فايننشال تايمز: القصف الإسرائيلي حوّل جباليا إلى مقبرة للذكريات
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
عرض تقرير، نشرته صحيفة فايننشال تايمز، تفاصيل تدمير إسرائيل مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، والذي يبلغ عدد سكانه حوالي 200 ألف نسمة، ووفقا لشهود عيان ومسؤولين محليين، فإن المخيم الذي وُصف بأنه "جزء حيوي من الحياة الفلسطينية"، تحول الآن إلى "أكوام من الأنقاض".
وأنجز التقرير كل من مراسلة الأمن السيبراني ميهول سريفاستافا، ومراسلة القاهرة هبة صالح، والصحفية مليكة تابر ومحررة الرسوم البيانية أديتيو بهانداري.
فعلى مدى أشهر من القصف المستمر، تدهورت أوضاع السكان بشكل مأساوي، ووصف المحامي إبراهيم الخرباشي، أحد سكان المخيم، الوضع قائلا "نرى الجثث ولا يجرؤ أحد على رفعها، ونسمع الجرحى يستغيثون إلى أن يموتوا"، ووصفت الصحيفة أفعال إسرائيل بأنها محو تام للمخيم.
ومع الحصار المستمر، يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية. ووفقا للأمم المتحدة، كانت محاولات إيصال المساعدات إلى المنطقة شبه مستحيلة، وقال رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر "لقد حاولنا إيصال المساعدات 140 مرة، ولكن بلا طائل".
إبادةويرى كثير من الفلسطينيين أن تدمير جباليا ليس مجرد هجوم على البنية التحتية للمنطقة، بل فيه أيضا طمس لتاريخ اللاجئين الفلسطينيين الذي يمتد منذ النكبة في 1948، وقال النازح والشاعر الفلسطيني مصعب أبو طه في هذا الصدد إن "تدمير هذا المخيم الذي كان مركز الانتفاضة الأولى، هو تدمير لتاريخ اللاجئين الذي استمر حوالي 76 عاما".
إعلانووفق التقرير، برزت المنطقة كمركز للحياة الفلسطينية، واستذكر النازحون منها معالمها مثل مسجد العودة والأسواق المزدحمة، والمثلجات والكعك من متجر الزيتون الشهير في قلب السوق، وقاعة بغداد للأعراس حيث تزوج كثيرون.
وكان السوق مشهورا بأسعاره الزهيدة، وكانت حلويات البقلاوة المحشوة بالفستق من متجر القاضي علامة بارزة فيه، كما كانت الرياضة جزءا أساسيا من الحياة، وكان الناس يلتقون بالمقاهي لمشاهدة المباريات الكبرى.
ولكن القصف الإسرائيلي المستمر الذي لم يقتصر على جباليا فقط، بل امتد إلى بلدة بيت لاهيا وبيت حانون، حوّل كل ما يعرفه الفلسطينيون إلى "مقبرة للذكريات"، ووصفت هذه الأعمال من قبل مسؤول إسرائيلي سابق بأنها تصل إلى "التطهير العرقي".
من قلب المأساةوتعكس قصص السكان، التي نقلها التقرير، حجم المعاناة الإنسانية، ومن ذلك ما حصل مع عبد الله أبو سيف، وهو رجل مسن يبلغ من العمر (82 عاما)، حيث اضطر وعائلته إلى مغادرة منزلهم المدمر على عربة يجرها حمار بعد أن نفد الطحين، وأصبح سقف بيتهم المنهار غير قادر على حمايتهم من المطر.
ورغم ضعفه الجسدي ووعيه المحدود باحتمالية عدم عودته للأبد، طلب أبو سيف من حفيده الأصغر أن يساعده على رؤية المعالم التي شكلت حياته للمرة الأخيرة، مثل قاعة الزفاف التي تزوج فيها جميع أبنائه، والمدرسة التي تعلم ودرس فيها، والمقبرة حيث دفن والديه.
ولكن ما واجهه في كل موقع كان الحطام، ووضح ابنه إبراهيم أنه "لم يكن هناك شيء يُرى، لا شيء سوى الخراب والأنقاض. لقد محيت معالم حياة والدي بالكامل، ولم يتبق سوى الذكريات".
من جانبه، فقد أبو طه مكتبته التي كانت تضم آلاف الكتب جراء القصف، وقال متحسرا أن الفقد أصبح جزءا من حياة الفلسطينيين، الذين تدفعهم إسرائيل "بعيدا أكثر فأكثر عن بلادهم وذكرياتهم التي يجب الحفاظ عليها".
إعلانكذلك لفت التقرير إلى عابد أبو غسان، الذي كان من بين الذين أصروا على البقاء في المخيم رغم الخطر، وقال للصحيفة قبل 10 أيام من استشهاده بقصف إسرائيلي "نحن سكان الشمال نعشق هذه الأرض، ولكن الوضع أصبح كارثيا، والجوع والخوف والدمار في كل مكان".
ومع تصاعد القصف وتزايد الاستهداف العشوائي، استشهد أبو غسان في غارة جوية على منزله في بيت لاهيا، المنطقة التي أحبها ورفض مغادرتها.
واستشهد وسط الدمار الذي طال كل ركن من أركان حياته، ليصبح شاهدا جديدا على الكارثة الإنسانية في غزة، وفق التقرير.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
تقرير بفايننشال تايمز: داخل المعركة لإنقاذ المرضى بآخر مستشفيات غزة
أورد تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن مستشفيات قطاع غزة تشهد انهيارا شبه كامل للمنظومة الصحية في ظل الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الكامل المفروض منذ مارس/آذار الماضي.
وذكر التقرير، الذي أعدته هبة صالح من القاهرة، والذي أدى إلى نفاد معظم المستلزمات الطبية الأساسية مثل المضادات الحيوية وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والمواد الجراحية، لم تعد موجودة بهذه المستشفيات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتبة بين النازحين: نحن سكان غزة نمحى من التاريخ على الهواءlist 2 of 2مقال بتلغراف: هذه الانتخابات ستؤثر كثيرا في تحديد مستقبل أوروباend of listوقال إن المستشفيات العاملة حاليا -وبشكل جزئي- لا تتعدى 19 وتخدم أكثر من 2.1 مليون فلسطيني في ظروف حرب ومجاعة، وسط ارتفاع كارثي في أعداد الجرحى والقتلى نتيجة القصف، حيث قتل أكثر من 3,700 شخص وأصيب نحو 11 ألفا آخرين منذ استئناف الهجوم في 18 مارس/آذار.
وأشار إلى أن الأطباء يعملون في ظروف بالغة القسوة، ويضطرون إلى استخدام بدائل غير كافية لعلاج الإصابات، مثل استخدام أنابيب بلاستيكية بدل الأوعية الدموية الاصطناعية، أو تقليل جرعات الأدوية إلى الحد الأدنى.
كذلك يواجه الأطباء ارتفاعا في معدلات العدوى بسبب نقص المواد المعقمة والاكتظاظ الحاد، حيث باتت البكتيريا تنتشر كـ"وحوش" في غرف العلاج، كما وصفها الدكتور علّام نايف، رئيس قسم العناية المركزة وطبيب التخدير في مستشفى ميداني في دير البلح.
وقال التقرير إن عدم توفر أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي يؤدي إلى فقدان القدرة على تشخيص إصابات دقيقة وإنقاذ الأرواح. وقد تسبب ذلك في وفاة شاب مصاب في العمود الفقري لم يتمكن الأطباء من إجلائه أو تقييم حالته بدقة.
إعلان
وفيات كان يمكن إنقاذها
ويؤدي اضطرار الأطباء الجراحين لاستخدام حلول بديلة غير كافية، إلى وفيات غير ضرورية ومعاناة أكبر للناجين.
ونسب التقرير إلى الدكتور رأفت المجدلاوي، المدير العام لجمعية العودة الصحية القول: "إذا كان المريض يحتاج 20 قرصا من المضاد الحيوي، نعطيه 4 فقط."
ويشير المجدلاوي إلى أن مستشفى "العودة" -آخر منشأة طبية عاملة في شمال غزة- تم إخلاؤه من المرضى والطاقم مساء الخميس بناء على أوامر الجيش الإسرائيلي، بعد أن تم تطويقه واستهدافه بالقصف مرارا.
تدمير ما تبقىواستهدف القصف الإسرائيلي المستشفيات بشكل مباشر، وأدى إلى إغلاق مستشفيات رئيسية مثل "العودة" و"غزة الأوروبي"، في حين وصفته منظمات إغاثية مثل أوكسفام بأنه خرق لـ القانون الدولي ومحاولة منهجية لتدمير ما تبقى من النظام الصحي.
وأكد التقرير أن الجوع وسوء التغذية يفاقمان الأزمة، ويؤديان إلى تأخير تعافي المرضى، سيما الأطفال، وسط تحذيرات من انقطاع قريب للقاحات وانتشار للأمراض المعدية.
ولخص الدكتور علام نايف الوضع كما يلي: "كل ما نقوم به الآن هو طب الطوارئ.. ونحاول بالحد الأدنى من المعدات والقدرات فقط إنقاذ حياة أو الحفاظ على طرف ما".