في ظل الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والحصار المطبق، استطاعت غزة أن تحقق إنجازا لم يكن يتوقعه أكثر المتفائلين. هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة لبطولات رجالها، ولصمود شعبها الأسطوري في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر، ورفضها الرضوخ لمحاولات الاحتلال فرض واقع جديد بالقوة.

صمود غزة في وجه الإبادة

على مدار 15 شهرا من القصف والتدمير، واجهت غزة أعتى الحملات العسكرية الإسرائيلية التي كانت تهدف إلى القضاء على المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، لكن أهل غزة، ببطولاتهم وصمودهم وتضحياتهم، قلبوا المعادلة.


وكما أشار الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، وجدت إسرائيل نفسها في نهاية المطاف أمام واقع لم تتوقعه، حيث فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه واضطر للتخلي عن "خطوطه الحمراء" تحت الضغوط الداخلية والدولية.

فشل إسرائيل أمام المقاومة
تحوّلت المعركة إلى ساحة استنزاف للجيش الإسرائيلي، الذي تكبّد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. لم تكن غزة مجرّد منطقة محاصرة، بل أصبحت رمزا للصمود والتحدّي والقدرة قلب الموازين في لحظات الحسم
كانت الحسابات الإسرائيلية تستند إلى القضاء السريع على المقاومة وتحقيق انتصار عسكري يعيد تشكيل الخارطة السياسية في غزة، لكن المقاومة الفلسطينية أثبتت أن إرادتها أقوى من كل المخططات، وأن حاضنتها الشعبية عصيّة على الكسر. فقد تحوّلت المعركة إلى ساحة استنزاف للجيش الإسرائيلي، الذي تكبّد خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. لم تكن غزة مجرّد منطقة محاصرة، بل أصبحت رمزا للصمود والتحدّي والقدرة قلب الموازين في لحظات الحسم.

إنجاز المقاومة: صمود لا ينكسر

الإنجاز الذي حققته غزة لم يكن مجرد حدث عابر، بل هو ثمرة لصمودها وثباتها في وجه كل محاولات الاحتلال لكسر إرادتها. هذا الإنجاز يؤكد أن المقاومة، رغم كل التحديات، قادرة على انتزاع حقوقها وإجبار الاحتلال على التراجع. غزة اليوم ليست مجرد منطقة جغرافية صغيرة، بل هي رمز عالمي للصمود في وجه الظلم والعدوان.

الحراك التضامني العالمي: صدى الصمود
استطاعت غزة أن تعطي درسا للعالم بأن إرادة الشعوب الحرّة لا يمكن أن تُقهر، وأن الصمود في وجه الظلم هو الطريق إلى الحرية
الحراك التضامني الذي شهدته بريطانيا ودول العالم لم يكن سوى انعكاس لصمود غزة وإصرارها على مواجهة الاحتلال. المسيرات والتظاهرات التي خرجت في لندن ومدن أخرى كانت شهادة حيّة على أن العالم يرى ويسمع ما يحدث في غزة. هذا الحراك ساهم في تعرية الاحتلال وفضح جرائمه أمام الرأي العام العالمي، لكنه لم يكن السبب المباشر للإنجاز، بل كان صدى لصمود الفلسطينيين الذي أدهش العالم.

غزة تنتصر بالصمود

ما حققته غزة هو انتصار لصمود الشعب الفلسطيني في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، هذا الإنجاز لم يكن نتيجة لتضامن أو دعم خارجي، بل هو ثمرة لتضحيات أهل غزة ومقاومتهم. إنه انتصار لفلسطين لم تعرف مثله من قبل، حيث استعادت القضية وهجها في ضمير العالم بعدما كانوا يعدّون العدّة لدفنها نهائيا تحت وابل من التطبيع والاتفاقيات الذليلة، بجانب سياسات مهزومة لمن يدّعون تمثيل الشعب الفلسطيني. الآن استطاعت غزة أن تعطي درسا للعالم بأن إرادة الشعوب الحرّة لا يمكن أن تُقهر، وأن الصمود في وجه الظلم هو الطريق إلى الحرية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلي الاحتلال صمود المقاومة الفلسطيني إسرائيل احتلال فلسطين مقاومة غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لم یکن فی وجه

إقرأ أيضاً:

هُزم جدعون وانتصر داود بإرادته: فشل عربات الاحتلال وبزوغ نصر غزة

في قلب المعركة المستعرة على أرض غزة، وبين الركام والدمار، سقطت أقنعة القوة الإسرائيلية وانكشفت هشاشة منظومتها العسكرية، حين فشلت عملية "عربات جدعون" فشلا ذريعا أمام ثبات المقاومة الفلسطينية، في ملحمة تُعيد إلى الأذهان صورة داود الذي انتصر بمقلاعه على جالوت. ولعل في هذا الفشل المتكرر والارتباك الإسرائيلي المتصاعد، بدايات تشكل نصر فلسطيني أكبر، تتجاوز نتائجه الميدان، لتصل إلى معادلات الردع والسيادة والإرادة.

أولا: انهيار خرافة "جدعون"

لم تكن عملية "عربات جدعون" مجرد اجتياح عسكري محدود، بل كانت ترجمة لمشروع سياسي-أمني إسرائيلي كبير، يهدف إلى فرض معادلة جديدة في ملف الأسرى. أرادت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من خلالها قلب الطاولة على حماس، وكسر إرادتها عبر الضغط العسكري المتواصل، واقتحام المخيمات الوسطى حيث يُعتقد أن الأسرى الإسرائيليين محتجزون هناك، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق.

فبعد أسابيع من القصف، وتوغلات محدودة، وخسائر بشرية ومادية لم تعلن عنها إسرائيل كاملة، انتهت العملية دون أن تحقق أيا من أهدافها، بل وأعادت الجدل الإسرائيلي الداخلي حول جدوى العمليات العسكرية، في ظل تعقيد المشهد السياسي وغياب الرؤية الاستراتيجية.

بعد أسابيع من القصف، وتوغلات محدودة، وخسائر بشرية ومادية لم تعلن عنها إسرائيل كاملة، انتهت العملية دون أن تحقق أيا من أهدافها، بل وأعادت الجدل الإسرائيلي الداخلي حول جدوى العمليات العسكرية، في ظل تعقيد المشهد السياسي وغياب الرؤية الاستراتيجية
ثانيا: مقاومة تتحدى جالوت العصري

غزة المحاصرة، المكلومة، المدمرة، لم تسقط، بل وقفت شامخة في وجه أعتى الآلات العسكرية في المنطقة. فمقاتلو المقاومة، الذين توزعوا في الأنفاق، والمخيمات، والأنقاض، لم يكتفوا بالصمود، بل أداروا معركة استنزاف ذكية، أفقدت الاحتلال توازنه، وجرّته إلى فشل سياسي وعسكري مزدوج.

لم تسفر العملية عن تحرير أي أسير إسرائيلي، ولم تُضعف حماس، ولم تُحقق الانفراجة السياسية التي سعى نتنياهو لتسويقها داخليا. بل على العكس، تعزز موقع المقاومة، وتكرست صورة الفشل الإسرائيلي في الرأي العام العالمي.

ثالثا: خيارات الاحتلال تتقلص وأزمته تتعمق

بحسب ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية، فإن المؤسسة الأمنية تدرس الآن بدائل خطيرة تُوصف بـ"المتطرفة"، تشمل حصارا شاملا للتجمعات السكانية في غزة، ومنع دخول الغذاء والماء والمساعدات، لإجبار الفلسطينيين على النزوح جنوبا. لكن هذه الخطط، وفق اعتراف المصادر نفسها، ما تزال "حبرا على ورق"، وغير قابلة للتطبيق الفوري في ظل صمود المدنيين والمقاومة، وخشية إسرائيل من ردود الفعل الدولية.

البدائل الأخرى لا تقل كارثية: احتلال كامل للقطاع، أو تقسيم غزة، أو حكم عسكري مباشر. لكنها جميعا تحمل في طياتها فشلا استراتيجيا مستترا، وتدلل على ارتباك غير مسبوق في منظومة القرار الإسرائيلي.

رابعا: الجيش الإسرائيلي في مرآة الهزيمة

في جلسة المجلس الوزاري المصغر، كان رئيس الأركان إيال زامير صريحا عندما قال إن أهداف الحرب باتت متضاربة. وهو اعتراف علني بأن إسرائيل، رغم قوتها النارية والاستخباراتية، تعجز عن تحديد هدف نهائي قابل للتحقيق. لقد أصبحت آلة الحرب تائهة، تدور في فراغ استراتيجي، وتتآكل معنويا وسياسيا وعسكريا.

زامير أضاف أن توسيع العملية إلى المخيمات الوسطى ليس مضمونا، وأن على القيادة السياسية أن تعلن صراحة وجهتها إذا أرادت شيئا آخر. وهو تصريح يحمل بين سطوره لوما ضمنيا للمستوى السياسي الذي يدير حربا مفتوحة بلا رؤية.

خامسا: نتنياهو والخيارات المستحيلة

منذ عودة الفريق الإسرائيلي من قطر، لم تحقق المحادثات أي اختراق. ورغم محاولات الوساطة المستمرة، إلا أن إسرائيل، بلسان نتنياهو، تُصر على تحميل حماس المسؤولية، متجاهلة واقع الاحتلال المستمر، والحصار، والقتل الجماعي.

نتنياهو الذي يتخبط بين الداخل الملتهب، والضغط الدولي، والفضائح القضائية، يبدو أنه يبحث عن مخرج بأي ثمن، حتى وإن كان عبر صفقات إعلامية أو خطط عسكرية وهمية. لكنه يدرك، كما يدرك قادة جيشه، أن الزمن لم يعد في صالحهم.

سادسا: نحو معادلة ردع جديدة

حرب غزة الحالية، رغم ألمها، أسست لمعادلة ردع جديدة. فالمقاومة اليوم لم تعد محاصرة أخلاقيا أو عسكريا، بل أثبتت أنها قادرة على إدارة حرب طويلة النفس، وتحديد متى وكيف تُنهيها.

فشل "عربات جدعون" ليس مجرد نكسة عسكرية، بل هو إعلان بفشل سياسة الضغط المزدوج (العسكري والتجويعي) التي اعتمدتها إسرائيل، إنه تأكيد على أن غزة، رغم نزيفها، تملك زمام المبادرة، وتعيد تشكيل معادلات الإقليم بأكمله.

سابعا: العالم يُعيد النظر

إن صور الحشود العسكرية على حدود غزة، والتي نشرتها وكالات مثل رويترز والصحافة الفرنسية، لم تعد تُخيف العالم كما كانت. بل أصبحت تُثير أسئلة عن جدوى هذا العنف، ومغزاه، ومآلاته. أما مشاهد المجاعة، ونداءات الأطفال، وصمود المدنيين، فقد خلقت تعاطفا إنسانيا متصاعدا، وبدأت تُحرّك مياها راكدة في مواقف بعض الدول.

الحديث في الكواليس بدأ يتسع ليشمل ضرورة فرض تسوية شاملة، لا تستثني المقاومة، ولا تُعيد إنتاج معادلات أوسلو البالية. لقد بدأت غزة تفرض نفسها شريكا إجباريا في صناعة القرار
الحديث في الكواليس بدأ يتسع ليشمل ضرورة فرض تسوية شاملة، لا تستثني المقاومة، ولا تُعيد إنتاج معادلات أوسلو البالية. لقد بدأت غزة تفرض نفسها شريكا إجباريا في صناعة القرار.

ثامنا: النصر ليس ضربة واحدة بل تراكم إرادات

حين نهزم عدونا في ميدان الوعي، ويعترف بفشله، ونفرض عليه لغة الردع، فنحن نقترب من النصر. قد لا يكون نصرا تقليديا في صورة رفع أعلام على المباني، لكنه نصر أعمق، نصر إرادة، وثبات، واستنزاف طويل النفس.

"هُزم جدعون" ليس شعارا، بل واقع عسكري وسياسي ومعنوي. و"داود" الفلسطيني، لا يزال يقاوم بمقلاعه، يصنع معجزته بالصبر، ويقلب موازين الإقليم بحنكة وثبات.

خاتمة: بداية النهاية؟

في هذه اللحظة التاريخية، تتشكل ملامح تحول استراتيجي. لم تعد إسرائيل تلك القوة التي تُرعب، ولم تعد غزة مجرد ساحة للحصار. لقد انقلبت المعادلة، وباتت "عربات جدعون" رمزا لفشل مشروع الاحتلال في إخضاع الفلسطينيين.

ربما لا تزال الطريق طويلة، لكن خطواتها الأولى كُتبت اليوم، بإرادة من لا يملك إلا الإرادة، وبقوة من راهن عليه العالم أن ينكسر، فصمد.

لقد انتصر داود، لأنه لم يفقد ثقته بنفسه، وستنتصر غزة، لأنها لم تفقد إيمانها بحقها.

مقالات مشابهة

  • حماس: اعتداء مستوطنين على متضامنين أجانب رسالة عدوانية لأحرار العالم
  • عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
  • ما الذي يخطط له الاحتلال في السويداء؟ ممر إنساني أم فخ عسكري؟
  • كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟
  • أمين عام حزب الله: لبنان لن يكون تابعاً لإسرائيل ولو اجتمع علينا العالم كله
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • "حماس" تحذر من خطورة الوضع الذي يعانيه الأسرى داخل سجون الاحتلال
  • هُزم جدعون وانتصر داود بإرادته: فشل عربات الاحتلال وبزوغ نصر غزة
  • كيف يفكر الوحش الذي يستخدم التجويع لإخضاع الشعوب؟
  • الصمود السيبراني .. درع المؤسسات في مواجهة الهجمات الرقمية