة قادمة، في مقابل طاعة أوامرها و تنفيذ ما تمليه عليهم.. العقلية الأخرى هي العقلية التي تبحث عن كيفية الخروج من الأزمة.. و لا تشترط أن تكون هي جزءا من السلطة، مادام الحل يفتح أفاقا جديدة للوطن، و يعزز سبل الاستقرار السياسي و الاجتماعي فيه، و يدفع الكل من أجل العمل للنهضة، و تقديم فرضيات تساعد على التصالح الاجتماي بهدف الوصول لتوافق وطني.. فالعقلية الثانية كل ما انتصر الجيش تعتبرالانتصار تجاوزا لعتبة في صالح الخروج من الأزمة، و تفكر في استغلالها لبناء وعي جديد في المجتمع.. العقلية الأولى لا تنظر إلي انتصار الجيش و المقاتلين معه إلا من خلال مصالحها الشخصية، لآن انتصار الجيش سوف يقلل تحقيق مصالحها الذاتية، و هي تريد أن تكون جزءا من السلطة القادمة.. أن إصدار بيانات و فيديوهات و تصريحات بهدف النيل من الانتصار، و إدانة الجيش و المقاتلين معه يفضحها و يعريها أمام نفسها و أمام الشعب..
كل ما تقدم الجيش في طريق الانتصارات يشكل هاجسا سيئا لمجموعات المصالح الذاتية، و يباعد بينهم و بين طموحاتهم، لكنه يخلق واقعا جديدا هو الرباط العضوي بين الشعب و الجيش، و الخروج المستمر للجماهير احتفالا بالانتصارات له انعكاساته النفسية عند النشء، خاصة تواصلهم النفسي مع العسكرية و قيمتها في المجتمع.. الأمر الذي يسهل عملية التفاهم بينهما بذات ثقافة العسكرية التي جعلتهم يقاتلون معها في صف واحد و داخل خندق واحد، ربما ينظر إليها إنها علاقة جديدة بين مقاتلين لعدو واحد، و لكن قيمتها هي تأسيس ثقافة جديدة تتحول لسلوك تلقائي و هو المطلوب لبناء وطن جديد بمعايير مؤسساتية جديدة..
هناك أيضا بعض القوى السياسية التي تعتقد نفسها في حياد، و تريد أن تتوقف الحرب لكي تبدأ مرحلة جديدة من الثورية.. هذا الفهم يبين أن البعض يطلق مصطلحات حتى لا يفهم مضامينها السياسية.. أن " الثورة و الثورية و كل اشتقاقاتها" هي مصطلحات الغرض منها هو الهدم و تعطيل القوانين أو تجاوزها، و هي أفعال سالبة في المجتمع.. كما هي تعد درجة من درجات العنف، و الحرب هي أعلى درجة في العنف و الهدم و تتجاوز أية ثورة.. فكيف لمجتمع يخرج من حالة هدم و عنف و يعود إليه مرة طواعية، إلا إذا كان مجموعات من فاقدي العقل.. هؤلاء الذين يبحثون عن الثورة و الثورية بعد وقف الحرب لقد وصلت عقولهم حالة التكلس و فقدان البوصلة.. هؤلاء سوف يصبحون أكثر سلبية في المجتمع تشكل تحديا لعملية التوافق الوطني و الاستقرار الاجتماعي و السياسي و التنمية في البلاد..
أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على قائد الدعم السريع و عدد من شركات الميليشيا التي تدار من داخل دولة الأمارات الداعمة للميليشيا، تؤكد أن الإدارة الإمريكية المغادرة و حتى القادمة قد وصلوا لقناعة أن دعمهم للميليشيا و اتباعها سوف يشكل عقبة في المستقبل لتحقيق المصالح الأمريكية في السودان.. و القرار نفسه سوف يقطع طريق التعامل مستقبلا مع الميليشيا .. و أيضا لن يراهنون على فئة قليلة لا تملك أية قاعدة اجتماعية، خاصة أن الحرب قد خلقت متغيرات داخل القواعد الاجتماعية للأحزاب، ألأمر الذي يجعل أن يحدث فيها متغيرات في المستقبل.. لذلك لابد من التفكير العقلاني الذي يجب أن يبحث عن مستقبل العمل السياسي و التنمية في البلاد بعد وقف الحرب، دون وضع المصالح الشخصية في الدرجات العليا في عملية ترتيب الأولويات.. نسأل الله حسن البصيرة..


zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی المجتمع

إقرأ أيضاً:

التجاهل الواعي والبلوك العقلي.. أدوات نفسية لحماية الذات

تدرك في لحظة ما أن الاستمرار في كل شيء لم يعد خياراً صحياً، وأن الإنهاك العاطفي ليس بطولة في عالم يعج بالضوضاء، والعلاقات المتقلبة، والمواقف المستنزفة، يصبح من الضروري أن نمتلك أدوات نفسية تحمينا دون أن تفقدنا اتزاننا الداخلي. التجاهل الواعي والبلوك العقلي لا يعدان انسحاباً من الحياة أو من الأشخاص، بل هما آليتان ناضجتان يعيد بهما الإنسان ترتيب أولوياته، ويمنح نفسه المساحة التي يستحقها بعيداً عن الفوضى، إنهما ببساطة: قرار نضج لا قسوة.

التجاهل الواعي ليس لا مبالاة، بل مهارة، أن تتجاهل ما يربكك، ما يستفزك، ما لا يضيف إلى سلامك شيئاً… هو شكل متقدم من الذكاء العاطفي. هو قرار واعٍ بأنك لن تستهلك طاقتك في معارك جانبية لا تستحق. توقفك عن التفاعل مع ما يؤذيك، ليس ضعفاً، بل نضج في التقدير.

حين تبتعد عن الحوارات التي لا تنتهي، عن الأشخاص الذين يعيدونك في كل مرة الى نقطة الصفر، عن الأشياء التي ترهقك عقلياً، فأنت بهدوء تمنح نفسك فرصة للتنفس.

في علم النفس، يعتبر هذا النوع من التجاهل أحد أساليب الضبط الانفعالي، أي القدرة على ملاحظة مشاعرك، إدارة انفعالاتك، والتصرف بوعي دون الانزلاق إلى ردود فعل مؤذية لك أو للآخرين. أن تغضب دون أن تنفجر، أن تتألم دون أن تضعف، أن تختار الصمت حين يصبح الرد عبئاً لا قيمة له.

أما البلوك العقلي، فهو أكثر من مجرد حذف أو حظر شخص بعينه. لا يقتصر على كبسة زر في الهاتف.. .بل هو آلية داخلية تنبع من الوعي الذاتي، تُفعل حين تشعر أن وجودك في علاقة أو موقف معين يكلفك أكثر مما يمنحك. هو حالة ذهنية متقدمة، يمارسها الإنسان تجاه الأشخاص السامين، الذكريات المرهقة، والأفكار التي تعطل نموه. ليس عداءً ولا هروباً، بل هو أنقى صور حب الذات واحترامها.

أن تضع حداً لا يعني أنك قاس، بل يعني أنك لم تعد قادراً على تحمل ما لا يُحتمل. أن تنسحب دون شرح، لا يعني أنك لا تملك رداً، بل يعني أنك اخترت ألا تضيع وقتك فيما لن يفهم.

كثيرون يجدون أنفسهم عالقين في علاقات سامة غير متكافئة، مطالبين دائماً بالتفهم، بالصبر، وبالاستيعاب، دون أن يسأل أحد عنهم: من يستوعب هذا الشخص؟ من يصغي له حين يتعب؟ هنا تبدأ الأزمة النفسية. وهنا تماماً تصبح أدوات مثل التجاهل الواعي والبلوك العقلي ضرورة، لا ترفاً. فنحن لسنا مطالبين بأن نكون علاجاً لكل من حولنا. أو أن نفني أرواحنا في محاولات عقيمة لإرضاء الجميع.

فالحياة قصيرة، ومليئة بما يستحق أن نعيشه حقاً: ضحكة صافية، لحظة سكون، كتاب يشبهنا، صوت نحبه، جلسة مع من ينصت لنا من القلب.

أما ما يُشعرك بأنك مطالب دوماً بشرح نفسك، وإثبات وجودك، وإرضاء الجميع.. .فاتركه.

فأنت لست محطة وقود للآخرين، ولا زر طوارئ لمن يتذكرك فقط في أزماته.

أنت إنسان.. .

تحتاج إلى التوازن، إلى الهدوء، إلى ترتيب الداخل، وإلى حدود واضحة بينك وبين كل ما ينهكك دون سبب. أن تختار النور، مهما كلفك البعد عن أماكن مظلمة اعتدت عليها.

امنح نفسك عطلة ذهنية من كل ما لا يشبهك، واختر من يشبه قلبك، لا من يثقلك.

وتذكر دائماً: صحتك النفسية ليست قابلة للتفاوض، ومن يهدد سلامك الداخلي… لا يستحق مكاناً في محيطك، مهما كان القرب.

فالأذكياء لا يبددون طاقاتهم في معارك لا تُجدي، ولا يعلقون أرواحهم بمواقف موجعة تتكرر دون نهاية. بل يختارون أن يصنعوا داخلهم مساحة هادئة، يملؤونها بما يُغذيهم فكرياً، ويبهجهم إنسانياً، ويدفعهم بثقة نحو ما يستحق الحياة. إنهم لا يهربون من العالم، بل يقررون كيف يواجهونه، ومتى، وبأي طاقة، لأنهم ببساطة.. .عرفوا أنفسهم جيداً، فحموها كما يجب.

مقالات مشابهة

  • حصيلة جديدة لقتلى الجيش التركي بـالتسمم الغازي في العراق
  • الرئيس السيسي: أكدت دعم مصر للمساعي الرامية إلى تحقيق توافق وطني بشأن الملفات السياسية في الصومال
  • عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: الجيش أبلغ القيادة السياسية أن من غير الممكن حاليا تحقيق هدفي الحرب معا
  • صناعة البرلمان: مشاركة مصر في قمة بريكس تعكس ثقة المجتمع الدولي في رؤية القيادة السياسية
  • من مشاركة القوى البرية في الجيش العربي السوري إلى جانب فرق الدفاع المدني بإخماد الحرائق في ريف اللاذقية
  • هؤلاء هم الرجال الذين تريد القيادة إبدالهم بالشعراء والفنانين والنشطاء في زمن الحرب !!
  • التجاهل الواعي والبلوك العقلي.. أدوات نفسية لحماية الذات
  • تفاصيل جديدة حول قضية المعالج الروحاني الذي اعتدى على فتاة
  • ألعاب القوى تكشف عن البطولات التي تنتظر المنتخبات العراقية
  • الجيش الأوكراني يستهدف مطار عسكري في روسيا