الاقتتال الداخلي محطة على طريق تحرير الوطن، هل هي حقيقة تاريخية؟
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
#الاقتتال_الداخلي محطة على #طريق #تحرير_الوطن، هل هي حقيقة تاريخية؟
كتب م. #علي_أبو_صعيليك
في سبيل تحرير الوطن من الطبيعي أن تتشكل العديد من حركات وفصائل وتنظيمات التحرر الوطني، بحيث تلتقي مصالحها جميعا في هدف واحد هو تحرير الوطن، وهو القضية الأسمى، ومن الطبيعي أيضا أن تكون هنالك اختلافات جوهرية في نمط التفكير بل قد يكون متنافرًا لأبعد مدى كما يسمى باليمين واليسار، ولكن أن تتسبب تلك الاختلافات بأن يتحالف البعض مع العدو ضد شقيقه الذي يسعى معه نحو فكرة التحرير فهنا يكون الأمر قد خرج عن المصلحة المشتركة وأصبح المصلحة الشخصية تطغى على الفكرة.
في الصراع التاريخي من أجل تحرير فلسطين تشكلت العديد من حركات التحرر الوطني منذ انطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى في وجه الانتداب البريطاني ولاحقًا في وجه الاحتلال الصهيوني أبرزها فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها من الحركات الوطنية التي تلتقي في الهدف الذي تشكلت من أجله وهو تحرير فلسطين ولكنها مختلفة في توجهاتها الأيديولوجية.
مقالات ذات صلةكان لحركة فتح في مرحلتها المسلحة الدور الأكبر في جعل القضية الفلسطينية في صدارة القضايا في العالم عندما كان قياداتها بحجم الراحل أبو عمار والقادة خليل الوزير أبو جهاد وصلاح خلف أبو إياد وكمال عدوان، ولكن من المؤسف أن ذلك كله انتهى باتفاق أوسلو الذي نقل الفدائيين من العمل على تحرير فلسطين إلى العمل تحت إدارة صهيو-أمريكية وكذلك تنازلت دون تفويض شعبي عن أغلب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما أخرج الحركة تمامًا من فكرة التحرير التي قامت عليها، وأصبحت تتفاخر بأنها سلطة تنسيق أمني يسيطر عليها الاحتلال، ومن هذه النقطة المركزية انتفت عنها الصفة التي كانت خلالها تلتقي مع بقية حركات التحرير الفلسطينية.
تم عقد العديد من الاجتماعات في العديد من الدول لتقريب وجهات النظر بين الفصائل المختلفة وإعادتها إلى بوصلة واحدة تجتمع عليها ولكن في جميع الأحيان تفشل تلك الجهود والسبب لا يخفى على أحد بل وأصبحت السلطة تمارس دورها الحقيقي الذي تشكلت من أجله وأصبحت تعتقل وتقتل المقاومين وتنكل بهم وهنا وصلت إلى مرحلة اللاعودة، فليس من الشعب من يقتل أبناء شعبه من أجل إرضاء المحتل والحفاظ على كرسي لا يدوم لأحد، وفي هذا الموضع تاريخيًا فأن التتار بقيادة هولاكو أذلوا “ابن العلقمي” ومن ثم قتلوه على الرغم من كل ما قدمه لهم من خِدْمَات أدت إلى سقوط بغداد، هكذا يقول التاريخ القديم والحديث.
لا يوجد منطقة وسطى في طريق تحرير فلسطين الذي نراه قد بدأ فعلًا منذ “طوفان السابع من أكتوبر”، إما أن تكون مع فلسطين أو مع الاحتلال، ومن أنبطح في حضن الاحتلال خصوصًا خلال الطوفان وشعبه في أمسِ الحاجة له، فقد أصبح عدوًا وليس من الحكمة الثقة به مجددًا، ومن ميزات “الطوفان” ونتائجه سقوط ورقة التوت عن تلك السلطة ودورها في خيانة وقتل الشعب الفلسطيني كما يفعل العدو الصهيوني تمامًا في غزة ولذلك يجب أن تسقط تمامًا.
المرحلة الحالية من “طوفان الأقصى” باتت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى محطة مهمة سجلت فيها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس الانتصار الأكبر على الجحيم الذي ارتكبته جميع قِوىَ الصهيونية وأذرعها في العالم منذ احتلال فلسطين، صمدت المقاومة أكثر من خمسة عشر شهرًا، ولم تنجح اعتى جيوش العالم وأسلحتهم وأقمارهم الصناعية من تحرير أسرارهم، فاوضتهم المقاومة بكل قوة على مبدأ واحد منذ أن بدأت الحرب بأن الأسرى لن يعودوا إلا ضمن اتفاقية وشروط، وفي النهاية وخضعت لإرادتها جميع القوى، وحققت الإعجاز وبنت الخطوة الأكبر في طريق التحرير الكامل وغيرت الرأي العام العالمي و لن يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، فقد انقسم الداخل المحتل الصهيوني لأول مرة إلى أربعة تقسيمات تتصارع علنا وهي اليمين المتطرف واليمين واليسار والحريديم وهو إحدى الشواهد على أحداث المحطة الثانية من “الطوفان”.
بناء على نتائج الطوفان فإن المنطقة تتجه خلال فترة حكم ترامب لاتجاهات كبيره نراها من زاوية مختلفة ايديولوجيًا عن الفكر الأمريكي الذي سيحاول فرض واقع جديد في المنطقة من أجل التفرغ للصراع مع الصين التي تهيمن على الأسواق العالمية، ولا شك أن ترامب يخطط لتعويض الكيان المحتل عن فرضه إيقاف الحرب عليهم من خلال تغييرات جغرافية في الضفة الغربية وهذا لن ينجح لأنه لا يمتلك حاضنة اجتماعية وهو ما عجزت عنه الصهيونية على مدار أكثر من ست وسبعين عامًا.
كاتب أردني
[email protected]
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طريق تحرير الوطن تحریر فلسطین تحریر الوطن العدید من
إقرأ أيضاً:
الشهيدُ أحمدُ الشيبة.. فتى النور الذي اختار طريق الخلود
الأسرة /وفاء الكبسي
في زمنٍ اشتدت فيه الفتنُ وتلاطمت فيه أمواجُ الدنيا، ظهر النورُ من نفسٍ طاهرةٍ وقلبٍ مؤمنٍ. ذلك هو الشهيد أحمد عادل الشيبه، فتىً حمل في صدره حبًّا لله، وفي يده عملًا صالحًا، وفي قلبه إيمانًا لا ينكسر.
في دفءَ ذاكرة الأمِّ تَنسَابُ حكايةُ ابنٍ صنعَ من الهدوءِ تسامحًا، ومن الحنانِ رحمةً، ومن الطيبةِ نبعًا لا ينضب. كانت طفولته لوحةً من الصدق والحياء؛ خجولٌ مؤدبٌ نقيٌّ، وفي شبابهِ كملت ملامحُ الفتى حتى صارَ خلقُه عنوانًا، وسيرتُه مثالًا يُحتذى. لا غرضَ له في أرضِ الناس إلا أن يُحسن، لا دافعَ له إلا أن يُعدِل، لا مقامَ له إلا أن يَبرّ، وأن يكون راجيًا رضا الرحمن.
نشأةٌ على البرِّ والصفاء
نشأ أحمد في بيتٍ حضنه الحنان، وقد زرعت فيه والدته قيمَ الأدبِ والاحترامِ والإحسان. كانت صفاته الطيبة تتسرب كلّما تقدم به العمر؛ خجولًا مؤدبًا، صادقًا نقيًّا، كريمًا لا يعرف للضغينة طريقًا. تعلقٌ خاصٌ جمّ بينه وبين أمه؛ كان لها الحنّةُ والوفاءُ، وهي له ملاذُ الحبِّ والطمأنينةِ.
في زمن الغرس الصغير التحق بالمراكز الصيفية والدورات الثقافية داخل الحي، فزاد وعيه وتعمقت رؤيته. فتفتحت أمامه أبواب العمل في سبيل الله: تنظيم الفعاليات، تأمين احتفالات والمشاركة في المجالس التوعوية، ودوراتٌ ثقافيةٌ شبّت فيه حبُّ الجهادِ وخدمةِ الدينِ والوطن. ومع الدوراتِ العسكريةِ التي اجتازها، نما في قلبهِ يقينٌ بأن هذه المعركةَ معركةُ حقٍ ضدَّ الباطلِ، وأن التضحيةَ في سبيلِ الله طريقُ العزِّ والخلود.
وعيٌ مبكّرٌ وقرارٌ لا رجعةَ عنه
رغم صغر سنه، تميّز أحمد بوعيه وإدراكه لخطورة المرحلة. التحق بدوراتٍ عسكريةٍ وثقافيةٍ تفوَّقَ فيها، ولم تكن الدورات مجرد تدريبٍ جسديٍ بل كانت مدرسةً لصقل النفس وتقوية العزيمة. ومع اكتمال دراسته الثانوية كانت أمامه فرصةٌ جامعية في هندسة النفط، لكنه رأى أن المرحلة حرجةٌ، وأن للواجبِ وجوبًا قبل كلِّ شيء؛ فاختار أن يبقى في ثغر الجهاد، مفضّلًا دوامَ الجهاد على زخارف الدنيا. قال لأمه ذات مرةٍ بكلماتٍ بسيطةٍ : «خليني في الجبهة، فأنا الآن أحقق أحلامي». هكذا رأى الجهادَ حلمًا يعيشُهُ بكل تفاصيله، يجدُ فيهِ السعادةَ والطمأنينةَ.
في ميادين العزِّ
تنقّل الشهيد في ساحاتِ العزة: شبوة، حجة، البيضاء، مكيراس ومارب… وفي كل ميدانٍ كان يزيد من مقدارِ إخلاصه وتفانيه. حضر أكثر من دورةٍ ميدانيةٍ ونفّذ واجباته بإخلاصٍ وحزمٍ وروحٍ عالية. كان يسعى دائمًا للطلعة الأولى، متقدّمًا في الاجتهاد والتعلم والتطوير. تعلّق بروحِ الملازمِ للشهيد القائد حسين الحوثي، وسمع محاضرات السيد عبدالملك سلام الله عليهما فتأثرَ وازداد بصيرةً وإدراكًا لحجم القضية وأبعادها.
قال لأمه ذات يوم بعد أن استمع لمحاضرة السيد القائد عن «خطورة التفريط»: «القضية كبيرة يا أمي».
كلمةٌ صغيرةٌ حملت عمق وعيه وشدة إحساسه بالمسؤولية، فقد أدرك أن معركته ليست معركة حدودٍ أو أرض، بل معركة وعيٍ وإيمانٍ وولاءٍ لله.
شهادةٌ اختارها بقلبٍ طاهر
تنقّل في جبهاتِ العز: شبوة، حجة، البيضاء، مكيراس، مارب… وفي كلِّ ميدانٍ كان يضاعف همّته، ويُحسّن إعدادَه القتالي والروحي، مخلصًا في عمله الإيماني والجهادي. وها هيَ مواجهةٌ في جبهةِ العبدية بمأرب تُسدِّدُ خاتمة السائرين على نهجِ الإيمان؛ فارتقى شهيدًا وهو يرفع يدهُ ويهتف الصرخةَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ — الموتُ لأمريكا»… صدحت روحهُ بأعظمِ معاني الفداء.
تلقى الأهلُ نبأ استشهاده بقلوبٍ راضيةٍ وقناديلِ شكرٍ، فقد كان أحمد يوصي أمه ألا تحزن، وألا تجزع، وألا تلبس السواد، وأن يُستقبل الخبرُ بالفرحةِ والرضاِ والشكر والثبات، وأن تُدفع روحُ الأخِّ إلى مواصلة المسير.
كانت وصيته واضحةً: أن تستمر الراية، وأن يستمر الوطنُ في طريقِ الحق، وأن يُرعى الإخوةُ ويُدفعوا إلى مواصلة المسير. هكذا علّمهم الإسوةَ بالبذلِ والسموِّ على النفس.
معالمٌ من خلقه تحفرها الذاكرة
الحياء والورعُ والصدقُ معه في كلِّ قولٍ وفعلٍ.
البرُّ بالأمِّ وحنانُ القلبِ تجاهها.
التواضعُ واحترامُ الكبيرِ وصلةُ الرحم.
الإخلاصُ والتفاني في العملِ الدعويِّ والتنظيميِّ قبل أن يكون في الميدان.
الروحُ القياديةُ التي لا تَخشى متاعبَ الطريق، بل تنشدُ رضى الرحمن.
خاتمة: وعدٌ وأملٌ
إن رحيلَ أحمد ليس نهايةً لقصةٍ أو نورًا تنطفئ شراعته، بل هو شجرةٌ غرسَها الحقُّ في أرضِ الإيمانِ فتظلُّ خصبًا لمن يَستلهمُ منها العزمَ والصبر.
إنها شهادةٌ لم تَكن مجردَ انطفاءٍ لجسدٍ، بل طلوعٌ لنورٍ لا يَزول؛ فقد عاشَ أحمد بقلبٍ صافٍ، وبعزمٍ مَنَّ الله عليه بهدايةٍ ورؤيةٍ جعلته يطلبُ الشهادةَ ويعدُّها أسمى الآمال.
هنيئًا للشهيدِ مقامُهُ، ولأمِّه صبرُها الذي يَشهد لها بالإيمانِ والرضى.
سيبقى الشهيد أحمد الشيبة فتى النور الذي اختار طريق الخلود، ورمزًا للبطولة والفداء، ومنارةً تُضيء دروب المجاهدين والأجيال.