حبوب اللقاح تروي قصة مناخ ليبيا الفريد
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
في أعماق التاريخ، حيث تتشابك الطبيعة مع الإنسان في لوحة معقدة من التأثير المتبادل، تقع منطقة الجبل الأخضر شمال شرق ليبيا كواحة بيئية فريدة بين البحر المتوسط والصحراء الكبرى.
هذه المنطقة التي كانت يوما موطنًا للحضارات القديمة تحتفظ بأسرار طبيعية وتاريخية عميقة لم يُكشف عنها بالكامل بعد، تتناغم فيها أمطار نادرة مع رياح مشبعة برذاذ البحر، ما يجعلها بيئة خاصة تزخر بتنوع بيولوجي مميز.
وفي هذا السياق، نجح فريق من جامعة ليفربول الإنجليزية في كشف النقاب عن جزء من تلك الأسرار الغامضة، مقدمين في دراسة نشرتها مؤخرا دورية "ريفيو أوف باليبوتاني آند بالونولوجي"، رؤية علمية متعمقة حول التفاعل الحساس بين المناخ والغطاء النباتي، وتلك البصمة الخفية التي تركتها حبوب اللقاح على مر العصور.
وتسلط الدراسة الضوء على أحد الجوانب غير المعروفة بشكل كبير، وهو تأثير الرياح البحرية المحملة برذاذ الملح على النظام البيئي الساحلي.
ورغم الاعتقاد السائد بأن الأمطار هي العامل الأساسي في تشكيل الغطاء النباتي، أظهرت الدراسة أن الرياح البحرية تلعب دورا لا يقل أهمية؛ وعلى سبيل المثال، فإن الرياح المحملة برذاذ الملح تسهم في تشكيل النظم البيئية الساحلية وتساعد على بقاء النباتات التي تحتاج إلى رطوبة عالية.
وتشير الدراسة إلى أن هذه الأودية تشبه "شرايين الحياة" في المناطق الجافة، حيث تعمل كخزانات طبيعية تحفظ مياه الأمطار لفترات طويلة، مما يمكن النباتات من البقاء في فترات الجفاف.
إعلانوهذا التفاعل يوضح كيف أن الغطاء النباتي في الجبل الأخضر يعتمد بشكل كبير على هذه الظواهر الطبيعية المتداخلة، مما يجعل النظام البيئي أكثر تعقيدا مما كان يعتقد سابقا.
ولم تقتصر الدراسة على تحليل العوامل الطبيعية فحسب، بل تناولت أيضا التأثيرات البشرية على النظام البيئي في الجبل الأخضر، وأظهرت أن الرعي الجائر يعتبر تهديدا رئيسيا للغابات المحلية، حيث أدى إلى تحويل مساحات كبيرة من الغابات الكثيفة إلى أراض عشبية متفرقة.
وهذا الأمر يشبه انهيار "حصون طبيعية" للنظام البيئي، حيث تعمل الغابات كمصدّات تمنع تآكل التربة وتوفر مأوى للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية، وعندما تتعرض هذه الغابات للتدمير بسبب الرعي الجائر أو الحرائق، يصبح التنوع البيئي في خطر.
لكن الأمر لم يكن سهلا بحسب الأستاذ بكلية العلوم البيولوجية والبيئية بجامعة ليفربول، والباحث الرئيسي بالدراسة، الدكتور كريس هانت في تصريحات للجزيرة نت، حيث قال إن "العمل في ليبيا لم يكن سهلا بسبب الأوضاع المتقلبة، حيث كانت هناك العديد من العقبات التي تعرقل الوصول إلى المناطق الطبيعية وجمع البيانات، إلى جانب ذلك، شكلت الظروف البيئية الصعبة مثل الرعي الجائر وحرائق الغابات تحديات إضافية للفريق".
وأحد الجوانب المثيرة في هذه الدراسة هو استخدام حبوب اللقاح السطحية كأداة لإعادة بناء الظروف المناخية القديمة.
وحبوب اللقاح هي خلايا ذكورية دقيقة تنتجها النباتات لغرض التكاثر، وتحتوي على المواد الوراثية اللازمة لتلقيح البويضات في الزهور الإناث، مما يؤدي إلى تكوين البذور والثمار، وتعد جزءا أساسيا في دورة حياة النباتات وتكاثرها، وتنتقل من الأزهار الذكورية إلى الأزهار الأنثوية عبر عوامل مثل الرياح أو الحشرات.
إعلانوتوضح الدراسة أن حبوب اللقاح، التي تنتقل بفعل الرياح، يمكن أن تكون سجلا طبيعيا يساعد العلماء على فهم كيفية استجابة النباتات للتغيرات المناخية على مر العصور.
بَيد أن تحليل هذه البيانات لم يكن سهلا، إذ إن انتقال حبوب اللقاح لمسافات بعيدة يعقد من فهم توزيعها الجغرافي بدقة.
ورغم هذه الصعوبات، أظهرت الدراسة روابط إحصائية بين هطول الأمطار وأنواع معينة من حبوب اللقاح، مثل الصنوبر والزيتون، التي تزدهر في فترات الأمطار، وفي المقابل، كانت هناك علاقة سلبية بين هطول الأمطار ونباتات مثل الطرفاء والشيح، مما يعكس تأثير المناخ على توزيع النباتات.
التكنولوجيا تدعم النتائجومن أجل دعم استنتاجاتهم، استخدم الباحثون بيانات هطول الأمطار التي تم جمعها من الأقمار الصناعية والمحطات الجوية المحلية.
ووفقا للدكتور هانت، فإن هذه البيانات لعبت دورا مهما في تحديد الاحتياجات المائية للنباتات المختلفة، فعلى سبيل المثال، تبين أن بعض الأنواع النباتية مثل شجر البلوط تحتاج إلى كميات كبيرة من الأمطار للبقاء على قيد الحياة، بينما يمكن لبعض النباتات الصحراوية التكيف مع ظروف الجفاف.
وإلى جانب تحليل البيانات الحالية، ركزت الدراسة أيضا على السجلات البيئية القديمة، ففي كهف "هوا فتاح"، الذي يقع بالقرب من مدينة سوسة، تم العثور على سجلات أحفورية لحبوب اللقاح تمتد لآلاف السنين، وهذه السجلات تساعد العلماء في فهم التغيرات المناخية التي شهدتها المنطقة على مدى العصور، وتساهم في إعادة بناء تاريخ المناخ والنباتات في الجبل الأخضر.
وتحمل نتائج هذه الدراسة تطبيقات عملية واسعة، حيث يمكن أن تسهم في تطوير إستراتيجيات لإعادة الغطاء النباتي في المناطق المتدهورة، وهذا الأمر ليس فقط مهما للحفاظ على التنوع البيئي، بل يمكن أن يسهم أيضا في تقليل تأثير التغيرات المناخية من خلال تحسين إدارة الموارد الطبيعية.
إعلانوتشير الدراسة إلى أن استعادة الغطاء النباتي يمكن أن تساعد في تخزين الكربون، وهو ما يسهم في تحسين المناخ المحلي وتخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن فهم العلاقة بين المناخ والنباتات يمكن أن يساعد في تطوير إستراتيجيات لإدارة الأراضي بشكل مستدام، خصوصا في مناطق مثل الجبل الأخضر التي تواجه تحديات بيئية معقدة.
ورغم التحديات التي واجهها الفريق البحثي، فإن الدكتور كريس هانت أبدى تفاؤله بشأن المستقبل، وأعرب عن تطلعاته لإكمال المشروع الأكبر الذي يعمل عليه الفريق، والذي يهدف إلى دراسة نشاط الإنسان في شمال شرق ليبيا خلال الـ400 ألف سنة الماضية، وتعتبر نتائج هذه الدراسة المتعلقة بحبوب اللقاح السطحية جزءا مهما من هذا المشروع الأكبر.
ويقول "هذه الدراسة خطوة هامة نحو فهم التفاعل المعقد بين المناخ والنباتات في منطقة جبل الأخضر، وتشير إلى أن العوامل المناخية ليست العامل الوحيد المؤثر، بل تلعب الأنشطة البشرية دورا مهما أيضا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الجبل الأخضر الغطاء النباتی هذه الدراسة حبوب اللقاح بین المناخ یمکن أن
إقرأ أيضاً:
تزامنًا مع "أغصان".. اتفاقيات خماسية تدعم أنسنة المدن والغطاء النباتي في الأحساء
أطلق أمين المحافظة المهندس عصام الملا، المرحلة الثانية من مبادرة «أغصان» لزراعة 5000 شجرة، بالتزامن مع توقيع 5 اتفاقيات نوعية لتعزيز الشراكة المجتمعية وتطوير المشهد الحضري.
ودشّنت جمعية «إنماء» للخدمات المجتمعية حراكاً بيئياً واسعاً يستهدف زراعة آلاف الأشجار في مواقع حيوية مختارة، بهدف رفع معدلات نصيب الفرد من المسطحات الخضراء ومكافحة التصحر، برعاية وحضور قيادات أمانة الأحساء ونخبة من وجهاء المجتمع.
أخبار متعلقة دفن الراحل عبد الله بن مرداع بمقبرة صديانخطيب المسجد الحرام يؤكد فضل صفة الرجولة في دعم المجتمعوشهد الحدث توقيع حزمة من الشراكات الاستراتيجية شملت 5 اتفاقيات تنموية، تصدرتها ثلاثة عقود مع مكاتب هندسية متخصصة لضمان جودة التنفيذ الفني، إلى جانب اتفاقيات مع جهات تعليمية وإعلامية لرفع الوعي البيئي وضمان استدامة المبادرة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تزامنًا مع "أغصان".. اتفاقيات خماسية تدعم أنسنة المدن والغطاء النباتي في الأحساء - اليوم تزامنًا مع "أغصان".. اتفاقيات خماسية تدعم أنسنة المدن والغطاء النباتي في الأحساء - اليوم تزامنًا مع "أغصان".. اتفاقيات خماسية تدعم أنسنة المدن والغطاء النباتي في الأحساء - اليوم تزامنًا مع "أغصان".. اتفاقيات خماسية تدعم أنسنة المدن والغطاء النباتي في الأحساء - اليوم تزامنًا مع "أغصان".. اتفاقيات خماسية تدعم أنسنة المدن والغطاء النباتي في الأحساء - اليوم var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });أعمال تحسين المشهد البصريوانتقل الحراك الميداني مباشرة إلى التنفيذ الفعلي، حيث وضع المهندس عصام الملا الغرسات الأولى لتشجير الطريق الحيوي الفاصل بين حيي الخزامى والنخيل، والمؤدي إلى مدينة الملك عبدالله للتمور، ليكون نموذجاً حياً لتحسين المشهد البصري في الطرق الشريانية.
وتفقد أمين الأحساء مقر الجمعية بمدينة الملك عبدالله للتمور، مطلعاً على تفاصيل الخطط التشغيلية للمبادرات القادمة، التي تركز على تحويل العمل التطوعي والبيئي إلى عمل مؤسسي منظم ذي أثر دائم على حياة السكان.
وتسعى المبادرة في نسختها الثانية إلى خلق رئة خضراء جديدة للمحافظة، عبر دمج جهود القطاع غير الربحي مع الدعم الحكومي والخبرات الهندسية الخاصة، مما يعكس تحولاً في إدارة ملف التشجير نحو التشاركية والتكامل.
ويُنتظر أن تسهم هذه الأشجار ال 5000 في خفض درجات الحرارة محلياً وتنقية الهواء، في إطار مستهدفات وطنية طموحة لتحسين البيئة الحضرية وجعل الأحياء السكنية أكثر ملاءمة للعيش والرفاهية.